تأتي خطة التقاعد دائمًا على رأس الأولويات، لكن حلول سن المعاش أو الاقتراب منه ربما تتحول إلى كابوس ثقيل لأي شخص في الوقت الذي تتراجع فيه أسواق الأسهم وترتفع فيه معدلات التضخم، ويقترب العالم من شبح الركود الاقتصادي في ظل ضبابية تغشى التوقعات الاقتصادية العالمية حتى في أقوى الاقتصادات.
المشهد في السنوات الماضية كان مشجعًا بطبيعة الحال خاصة لمَن يستثمرون محفظة تقاعدهم في أسواق الأسهم، فقد ضاعف المؤشر "إس آند بي 500" مكاسبه تقريبًا في ثلاث سنوات حتى 2021، مما دفع الكثيرين للاعتقاد بأنهم حققوا أهدافهم المالية، لكن مع تحول آفاق الاستثمار بات لزامًا على المستثمرين إعادة النظر في استراتيجيات التقاعد.
في السطور التالية نسوق عددًا من التوصيات والنصائح للوصول إلى تقاعد آمن ومريح.
ضع خطة شاملة
يجب في البداية حين تضع خطة للتقاعد أن تفكر في تكلفة كل شيء بصورة شاملة، فأنت لا تعرف كيف سيكون شكل الأسعار في المستقبل، فعلى الرغم من أن معدلات التضخم كانت مستقرة، بل ومنخفضة في الولايات المتحدة وأوروبا على مدى السنوات العشر الماضية، فإنها الآن قرب أعلى مستوياتها في أربعين عامًا ومن ثم يجب عليك افتراض أن الأسعار سترتفع في السنوات المقبلة.
كما يتعين عليك احتساب نفقاتك اليومية لتشمل عوامل أساسية منها تكاليف السكن بما في ذلك الإيجار والصيانة، وتكاليف الرعاية الصحية، والمعيشة اليومية مثل الطعام والملابس والمواصلات، وحتى أنشطة الترفيه والسفر.
بعد ذلك قم بحساب جميع الدخل الذي تحصل عليه في سنوات ما بعد العمل على أن يشمل ذلك معاشك الوظيفي وأي أشكال أخرى للدخل مثل قيمة إيجار عقار، وبعد ذلك قارن الإيرادات والنفقات وستحصل على فكرة جيدة عما ستحتاج إلى تخصيصه لخطة تقاعدك.
قد يكون من الصعب تحديد مقدار الادخار المطلوب عندما يتعلق الأمر بمدخرات التقاعد، لكن الكثير من الخبراء يقولون إن معدل 15 بالمائة من الدخل يبدو جيدًا وبالطبع فإن هذا الرقم يشكل مفاجأة لأن المعدلات الاعتيادية للادخار من أجل التقاعد وفق برامج كثيرة تصل إلى 3 بالمائة أو أقل، ومعدل الادخار يجب أن يزيد أيضًا إذا كانت تقوم بالادخار مثلا بالنيابة عن زوجتك.
الوقت أهم الأصول
يقول خبراء إن العديد من المستثمرين يفتقرون إلى أهم فئة أصول في التخطيط للتقاعد ألا وهي الوقت، فقد خلص استطلاع أجرته "Bankrate" إلى أن نحو 36 بالمائة من المشاركين ليس لديهم حساب تقاعد، كما أبدى من يفتقدون الادخار للتقاعد حالة من الأسف المالي أيضًا، وبالطبع فإن الشعور بالندم مبرر، ففي كل عام لا تستثمر فيه ولا تستغل فيه أموالك فإنك قد تتحمل تكلفة بعشرات الآلاف من الدولارات في المستقبل.
يرى الخبراء أنه من الممكن البدء في تخصيص أموال للتقاعد في أواخر الثلاثينيات وأوائل الأربعينيات من العمر، لأن الانتظار أكثر أمر غير مفيد؛ إذ إنك ستحتاج إلى وقت لوضع المال في محفظة التقاعد لكي تنمو هذه الأموال، وبالطبع كلما طال الانتظار ستضطر إلى بذل المزيد من الجهد كل عام.
من الجيد أيضًا أن تضع ميزانية متكاملة لوضعك الحالي تأخذ في الاعتبار جميع مصادر دخلك ونفقاتك اليومية، وكذلك المبلغ الذي ستحتاج إلى ادخاره شهريًا بناءً على أهدافك للتقاعد، وأن تجعل مدخرات التقاعد بندًا في ميزانيتك تمامًا مثل تكاليف الطعام والسكن.
اعمل لفترة أطول
يرى بعض الخبراء أنه لمحاولة ضمان تقاعد مريح، يعمل بعض الراغبين في التقاعد المبكر لبضع سنوات أخرى.
وتقول "نيكول سوليفان" المؤسس الشريك لدي "Prism Planning Partners" إن مخاوف التضخم تدفع المزيد من عملاء شركتها للحفاظ على تواجد في سوق العمل، فمثلا عند تقاعد بعض المعلمين من عملهم بالمدارس فإنهم استمروا في ممارسة نشاط التدريس بدوام جزئي حتى بعد وصولهم سن التقاعد.
بالمثل يقول "جون أولين" إن بعض عملائه ممن تقاعدوا دون أن تكون مدخراتهم كافية لتأمين معاش كبير للتقاعد قرروا العمل في وظائف مختلفة عن مهنهم الأصلية، فمنهم من أنشأ شركته الخاصة، بينما يقوم البعض الآخر بالعمل في مجال الإصلاح اليدوي، أو يقومون بالعمل سائقين لسيارات في تطبيق أوبر أو يعملون حتى لحساب مؤسسات محلية غير ربحية.
وأضاف "أولين" أن البعض منهم ليسوا في حاجة للمال بشكل فوري، لكنهم فقط لا يرغبون مثلا في تصفية محافظهم من الأسهم في وقت تنخفض فيه السوق.
استعد لارتفاع تكاليف الرعاية الصحية
يمكن أن تلتهم تكاليف الرعاية الصحية جزءًا كبيرًا من أصول التقاعد نظرًا لارتفاعها المستمر، ووفقًا لمسح حديث، فإن ثلث المتقاعدين ليسوا على ثقة من أن لديهم المال الكافي لتغطية النفقات الطبية وأكثر من نصفهم غير متأكدين من قدرتهم على إدارة تلك النفقات في الأمد الطويل.
أفضل السبل لتغطية تلك النفقات قد يكمن في شراء تأمين رعاية طبية طويل الأجل، والقاعدة الذهبية هنا أن تنفذ ذلك بشكل عاجل لا آجل، فكلما كنت أصغر سنًا عند شراء التأمين انخفضت قيمة الأقساط السنوية.
الاستثمار في الأسهم
يستثمر غالبية المدخرين في الأسهم إما بشكل مباشر أو من خلال صندوق استثمار مشترك أو صناديق المؤشرات المتداولة، وعلى الرغم من الانخفاض الحالي للبورصات العالمية، يرى محللون أن أسعار الأسهم تميل إلى الارتفاع على المدى الطويل، فمنذ عام 1926، سجل المؤشر "إس آند بي 500" عائدًا سنويًا بلغ في المتوسط 10.24 بالمائة مع إعادة استثمار التوزيعات النقدية، وفقًا لمؤشرات "إس آند بي داو جونز".
من الناحية التاريخية، حققت الأسهم عوائد سنوية أعلى بواقع 4 نقاط مئوية مقارنة مع السندات مثلا، وهذا الفارق آخذ في الاتساع، وفقا لتقدير "تشاد هولمز" المخطط المالي ومؤسس "فورمولا ويلث"، يرى "تشاد" أن التحول من مزيج يخصص 60 بالمائة للأسهم مقابل 40 بالمائة للأدوات المالية الأكثر استقرارًا في العائد إلى مزيج أكثر تحفظًا بواقع 30 بالمائة للأسهم مقابل 70 بالمائة للأدوات الأخرى من شأنه تقليص العائد السنوي لمالك المحفظة بواقع نقطة إلى نقطتين مئويتين سنويًا، اعتمادًا على أداء كل فئة من فئات الأصول.
الجانب السلبي بالطبع هو انخفاض الأسهم، ففي فترة الكساد الكبير عام 2008، والانهيار الأحدث بسبب جائحة كورونا، انخفضت أسعار الأسهم بأكثر من 35 بالمائة مما مثل أزمة لمن هم في سن التقاعد.
لكن ثمة نقاط مضيئة منها أن سوق الأسهم توفر خيارات واسعة، اعتمادًا على مستوى تحملك للمخاطرة، فإذا كنت مستعدًا لتحمل مخاطرة مرتفعة قد تصمم محفظة أوراق مالية تتضمن قطاعات ذات إمكانات نمو أعلى لكن مع تقلبات أكبر مثل التكنولوجيا، بينما قد يركز المستثمرون الأكثر تحفظًا على الشركات الكبيرة في القطاعات المالية والسلع الاستهلاكية والصناعية، والتي تحقق في المعتاد مكاسب أدنى لكن مع تقلبات أقل.
كما يوصي الخبراء أيضًا بالاستثمار في أسهم شركات إنتاج السلع الأولية والمشتقات المرتبطة بالتضخم في أوقات التقلب، فضلا عن أسهم الشركات ذات العلامات التجارية القوية ورأس المال الضخم والتي لا تجد نفسها مجبرة على طرق أسواق المال، ومن بين ذلك الأسهم التي تقدم أرباحًا تتراوح بين 2 إلى 4 بالمائة والتي ستوفر لك عائدًا بينما تنتظر تحسن السوق.
في الوقت ذاته يحذر الخبراء من أنه يجب على المستثمرين الذين يشترون المزيد من الأسهم أن يكونوا متأكدين من قدرتهم على الصمود في وجه تقلبات أكبر، لذا ينصح المخططون الماليون بالاستثمار في صناديق الأسهم المتنوعة بدلا من الأسهم الفردية أو القطاعات المحدودة.
يجب عليك أن تضع العامل الزمني في الاعتبار، فمن الحصافة شراء الأوراق المالية المدرة للدخل والتي تقدم أرباحًا مع الاحتفاظ بها لمدد تتراوح بين عامين إلى عشرة أعوام وتقليص المخصصات للمنتجات المكملة. كذلك الأمر بالنسبة للفئة الأطول أجلا من المحفظة والتي من المستحسن أن تتكون من أسهم النمو، إذ يجب على المستثمر أن يتوقع الاحتفاظ بتلك الأسهم لمدة عشر سنوات أو أكثر من أجل مواكبة التضخم.
ماذا أفعل عندما تنتكس السوق؟
على رأس النصائح ألا ينتابك الذعر فالتحرك بدافع الخوف في اتخاذ قرارات حيال محفظة الاستثمار من النادر أن يكون مفيدًا، لذلك يجب عليك أن تستكشف خياراتك قبل أن تضطر إلى التصرف.
يقول الخبراء أيضًا إن تبني نهج تقليص حجم الاستثمار في الأسهم وقت التراجع قد يكون مفيدًا في خفض التقلب في المحفظة، لكنه قد يؤدي إلى تكبد خسائر في ظل تراجع السوق كما قد يجعل من التعافي في المستقبل مسألة أصعب، وبينما ذلك هو رد الفعل التلقائي، فإن بيع الأسهم في ظل سوق هابطة قد يكون أسوأ قرار تتخذه لأنه يعني أنك ستفوت فرصة تعويض تلك الخسائر في حالة ارتداد السوق.
لذا ينصح الخبراء بألا تهرع لبيع الأسهم الخاسرة أو تصفية المحفظة، بل التزم باستثمار مدخراتك الشهرية، فعلى الرغم من أنك خسرت بعض هذه المخصصات مع تراجع الأسعار، فإنك في الوقت ذاته ستقوم بشراء الأسهم بأسعار متدنية، لترتفع بعد ذلك بمرور الوقت.
ويقول البعض إن الأمر يتطلب إجراء متوازنًا، وإن التحول السريع مثلا إلى الاستثمار في سوق الأسهم سعيًا لتعويض الخسائر قد يكون مقامرة غير منطقية، كما أن التحول إلى استثمارات الدخل الثابت قد يحرم المستثمرين من أدوات مالية للتحوط ضد التضخم.
كما يرى محللون أنه إذا كان أمامك بعض الوقت قبل استخدام أموال التقاعد، فإنه ينبغي عليك إجراء تحول طفيف لصالح منتجات الدخل الثابت، مع توقع أن محفظتك قد تتعافي بوتيرة بطيئة لكنها مؤكدة.
كما أنه بالنسبة لمن يحتاجون إلى استخدام أموال التقاعد خلال عامين إلى خمسة أعوام، قد تكون منتجات الدخل الثابت خيارًا جيدًا.
احصل على المساعدة
إذا بدت لك مهمة التخطيط شاقة، لا تتردد في الحصول على المساعدة، فبناء علاقة طويلة الأمد مع مخطط مالي يوجهك عبر جميع خطوات عملية بناء محفظة تقاعدك يمكن أن يخفف الارتباك ويساعدك على تحديد أهدافك بشكل أسرع، فهناك شركات مالية لديها برامج محددة تقدم إرشادات فردية بالإضافة إلى مواد تعليمية للمساعدة في تطوير استراتيجية تقاعد تناسبك على نحو خاص.
الأصول البديلة
يوصي معظم الخبراء بتخصيص حصة تتراوح بين 5 إلى 10 بالمائة من الأصول للاستثمار في فئات أخرى بخلاف الأسهم والسندات، وفي هذه الحالة يعتبر الذهب استثمارًا شائعًا لأن سعر المعدن الأصفر يميل إلى الارتفاع خلال فترات الركود والتراجعات الكبيرة بالأسواق، وبناء على مدى معرفتك، يمكنك أيضًا الاستثمار في فئات أخرى مثل النفط أو الفضة أو ضخ أموال في العقود الآجلة والخيارات وبالطبع فإن هذه الخطوة يجب أن تكون من خلال مستشار استثمار.
الاستعانة بالتحويل التلقائي
هذه الاستراتيجية شديدة الفاعلية في تحويل مخصصات الادخار التقاعدي من حسابك الجاري إلى حساب التقاعد بشكل أوتوماتيكي كل شهر، بحيث يتم تحويل هذه الأموال في كل يوم من نفس الشهر دون حاجة إلى تدخلك شخصيًا، وعليك أن تحدد اليوم الذي يتم فيه التحويل لكي يكون نفس يوم حصولك على راتبك.
زيادة صافي الثروة
ينصح العديد من الخبراء أيضًا بزيادة صافي الثروة من أجل ضمان المزيد من الرفاه المالية وثمة أدوات محددة للقيام بذلك:
اشتر منزلا: يعتمد الأمر بالطبع على مكان إقامتك وتوقيت الشراء، لكن يمكن أن يكون المنزل أكثر الأصول قيمة لديك، ويقوم الكثير من الأشخاص ببيع منازلهم في وقت لاحق من حياتهم واستخدام هذه الأموال للمساعدة في تمويل أهداف خطة تقاعدهم؛ فالعقارات من الممكن أن تكون أصلاً مميزًا؛ لأن قيمتها ترتفع بمرور الوقت. وعلى الرغم من أن الإيجار قد يكون أرخص ويسمح باستثمار مبالغ أكبر، فإن تملك العقار يجبرك بشكل أساسي على الادخار، فإذا قمت بشراء عقارك بالتقسيط، فبينما تقوم بسداد أقساط المنزل، ومع ارتفاع قيمة العقار، فإن صافي ثروتك يزداد بشكل تلقائي.
عزز راتبك: يسعى الجميع إلى زيادة رواتبهم بمرور الوقت، فكلما زاد الدخل الذي تحصل عليه من عملك زاد مقدار ادخارك وسدادك للدين او معدل شرائك للأصول وغيرها.
أنفق أقل وسدد ديونك: يساهم خفض الديون في زيادة صافي الثروة، لذا بمرور الوقت، ابذل قصارى جهدك لسداد ديونك، عليك أن تضع نصب عينيك أن تصل إلى سن الستين وأنت غير مدين على الإطلاق، ويشمل ذلك جميع أنواع الدين سواء قروض الرهن العقاري أو السيارات أو حتى مديونيات بطاقات الائتمان، في الوقت ذاته حاول تقليص نفقاتك بمرور الوقت وزيادة معدل الادخار.
عزز احتياطات الطوارئ في أوقات التراجع
ينصح الخبراء في مجال التخطيط المالي بفتح حساب ادخار منفصل للطوارئ، يغطي نفقاتك الشخصية لمدة ثلاثة إلى ستة أشهر، مما يسمح بمواجهة أي نفقات غير متوقعة بدون اللجوء إلى السحب من المدخرات المخصصة لمحفظة التقاعد، وبالطبع فإن احتمال حدوث ركود يدعو إلى تعزيز تلك المدخرات أكثر.
وفي ظل تراجع الأسواق حاليًا، يقول المخطط المالي "جون أولين" من "أولين ويلث" إن العديد من عملاء شركته في مجال التخطيط المالي لمعاشات التقاعد يتخذون إجراءات احترازية من بينها زيادة الاحتياطيات النقدية لديهم لتغطي 12 شهرًا من الدخل، وتقليص النفقات المنزلية وتأجيل أي قرارات شراء كبيرة.
ويوصي بعض المخططين أيضًا بالاحتفاظ بمدخرات سائلة تغطي تكاليف المعيشة لمدة تتراوح من عام إلى عامين لمن يقتربون من سن التقاعد، مع وضع بعض ذلك المال في صناديق أسواق النقد أو في حسابات ادخار مرتفعة العائد، حيث ترتفع العوائد بشكل تلقائي مع زيادة أسعار الفائدة.
المصادر: أرقام- فايننشال تايمز- بلومبرج- وول ستريت جورنال- سي إن بي سي- فيديلتي
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}