تُثار بين الحين والآخر توترات بين الصين والولايات المتحدة بشأن الملاحة في بحر الصين الجنوبي، في الوقت الذي تتزايد فيه التحذيرات من اندلاع معركة للسيطرة على البحر الذي يلعب دورا رئيسيا في الشحن البحري بمنطقة جنوب شرق آسيا وتمر عبره نحو ثلث التجارة العالمية.
وتطالب الصين بالسيادة الكاملة تقريبا على بحر الصين الجنوبي، وتقول باستمرار إنه جزء من أراضيها، وتتنازع مع الفلبين وبروناي وماليزيا وفيتنام وتايوان على السيادة في هذه المنطقة التي تعتبر ممرا حيويا كبيرا، بينما تقول الولايات المتحدة ومعها بقية الدول إن البحر ممر دولي ملاحي مفتوح.
والممر المائي تحول إلى ساحة مواجهة بين الولايات المتحدة التي تعزز تركيزها على منطقة آسيا والمحيط الهادي والصين التي تسعى لتقوية نفوذها في المنطقة. وتتبادل الدولتان الاتهامات بعسكرة النزاع وتقول واشنطن إن بكين تشيد جزرا صناعية في بحر الصين الجنوبي تشمل مطارات مما يثير مخاوف إقليمية بشأن نياتها.
أهمية استراتيجية لاقتصادات كبرى
وتقول دراسات إن بحر الصين مهم أيضا بصفة خاصة لكل من اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان والصين لأنها تعتمد على مضيق ملقا، الذي يربط بحر الصين بامتداد المحيط الهادي والهندي. ونظرا لأن الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم ويمر ما يزيد على 60% من تجارتها بالبحر، فإن الأمن الاقتصادي للصين مرتبط بشدة به.
ونظرا لكونه ممرا حيويا لعدد من الاقتصادات الكبرى، نال بحر الصين الجنوبي اهتماما متزايدا. ويثير التركز الشديد للبضائع التجارية المتدفقة عبر الممر الضيق نسبيا لمضيق ملقا مخاوف بشأن ضعفه كنقطة استراتيجية. وتشير بيانات إلى أن 5.3 تريليون دولار من البضائع تمر عبر بحر الصين الجنوبي سنويا، فيما تشكل التجارة مع الولايات المتحدة العابرة لهذا الممر 1.2 تريليون دولار. ويعبر 64% من التجارة البحرية الصينية الممر المائي، فيما تعبر 42% من تجارة اليابان الممر. والولايات المتحدة أقل اعتمادا على بحر الصين الجنوبي، إذ يمر عبره 14 بالمائة فقط من تجارتها.
وتشير دراسات إلى أنه في حالة وقوع نزاع عسكري في بحر الصين الجنوبي، فإن معظم الشحنات المتجهة من أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا إلى آسيا والساحل الغربي للولايات المتحدة ستتحول للإبحار إلى جنوب أستراليا.
وستؤدي الزيادة في تكاليف الشحن إلى خفض النشاط الاقتصادي في أنحاء العالم، لكن سيكون لذلك آثار ضخمة على الدول الواقعة في قلب الأزمة وفقا لدراسة نشرها المكتب الوطني الأمريكي للأبحاث الاقتصادية.
ويجري نقل نحو 80% من التجارة العالمية بحرا، وتشير تقديرات إلى أن ما يعبر منها بحر الصين الجنوبي يتراوح بين 20 إلى 33 بالمائة. وتفترض الدراسة أن حدوث صراع سيؤدي إلى إغلاق مضيق ملقا بين ماليزيا وإندونيسيا ووقف حركة العبور من الغرب إلى الشرق بين المحيطين الهادي والهندي عبر بحر الصين الجنوبي.
ولن يكون الأمر مجديا من الناحية العملية لتحويل مسار السفن إلى مضيق توريس في شمال أستراليا لأن الشعاب المرجانية وضحالة الأعماق في بعض المناطق تجعل هذا المسار شديد الخطورة على السفن الكبيرة.
افتراضات مفزعة للتجارة العالمية.
وفي ظل توقف كامل للشحن الدولي عبر بحر الصين، سينكمش الاقتصاد التايواني بمقدار الثلث، بينما سيتراجع اقتصاد سنغافورة بنسبة 22% بناء على تصور أساسي. وستعاني كل من هونج كونج وفيتنام والفلبين وماليزيا من تراجع اقتصادي بين 10 و15 بالمائة.
ويظهر نموذج دراسة أن التأثير الاقتصادي سيكون أقل بالنسبة للبلدان التي تستعمل مسارات تجارية أقصر، وتلك الأكثر قدرة على تعويض خسارة التجارة الدولية بالإنفاق المحلي.
وسيواجه الاقتصاد الصيني خسارة بواقع 0.7 بالمائة نظرا لأن لديه سوقا محلية ضخمة وموانئ خارج منطقة الصراع المحتمل. بينما ستعاني أستراليا من تراجع اقتصادي بنسبة تتراوح بين 1.9% و3.1%، وسينخفض اقتصاد اليابان وكوريا الجنوبية بنسبة تتراوح بين 2% و3%.
ويؤكد الخبراء الاقتصاديون أن نموذجهم يركز فقط على تأثير ارتفاع تكاليف الشحن على إجمالي التجارة لكل بلد وهو نموذج مبسط، لكن العواقب الحقيقية يمكن أن تصل إلى توقف التجارة تماما في بعض السلع والخدمات الأساسية.
ويقول الخبراء إنه من الصعب إحلال بعض السلع التجارية والأولية بالنسبة لبعض الدول المستوردة، على الأخص حين يتعلق الأمر بواردات الطاقة.
تناولت الدراسة التجارة الثنائية بين 51 اقتصادا تمثل 92 بالمائة ومن الناتج المحلي الإجمالي العالمي، منها 19 اقتصادا في شرق آسيا وجنوب شرق آسيا والمحيط الهادي. وقامت باحتساب تراجع التجارة بين 61 ميناء نتيجة للتكلفة الإضافية للشحن.
مكمن للنفط والغاز
ولا تقتصر أهمية بحر الصين الجنوبي على التجارة والشحن فقط، فوفقا لتقديرات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية فنحن أمام ثروة هائلة من النفط والغاز.
وتشير التقديرات إلى أن بحر الصين يحوي قرابة 190 تريليون قدم مكعبة من الغاز الطبيعي و11 مليار برميل من احتياطيات النفط المؤكدة أو المحتملة مع احتمال وجود كميات غير مكتشفة بعد. وقدرت هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية في 2012 أنه يمكن أن يكون هناك 160 تريليون قدم مكعبة أخرى من الغاز الطبيعي و12 مليار برميل من النفط غير المكتشفة في بحر الصين الجنوبي. وتقديرات بكين لموارد الهيدروكربونات الموجودة تحت سطح البحر أعلى بكثير من نظيرتها الأمريكية.
وبالنسبة لمواقع هذه الموارد النفطية والغازية المؤكدة والمحتملة، تقدر إدارة معلومات الطاقة أن معظم الحقول التي تحول النفط والغاز المكتشف تتجمع في أجزاء غير متنازع عليها من بحر الصين الجنوبي بالقرب من شواطئ الدول الساحلية. وتذكر مصادر في القطاع أنه لا يوجد نفط تقريبا فيما يوجد ما يقل عن 100 مليار قدم مكعبة من الغاز الطبيعي في حقول قرب جزر سبراتلي المتنازع عليها. كما تقدر أنه توجد كميات أقل من الغاز ويغيب النفط في منطقة جزر باراسيل المتنازع عليها أيضا.
وقد اختارت بعض الدول التعاون في بحر الصين الجنوبي. فماليزيا وبروناي على سبيل المثال قامتا بتسوية نزاع بشأن تبعية بعض المناطق في بحر الصين في 2009 ودخلتا في شراكة لاستكشاف الموارد قبالة سواحل بروناي. وعلى الرغم من استمرار النزاعات بشأن بعض المناطق، فإن تايلاند وماليزيا وفيتنام تقوم بالاشتراك في تطوير مناطق من خليج تايلاند.
وبناء على حجم النفط المنقول، فإن مضيق ملقا يحتل أهمية تأتي تالية بعد مضيق هرمز في تجارة الخام في أنحاء العالم.
واكتسب مضيق ملقا أهمية متزايدة لأنه أقصر مسار بحري بين إفريقيا وموردي النفط في الخليج والعملاء الآسيويين. ووفقا لتقديرات حكومية أمريكية صادرة في 2016، فإن نحو 16 مليون برميل من النفط الخام و3.2 مليون برميل من الغاز المسال تمر يوميا عبر المضيق. ويمر أكثر من 70% من صادرات الصين من البترول والغاز المسال عبر المضيق مما يجعله منطقة حيوية لأمن قطاع الطاقة الصيني.
وفي 2017، بات ما بين 85 و90 بالمائة من تجارة النفط السنوية العابرة للمضيق نفط خام. ويحتل المضيق أهمية قصوى لنقل الغاز المسال من الخليج والموردين الأفارقة إلى دول شرق آسيا التي يتنامى طلبها على الغاز المسال وأكبر مستوردين للغاز في هذه المنطقة هما اليابان وكوريا الجنوبية.
وفي بعض المناطق منه، يبلغ عرض مضيق ملقا 1.7 ميل فقط مما يخلق اختناقا طبيعيا مع احتمال حدوث تصادمات أو تسريب نفطي.
وإذا تم غلق مضيق ملقا، فسيتعين على ما يقرب من نصف أسطول الشحن العالمي الالتفاف حول الأرخبيل الإندونيسي، وهو ما يعني تقييد طاقة الشحن العالمية وزيادة التكاليف مما قد يؤثر على أسعار الطاقة.
المصادر: أرقام- Center for Strategic and International Studies (CSIS)-The Australian Strategic Policy Institute–Asia society policy institute-إدارة معلومات الطاقة الأمريكية
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}