نبض أرقام
03:22
توقيت مكة المكرمة

2024/07/28
2024/07/27

الاقتصاد الأمريكي في أزمة .. كيف سيكون شكل الركود القادم؟

2022/06/25 أرقام - خاص

"عندما تعطس أمريكا، فإن العالم يصاب بالبرد"، قاعدة يحفظها خبراء الاقتصاد ويرددونها عن ظهر قلب.

 

فالأنظار دومًا في أي أزمة اقتصادية تتجه إلى أكبر اقتصاد في العالم، بينما ينتاب الخوف المتابعين من المسار المستقبلي للاقتصاد العالمي في ظل حالة ضبابية لم يشهدها العالم ربما منذ الحرب العالمية الثانية.

 

 

الحقائق تفرض نفسها أولًا، فالناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة يبلغ 20 تريليون دولار وللمقارنة فإن الصين وهي ثاني أكبر اقتصاد عالمي لا يزيد الناتج المحلي الإجمالي لها على 14 تريليون دولار، كما أن الهند على سبيل المثال وهي إحدى أسرع الاقتصادات نموًا على مستوى العالم يبلغ ناتجها المحلي نحو 3.2 تريليون دولار فقط.

 

باتت التحذيرات من الركود أمرًا شبه يومي نطالعه في وسائل الإعلام يوميًا ويتردد على ألسنة بنوك الاستثمار وحتى الرؤساء التنفيذيين للشركات وعلى الرغم من خروج المسؤولين الأمريكيين بدءًا من "جانيت يلين" وزيرة الخزانة وحتى الرئيس الأمريكي "جو بايدن" شخصيًا لنفي حتمية وقوع الاقتصاد في براثن الركود إلا أن الشكوك تتزايد حيال قدرة الاقتصاد على مواصلة النمو.

 

بشكل مبدئي، فإن الركود من الناحية الفنية هو أن يسجل الناتج المحلي الإجمالي لدولة ما انكماشًا بدلًا من النمو لربعي سنة متتاليين.

 

لكن ثمة استثناءات، فالركود الناجم عن جائحة كورونا استمر شهرين فقط، ليسجل أقصر دورة على الإطلاق.

 

كما يرى مراقبون أنه من الممكن التنبؤ بالركود بناء على إشارات تاريخية، فمثلا حين يرتفع التضخم دومًا فوق أربعة بالمائة وتنخفض البطالة دون أربعة بالمائة وهما مؤشران حين يخترقهما الاقتصاد الأمريكي، فإن ذلك يشير إلى حالة من الإنهاك المحموم، فإن ذلك يعني أن الاقتصاد سيشهد ركودًا في غضون عامين، والمقياسان جرى تجاوزهما بالفعل.

 

مَن يقرر الركود؟

 

لكن إعلان الركود رسميًا في الولايات المتحدة يأتي من جانب لجنة من الخبراء الاقتصاديين يلتئم شملها بدعوة من المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية، وأحيانًا يأتي الإعلان بعد عام أو أكثر من وقوع الركود فعليًا.

 

وتعرف المجموعة الركود بأنه "تراجع كبير في النشاط الاقتصادي ينتشر في كل أنحاء الاقتصاد ويدوم ما يزيد على بضعة أشهر"، وبينما يحتاج إعلان الركود إلى تلبية المعايير الثلاثة وهي العمق والمدة والانتشار على نحو فردي وبدرجة ما، فإن تسجيل أحد المعايير تحركًا حادًا يكشف عن ظروف قاسية يعوض جزئيًا المؤشرات الأخرى الأضعف.

 

قاعدة سام والركود الضحل والنمو الراكد

 

 

لكن هناك منهجيات أخرى لتعريف الركود منها قاعدة "سام" المستندة إلى التوظيف والمسماة نسبة إلى الخبيرة السابقة لدى البنك الفيدرالي الأمريكي "كلوديا سام" التي ابتكرتها لكي تبرز بدء الركود بوتيرة أسرع مما يراه المسؤولون الرسميون.

 

ترى "كلوديا" أن القاعدة تنص على أنه حين يرتفع المتوسط المتحرك لمعدل البطالة لفترة ثلاثة أشهر نصف نقطة مئوية من أدنى مستوياته، فإن الاقتصاد يكون قد دخل في ركود.

 

يرى الخبراء أيضًا أن الركود قد يأتي في أشكال متعددة، فقد يكون عميقًا لكن سريعًا، مثل ركود الجائحة الذي استمر شهرين لكنه أهدر 22 مليون وظيفة ودفع معدل البطالة ليقفز إلى 14.7 بالمائة لوقت وجيز.

 

كما أنه يمكن أن يكون عميقًا ومخيفًا، مثل الركود الكبير أو الكساد ويستغرق عقودًا أو أكثر لسوق العمل كي تتعافى.

 

كما أشار الخبراء والمحللون مؤخرًا إلى أن الولايات المتحدة ربما تتجه إلى "ركود سطحي" وفيه ينكمش الاقتصاد بوتيرة هامشية فحسب ولفترة محدودة.

 

ثمة فكرة أخرى تخضع للنقاش من جانب خبراء اقتصاديين ومحللين وهي "النمو الراكد" حيث يتباطأ النمو الاقتصادي دون اتجاه النمو الأمريكي في الأمد الطويل بواقع 1.5 إلى نقطتين مئويتين سنويًا، لكنه لا ينكمش، بينما تزداد البطالة.

 

تاريخيًا يرى المحللون أن الوضع حاليًا يشبه ما واجهه الاقتصاد الأمريكي في أوائل الثمانينيات حين شن الاحتياطي الفيدرالي هجومًا كاسحًا على التضخم بقيادة "بول فولكر" رئيس البنك في ذلك الحين مما أدى إلى ركود كبير، بينما يتوقع البعض تراجعًا مماثلًا لما أعقب أزمة الطاقة في السبعينيات، إذ يجمعهما الارتفاع في أسعار النفط والأغذية اليوم.

 

بينما يشير آخرون إلى فقاعة الدوت كوم في عام 2000، والتي أطل شبحها هذا العام بسبب انهيار أسعار أسهم شركات التكنولوجيا.

 

اختلافات بين الماضي والحاضر

 

لكن محاولات التشبيه هذه تنطوي على بعض الاختلافات، فالتضخم لا يحظى بالرسوخ نفسه الذي شهده في بداية عهد "فولكر"، كما أن النمو غير كثيف الاستهلاك للطاقة مثلما كان الحال عليه في السبعينيات، فضلا عن أن الاقتصاد يواجه الآن عوامل معاكسة أكثر تعقيدًا مقارنة مع ما واجهه بعد الكساد الاقتصادي في عام 2000، بالإضافة إلى أن الطبيعة غير المعتادة للتراجع الاقتصادي الكبير المدفوع بكوفيد في 2020، والتعافي الصاخب في عام 2021، يحدان من الارتباط بالحلقات السابقة.

 

وعلى الرغم من اختلاف أشكال الركود، فإن خبراء يرون أن الاقتصاد الأمريكي شهد نمطين رئيسيين من الركود منذ الحرب العالمية الثانية.

 

الأول هو الركود النمطي، حيث يشهد الاقتصاد حالة من النشاط المحموم، مما يقود إلى ارتفاع التضخم. وبالطبع يدفع هذا مجلس الاحتياطي إلى زيادة أسعار الفائدة مما يعرقل الطلب كوسيلة لمكافحة التضخم ويعقب ذلك الركود، وهذا النوع هو الأكثر شيوعًا في تاريخ ما بعد الحرب في الولايات المتحدة.

 

أما النوع الثاني وهو الأخطر فهو ما يطلق عليه ركود الميزانية، والذي يحدث حين تنشأ فقاعة ديون، مما يؤدي إلى إنفاق الأسر والمستهلكين قدرًا كبيرًا من دخلهم لسداد الديون عوضًا عن تحفيز النشاط الاقتصاد، وعادة ما يؤدي هذا الركود إلى دورة من تباطؤ الركود وبطالة ضخمة.

 

 

الخطورة هنا تكمن في تباطؤ التعافي من الآثار السلبية للركود؛ ففي المعتاد يستغرق الأمر عشرة أشهر من بلوغ القاع في معدل البطالة إلى التعافي لمستويات توظيف ما قبل الركود في الركود النمطي، لكن خلال الركود الناجم عن فقاعة الدوت كوم والأزمة المالية العالمية، تطلب الأمر ثلاثة أمثال تلك الفترة، أي نحو 32 شهرًا، للوصول إلى مستويات البطالة التي سادت قبل الركود.

 

ويعتقد خبراء بأن النوع النمطي من الركود هو ما تتجه إليه الولايات المتحدة حاليًا؛ فالأوضاع اختلفت عما كان عليه الوضع في 2008 على سبيل المثال كثيرًا؛ ففي 2008، نشأت فقاعة ديون نتيجة أن المستهلكين كانوا يقترضون الأموال لشراء منازل لم يكونوا يملكون بالفعل القدرة على حيازتها.

 

 

أما الآن فعليك التطلع إلى ثلاثة جوانب مختلفة؛ وهي الاقتصاد الحقيقي والنظام المالي والبنك المركزي، ويشير وضع الثلاثة، الذين يعملون وفقا لنظام منسق، إلى أن الركود سيكون معتدلا إلى حد ما، فميزانيات الأسر والشركات في حالة من القوة، كما أن المخاطر في النظام المالي تبدو قابلة للإدارة، ومجلس الاحتياطي، من جانبه اتبع نهجًا شديد التباطؤ في الاستجابة للتضخم، لكن المصداقية التي اكتسبها على مدى العقود الماضية تعني أنه ما زال بمقدوره القيام بدور فعال.

 

لكن ستبقى هناك مشكلة في النهاية، وهي أنه حين ينتهي الركود في نهاية المطاف، فإن عواقب السنوات القليلة الماضية من التعايش بشكل خطير مع التضخم ربما تُفضي إلى انتعاش بطيء.

 

مرونة الاقتصاد والحل السحري

 

ويرى خبراء أن مرونة الاقتصاد الحقيقي ربما تمثل خط الدفاع الأول في فترة الانكماش، وهنا فإن السكان في وضع مالي مقبول، في تغيير يحظى بالترحيب تحولًا من مستهلكين مفرطين في الماضي. فوفقا للإحصاءات فإن ديون الأسر تعادل نحو 75 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي انخفاضًا من 100 بالمائة عشية الأزمة المالية العالمية في الفترة من 2007-2009. كما أن لدى الأمريكيين مدخرات فائضة بنحو تريليوني دولار مقارنة مع فترة ما قبل كوفيد. وبدأ الأمريكيون يستخدمون بعض هذه السيولة مع ارتفاع تكاليف المعيشة لكنهم ما زالوا يحتفظون باحتياطي مفيد.

 

 

في كل الأحوال يرى الخبراء أنه إذا تجنبت الولايات المتحدة الركود في 2023، فسيكون ذلك لأسباب منها أن المستهلكين والشركات في وضع قوي؛ إذ تتسم ميزانيات الأسر بالقوة بينما يزدهر سوق العمل، كما ان من بين الأمور المشجعة أن الضغوط التضخمية تشهد حالة من الهدوء، مثل انخفاض أسعار السلع المعمرة وتقلص نمو الأجور، دون أن يشهد الاقتصاد الكلي ضعفًا، وعلى الرغم من أن هوامش أرباح الشركات ستنخفض فإنها ستتراجع من مستويات قوية للغاية.

 

بالطبع هناك نقاط ضعف في الاقتصاد؛ إذ يمكن أن يشكل تدهور ثقة الشركات ضغطا على الاستثمار سريعًا، مما قد يؤدي إلى تبدد الزخم الاقتصادي، وعلى الرغم من قوة سوق العمل وقوة ميزانيات الأسر الأمريكية، فإن ثقة المستهلك تراجعت لفترة من الوقت، مدفوعة على الأرجح بصعود أسعار الطاقة، وإذا أضفنا ذلك إلى أن تذبذب الأسواق المالية يؤدي إلى تقلص ثروات الأسر، وهي مشكلة قد تزداد حجمًا إذا تغير اتجاه سوق الإسكان، فإن الدورة الاقتصادية ستبدو أقل قوة.

 

ومع ذلك فإذ حدث ركود في 2023، فثمة أسباب وجيهة لتوقع أن يتسم بالاعتدال لأن العوامل الدافعة لوقوع أنماط الركود الأكثر ضررًا أقل احتمالًا اليوم. تتمتع البنوك برأسمال جيد وتحقق ربحية، وهذا يُبقي على احتمال بأن يعود الطلب سريعًا وأن يظل الفرق بين العرض والطلب في سوق العمل محدودًا، مما سيبقي الركود في حالة اعتدال.

 

 

المصادر: أرقام - الايكونوميست - رويترز - فورتشن - هارفارد بيزنس ريفيو

تعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

{{Comments.indexOf(comment)+1}}
{{comment.FollowersCount}}
{{comment.CommenterComments}}
loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.

الأكثر قراءة