بدا اسم شركة "إيه.إس.إم.إل" (ASML) الهولندية لإنتاج معدات الحفر على الرئائق الإلكترونية صاعدًا وبشدة في الأسواق العالمية في الأونة الأخيرة، لا سيما مع التخوف من تأثر صناعة الرقائق -التي تعاني بالفعل- من احتمال احتدام الصراع بين الصين والولايات المتحدة بما في ذلك تعرض كبار منتجي الرقائق في تايوان لأضرار محتملة.
وبقيمة سوقية تقترب من 220 مليار دولار، بسعر أمس الأحد، تتفوق "إيه.إس.إم.إل" على شركات عملاقة في هذا المجال ولعل أبرزها "إنتل" والتي لم تتخط قيمتها السوقية في نفس اليوم 145 مليار دولار فيما يعكس ثقة الأسواق الكبيرة في الشركة الهولندية العملاقة، التي تتمتع بوضع شبه احتكاري كمنتج آلات تصنيع الرقائق وأشباه الموصلات.
نماء متواصل
وشهدت الشركة الهولندية رحلة صعود لافتة خلال السنوات المنصرمة. ففي أغسطس 2017 كان سعر سهم الشركة يترواح حول مستوى 155 دولارًا، بينما يتراوح في أغسطس الحالي حول مستوى 570 دولارًا، وبالتالي شهد السهم نموا سعريًا تجاوز 270% بما يجعله أحد أعلى أسهم الشركات الأوروبية نموا خلال السنوات الأخيرة.
ويلاحظ هنا أن مستوى السهم بلغ مستوياته القياسية في نوفمبر الماضي (2021)، بوصوله إلى مستوى تخطى 850 دولارًا للسهم، وذلك قبل أن تؤثر عليه تداعيات الحرب الأوكرانية وتفاقم مشكلة شح العناصر المستخدمة في إنتاج الرقائق الإلكترونية وتعثر سلاسل التوريد وهي العوامل التي أثرت على كل الشركات العالمية العاملة في إنتاج الرقائق الإلكترونية.
وعلى الرغم من التراجع النسبي عن القمم التي بلغها سعر الشركة السوقي، إلا أن الكثير من المحللين يراهنون على مستقبلها وعلى عودتها لتحقيق قفزات قياسية، وذلك للعديد من الأسباب لعل أهمها استمرارها في تحقيق صافي دخل إيجابي على الرغم من الصعوبات الجمة التي يواجهها قطاع أشباه الموصلات ككل.
فخلال الربعين الأولين من العام الحالي حققت أرباحا بنسب 2.79% و0.39% على التوالي، وعلى الرغم من محدودية هذه النسب، إلا أن عدم تكبدها خسائر مع حجمها الكبير، يعكس قدرة الشركة على التعافي السريع والعودة إلى طريق النمو فور زوال أسباب التعثر الحالي.
رهان على الاستقرار
ومن علامات استقرار الشركة استمرارها المضطرد في زيادة عدد العاملين فيها بشكل يفوق الكثير من شركات التكنولوجيا، حيث تضم الشركة أكثر من 32 ألف موظف بنهاية عام 2021، بينما لم يكن عدد موظفيها يتخطى 10 آلاف قبل 10 أعوام.
وما يدعم تصورات استمرار الشركة في تحقيق النمو حقيقة أنه تم إنشاؤها عام 1984 وهو تاريخ لاحق على الكثير من الشركات العملاقة العاملة في هذا المجال، وأنه خلال عمرها البالغ 38 عامًا لم تتعرض الشركة لأزمات كبيرة أو تعثرات لافتة على الرغم مما تتميز به القطاعات التكنولوجية من عدم استقرار بشكل عام.
بل وتشير غالبية التقارير إلى أن الشركة لن تتأثر كثيرًا حال حدوث ركود اقتصادي "متوسط المستوى" في المرحلة المقبلة، وذلك بسبب استمرار توقعات الإقبال الكبير على معدات تصنيع الرقائق الإلكترونية في ظل قرار غربي معلن بالتوسع في إنتاجها لمواجهة حالة من شبه الاحتكار الآسيوي لها بما يجعل الطلب غير مقترن بحالة السوق إلى درجة كبيرة لاعتماده على قرار "استراتيجي" غربي.
وتتميز الشركة العملاقة بإمداد بعض الشركات بالمعدات التي تستخدم في إنتاج الرقائق الإلكترونية حتى يرى بعض المراقبين أنها في وضع المحتكر في هذا الشأن حتى إنها قدمت مؤخرًا ماكينتين ضخمتين للغاية، حيث يصل حجمهما إلى حجم حافلة كبيرة، ويصل سعر إحداهما إلى 300 مليون دولار.
ويعكس هذا محدودية "زبائن" الشركة الهولندية، والذين يأتي في مقدمتهم شركة "إنتل" الأمريكية و"سامسونج" الكورية و"تي.إس.إم.سي" التايوانية، حيث إن شركات بهذا النوعية وحدها هي القادرة على هذا الحجم من الاستثمار في ماكينة واحدة، كما تُنتج أنواعًا معقدة من الرقائق وتقوم بعملية الإنتاج من الألف للياء.
بعض المعوقات
وعلى الرغم من العوامل الإيجابية سابقة الذكر إلا أن هناك عوامل تهدد مستقبل الشركة الهولندية في الوقت الحالي مع تصاعد حالة "المواجهة" الاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين، حيث فرضت واشنطن قبل شهر حظرًا على بيع الشركة لبعض معداتها للصين في إطار محاولة واشنطن لتوجيه إنتاج اشباه الموصلات نحو الغرب.
وتأتي الخطوة الأمريكية على الرغم من تبني الشركة الهولندية لسياسة صارمة في السنوات الأخيرة تحظر على المتعاملين معها إعادة بيع الماكينات التي تنتجها بعد الحصول عليها، وذلك لتجنب وصول التكنولوجيا المتقدمة التي توفرها لأطراف "غير مرغوب بها".
كما أن اعتماد الشركة على عدد محدود من العملاء (حتى وإن كان من المفترض أن يزيدوا مستقبلا) يجعل الشركة مهددة أيضا، ويكفي ذكر أن 40% من مبيعات الشركة عام 2019 كانت لشركة واحدة وهي "تي.إس.إم.سي" التايوانية ولا شك أن تنوع المشترين أمر هام لاستقرار أي شركة فضلا عن كونه ضمانة لعدم خضوعها لضغوط لتخفيضات سعرية من جانب كبار المشترين (حتى وإن تمتعت الشركة الهولندية بوضع احتكاري للكثير من منتجاتها).
ورغم ذلك وبشكل عام يبدو مستقبل "إيه.إس.إم.إل" مشرقًا وفقًا لتقديرات غالبية المراقبين، بل وقد تكون أقل تأثرًا في المرحلة المقبلة بالاضطرابات الاقتصادية الحالية والمتوقعة، ولكن ذلك لا ينفي أن استمرار الأجواء الاقتصادية المتقلبة أو أن ركودًا اقتصاديًا حادًا من شأنه الإضرار بالشركة.
المصادر: أرقام- سي.إن.بي.سي- إيكونوميست- يورونيوز
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}