نبض أرقام
11:09 م
توقيت مكة المكرمة

2024/11/21

مراكز استهلاك الطاقة في العالم .. صراع في الخفاء على الإمدادات وسط أزمة خانقة

2022/10/17 أرقام - خاص

تراقب آسيا في شبه صمت الصراع الدائر بين روسيا من جانب وأوروبا والولايات المتحدة من جانب آخر، لكن ما يثير قلق القارة وبشدة ليس الجانب العسكري على الرغم من خطورته وتداعياته على الاقتصاد العالمي ككل، ولكن هناك جانب آخر أكثر أهمية وهو الحرب على الطاقة وسط أزمة بسبب شح في الإمدادات.

 

فمنذ اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا، تستخدم روسيا النفط والغاز كسلاح رئيسي في المعركة للضغط على العالم الغربي بينما تسعى أوروبا بكل قوتها لاستبدال إمدادات الطاقة الروسية وعلى رأسها الغاز في الأساس في الوقت الذي تعكف فيه على حرمان موسكو من مصدر رئيسي للتمويل تمثل في النفط عبر الدعوة لفرض سقف لأسعار النفط الروسي.

 

آسيا ونصيب الأسد 

 

 

القلق في آسيا لا يأتي من فراغ، إذ إن لها نصيب الأسد من استهلاك الطاقة عالميا بحصة قدرها 45.8 % فيما يبلغ نصيب أوروبا 13.8% فقط بينما تسبقها أمريكا الشمالية، التي تضم الولايات المتحدة وكندا والمكسيك بحصة قدرها 19.1%.

 

تأتي الصين على رأس الدول الآسيوية المستهلكة للطاقة بحصة 26.5% عالميا، وتليها الهند بنسبة 6.0% ثم اليابان بواقع 3.0% وتليها كوريا الجنوبية بواقع 2.1%. أما في القارة الأوروبية العجوز، فإن ألمانيا تتصدر مستهلكي الطاقة عالميا داخل أوروبا بحصة 2.1% ثم تأتي بعدها فرنسا بحصة 1.6 بالمائة وبريطانيا بواقع 1.2%، وتتقاسم إيطاليا وتركيا المركز الرابع بحصة متساوية قدرها 1.1 بالمائة.

 

تتركز الأزمة حاليا ونظرا لتركيبة البنية التحتية الأوروبية في مجال الطاقة تحديدا على الغاز الطبيعي، فأوروبا التي تحصل على قدر كبير من إمدادات الغاز عبر خطوط الأنابيب حولت وجهتها إلى الغاز الطبيعي المسال باعتباره الوسيلة الأسرع والأكثر فاعلية في تعويض إمدادات الغاز الروسية التي انخفضت بشدة منذ بداية الحرب مما يهدد أوروبا بشتاء قارس لم تعهده من قبل.

 

بالطبع تشير إحصاءات الاستهلاك إلى أن هناك حربا في الخفاء بين آسيا وأوروبا لتأمين إمدادات الطاقة بوتيرة متنامية مما يلقي الضوء على مخاطر ارتفاع الأسعار والتي تضيف المزيد من الضغوط على أزمة تكاليف المعيشة.

 

وتتربع الصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، على عرش أكبر مستوردي الغاز الطبيعي المسال بعد أن أزاحت اليابان من هذا المركز في العام الماضي والذي هيمنت عليه طوكيو لمدة 51 عاما.

 

وبلغ متوسط واردات الصين من الغاز المسال 109.5 مليار متر مكعب في 2021 بزيادة 16.8% عن 2020.

 

في الوقت ذاته تبلغ واردات اليابان إحدى أكبر قلاع الصناعة الآسيوية 101.3 مليار متر مكعب في المتوسط في 2021 دون تغيير تقريبا عن العام السابق. وتليها كوريا الجنوبية بواردات 64.1  مليار متر مكعب بنمو سنوي 16%، وتعقبها تايوان بمقدار 26.8 مليار متر مكعب، وتأتي بعدها الهند بواقع 33.6 مليار متر مكعب.

 

قلق من الهيمنة الصينية




تثير هيمنة الصين بالطبع على صادرات الغاز القلق في أنحاء العالم، وزاد إنتاج الصين من الغاز 6% في أول ثمانية أشهر من العام الجاري مقارنة مع نفس الفترة من 2021، وارتفع الإنتاج بمعدل سنوي مركب عند 7% على مدى السنوات العشر الماضية ليتضاعف بذلك بين عامي 2011 و2021، في الوقت الذي شجعت فيه الحكومة عمليات تطوير لحقول عملاقة في سيتشوان وشينجيانغ وحوض أوردوس.

 

لكن ما يثير القلق بشأن الصين هو أن الاستهلاك ينمو بوتيرة أسرع، عند معدل مركب بلغ قرابة 11% في نفس الفترة، مع توصيل المزيد من المنازل بشبكات التوزيع.

 

ويلعب الغاز دورا رئيسيا في استبدال الخشب والفحم والغاز المعبأ للاستخدامات المنزلية والتجارية سواء للتدفئة أو للطبخ مما يساهم في خفض التلوث في المدن وتحسين جودة الحياة.

 

وارتفع عدد السكان المستهلكين للغاز في الصين إلى 413 مليونا في 2020 من 286 مليونا فقط في 2015 و170 مليونا في 2010. وشكل الغاز ما يزيد على 8% من استهلاك الصين الأساسي للطاقة في 2020 ارتفاعا من 4% في 2010 و2% فحسب في 2000.

 

ومن حيث الإنتاج باتت الصين رابع أكبر منتج للغاز في 2021، بعد الولايات المتحدة وروسيا وإيران، لكنها أيضا ثالث أكبر مستهلك في العالم بعد الولايات المتحدة وروسيا. لكن على النقيض من الولايات المتحدة وروسيا، وهما مصدران صافيان للغاز، فإن الصين اضطرت على نحو متزايد إلى التحول إلى الاستيراد لتلبية احتياجاتها لتصبح أكبر مستورد للغاز في العالم.

 

وارتفع صافي احتياجات الصين الاستيرادية إلى 170 مليار متر مكعب في 2021 من 29 مليار متر مكعب في 2011. وتعول بكين على الغاز المستورد لتلبية 45% من الاستهلاك المحلي في 2021 ارتفاعا من 34% في 2016 و21% في 2011.

 

بالطبع فإن زيادة الاعتماد على الغاز المستورد بات إحدى نقاط الضعف الاستراتيجية للصين في الوقت الذي تتدهور فيه علاقاتها مع الولايات المتحدة وحلفائها.

 

ويصل ثلث الغاز الذي تستورده الصين البلاد برا عبر خطوط أنابيب، لكنّ ثلثي الغاز يصل بحرا في صورة شحنات غاز مسال وتزيد تلك الحصة بشكل متصاعد.

 

ونمت الواردات من الغاز عبر خطوط الأنابيب بمعدل سنوي مركب 15% على مدى العشر سنوات الماضية بينما زادت واردات الغاز الطبيعي المسال 21% سنويا. ويأتي الغاز المدفوع عبر خطوط الأنابيب بشكل رئيسي من آسيا الوسطى، نحو 41 مليار متر مكعب ومن روسيا، حوالي 8 مليارات، وهي دول تحتفظ بعلاقات دبلوماسية ودية مع بكين.

 

لكن أكثر من نصف إجمالي الغاز المسال المستورد يأتي من دول غير صديقة، على الأخص أستراليا، التي تمد الصين بنحو 44 مليار متر مكعب، والولايات المتحدة التي تصدر للصين قرابة 12 مليارا. وتأتي شحنات غاز مسال أصغر حجما للصين من قطر، نحو 12 مليار متر مكعب، وماليزيا، نفس المقدار، وكذلك روسيا بنحو 6 مليارات.

 

بالطبع تجد الصين نفسها في موقع أقوى من حيث الغاز المدفوع عبر خطوط الأنابيب في ظل تطلع روسيا إلى مشترين للغاز الذي تضن به على أوروبا، لكن بناء خطوط أنابيب جديدة يستغرق سنوات وقد يسفر عن انخفاض هامشي فقط في شحنات الغاز المسال على الأرجح.

 

اليابان وكوريا الجنوبية منافسان شرسان

 

 

الصين ليست وحدها في الحلبة إذ تتطلع اليابان وكوريا الجنوبية، ثاني وثالث أكبر مستوردين للغاز الطبيعي المسال، إلى تدبير إمدادات لفصل الشتاء وما بعد ذلك في الوقت الذي زاد فيه المنافسة الحامية من جانب آسيا على الغاز المسال، الذي يتم شحنه بحرا في ناقلات عملاقة، بسبب سعي أوروبا لاستبدال الغاز الطبيعي الذي تحصل عليه عبر خطوط الأنابيب من روسيا.

 

وقال مدير إحدى شركات الطاقة التي مقرها آسيا إن هناك نوعا من التدافع لتأمين شحنات من الغاز المسال حتى نهاية العام الجاري وفي عام 2023، مضيفا أن هذه الخطوة والتي بدأت في أغسطس كانت مبكرة عن المعتاد.

 

من جانبه قال "توبي كوبسون" الرئيس العالمي للتداول والاستشارات في شركة "ترايدنت للغاز المسال" المتخصصة في تداول الغاز إن هناك نشاطا كبيرا إلى حد ما من جانب الشركات اليابانية والكورية الجنوبية لشراء الغاز المسال لشهور نوفمبر وديسمبر ويناير.

 

وأضاف كوبسون أن اليابان وكوريا الجنوبية لديهما مشكلة بشأن أمن الطاقة، وأن هناك شعورا بالقلق الفعلي حيال ما سيحدث على المدى القصير والمتوسط والطويل. وقال كوبسون: "أعتقد أن هذا العام والربع الأول من العام المقبل سيشهدان منافسة مستمرة بين أوروبا وآسيا في التنافس على تقديم العروض في السوق.

 

وتسببت الأزمة الروسية في ارتفاع السعر القياسي للغاز في أوروبا فوق نظيره الآسيوي بسبب الطلب المتزايد، مع خفض إمدادات الغاز الروسية إلى مستوى قياسي غير مسبوق ومخاوف من شبه توقف للإمدادات مستقبلا.

 

ويحفز ارتفاع الأسعار في أوروبا شركات تداول الغاز لإرسال شحنات أكبر من الغاز المسال إلى هناك سعيا لهوامش ربح أعلى. ويقول خبراء إن فروق الأسعار كبيرة جدا لدرجة أنه في بعض الحالات، يمكن لشركات التداول المرتبطة بعقود طويلة الأجل في آسيا فسخ عقد قائم، وسداد الغرامة، وتحقيق ربح على الرغم من ذلك إذا باعوا الشحنات في أوروبا.

 

وتتنافس أوروبا وآسيا على نطاق واسع للحصول على الغاز من الولايات المتحدة. وصدرت واشنطن 74% من غازها المسال إلى أوروبا في أول أربعة أشهر من العام الحالي مقارنة بمتوسط سنوي بلغ 34% في العام الماضي وفقا لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية. وآسيا كانت الوجهة الرئيسية للصادرات الأمريكية من الغاز المسال في عامي 2020 و2021.

 

 

وعلى الرغم من أن دولا مثل اليابان وكوريا الجنوبية كانت قادرة على تحمل ارتفاع الأسعار إلى حد ما، فإن الدول الآسيوية النامية التي تعاني من ضائقة مالية بات عليها أن تتحمل وطأة صعود الأسعار.

 

وقال متعامل إن الديناميكية الحالية للسوق تعني أنه ستكون هناك أوقات ستضطر فيها آسيا إلى دفع مقابل يفوق القيمة الفعلية لجذب شحنات الغاز المسال، وأضاف أنه من غير المستبعد أن تشهد السوق ذلك قبل فصل الشتاء مع تزايد الشكوك بشأن مستويات تخزين الغاز في أوروبا.

 

يقول متداول آخر إن تحركات الصين والتي كانت تتسم بالفتور في سوق الغاز الطبيعي المسال ستظل محركا رئيسيا حتى الشتاء.

 

والطلب على الغاز كان منخفضا في البلاد بشكل عام بسبب التباطؤ الاقتصادي نتيجة عمليات الإغلاق الهادفة لمكافحة فيروس كورونا، وقال "أليكس سيو" كبير محللي الغاز في آسيا لدى شركة الاستشارات "ICIS" إن بكين أبلت بلاء حسنا في الحد بشكل كبير من الاعتماد على الغاز المسال الفوري، لدرجة أن الطلب الحالي على الغاز المسال يعتمد كليا تقريبا على الغاز المسال المورد عبر عقود. كما أن الصين تعيد بيع الغاز المسال الذي لا تحتاجه مما يخفف من بعض الشح في الأسواق العالمية.

 

لكنه قال في الوقت ذاته إن السوق تدرك جيدا مخاطر دخول الشركات الصينية في الدقيقة الأخيرة لشراء شحنات غاز مسال.

 

وتقول "سامانثا دارت" رئيسة أبحاث الغاز الطبيعي لدى جولدمان ساكس إنه مع اقتراب فصل الشتاء، ستحتاج دول مثل اليابان وكوريا الجنوبية لإعادة بناء مخزوناتها".


 

المصادر: أرقام- تقرير المراجعة السنوية الإحصائية للطاقة العالمية من بي بي- رويترز- فاينانشيال تايمز- إدارة معلومات الطاقة الأمريكية

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.