"فانجارد" .. عملاق إدارة الأصول يرفع شعار "الأسواق خطرة" تعاملوا معها بحرص

عندما يتم ذكر عمالقة إدارة الأصول غالبًا ما يتم رصد العديد من الأسماء، ولا يمكن إغفال "فانجارد" الأيقونية بينها، حيث تأتي الشركة في المرتبة الثانية بعد "بلاك روك" وتستحوذ على قرابة 19% من السوق وسط تكهنات متعددة بأن معدلات نمو أصول الشركة الحالية قد تؤهلها لأن تكون في الصدارة خلال أعوام قليلة.

ويصل حجم الأصول التي تديرها الشركة إلى 7.2 تريليون دولار، بينما يصل حجم الأصول التي تديرها "بلاك روك" إلى 10 تريليونات دولار، وتعتمد الشركة على عدد كبير من المحللين وخبراء الأسواق وجامعي البيانات، يصل عددهم إلى 19 ألف موظف تقريبًا، كما تستخدم برنامج الذكاء الاصطناعي "علاء الدين" الخاص بمنافستها الأبرز "بلاك روك".

التأسيس ومؤشر الأسهم

وأسس رجل الأعمال الأمريكي "جاك بوجل" الشركة، وذلك بعد أن مر بتجربة "فاشلة" في شركة مماثلة عام 1974، حيث تسبب إقراره عملية دمج بين شركتين في خسارة كبيرة للشركة بما أدى لفصله منها، ليقرر البدء في إقامة شركة جديدة على أسس مختلفة وبالفعل أقام "فانجارد".

وتم تسمية الشركة على اسم سفينة حربية بريطانية قديمة اشتهرت بقدرتها على خوض معارك عدة دون التعرض للغرق، والاسم هو شكل من أشكال الحماية الحربية وأقرب ما يكون لـ"الطليعة الحربية المصفحة" باللغة العربية، في إشارة أيضًا إلى قدرة الشركة على الاستمرار طويلًا.

ومن ضمن العناصر التي ميزت الشركة لدى إطلاقها وتبنتها الكثير من شركات إدارة الأصول حاليًا هي مؤشرات الأسهم الداخلية، بمعنى أن تقر "فانجارد" مؤشرًا يضم مجموعة من الشركات التي تستثمر فيها، والتي يحصل المشارك فيها على متوسط مرجح لأرباح الاستثمار في كافة الأسهم وليس على سهم بعينه.

وعندما تم إطلاق صندوق "فانجارد 500"، وهو مؤشر الأسهم الخاص بالشركة جمع 11 مليون دولار فقط في أول اكتتاب له في عام 1976. واعتبارًا من منتصف  يوليو 2022 ، كان الصندوق يدير أكثر من 709 مليارات دولار من الأصول، وأصبح أحد أبرز المؤشرات التي يستدل بها المتعاملون في السوق الأمريكية على اتجاه السوق.

الاستفادة من الخطأ

ويقول "بوجل" مؤسس الشركة إن الخطأ الذي ارتكبه في المراحل الأولى من حياته هو محاولة حصد أموال طائلة في أوقات قصيرة، معتبرًا أن الثروات الكبيرة لا يجب أن تدار بمنطق الرهانات ولكن بمنطق الدراسة، ويضيف :"إذا كانت الأسواق وإدارة الاستثمارات محفوفة بالمخاطر والصعوبات والمفاجآت لمن يقوم بالدراسة الوافية، فما بالنا بمن لا يقوم بها".

وبالفعل بدأت "فانجارد" أعمالها رافعة شعار "لهؤلاء الراغبين في الاستثمار قصير الأجل فإننا لسنا المكان المناسب، نحن المكان الذي تقصده إذا أردت الاستثمار المستمر والمستقر (المستدام) وليس بعض المضاربات السريعة"، وبالفعل بدأت الشركة بالالتزام بهذا النهج.

وتقاعد "بوجل" من منصب الرئيس التنفيذي والرئيس في عام 1999 وقدم كتاب Common Sense on Mutual Funds: New Imperatives for the Intelligent Investor"  في العام نفسه، والذي أصبح منذ ذلك الحين مرجعًا كلاسيكيًا للمستثمرين في جميع أنحاء العالم.

استهداف العملاء الكبار

وتختلف "فانجارد" عن "بلاك روك" في العملاء الذين تستهدفهم كل شركة، ففي الوقت الذي تميل الأخيرة إلى استهداف العملاء الأصغر تميل الأولى لاستهداف العملاء الكبار (تتعامل الشركتان مع جميع العملاء ولكن استراتيجيتهما الأساسية تختلف).

وعلى ذلك تعطي "فانجارد" ميزة نسبية لكبار العملاء من خلال منح أي عميل تزيد معاملاته على مليون دولار 25 صفقة تداول مجانية بلا عمولات أرباح أو عمولات أساسية، ويحصل من تزيد استثماراته على 5 ملايين دولار على 100 صفقة تداول مجانية تمامًا.

أما بالنسبة للعملاء الذين لديهم أقل من مليون دولار في أصول الصناديق المشتركة، فإن الأمر يكلف 20 دولارًا لتداول صندوق مشترك كرسوم للمعاملات عبر الإنترنت، فضلًا عن رسوم إضافية بقيمة 25 دولارًا بمساعدة الوسيط عبر الهاتف، كما تفرض الشركة رسومًا 20 دولاراً على المتعامل سنويًا، وهو ما يؤكد استهداف الشركة العملاء الأثرياء دون غيرهم.

تدريب العملاء

ومن ضمن العناصر التي تمتاز بها "فانجارد" تقديم دورات تدريبية لمن يقومون باستثمار أموالهم لديها، حتى يعلموا النهج السليم للاستثمار أولًا ولكي يعلموا أسباب التحركات التي تقوم بها الشركة في الأسواق دون الحاجة لتقديم إيضاحات كثيرة ثانيًا.

ويأخذ كثيرون على الشركة عدم توفيرها بيانات آنية للمستثمرين عن حالة استثماراتهم، كما هو الحال مع غالبية شركات إدارة الأصول، وتقتصر الشركة على التقارير الدورية، الشهرية وربع السنوية، التي تمد بها المستثمرين، وتعتبر الشركة أن هذه وسيله لمنع الانغماس الزائد للمستثمرين في أعمالها، بما يشكله ذلك من عبء كبير لإدارة استفساراتهم وطلباتهم، وترى في ذلك اتساقًا مع منهج الشركة الساعي للتعامل مع مستثمرين أكثر نضجًا لفترات أطول.

والشاهد أن أسلوب "فانجارد" في الاستثمار "الهاديء" جعلها تحصد تقييمات مرتفعة للغاية من العملاء في ظل النتائج الطيبة التي تحققها، متفوقة على مراكز مالية قوية مثل "جي.بي.مورغان" و"ميريل لينش" وغيرها، وهو ما يؤهلها في نظر كثيرين لتحقيق نمو كبير في الأصول في ظل الاضطرابات الاقتصادية الحالية والمتوقعة.

المصادر: أرقام- فورتشن- واشنطن بوست- سي.إن.بي.سي- انفستوبيديا