"لا تضع البيض كله في سلة واحدة" قاعدة يحفظها أثرياء العالم عن ظهر قلب ويطبقونها كل نهار، فمن الصعب للغاية أن تجد ثرياً واحداً يضع أمواله كلها في سوق واحدة أو فئة معينة من الأصول، بالطبع كلما زاد ثراؤهم كلما زادت إمكانية توزيع أموالهم في فئات شتى من الأصول.
لذا يستثمر الأثرياء أموالهم في مزيج من الأصول المالية والعقارية بما في ذلك الأسهم، والصناديق المشتركة، وحسابات التقاعد، والعقارات.
النقد على رأس القائمة
على العكس من الاعتقاد الشائع، فإن كثيرا من أصحاب الملايين وربما معظمهم يقتصدون في الإنفاق، لسبب بسيط وهو أنهم إذا أنفقوا أموالهم بتبذير فلن يكون لديهم الأصول اللازمة لزيادة ثرواتهم.
وبينما تشير المسوح إلى أن 20% من المليونيرات في الولايات المتحدة ورثوا ثرواتهم، فإن النسبة الغالبة من بين 20.27 مليون مليونير هناك لم يرثوا ثرواتهم. كما أن ثلثي المليونيرات هم من رواد الأعمال.
ينفق عادة الأثرياء على الضروريات وبعض الكماليات، لكنهم يدخرون ويتوقعون من عائلاتهم بأكملها أن تفعل الشيء نفسه. ويحتفظ العديد من أصحاب الملايين بالكثير من أموالهم نقدا أو بأشباه نقد مرتفعة السيولة، كما أنهم يميلون لإنشاء صندوق للطوارئ حتى قبل أن يشرعوا في الاستثمار.
وتشير الدراسات إلى أن المليونيرات يحتفظون بنحو 25% من أموالهم في صورة نقدية وذلك لمواجهة أي تراجع للسوق وكي تكون لديهم سيولة كتأمين لمحافظهم.
كما أن أشباه النقد، والأدوات المالية التي تتسم بالسيولة مثلها مثل النقد هي استثمار شائع بين المليونيرات. ومن أمثال أشباه النقد، الصناديق المشتركة لأسواق النقد، وشهادات الإيداع، والأوراق المالية التجارية وأذون الخزانة.
وعادة ما يبقي المليونيرات على حساباتهم في البنوك الخاصة خاوية، وحينما يقومون بكتابة شيك للصرف من رصيدهم الخاوي في البنوك الخاصة فإن البنك الخاص، بصفته أمين الحفظ للحسابات المختلفة، يبيع ما يكفي من الأصول السائلة لتسوية ذلك الشيك.
بينما يحتفظ بعض المليونيرات بصناديق إيداع مؤمنة مليئة بالنقد المقوم بعملات مختلفة. وعادة ما تتوزع تلك الصناديق على مواقع متعددة في أنحاء العالم.
العقارات
على مدى 200 عام، كان الاستثمار في العقارات أداة الاستثمار الأكثر شيوعا بين المليونيرات للاحتفاظ بأموالهم. طوال كل تلك الأعوام، يبدأ الاتجاه عادة بشراء منزل أساسي وعقارات أخرى، عادة تمنح للمستأجرين. وبعد شراء بعض العقارات الخاصة، سرعان ما يبدأ المليونيرات في شراء العقارات التجارية مثل المباني المكتبية والفنادق، والملاعب الرياضية، والجسور، وغيرها.
وعادة ما يحتفظ المليونيرات بمحفظة عقارية كبيرة، وبمجرد أن يثبتوا أنفسهم كمشترين في سوق العقارات، يبدأ وكلاء العقارات في جلب الصفقات لهم ويجدون أنه من السهل الحصول على التمويل. بالطبع العقارات ليست استثمارا يُعتمد عليه في الحصول سريعا على السيولة، لكنه استثمار حقيقي ومربح على المدى الطويل ومجرب لأصحاب الملايين لأنهم يفضلون الدخل الخامل، وتوفر العقارات لهم ذلك.
يستثمر بعض المليونيرات في صناديق المؤشرات والأسهم التي تقدم توزيعات للأرباح، وللأسهم جاذبيتها إذ إن جزءاً منها استثمار خامل يدر دخلا دون أي مجهود كالعقارات. والمستثمرون الأكثر ثراء قد يمتلكون حصة كبيرة في شركة كبرى أو أكثر. لكن في المعتاد يحتفظ العديد من المليونيرات بمحافظ تحوي بضعة أوراق مالية فقط. كما يستثمر العديدون في صناديق المؤشرات لأنها تدر عائدا جيدا ولا تحتاج إلى وقت لإداراتها.
اتجاهات بديلة
ثمة اتجاه جديد في هذا الصدد إذ يحتفظ بعض أصحاب الملايين بجزء من أموالهم في استثمارات بديلة مثل الأصول الملموسة كاللوحات الفنية أو المنحوتات أو الآلات الموسيقية باهظة الثمن أو الكتب النادرة. كما أن هناك بعض المليونيرات والأثرياء الذين لديهم استثمارات في حقوق الملكية الفكرية مثل حقوق امتلاك الأغاني والأفلام.
وتشير التقديرات إلى وجود نحو 100 ألف مليونير بين حائزي العملات المشفرة مع امتلاك الغالبية لعملة بتكوين. بالطبع كي تجني ثروة من العملات المشفرة يجب أن تكون على استعداد للمخاطرة والعديد من أصحاب الملايين ليس لديهم هذه النزعة. لكن بمرور الوقت، تصبح العملات المشفرة مقبولة لدى البعض كاستثمار يستحق النظر فيه .
فروق الأعمار تحدد الاتجاهات
على الرغم من المعاناة التي تواجهها أسواق الأسهم، فإن الأجيال الأكبر عمرا تثق في الاستثمار بها، لكن الأثرياء من جيل الألفية، المولودين في الفترة بين عام 1981 و1991، بدأوا يستكشفون خيارات أخرى.
تلك النتائج توصلت إليها دراسة أجراها "بنك أوف أمريكا" على ما يزيد على ألف أمريكي أعمارهم 21 عاما أو أكثر لديهم أصول استثمارية بقيمة تزيد على ثلاثة مليارات دولار. وكشفت الدراسة أن 75% من المشاركين في الاستطلاع ممن تتراوح أعمارهم بين 21 إلى 42 عاما، وهم جيل الألفية فعليا، يشعرون أنه من غير الممكن تحقيق عوائد تفوق المتوسط بالاعتماد فقط على الأسهم التقليدية والسندات. وقال 32% فقط ممن أعمارهم 43 عاما فأكثر نفس الشيء.
وقال الأثرياء من جيل الألفية المشاركون في الاستطلاع إنهم خصصوا 25% من محافظهم للأسهم مقارنة مع 55% للمستثمرين الأكبر عمرا. كما أنهم خصصوا قدرا أكبر للاستثمارات البديلة مثل الاستثمار المباشر والسلع الأولية والعقارات وحتى الفنون. وتحظى العملات المشفرة بشعبية كبيرة بين جيل الألفية، إذ تشكل 15% من محافظ المستثمرين مقارنة مع 2% للمستثمرين الأكبر سنا.
وقال "كينيث شيبارد" رئيس الاستثمار المصرفي الخاص لدى بنك أوف أمريكا: "الأجيال الأصغر نشأت خلال فترة من التقدم المذهل حيث يتم تبني الابتكارات الجديدة سريعا ويتم التخلص من الابتكارات القديمة بسرعة... من المرجح أن يتم تطبيق هذه العقلية على الاستثمارات حيث يتم النظر إلى الحلول غير التقليدية مثل الاستثمارات البديلة والأصول الرقمية بشكل أكثر إيجابية من الأسهم والسندات".
من ناحية أخرى، قد يجادل المرء بأن المستثمرين الشبان ليس لديهم شكاوى بشأن أداء سوق الأسهم. فعلى الرغم من الركود الكبير وبعض الصعوبات خلال العام الفائت، يمضي المؤشر "إس آند بي 500" الأمريكي على مسار الصعود منذ بداية القرن.
على الرغم من ذلك، فإن الشخص الذي استثمر 100 دولار في المؤشر "إس آند بي 500" في أعوام 1950، و1960، و1970، و1980، و1990 على الترتيب سيحقق عائدا سنويا يبلغ قرابة 10-11% على استثماراته حتى اليوم. لكن المستثمر الذي بدأ الاستثمار في عام 2000 سيحصل على عائد بنسبة 6% فقط، وهو أحد العوامل العديدة التي يمكن أن تدفع المستثمرين الأصغر سنا نحو استثمارات أقل تقليدية.
وقال "شيبارد" إن العديد من المستثمرين الشباب شكلوا وجهة نظرهم حول نمو السوق خلال "فقاعة الدوت كوم، والأزمة المالية، والوباء، والبيئة التضخمية لعام 2022، ربما أدى ذلك للاعتقاد بأن هناك طرقا أفضل لاستثمار أصولهم من الاستثمارات التقليدية".
في حين أن ثمة بعض الشكوك في أن الأسهم سترتفع بنفس الوتيرة التي سجلتها تاريخيا، يركز المستثمرون الشباب بشكل أقل على أوجه قصور الأسهم، وأكثر على احتمال تحقيق عوائد أعلى من الاستثمارات الأخرى.
وتشير نتائج الدراسة إلى أن نهج المستثمرين الشبان قد يكون مربحا بالفعل. واتفق 49% ممن شملهم الاستطلاع ويملكون أصولا لا تقل عن عشرة ملايين دولار أنه لا يمكن الاعتماد على الأسهم للحصول على عوائد أعلى من المتوسط، مقارنة بنسبة تتراوح بين 42 و32% على التوالي من المستثمرين الذين لديهم أصول تتراوح بين 5 و10 ملايين دولار وأصول بقيمة تتراوح بين 3-5 ملايين دولار.
بشكل عام، يرى المستثمرون الأثرياء أن العملات المشفرة أو الأصول الرقمية والعقارات والاستثمار المباشر وكذلك الاستثمار في شركات بعينها يقدم أفضل فرصة للنمو. هذا بينما يفضل المستثمرون الأكبر عمرا الأسهم الأمريكية ويليها الاستثمار العقاري والأسهم في الأسواق الناشئة والعالمية.
إلى جانب هذا فإن الاستثمار العقاري وهو أحد الاستثمارات التي يجمع الجانبان عليها كانت تاريخيا مسار وصول للثروة للعديد من الأمريكيين. وقال "لورانس كوتليكوف" الخبير الاقتصادي لدى جامعة بوسطن إن العقار يمثل "تحوطا ممتازا في مواجهة التضخم" كما أنه يأتي مع إعفاء ضريبي ويعزل المشترين عن التغيرات في أسعار الإيجار والمساكن، ويحقق التنوع الاستثماري.
لكن ثمة عائق واحد أمام الاستثمار في العقارات وهو التكلفة المتزايدة لملكية المنازل مما يجعل التملك أمرا بعيد المنال للبعض. فقد خلص استطلاع للرأي أجرته "Opendoor" شمل ما يزيد على ألف شخص من جيل الألفية أن 12% فقط يعتقدون أن بمقدورهم تملك منزل، ونحو النصف ليسوا واثقين ما إذا كان بإمكانهم ذلك.
المصادر: أرقام- إنسايدر- ياهو فاينانس
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}