في 5 أبريل 1882، وقف ثيودور روزفلت في مجلس ولاية نيويورك وطالب بإجراء تحقيق، اتهم الشاب الساخط البالغ من العمر 23 عاماً مجموعة من "المحتالين"، أو"المقامرين الأثرياء"، أو"الرجال الذين تعتبر عدم أمانتهم المالية مسألة سمعة سيئة"، بالاحتكار الفاسد للسكك الحديدية المرتفعة في مدينة نيويورك، وأشار روزفلت إلى أن العقل المدبر للمؤامرة هو جاي جولد.
كان الرجل الشرير هو محور القصة، فقد كذب واحتال لينال ما يريد، كان جاي جولد، الذي كتب عنه جريج شتاينميتز سيرة ذاتية موجزة بعنوان "الوغد الأمريكي" "American Rascal"، نموذجاً مثالياً لشخصية الشرير في القصص.
ممتلكاً حيلاً غير محدودة، ومدفوعاً بمصالحه الشخصية البحتة، سجل جولد "أسود صفحات تاريخ السكك الحديدية الأمريكية"، على حد التعبير الذي ورد بنعيه في صحيفة سانت لويس بوست ديسباتش، وقد صوره رسامو الكاريكاتير على أنه عنكبوت ذو لحية سوداء، يضع أفخاخاً على شبكة قضبان السكك الحديد والأسلاك التي تغطي البلاد.
ولكن هذا هو الشيء الغريب: شجب روزفلت جولد في المقام الأول لاستخدامه "شركة احتيالية"، وهي شركة سكة حديد مانهاتن المرتفعةـ لكن، لماذا أطلق روزفلت على الشركة صفة الاحتيال؟ لقد كانت شركة قابضة. وأصدرت الأسهم دون بناء أي شيء، اليوم، بالطبع، باتت الشركات القابضة أمراً شائعاً، وباتت الشركات التي لا تبني أي شيء تساوي المليارات.
بلورت الخلافات التي أحاطت بجولد الجدل حول طبيعة النظام المالي الذي نعتبره الآن أمراً مفروغاً منه. وأدى ظهور الشركة في القرن التاسع عشر إلى درجة غير مسبوقة من التجريد في الحياة الاقتصادية، عندما شعر الأمريكيون بالحيرة تجاه هذا الكون غير المرئي من الكيانات الاصطناعية والأصول غير الملموسة، طوروا بعض المخاوف التي لا نزال نشاركها حتى الآن.
عندما ولد جولد، كما يشير شتاينميتز في كتابه، في مزرعة في شمال ولاية نيويورك عام 1836، كان الأمريكيون يرون أن الشركات تعد شكلاً من أشكال التدخل الحكومي، كانت الحكومة تؤسس هذه الشركات بقوانين خاصة، واحدة تلو الأخرى، لحث المستثمرين على بناء مرافق للتنمية الاقتصادية مثل الدعامات، والجسور، والقنوات، والسكك الحديدية، والبنوك.
اشتكى الديمقراطيون الجاكسونيون وقتها من أن هذه الشركات كانت تُمنح لقلة مفضلة، تحصل على "امتيازات خاصة" مثل المسؤولية المحدودة، وأحياناً حقوق الاحتكار.
بحلول الوقت الذي غادر فيه جولد المزرعة ليصبح موظفاً بمتجر، ثم صاحب مدبغة، كانت قوانين التأسيسية العامة قد جعلت الشركات أكثر شيوعاً، لكن معظمها كان صغيراً ومملوكاً لعدد محدود من الأفراد.
يقتبس شتاينمتز من كتابات جولد قوله إنك "بحاجة إلى تعلم مهارات السحرة في وول ستريت". ومع انفصال الولايات الجنوبية، وصل المتدرب الساحر إلى نيويورك مدفوعاً بشغف مراكمة الثروة.
دفعه ذلك نحو قطاع السكك الحديدية، والتي أُنشئت لحل مشكلة النقل في الجمهورية الشاسعة، وكان هناك احتياج ماس لرأس المال وهو ما أدى إلى إصدار كميات كبيرة من الأسهم والسندات المتداولة علناً، أدرك جولد كيف أنهم أنشأوا سوقاً مالية كبيرة بما يكفي لجعل المتداول ثرياً للغاية، ولكنها صغيرة بما يكفي ليتم التلاعب بها.
في عام 1867، ناور جولد للوصول إلى مجلس إدارة سكة حديد إيري، وهي أحد الخطوط الأمريكية الأربعة التي عبرت جبال الأبلاش، لتربط ساحل المحيط الأطلسي بالأراضي الداخلية، وقد طور علاقة صداقة مع شخص آخر يدعى جيم فيسك.
في عام 1868، حاك الاثنان مؤامرات فاحشة للتغلب على محاولة كورنيليوس فاندربيلت السيطرة على أسهم إيري، لقد طبعوا بشكل غير قانوني كميات ضخمة من الأسهم الجديدة، وفروا إلى نيوجيرسي قبل وصول الشرطة مباشرة، قدم جولد، بعدها، رشوة إلى الهيئة التشريعية لولاية نيويورك لإضفاء الشرعية على قضية الأسهم الخاصة بهم، وقبل فاندربيلت سداد خسائره واستسلم.
في "فصل إيري"، وهو مقال مهم حول هذه القضية يعود إلى عام 1869، وصف تشارلز فرانسيس آدامز جونيور الشركات بأنها "قوة أوجدتها الدولة"، وهي حقيقة غابت عن الأجيال اللاحقة، والتي ترى أنها مجرد شركات.
كتب آدامز: "ومع ذلك فإن شركاتنا العظيمة تحرر نفسها بسرعة من قبضة الدولة، أو بالأحرى تُخضِع الدولة لسيطرتها". يصف شتاينميتز المقال بأنه "تحفة آدمز"، لكنه أغفل هذه النقطة الحاسمة: وهي انتقال الشركات، في المخيلة الشعبية، من كيانات شبه عامة إلى كيانات خاصة، ومن هيئات ترعاها الحكومة لتلبية احتياجات الشعب إلى تجمعات نفوذ غير خاضعة للمساءلة.
انحرفت مسيرة غولد المهنية عن هذا الخط غير الواضح بين المصالح العامة والخاصة، ولتعزيز الصادرات وزيادة حركة الشحن في إيري، حاول هو وفيسك خفض سعر الدولار في "غرفة الذهب" في وول ستريت، والتي تمثل في جوهرها سوق الصرف الأجنبي.
لقد ضغطوا على الرئيس يوليسيس جرانت لوقف المبيعات الفيدرالية للذهب، وحاولوا التأثير عليه من خلال إفساد أفراد عائلته، وانتهى الأمر بحالة من الذعر المالي المعروف باسم الجمعة السوداء.
وبعد طرده من إدارة إيري، انتقل جولد إلى يونيون باسيفيك، وهي أول خط سكة حديد عابر للقارات برعاية فدرالية، لقد عمل على وضعها على أسس سليمة، لكنه استفاد منها شخصياً بطرق أثارت قلق المراقبين.
بحلول ذلك الوقت، توفي فيسك، بعدها، نما جولد ليصبح استراتيجياً رائداً في مجال السكك الحديدية، واشترى خطوطاً ثانوية مهملة، كما يلاحظ شتاينميتز، وطور مصادر جديدة للإيرادات، وحقق نجاحاً كبيراً مع نظام ماسوري باسيفيك للسكك الحديدية.
واستمر جولد في إثارة الجدل عندما استحوذ على الصحف وسيطر على خدمات ويسترن يونيون للتلغراف، لكنه كان أكثر من مجرد شخص ينقض على الشركات ويسيطر عليها، كما أوضح موري كلاين في سيرته الذاتية التي تحمل اسم "حياة وأسطورة جاي جولد".
ويعد الاستيلاء على السكك الحديدية المرتفعة في نيويورك نموذجاً للقوة التي أعطتها الشركات لعدد قليل من الأفراد الأثرياء على حساب طبقة العمال وعامة الناس.
لكن أسوأ خطايا جولد، بالنسبة لبعض المعاصرين، كانت الكيفية التي استغل بها التجريد المقلق للتمويل، أصر الأمريكيون على أنه يجب ربط إصدار الأسهم بالعالم المادي، لقد قبلوا تقلب أسعار السوق، لكنهم وضعوا أهمية كبيرة على القيمة الاسمية للسهم، والتي عادة ما تكون 100 دولار، والتي كان من المفترض أن تمثل حجم الإنفاق على رأس المال الحقيقي - والمتمثل في السكك الحديدية، والعربات، والمستودعات.
كان الأمر مثل ربط الدولار بمعيار الذهب، أي أن قيمة الدولار تمثل رمزاً لكمية ثابتة من المعدن، وكان إصدار الأسهم الزائدة عن حجم الإنفاق الفعلي على المرافق عملية احتيال.
لهذا السبب كان إصدار جولد لأسهم شركة إيري غير قانوني، ولهذا السبب شجب روزفلت شركته القابضة. واعتقد جولد حينها أن هذا النوع من التفكير سخيف.
لسنا مخولين للقول بأن روزفلت كان مخطئاً، لكن ولاية نيوجيرسي سرعان ما أضفت الشرعية على وجود الشركات القابضة، وتلاشى التركيز على القيمة الأسمية والأصول الملموسة، ومنذ ذلك الحين، أصبح التمويل أكثر تجريداً، أو أقل تعبيراً عن النشاط الفعلي للشركات.
المصدر: صحيفة نيويورك تايمز
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}