نبض أرقام
09:57 م
توقيت مكة المكرمة

2024/11/03
2024/11/02

كيف صار "المتهم" بتلويث البيئة هو طوق النجاة "الوحيد" في وقت الأزمة؟

2022/08/25 أرقام - خاص

على الرغم من الدعوات المتصاعدة لمكافحة التغير المناخي والوصول بانبعاثات الكربون إلى المستوى الصفري، فإن أزمة الطاقة التي تعيشها أوروبا تحديداً بسبب تبعات الحرب الروسية الأوكرانية تشير إلى أن العالم ربما يجد نفسه مضطرا للتعويل على الوقود الأحفوري، خاصة في ظل صعوبة إحراز تقدم سريع في إنتاج الطاقة الخضراء وضبابية المشهد بالنسبة لإمدادات النفط والغاز الروسية المتدفقة إلى أوروبا وبقية العالم مع اقتراب فصل الشتاء.

 

في ظل المخاوف بشأن أمن الطاقة، بدأت الكثير من الدول تلجأ إلى استراتيجيات بديلة لتوفير إمدادات، حتى لو كان هذا على حساب المخاوف البيئية، فبات اللجوء إلى النفط والغاز وحتى الفحم، وهو الوقود الأكثر تلويثا للبيئة، ربما طوق الإنقاذ الذي تلجأ إليه المجتمعات خوفا من نقص الطاقة وما لذلك من آثار مدمرة من الناحية الاقتصادية وحتى الاجتماعية.

 

 

وتقول وكالة الطاقة الدولية إن استهلاك العالم من الفحم سيرتفع في 2022 إلى المستوى القياسي الذي بلغه قبل عشر سنوات تقريبا بسبب صعود أسعار الغاز الطبيعي عقب الحرب الروسية الأوكرانية.

 

وترى الوكالة أنه من المتوقع ارتفاع استهلاك الفحم عالميا 0.7 بالمئة في 2022 إلى 8 مليارات طن بافتراض تعافي اقتصاد الصين في النصف الثاني من العام. وسيماثل الإجمالي العالمي المستوى السنوي المسجل في 2013، ومن المتوقع أن يرتفع الطلب على الفحم في العالم القادم لأعلى مستوياته على الإطلاق.

 

التحول باتت له مظاهره، ففي الصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، زاد التنقيب واستيراد الفحم في ظل تضرر توليد الكهرباء من السدود، وهو ثاني أكبر مصدر لتوليد الكهرباء في البلاد، بسبب أسوأ موجة حرارة وجفاف تضرب البلاد في ستة عقود.

 

والصين من أكبر مستهلكي الفحم في العالم ويشكل 60 بالمئة من مصادر توليد الطاقة الكهربائية.

 

فعلى مستوى البلاد، استهلكت محطات الكهرباء 8.16 مليون طن من الفحم الحراري يوميا في أول أسبوعين من أغسطس بارتفاع 15 بالمئة على أساس سنوي وفقا لأحدث بيانات من اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح. وفي الثالث من أغسطس، ارتفع الاستهلاك اليومي للفحم الحراري إلى مستوى قياسي عند 8.5 مليون طن.

 

والصين الآن أكثر اعتمادا على الفحم لتوليد الكهرباء مما كانت عليه في العام الماضي. وفي يوليو، زادت الكهرباء المولدة من الفحم 22 بالمئة مقارنة مع يونيو، لتشكل 69 بالمئة من الإجمالي. وفي العام الماضي، شكلت الكهرباء المولدة من الفحم 67.4 بالمئة من إمدادات الكهرباء في الصين.

 

 

في الوقت نفسه، كشفت بيانات الجمارك أن الصين اشترت 7.42 مليون طن من الفحم من روسيا الشهر الماضي، بارتفاع 14 بالمئة مقارنة مع نفس الفترة من العام الماضي. والرقم هو الأعلى شهريا أيضا منذ فقرة الإحصاء المقابلة في 2017.

 

ويتوقع محللون من "كابيتال إيكونوميكس" أن الصين ستعزز إنتاج الفحم ووارداته لسد فجوة انخفاض إنتاج الطاقة من السدود.

 

لا يقتصر الأمر على الفحم، بل يمتد إلى النفط والغاز أيضا.

 

فقد عززت بعض المناطق الأكثر ثراء في الصين اعتمادها على الوقود الأحفوري على الرغم من تعهد بكين في 2020 بأن تصل إلى الحياد الكربوني بحلول عام 2060 وفقا لأحدث تحليل أجرته المجموعة البيئية " "Greenpeace East Asia.

 

 وفي حين أن العديد من المدن والمقاطعات الصينية التي تحقق أعلى معدل للناتج المحلي الإجمالي في البلاد، بما في ذلك "قوانغدونغ" و"تشجيانغ" و"شنغهاي"، قد ضخت استثمارات في تطوير التقنيات منخفضة الكربون والطاقة المتجددة، فقد واصلت أيضا زيادة الأموال المنفقة على مشاريع الوقود الأحفوري، لا سيما في البحث عن الغاز.

 

فقد استثمرت مقاطعة "قوانغدونغ" جنوب البلاد، وهي أكبر اقتصاد بين أقاليم الصين، 385.1 مليار يوان (56.5 مليار دولار أمريكي) في مشاريع الوقود الأحفوري منذ بداية العام الجاري بزيادة 21.8 بالمئة مقارنة مع عام 2020

.

كما عززت مقاطعة تشجيانغ الواقعة في شرق البلاد، وهي رابع أكبر اقتصاد بين أقاليم البلاد، ومدينة شنغهاي، عاشر أكبر اقتصاد بين أقاليم الصين، من استثماراتهما في مشاريع الوقود الأحفوري هذا العام بمعدلات سنوية تبلغ 5 بالمئة و19.9 بالمئة إلى 92.3 مليار يوان و31.5 مليار يوان على الترتيب.

 

 

فعلى الرغم من أن مقاطعة "غوانغدونغ" أعلنت العام الماضي أنها ستحظر بناء وتوسعة محطات الكهرباء التي تعمل بالفحم. فإن الدراسة خلصت إلى أن المقاطعة استثمرت في 68 مشروعا للغاز الطبيعي و25 مشروعا للبنية التحتية للغاز منذ بداية العام.

 

يفسر الخبراء تلك التحركات بأنها قد تكون مدفوعة بالحاجة إلى ضمان أمن الطاقة في ظل التخلص التدريجي من الفحم وكذلك رغبة الحكومة في البحث عن فرص جديدة للنمو الصناعي.

 

وقال "لوري ميليفيرتا" المحلل لدى مركز أبحاث الطاقة والهواء النظيف، وهي مجموعة بحثية مسجلة في فنلندا "في قطاع الطاقة، ثمة تصور يشير إلى الحاجة لمزيد من الطاقة الاحتياطية التي يمكن استخدامها خلال ذرى الطلب، مثل تلك التي تحدث الآن بسبب موجات الحرارة وزيادة استخدام أجهزة تبريد الهواء".

 

وأدت موجات الحرارة القياسية في جميع أنحاء الصين هذا الصيف إلى زيادة الطلب على الطاقة للتبريد الأمر الذي دفع مقاطعات مثل قوانغدونغ وسيشوان إلى تقنين إمدادات الطاقة للقطاع الصناعي لصالح القطاع المنزلي.

 

وقال "لوكاس تشانغ ليونوتج" مدير شركة الاستشارات "WaterRock Energy Economices" ومقرها "هونغ كونغ" إنه نظرا لأن إمدادات الطاقة المتجددة غير كافية لتلبية الطلب على الطاقة خلال موسم الذروة فقد أصبح الغاز بديلا نظرا لمرونته وفعاليته من حيث التكلفة.

 

كانت وكالة "موديز انفتسورز سيرفيسز" قالت إن الصين حاليا أكبر مستورد للغاز الطبيعي في العالم، ومن المتوقع أن تحافظ جهودها من أجل التحول إلى الطاقة الخضراء على الطلب الطويل الأجل على الغاز باعتباره وقودا انتقاليا لتلبية احتياجات المستهلكين".

 

وحتى بريطانيا أول اقتصاد كبير في العالم يعتمد قانونا بالوصول إلى مستوى انبعاثات صفري في عام 2109 تشهد حاليا نداءات تقر بصعوبة هذا الهدف في ظل أزمة الطاقة التي تعيشها أوروبا.

 

فمن المتوقع أن يصل متوسط فاتورة الطاقة للأسر البريطانية إلى ما يزيد على 5000 جنيه إسترليني في العام القادم، وهو ما يزيد بمقدار المثلين على مستواها الحالي. كما أن مسؤولي خدمات الصحة العامة يحذرون من أزمة إنسانية قادمة إذا بات على الناس الاختيار بين الأكل والتدفئة في أشهر الشتاء. إذ تعتمد معظم الأسر على غلايات الغاز من أجل التدفئة كما أن المحطات التي تعمل بالغاز تولد نحو 40 بالمئة من الطاقة الكهربائية في البلاد.

 

التحولات جاءت على لسان بعض القادة السياسيين الأبرز في لندن، فالمدعية العامة البريطانية "سويلا برافمان" بدأت محاولتها التي لم يكتب لها الاستمرار للحلول محل رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون في أحدث سباق لقيادة حزب المحافظين بقولها "للتعامل مع أزمة الطاقة، نحتاج إلى تعليق الرغبة الشديدة في الوصول إلى صفر انبعاثات كربون بحلول عام 2050" ـ سينتهي الأمر بنا إلى "نمو صفري".

 

وبرافرمان سترشح لتولي منصب حكومي إذا فازت المرشحة الأولى للمنصب وهي وزيرة الخارجية البريطانية "ليز تراس" برئاسة الوزراء. وكذلك الأمر بالنسبة لديفيد فروست، كبير المفاوضين البريطانيين خلال مفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، إذ كتب قائلا إن مؤيدي الوصول إلى صافي انبعاثات صفر شكلوا نظاما للطاقة يعني مواجهة انقطاع التيار الكهربائي والتكاليف الرهيبة للقضاء على الشركات وأناس يرتجفون ويموتون من البرد.

 

وتشير تقارير أيضا إلى أن أوروبا كلها بصدد الاتجاه إلى تمويل المزيد من مشاريع الوقود الأحفوري في أفريقيا كبديل عن مشاريع النفط والغاز الروسية التي انسحبت منها الشركات الغربية العملاقة كوسيلة لعقاب روسيا على حربها في أوكرانيا.

 

وكانت دراسة بحثية أجرتها "رويترز" كشفت أن منتجي النفط والغاز يدرسون مشروعات جديدة تزيد قيمتها على 100 مليار دولار في أفريقيا.

 

ليس هذا فحسب، بل إن الاستراتيجيات التي وضعتها بعض الدول الأوروبية والاتحاد الأوروبي تسعى بشكل غير مباشر لدعم شركات الوقود الأحفوري على نحو ما.

 

 

فبريطانيا مثلا، تتولى استراتيجيتها لأمن الطاقة الترخيص لمشاريع الغاز الجديدة، في تعارض مباشر مع دعوات وكالة الطاقة الدولية وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة لوقف التنقيب عن النفط والغاز واستخراجهما. كما أن الاستراتيجية لم تتضمن أي شيء تقريبا عن تعزيز عزل المنازل في المملكة المتحدة وهو ما يراه الباحثون الطريقة الأكثر فعالية لخفض استخدام الغاز. وبدلا من ذلك فإنها تزخر بوعود التمويل للإصلاحات التقنية التي تدعمها شركات الوقود الأحفوري بما في ذلك الهيدروجين والتقاط الكربون.

 

كذلك فعلت خطة "RePowerEU" التي وضعتها المفوضية الأوروبية إذ خصصت بعض الموارد لخفض استخدام الوقود الأحفوري من خلال تعديل أنظمة بناء المنازل وإصلاح النقل الحضري وتسريع موارد الطاقة المتجددة، لكن ليس بما يكفي. ووافقت الخطة أيضا على تخصيص مليارات الدولارات للبنية التحتية للغاز، في استجابة وصفها تقرير "جلوبال إنرجي مونيتور" بأنها أبطأ وأكثر كلفة وأكثر ضررا للبيئة كاستجابة لأمن الطاقة في التكتل.

 

وفي مايو، وقع المستشار الألماني "أولاف شولتز" اتفاقا مع رئيس السنغال "ماكي سال" للتنقيب عن الغاز الذي سيتم تسييله وإرساله بحرا إلى أوروبا. وفي يونيو، بحث قادة الاتحاد الأفريقي توجيه دعوة مشتركة لمحادثات مؤتمر المناخ رقم 27 التي ستعقد في مصر في نوفمبر من أجل توسعة إنتاج النفط والغاز في جميع أنحاء القارة.

 

ومنذ الغزو الروسي لأوكرانيا، وقعت مجموعة الطاقة الإيطالية "إيني" صفقات جديدة مع الجزائر ومصر والكونغو، بهدف تصدير المزيد من الغاز إلى أوروبا. وتدرس "توتال إنرجيز" الفرنسية إعادة تشغيل مشروع متوقف للغاز الطبيعي المسال بقيمة 20 مليار دولار في موزمبيق. كما انضمت "إكوينور" النرويجية إلى شل لتوقيع اتفاق مع تنزانيا لبناء محطة لتصدير الغاز الطبيعي المسال.

 

المصادر: أرقام- ساوث شاينا مورنينج بوست- فايننشال تايمز- Truthout- CNN Business

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.