نبض أرقام
07:24 ص
توقيت مكة المكرمة

2024/12/18
2024/12/17

تراجع حاد وفزع بين المستثمرين .. ما الذي يحدث للجنيه الإسترليني؟

2022/09/29 أرقام

هبط الجنيه الإسترليني على مدى الأسبوع الجاري في تعاملات أسواق العملات أمام الدولار لأدنى مستوياته على الإطلاق تقريبا إلى 1.0237 دولار، مسجلا بذلك أكبر نزول شهري منذ أكتوبر 2008 عشية انهيار بنك "ليمان براذرز" والذي كان شرارة اشتعال الأزمة المالية العالمية التي دفعت الاقتصاد العالمي صوب الركود.

 

وعلى الرغم من أنه أبدى بعض التعافي خلال التعاملات، فإن العملة ما زالت منخفضة بنحو 21 بالمئة منذ بداية العام فيما يرى المستثمرون أن مكانة المملكة المتحدة تلقت ضربة عنيفة في الأسواق مما قد يتطلب إعادة بناء للثقة بأكثر حتى من الإقدام على رفع طارئ للفائدة مثلما يدعو الكثير من المستثمرين.

 

أثار تراجع أحد أبرز العملات الرئيسية في العالم حالة من الفزع لدى المستثمرين وتوترا كبيرا في أسواق الأسهم وغيرها، ذلك في ظل مخاوف من دوامة عميقة قد تلحق أكبر ضرر بالاقتصاد البريطاني منذ سنوات.

 

 

يرجع المحللون انهيار الجنيه الذي نزل خمسة بالمئة أمام الدولار في جلستين فقط، مسجلا أسوأ تراجع لجلستين منذ 2020، إلى إعلان وزير المالية البريطاني "كواسي كوارتنج" ميزانية مصغرة تتضمن تخفيضات ضريبية غير ممولة بقيمة تصل إلى 25 مليار جنيه إسترليني. أثارت خطة الوزير احتمال زيادة الاقتراض لتمويل التخفيضات الضريبية، التي تميل لصالح الأثرياء وحقبة جديدة من السياسات الاقتصادية يبدو خلالها أن جهود هندسة النمو الاقتصادي تحظى بأولوية على وضع المالية العامة، حفيظة الأسواق.

 

أتى ذلك بالطبع بعد وعود أطلقتها رئيسة الوزراء البريطانية الجديدة "ليز تراس" قبل اختيارها لمنصبها والتي تراوحت من الحديث عن دعم للطاقة إلى تقديم تخفيضات ضريبية كبيرة.

 

وبدلا من أن يتفاعل المستثمرون إيجابا مع وعود "كوارتنج" بنمو اقتصادي أقوى، شعروا بالخوف من احتمال ارتفاع التضخم بسبب التخفيضات الضريبية التي تكهنوا بأنها قد تجبر بنك إنجلترا المركزي على تسريع معدل رفع أسعار الفائدة.

 

بالطبع يجب أن نضع في الحسبان أن المملكة المتحدة تعتمد على الواردات بقوة للحصول على الوقود والغذاء وحتى المواد والمكونات الخام مما يجعل انخفاض الإسترليني أمرا حساسا ومؤثرا على قدرة المواطن البريطاني العادي على شراء احتياجاته الأساسية. حيث أدى انخفاض العملة أيضا إلى صعود في عوائد السندات مما هدد بفوضى في قطاع معاشات التقاعد التي تستثمر أموالها في السندات الحكومية وكذلك إلحاق الضرر بسوق الإسكان الذي يتأثر بأسعار الفائدة مما قد يزيد من مخاطر الركود في الاقتصاد.

 

أدى تراجع العملة السريع أمام جميع العملات من اليورو إلى البيزو الأرجنتيني إلى انخفاض أسعار السندات الحكومية البريطانية، حتى أن عددا من خبراء الاقتصاد وجهوا دعوة علنية لبنك إنجلترا المركزي لإعلان زيادة الفائدة لوقف الكارثة، لكنه آثر التدخل "المؤقت" في السوق بشراء سندات لمدة محددة، بجانب تأجيل مزاد لبيع ديون كما أعلن أمس.

 

وقالت "سيما شاه" كبيرة المحللين لدى "برنسيبال جلوبال انفستورز" إنه بمجرد أن بدأت السوق التحرك بهذا النوع من الزخم، من الصعب أن تضع رقما للقاع الذي سيصل إليه الإسترليني"، مضيفة "أنها كمستثمرة تتبنى رؤية طويلة المدى، وإذا نظرت إلى المملكة المتحدة كموقع للاستثمار على مدى خمس سنوات" فإنها تستبعد الدخول فيها.

 

يحمل المستثمرون حكومة "ليز تراس" مسؤولية التراجع المدوي قائلين إنه كان بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، خاصة في ظل حالة من العزوف عن الأصول البريطانية في الآونة الأخيرة بسبب النمو الضعيف للناتج المحلي الإجمالي المستمر منذ عشر سنوات تقريبا، وتداعيات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، واعتماد المملكة المتحدة على المستثمرين الأجانب في تمويل عجز المعاملات الجارية الكبير.

 

وقالت "بيثاني باين" مديرة محفظة السندات العالمية لدى "يانوس هندرسون انفستورز" إن النتائج التي تمخضت عن التغيير في جدول أعمال الحكومة ستستمر لفترة واصفة الحكومة "بغير المسؤولة" لإعلانها تلك السياسات دون إصدار توقعات للاقتصاد ككل.

 

تحرك المركزي

 

 

وبالفعل حاول بنك إنجلترا المركزي تدارك الأمر من خلال إعلانه التدخل لإعادة شراء السندات الحكومية سعيا منه لتهدئة المستثمرين والأسواق، وقال إنه تلقى عروض بيع بقيمة 2.587 مليار إسترليني في أول عملية. وتعهد البنك بالاستمرار في شراء السندات الحكومية الأطول أجلا بأي قدر مطلوب في الفترة بين 28 سبتمبر و14 أكتوبر.

 

ويرى المراقبون أن تحرك المركزي يهدف في الأساس لمعالجة المشكلات التي تواجه صناديق استثمار معاشات التقاعد الشديدة التأثر بأي انخفاض مفاجئ في أسعار السندات طويلة الأجل، خاصة أنه في ظل الظروف القاسية في السوق يمكن أن تنشأ حلقة مفرغة من البيع القسري والمزيد من انخفاض الأسعار وهكذا.

 

لكن برنامج الشراء الذي وضعه البنك المركزي هذه المرة يختلف عن ذلك الذي أطلقه خلال جائحة كوفيد في عام 2020، وكذلك بعد الاستفتاء على خروج بريطانيا من التكتل الأوروبي وعقب الأزمة المالية العالمية في 2008-2009، إذ إنه مصمم ليكون قصير الأجل جدا.

 

لذا بدا أن تحرك البنك المركزي لا يبدو كافيا من وجهة نظر السوق، إذ يشكو مستثمرون من ارتفاع التضخم في المملكة المتحدة بشكل أكبر من نظرائها في أوروبا، إذ إن معدل التضخم فيها هو الأعلى بين اقتصادات مجموعة السبع الكبرى، كما أن قوة الدولار في ظل عدم معاناة الولايات المتحدة من أزمة طاقة مماثلة لما يحدث في أوروبا بسبب الحرب الروسية الأوكرانية تضغط أيضا بشكل كبير على العملة البريطانية.

 

وحتى الآن لم تبد الحكومة البريطانية ردة فعل على الفوضى بتراجعها مثلا عن السياسات الاقتصادية التي أعلنها وزير المالية، وبدلا من ذلك قال مكتب رئيسة الوزراء إنه سيكون هناك إعلانات للمزيد من الإصلاحات لتحسين إمكانات نمو الاقتصاد البريطاني والتي من المحتمل أن تتضمن تغييرات في نظام الهجرة وضخ المزيد من الاستثمارات في التدريب والبنية التحتية.

 

كان لانخفاض الإسترليني أيضا تأثير كبير على سوق الإسكان البريطانية إذ سارعت شركات الرهن العقاري إلى مواكبة التغييرات الجامحة في أسواق التمويل بالإسترليني التي تحدد معدلات الرهن التي يعرضونها على مالكي المنازل.

 

وتوقفت بعض الشركات عن إبرام صفقات رهن عقاري لعملاء جدد وقامت شركات أخرى بزيادة معدلات السداد للقروض الجديدة إلى مستويات من المحتمل أن تضغط على الوضع المالي للملايين من مالكي المنازل الحاليين وتجعل الحصول على قروض الرهن العقاري أمرا غير ميسور التكلفة للكثيرين.

 

هل يعيد التاريخ نفسه؟

 

 

يقارن البعض بين الأزمة الحالية والأزمة التي واجهتها العملة البريطانية في عام 1976، حين كان الاقتصاد في حالة يرثى لها بفعل ضغوط ناجمة عن محاولات غير ناجحة لتنشيط الاقتصاد فاقمتها أزمة حظر النفط العربي عن الغرب. تجاوز معدل التضخم وقتها 25% في عام 1975، وواجه الإسترليني الذي تم تعويمه حديثا سقوطا حرا، ليبلغ في النهاية أدنى مستوى قياسي له في ذلك الوقت عند 1.58 دولار في أكتوبر من عام 1976.

 

أشارت مجموعة من التوقعات الحكومية القاتمة بشأن الاقتراض وقتها إلى أن بريطانيا ربما لم تعد قادرة على تحمل نفقاتها، مما أجبر وزير المالية "دينيس هيلي" على طلب مساعدة خارجية من صندوق النقد الدولي مما وجه لطمة لمكانة بريطانيا كقوة اقتصادية كبرى. بلغت قيمة القرض 3.9 مليار دولار وهو أكبر قرض يتم الحصول عليه من الصندوق على الإطلاق وقتها وجاء على حساب تخفيضات كبيرة أجرتها بريطانيا في الإنفاق العام.

 

المصادر: أرقام- رويترز- الجارديان

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.