نبض أرقام
09:56 م
توقيت مكة المكرمة

2024/11/21
2024/11/20

بينما يتوقع الجميع ارتفاع السوق انخفضت وعندما توقعوا هبوطها انتعشت .. فلماذا؟

2022/08/12 أرقام - خاص

على الرغم من وجود العديد من المؤشرات التي يستخدمها المحللون والمستثمرون والمضاربون لتوقع اتجاه حركة السوق، إلا أنه في كثير من الأحيان ما "تفاجئ" السوق غالبية مراقبيها بالسير في اتجاه معاكس لما توقعوه، سواء بالارتفاع أو بالانخفاض أو بسرعة أي منهما.

 

فوجود عدد يصعب حصره من المتعاملين في السوق وعدد كبير للغاية من المؤثرات عليه يجعل الوصول لتنبؤ دقيق حول اتجاه السوق أمرًا صعبًا، ولكن البعض ينجحون في ذلك، لكن وحتى مع بذل الجهد وتوافر العلم فإن الأسواق كثيرًا ما تخالف التوقعات وتضرب بها عرض الحائط.


 

المؤشر رقم 1

 

فعلى الرغم من أن السوق كثيرًا ما يتم وصفها على أنها "مرآة" للاقتصاد، وعلى ذلك يضع كثيرون حالة الاقتصاد العام بمثابة مؤشر واضح لمراقبة اتجاه السوق، إلا أن الأسواق الأمريكية شهدت 28 سوقًا للدببة منذ عام 1928 حتى الآن.

 

وفي المقابل فإن الاقتصاد الأمريكي شهد 15 ركودًا (باختلاف مدة كل منها) في نفس الفترة الزمنية مما يجعل ظهور أسواق الدببة في بعض الأحيان غير مقترن بحالة الرواج أو الكساد في الاقتصاد، أي أن سوق الأسهم يعاني بينما الاقتصاد في حالة جيدة.

 

ويجعل هذا العامل المؤثر الأول على السوق وهو حالة الاقتصاد العامة –أحيانًا- غير ذا تأثير على السوق، وهو ما برز في بعض الحالات لعل أبرزها فقاعة "دوت كوم" والتي لم يكن الكساد من أسبابها بل الرواج الشديد في فترتي حكم "بيل كلينتون" للولايات المتحدة مع زيادة الاعتماد على الإنترنت بما أدى للمبالغة في تقييم أسعار الشركات التكنولوجية قبل أن تهوي أسهم "ناسداك" من فوق 5 آلاف نقطة في يناير عام 2000 إلى ما دون 1800 نقطة بعدها بعام بالظبط.

 

وكان هذا الأمر وقتها عكس توقعات غالبية المراقبين بعد تمكن الاقتصاد الأمريكي من تجاوز تداعيات أزمة الأسواق الأسيوية، ولكن "تنبُّه" المتعاملين المفاجئ إلى وجود مبالغة في تقييم قطاع التكنولوجيا أدى أيضًا إلى انفجار مفاجئ في أسعار الأسهم التكنولوجية بما أوجد فقاعة "دوت كوم" التي كانت بدورها سببًا في ركود لاحق للاقتصاد (في نموذج معكوس لا يتكرر كثيرًا).

 

تأثير "المُلهمين"

 

في علم النفس كثيرًا ما تظهر أهمية "المبتكرين"  أو "الملهمين" (pioneers effect) ويقصد بهم هؤلاء الذين تقود خطواتهم آخرين لاتباعهم، وكثيرًا ما تظهر أهميتهم أيضًا في الأسواق المالية بالإشارة إلى أنه على الرغم من وجود مئات أو حتى آلاف المحللين لأسواق المال في الولايات المتحدة مثلًا إلا أن "المؤثرين" منهم سواء في المواقع الإلكترونية ومحطات التلفزة أو عبر منصات التواصل الاجتماعي لا يتجاوزون 5%.


 

ويكفي أن يتخذ هؤلاء المؤثرون –أو غالبيتهم مواقف معينة، سواء بتوقع ارتفاع الأسواق أو انخفاضها كي تسير الأسواق وفقًا لما يرون –وهو قد يكون عكس المتوقع للسوق قبل ذلك-، ومن ذلك اعتبار شبكات "إيه.بي.سي" و"سي.إن.بي.سي" و"سي.إن.إن" و"فوكس" أن رئيس البنك الفيدرالي الأمريكي "جيروم باول" اتخذ موقفًا "مرنًا ومطمئنًا للأسواق في بيانه الأخير في يوليو بما ساهم في ارتفاع الأسواق.

 

فعلى الرغم من إصرار "باول" على الوصول إلى هدف 2% للتضخم، وتأكيده على هذا الهدف إلا أن تلك الشبكات رأت في حديث "باول" حول مراجعة نسب الزيادة في كل مرة مؤشرًا إيجابيًا لحرص الفيدرالي على تلافي الركود وكان لهذا "التفسير" من جانب وسائل الإعلام الأمريكية المؤثرة دوره المؤكد في ارتفاع السوق الأمريكي خلال الأيام اللاحقة على رفع الفائدة (على الرغم من أن التأثير التقليدي هو العكس).

 

وتزداد أهمية المؤثرين مع الأزمات حيث يلجأ الناس بكثافة أكبر إلى تقييمات المحللين، والتي تشير الدراسات إلى أنها تخطئ في 45% من الحالات بشكل عام على المدى القصير، وفي 90% من الحالات على المدى الطويل –عامين أو أكثر- بما يجعلها وسيلة غير ناجعة، لكنها تؤدي لتوجيه كثيرين في السوق وربما في توجيه السوق نفسه في بعض الأحيان في اتجاه بعينه.

 

ولذلك يقول المستثمر البريطاني الشهير "بنيامين جراهام" "إن التنبؤ بأسعار الأوراق المالية ليس جزءًا من التحليل المالي" ولكن هذا لا يمنع الكثير من المحللين بالخروج علينا بتخمينات بشأن الأسعار المستقبلية للأسهم، تكون عادة أعلى من الأسعار الحالية؛ وذلك لأنها سلعة مطلوبة (من السوق) حتى لو لم تكن "فعالة" أو ذات جدوى.

 

مثال حالي

 

ولذلك فإن أبرز مثال حديث على فكرة وجود اتجاه غير متوقع للسوق حدث عندما أنهت الأسهم الأمريكية شهر يوليو بأعلى ارتفاع منذ عام 2020 وذلك على الرغم من  البيانات السلبية المتعددة التي ظهرت من الاقتصاد الأمريكي قبل ارتفاع الأسواق.


 

ومن تلك البيانات السلبية استمرار ارتفاع التضخم إلى مستوى 9.1%، ورفع الفائدة الأمريكية بنسبة 0.75%، وانكماش الاقتصاد الأمريكي للربع الثاني على التوالي بما يجعله من الناحية النظرية في حالة ركود تقني، واستمرار الحرب الروسية وتنامي المخاوف من الدخول في حرب اقتصادية مع الصين.

 

ومع تأثير وسائل الإعلام الأمريكية فهناك أكثر من تسبب في نمو السوق الأمريكية غير المتوقع، خلافًا لما كان متوقعًا لها، ولعل أهمها تسجيل مبيعات السلع المعمرة الأمريكية كلها بكل قطاعاتها ارتفاعًا في المبيعات خلال شهر يوليو بنسبة قُدرت بـ4%، كما أن ارتفاع مؤشر ثقة المستهلك الأمريكي التابع لجامعة "ميتشغان" من 50 في شهر يونيو –وهو أدنى مستوياته منذ عقود- إلى 51.5.

 

وعلى الرغم من أن هذه المتغيرات ليست كبيرة للغاية لكنها تدفع في بعض الأحيان إلى الاعتقاد بأن هناك انقلابًا قادمًا للمنحنى السعري للسوق وبالتالي يتعامل الكثيرون مع الوضع الحالي على أساس أنه قاع سعري أدنى –أي لن يتم النزول عنه مستقبلا- بما يجعل المستثمرين يقبلون على الشراء بشكل جماعي لتعظيم الأرباح بالشراء في أدنى سعر ممكن وكبير فترتفع الأسواق بنسب كبيرة.

 

ومما أسهم في ارتفاع السوق ما رآه كثيرون بأن المتعاملين تحوطوا بالفعل بشكل كاف لخطوات المركزي الأمريكي ولاحتمالات الركود بانخفاض "وول ستريت" بنسبة فاقت 20% وانخفاض "ناسداك" (بوصفه المؤشر الأكثر تقلبًا لاحتوائه على الشركات التكنولوجية) بنسبة 30%.

 

العقل الجمعي و"الخوارزميات"

 

والشاهد أن هناك حالة تعرف بحالة "تقلب العقل الجمعي" كما تصفها دراسة لـ"ستانفورد" وتشير فيها إلى أن غياب الأخبار الإيجابية شبه التام يجعل لبعض الأخبار الإيجابية تأثيرًا كبيرًا للغاية يفوق الوزن النسبي الصحيح لها بسبب طريقة إدراك العقل البشري والتي تجعله في كثير من الأحيان يعطي وزنًا نسبيًا أكبر للأشياء الأشد ندرة.

 

وكثيرا ما تشير الدراسات إلى أن الأسواق تتأثر بالعوامل العاطفية " Sentiment Indicators" في أوقات الأزمات بشكل عنيف وربما أكثر من تأثرها بالحقائق المادية الملوسة.

 

وعلى ذلك فمن أهم العوامل التي تؤدي لسير السوق في اتجاه "غير متوقع" أو بوتيرة غير متوقعة هو ظهور خبر إيجابي غير متوقع (أو العكس بظهور خبر سلبي وسط تدفق أخبار إيجابية)، ولو كان متوسط الأهمية أو محدود الأهمية.

 

فلا شك أن تحسن مستويات إنفاق المستهلكين مثلا مؤشر مهم، لكنه لا يرتقي بحال لزيادة أسعار الفائدة ولا لاستمرار مشاكل سلاسل التوريد ولا لآثار الأزمة الاقتصادية التي تعانيها أوروبا بسبب الحرب الأوكرانية، ولكن في مثل هذه الحالة تميل الأسواق في بعض الأحيان إلى التصرف بشكل غير منطقي بتقبل الأخبار الإيجابية وتضخيمها إلى درجة كبيرة.


 

والشاهد هنا أن محدودية إدراك المستثمر –أو أي إنسان بالأحرى- تسهم كثيرًا في الاعتقاد بأن "الجميع" يرون أن السوق سيرتفع أو سينخفض.

 

فبسبب وجود الانحياز الإدراكي ويقصد به أن الشخص يميل لتصديق الأشياء التتي تتوافق مع قناعاته السابقة وتدعيمها يقوم المستثمر "المتفائل" مثلا بمتابعة المراقبين الأقل حذرا، والذين يميلون لتضخيم أي حدث إيجابي في ظل سوق الدببة الحالية وبالتالي تبدو الصورة لديه أن الجميع –أو الغالبية على القل- يميلون لاتجاه ما بينما قد لا يكون الأمر كذلك.

 

وعززت نظم البحث الحالية وخوارزميات وسائل التواصل الاجتماعي كذلك من الانحيازات بإبرازها ما يوافق آراء واتجاهات المستخدم بشكل عام وإخفائها لما عدا ذلك بما قد يخلق صورة غير حقيقية عن الحياة بشكل عام والأسواق بشكل خاص، بما يجعل الاعتقاد في الارتفاع أو الانخفاض للسوق نظرة شخصية ضيقة تم تعميمها في واقع الأمر.

 

المصادر: أرقام- بيهيفريال ايكونوميست- سي.إن.بي.سي- بلومبرج- فوربس

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.