نبض أرقام
12:22 ص
توقيت مكة المكرمة

2024/11/21

أسواق الطروحات الأولية تتجه شرقا وسط اهتزاز الثقة في السوق الأمريكية

2022/09/28 أرقام - خاص

يبدو أن الأداء الضعيف لأسواق الأسهم الأمريكية له تأثيرات تتعدى كثيرًا الخسائر الناجمة عن انخفاض القيمة السوقية للأسهم وتراجع جاذبية السوق، فبعد أن كانت الولايات المتحدة وجهة رئيسية لعمليات الطرح العام الأولية للعديد من الشركات التي مقرها الصين وهونج كونج، بدأت دفة تلك الشركات تتحول شرقًا صوب أسواقها الداخلية خوفا من التقلبات المتزايدة للسوق والتوترات الجيوسياسية التي تثور بين آن وآخر بين واشنطن وبكين.

 

اهتزت سوق الأسهم الأمريكية هذا العام جراء معركة عنيفة يخوضها مجلس الاحتياطي الاتحادي في مواجهة أعلى موجة تضخمية في نحو 40 عاما من خلال الزيادات الحادة في أسعار الفائدة مما يترك أثره على الأسهم التي انخفضت تقييماتها جراء هبوط توقعات الأرباح المستقبلية للشركات بسبب ارتفاع الفائدة فضلا عما يثيره ذلك من مخاوف بشأن انزلاق الاقتصاد صوب الركود.

 

وتراجع المؤشر الأمريكي الرئيسي "إس آند بي 500" ما يزيد على 22 بالمئة منذ بداية العام تقريبا، ولا يبدو أن الوضع بصدد أن يتغير في الأشهر المتبقية من العام الجاري، إذ يقول "سام ستوفال" كبير محللي الاستثمار لدى "سي إف آر إيه للأبحاث" إنه في ظل اعتزام المركزي الأمريكي رفع أسعار الفائدة بأعلى مما تشير إليه التوقعات، فإن "السوق حاليا تمر بأزمة ثقة".

 

 

آسيا تهيمن

 

في الوقت نفسه جمعت عمليات إدراج الأسهم في آسيا منذ بداية العام الجاري 104 مليارات دولار، لتشكل 68 بالمئة من الحجم العالمي وفقا لما كشفته بيانات جمعتها "بلومبرج". على النقيض من ذلك، مثلت عمليات الطرح العام الأولي في الولايات المتحدة 14 بالمئة فقط من الإجمالي العالمي البالغ 153 مليار دولار، وهو أدنى مستوى على الإطلاق لما كان في المعتاد أكثر الأسواق ازدحاما بعمليات الإدراج في العالم.

 

يرجع الأداء القوي لآسيا في معظمه إلى الطروحات العامة الأولية لشركات صينية، والتي واصلت نموها بشكل كثيف وسريع حتى في الوقت الذي ألقى فيه ارتفاع أسعار الفائدة واحتمال انزلاق الاقتصاد العالمي صوب الركود بثقله على عمليات الطرح الجديدة للأسهم في معظم الأسواق الرئيسية.

 

وقال "مات والش" رئيس أسواق رأس المال المعني بقطاع التكنولوجيا لدى "إس في بي سيكيوريتيز" إن هناك قدرا هائلا من عدم اليقين في السوق حاليا و"عدم اليقين هو عدو سوق الطروحات العامة الأولية".

 

وأضاف: "أعتقد أننا بحاجة إلى رؤية بعض الاستقرار في التوقعات بأن يعود المستثمرون لشراء الأوراق المالية القائمة قبل أن يكونوا مستعدين للمضي قدما في منحنى المخاطر والشراء في الاكتتابات العامة الأولية".

 

وتظهر البيانات أنه بين أكبر عشر عمليات إدراج على مستوى العالم في 2022، كانت ست شركات صينية مدرجة إما في بورصات البر الرئيسي، أو ما يطلق عليه سوق أسهم الفئة (أ) أو في هونج كونج.

 

وفي الولايات المتحدة، التي شكلت أكثر من نصف عمليات الاكتتاب القياسية العام الماضي والتي بلغت 657 مليار دولار، يبدو أن السوق شهدت حالة توقف مفاجئ، إذ أدت المخاوف بشأن التضخم والتقلبات الآخذة في الازدياد في السوق إلى دفع المستثمرين بعيدا عن الشركات ذات النمو المرتفع والتي عادة ما تهيمن على أنشطة الطرح العام الأولي.

 

وأدت ظروف السوق غير المواتية إلى إجبار شركات كان من المرتقب أن تطرح أسهمها للمرة الأولى في السوق، مثل "Mobileye NV" و"Chobani Inc"، إما على تأجيل العملية أو إلغائها كلية. وحتى أوائل سبتمبر، كان هناك طرح واحد فقط بقيمة تفوق مليار دولار في نيويورك منذ بداية العام الجاري، بينما شهدت آسيا 12 عملية طرح، فيما اقتنص الشرق الأوسط أربع عمليات.

 

وانخفض إجمالي حجم الطروحات العامة الأولية في الولايات المتحدة 94% على أساس سنوي وفقا لبيانات "ديلوجيك".

 

تؤدي الصفقات الأمريكية المؤجلة إلى تفاقم الفراغ الذي نشأ بالفعل بسبب هجرة الشركات المرشحة للاكتتاب العام التي مركزها الصين.

 

ففي بورصة نيويورك، جمعت شركات مقراتها في الصين أو هونج كونج 636 مليون دولار فقط من عمليات طرح عام أولي هذا العام مقارنة بنحو 16 مليار دولار في العام السابق.

 

للتباطؤ أسباب

 

 

يقول محللون إن التباطؤ في إقدام الشركات الصينية على طرح أسهمها في الولايات المتحدة يأتي في أعقاب سلسلة من عمليات شطب الأسهم الصينية المدرجة في أمريكا، في الوقت الذي تعكف فيه بكين وواشنطن على التوصل لاتفاق بشأن السماح للجهات التنظيمية الأمريكية بفحص الشركات الصينية التي تقوم بالتدقيق المالي للشركات المتداولة أسهمها في البورصات الأمريكية.

 

ليس هذا فحسب وإنما تفاقم التوترات السياسية بين واشنطن وبكين خاصة بشأن تايوان في الآونة الأخيرة زاد الوضع سوءا، خاصة في ظل احتكاكات صينية تايوانية وحرب كلامية بين أمريكا والصين بشأن تعهد أمريكي بالدفاع عن تايوان حال تعرضها للغزو.

 

ومنذ التسعينيات بلغ عدد الشركات الصينية المدرجة في بورصة نيويورك ما يزيد على 500 في وقت من الأوقات، لكن الآن يوجد نحو 270 شركة صينية فقط مدرجة في البورصة الأمريكية الأهم.

 

دفع احتمال الشطب القسري الشركات الصينية المدرجة أسهمها في الأسواق الأمريكية إلى جمع عشرات المليارات من الدولارات من خلال مبيعات الأسهم في الداخل سواء عبر بورصة هونج كونج أو بورصات البر الرئيسي في السنوات الأخيرة.

 

يقول محللون أيضا إن ارتفاع التقييمات في الداخل الصيني كان نقطة جذب أخرى للشركات. وقال "زيلي جو" الرئيس المشارك لأسواق المال الآسيوية لدى "مجموعة يو بي إس" إن سوق الفئة أ في الصين محصنة إلى حد ما من التقلبات العالمية.

 

وأضاف: "إنها سوق محلية إلى حد كبير وتقودها في الأغلب الأموال المحلية. وضع سوق الأسهم الفئة أ مستقر نسبيًّا، ومقارنة بالتقلبات التي شهدناها في الأسواق العالمية، ما زال بإمكانها إنتاج المزيد من الصفقات بشكل مستمر".

 

هذا العام، كانت بعض أكبر عمليات الإدراج في آسيا من نصيب شركات شطبت أسهمها من نيويورك، إذ جمعت شركة "تشاينا موبايل" و"كنوك" 14 مليار دولار عبر بيع أسهم في شنغهاي.

 

كما أن هناك دلائل على نشاط محموم في هونج كونج، التي اتسم النصف الأول من العام فيها بتباطؤ نشاط الإدراج، إذ تدرس شركة "كالب" الصينية لصناعة البطاريات الطلب على طرح عام أولي محتمل بقيمة ملياري دولار في المدينة، بينما تتطلع شركة "Zhejiang Leapmotor Technologies" لصناعة السيارات الكهربائية إلى البدء في تلقي أوامر المستثمرين في طرح بقيمة مليار دولار أعلنته في منتصف سبتمبر.

 

أوروبا بديل محتمل

 

 

وحتى في ظل اتفاق مبدئي حول قضية التدقيق المالي في الولايات المتحدة، ثمة شكوك في أن تدفق الشركات الصينية إلى نيويورك، والتي جمعت 122 مليار دولار منذ بداية القرن الجاري، سيعود إلى المستويات السابقة في ظل استمرار التوتر وزيادة المنصات البديلة.

 

وقالت "ماندي تشو" رئيسة قسم الخدمات المصرفية العالمية لدى بنك "يو بي إس" في الصين إن الشركات الصينية بات أمامها الآن المزيد من الخيارات في حالة رغبتها في الحصول على تمويل خارجي وأضافت أنه "بخلاف عمليات الإدراج التقليدية في هونج كونج والولايات المتحدة، يمكنهم القيام بعمليات طرح أولي في سوق أسهم الفئة أ، وبعد ذلك يمكنهم طرق أبواب البورصات الأوروبية عبر عمليات ربط الأسهم بين الصين وأوروبا.

 

في الواقع فإن أوروبا أصبحت موقعا أكثر جاذبية لإدراج الشركات الصينية من الولايات المتحدة. وجمعت شركات صينية نحو 2.3 مليار دولار في أوروبا هذا العام عبر توسعة رابط الأسهم بين الصين والبورصات في ألمانيا وسويسرا والمملكة المتحدة مما ساعد على تعزيز أحجام عمليات الإدراج في القارة.

 

التكنولوجيا الأكثر تضررا

 

وفقا للإحصاءات، فإنه في منتصف سبتمبر شهدت سوق طروحات شركات التكنولوجيا في الولايات المتحدة أطول فترة توقف في القرن الحالي، إذ سجلت 238 يوما دون اكتتاب عام لشركات في القطاع بقيمة تزيد على 50 مليون دولار، متجاوزة الأرقام القياسية السابقة المسجلة في أعقاب الأزمة المالية لعام 2008 وفقاعة الدوت كوم في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين وفقا لبحث أجراه فريق أسواق المال لدى "مورجان ستانلي".

 

كانت أسهم شركات التكنولوجيا ذات النمو المرتفع قد هيمنت على سوق الطروحات الأولية، التي بلغت مستوى قياسيا، في العام الماضي وحققت بعض أكبر الأرباح خلال انتعاش سوق الأسهم لكنها تضررت أيضا بشكل غير متناسب خلال موجة البيع التي ضربت السوق هذا العام.

 

وانخفض المؤشر الأمريكي "ناسداك" المركب الذي تهيمن عليه شركات التكنولوجيا نحو 28 بالمئة منذ بداية العام الجاري تقريبا وحتى منتصف سبتمبر، في الوقت الذي هبط فيه المؤشر "رينيسانس للطروحات العامة الأولية" والذي يتتبع أسهم الشركات الأمريكية المدرجة في العامين الفائتين، أكثر من 49 بالمئة في نفس الفترة.

 

 

ويقول محللون إن تقارير الأرباح الضعيفة للشركات لها تأثير كبير على آفاق إقدام شركات جديدة في قطاع التكنولوجيا على طرح أسهمها في السوق.

 

وقالت "نيكول بروكشاير" الشريكة في شركة المحاماة "ديفيس بولك" والمتخصصة في إدراج شركات التكنولوجيا: "التوقعات تدهورت كثيرا فيما تستشعر بعض الشركات والقطاعات آثار العوامل غير المواتية على مستوى الاقتصاد الكلي وتأثيرات التقييمات".

 

وجاءت أرباح شركات تكنولوجيا المعلومات المدرجة في المؤشر "إس آند بي 500" مماثلة تقريبا للتوقعات في الربع الثاني من العام وفقا لبيانات "FactSet"، لكن جرى تعديل التوقعات الخاصة بالربع الثالث هبوطا بشكل متكرر، حيث من المتوقع انخفاض أرباح تلك الشركات 4% على أساس سنوي.

 

واستجاب الكثير من شركات التكنولوجيا لتراجع الاقتصاد عبر التركيز بشكل أكبر على خفض التكاليف وإظهار تقدم صوب تحقيق الربحية، لكن "بروكشاير" ترى أن الشركات ستحتاج إلى وقت لكي تظهر جدوى التغييرات التي قامت بها.

 

وقالت: "في العام الماضي كان هناك نقاش محدود بشأن الربحية (بين الشركات المرشحة للقيام بطروحات عامة)، الآن هناك المزيد، لكن المشكلة في تحول التركيز من قضية النمو إلى قضية الربح تكمن في أن جهات الإصدار نفسها تستغرق وقتا كي تتمكن من البرهنة على أنها تحرز تقدما".

 

يقول المحللون أيضا إن العامل الإيجابي الذي قد يطيل فترة توقف الطروحات يتمثل في حقيقة أن شركات التكنولوجيا جمعت الكثير من رأس المال الخاص قبل تراجع أداء الاقتصاد مما يزيح الشعور بالإلحاح لجمع رأس مال جديد.

 

المصادر: أرقام- رويترز- بلومبرج- فايننشال تايمز

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.