وجّه بنك الكويت المركزي إلى مسؤولي البنوك سؤالاً بقصد استيضاح مصير الحسابات الجارية المعلّقة لديها منذ سنوات.
وباختصار ومن دون أي تعقيد جاء السؤال الرقابي: «لماذا تحتفظون بالحسابات المحبوسة لديكم إلى الآن، وماذا فعلتم لردّها إلى أصحابها أو لورثتهم؟».
من حيث المبدأ، تتوزع الحسابات المهملة، أو ما يُعرف باسم الخاملة، بين حسابات توفير، وراتب، وجارية، وأخرى مرتبطة بودائع نائمة منذ أكثر من عقدين.
أما عن مناسبة تجدد هذا الحديث، فجاءت على خلفية اكتشاف احتفاظ 4 بنوك بحسابات أشخاص، تحتوي على أرصدة لا يطالب بها أحد منذ سنوات طويلة، بعضها وصل لأكثر من 10 سنوات وأخرى لعقود.
البنوك جاهزة
بالطبع، هناك حسابات عدة لدى المصارف أو المؤسسات المالية والاستثمارية التي توصف بالخاملة بسبب عدم مراجعة أصحابها لهذه الجهات منذ فترة طويلة، ومصرفياً تعد هذه الظاهرة قديمة، وليست جديدة، لكن يبدو أن مسؤولي «المركزي» يسعون للعمل على معالجة هذا الملف جذرياً، بامتصاص هذه الأرصدة في قنوات توصلها لأصحابها بطريقة أسرع.
ومن ثم بدا واضحاً أن البنوك كانت جاهزة بالرد على الناظم الرقابي في شأن أنظمتها التقليدية المطبّقة لمعالجة هذه الأموال، حيث أشار مسؤولوها إلى أنهم استنفدوا جميع الإجراءات المتبعة، ومن ضمنها التنسيق مع الهيئة العامة للمعلومات المدنية حول تحديث بيانات هؤلاء العملاء، علاوة على نشر إعلانات غير تفصيلية تدعو للمراجعة.
لكن من الواضح أن أياً من هذه الإجراءات لم يقد البنوك إلى نتيجة واضحة، حيث لم يسبق أن أفلح بنك بالوصول إلى أصحاب هذه الحسابات أو رد مبالغهم، ما أدى إلى استمرار تراكم طبقاتها لعقود، لتستمر المصارف مع ذلك في حفظها كأمانة، دون منحها أي فوائد في غالب الأحوال.
حلول ممكنة
في المقابل، عُلم أن «المركزي» أفاد بشكل غير رسمي بضرورة بذل مزيد من الجهد المصرفي في هذا الخصوص، ما دفع البنوك للبحث عن حلول أخرى ممكنة تمهيداً لاستشراف رأي «المركزي» بخصوص إمكانية تطبيقها.
ولا تعد البنوك الوحيدة التي تواجه إشكالية في التعامل مع الحسابات الخاملة، فهناك صناديق استثمارية محلية تعاني من هذه الإشكالية المحاسبية.
وعملياً هناك أكثر من اعتبار أسهم في زيادة أعداد الحسابات الخاملة ببنوك الكويت، أولها الاكتتابات العامة في الشركات المساهمة التي طرحت الدولة حصة منها للمواطنين، حيث فتحت شريحة كبيرة منهم حسابات مصرفية لهذه الملكيات، قبل أن ينقطع اتصالهم بالبنك، كما أن هناك حسابات منسيّة فُتحت منذ نهاية الثمانينات.
وهناك حسابات أيضاً مفتوحة في بعض البنوك منذ منتصف التسعينات، لكنها «منسيّة»، حيث لم ينفذ أصحابها أي عمليات سحب أو إيداع عليها منذ وقتها، وذلك بسبب قلة المبالغ المودعة فيها، فضلاً عن أن أصحاب بعض الحسابات هجروها منذ سنوات طويلة بعد انتقالهم لأخرى باتت رئيسية في توجيه تعاملاتهم المصرفية.
وبينت المصادر أن أرصدة بعض هذه الحسابات لا تتجاوز 15 ديناراً، في حين تصل مبالغ أخرى إلى مئات الآلاف.
علاوة على ذلك، زاد ارتفاع وتيرة المغادرين من الوافدين بالآونة الأخيرة، لانتهاء فترة أعمالهم أو لترحيلهم، نسبة الحسابات الخاملة، لكن في الغالب المبالغ الموجودة فيها متدنية جداً، وبعضها لا يحتوي إلا على دنانير تعدّ على أصابع اليد الواحدة.
ولفتت المصادر إلى أن هناك إجراءات مصرفية عالمية مستخدمة للتعامل مع هذه الأموال، ضاربة مثالاً بسويسرا، حيث يتم نشر قوائم بالأسماء ذات العلاقة بالودائع التي ظلت في حسابات أصحابها لعقود، دون أي حركة.
إجراء مقبول
وأوضحت المصادر أن هذا الإجراء لا يعد مقبولاً في الكويت، باعتبار أن سويسرا تمثل خزينة رؤوس الأموال السرية، وأكثر البلدان التي استضافت أموالاً أجنبية عابرة للحدود، أما محلياً فتعتبر المصارف هذه الحسابات من أسرار كل بنك، ولذلك لا توجد لديها قوائم رسمية مجمّعة بأسماء أصحابها، علماً أن آجال بعضها يمتد إلى الغزو العراقي للكويت، ما يزيد التعقيد المصرفي في الوصول إلى أصحابها، خصوصاً التي فُتحت نهاية الثمانينات وسُجلت بدون رقم هاتف، أو بيانات تواصل حديثة مثل المطبّقة حالياً، فيما لم يراجع أصحابها أو ورثتهم البنك بخصوصها لعشرات السنوات.
رد المبالغ
وأشارت المصادر إلى أن «المركزي» يحرص على رد المبالغ الخاملة إلى مستحقيها لأكثر من سبب، فمن ناحية تمثل تلك المبالغ مديونية راكدة على البنك ولا يمكن التصرف فيها بأي غرض مصرفي، ومن ناحية ثانية هناك مخاوف رقابية من إمكانية السحب غير الشرعي من الحسابات غير المفعّلة منذ أعوام، حيث تكون عرضة لمخاطر استغلالها من موظفين ضعاف النفوس، متصيّدين لمثل هذه الحسابات، كما تم اكتشافه بالفعل في وقت سابق، أخذاً بالاعتبار أنه لا يمكن تغافل مخاطر استغلال هذه الحسابات كنافذة لعمليات غسل الأموال.
ومصرفياً تعد البنوك القديمة أكثر انكشافاً على الحسابات المهملة من المؤسسة حديثاً، وتحديداً آخر 10 سنوات، وهي الفترة التي قامت فيها البنوك باستحداث قاعدة بيانات أكثر شمولية، تسمح للبنوك الوصول إلى أصحاب الحسابات المهملة بسهولة، فيما تُمكّن الوسائل الحديثة البنوك من تجميد الحسابات موقتاً بمجرد وفاة أصحابها، وذلك حتى ظهور المستحقين ومطالبتهم بها.
معالجات تحت الدراسة
تعكف بنوك على دراسة حزمة مقترحات لمعالجة أوضاع الحسابات الخاملة، يمكن حصر أبرزها في الآتي:
1- التعامل مع الحسابات الخاملة بالقاعدة الشرعية المنظمة لـ «أموال اللقطة» حيث يحفظها الملتقط لأصحابها كأمانة وإن لم يصل إليهم يتبرع بها بأسمائهم.
2- تحتفظ البنوك التي لديها أرصدة وحسابات استثمارية وودائع وصناديق خاملة بهذه الأموال والوحدات بشكل آمن، ولمدة محددة يتم الاتفاق عليها مستقبلاً مع الناظم الرقابي، على أن تُحوّل إلى «المركزي» بعد انقضائها لتكون مودعة لديه، بأرقام مرجعية لكل حساب تُمنح مستقبلاً لكل مستحق لها إذا ظهر وراجع البنك.
3- عقد جمعية عمومية للبنك ليقرّر المساهمون الطرق المُثلى للتعامل مع هذه الأموال بعد التنسيق مع «المركزي».
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}