هل تثق كمستثمر في ما تراه عيناك في سوق الأسهم؟ هل ما تنظر إليه مقلتاك الآن موجود حقيقة وواقعًا؟ يقولون: الأرقام تتحدث عن نفسها، ولكن ما أدراك أصلًا أنها لا تتحدث عن نفسها بالكذب؟ في سوق الأسهم يعتمد جمهور المستثمرين على مجموعة من البيانات والأرقام والنسب المالية التي من المفترض أنها تعكس حقيقة الوضع المالي للشركة، ولكن هل هي كذلك فعلًا؟
أكبر خطأ يقع فيه معظم المستثمرين خصوصا ضعيفي الخبرة منهم هو أنهم يتعاملون مع القيمة الاسمية للبيانات والنسب المالية كحقيقة مطلقة لا تقبل الشك، يتخذون قراراتهم الاستثمارية على أساسها، دون أن يكبدوا أنفسهم عناء محاولة وضع تلك الأرقام في سياقها أو البحث عما ورائها والتأكد مما إذا كانت تعبر بشكل دقيق عما يفترض أن تعبر عنه.
المتمرس منكم في قراءة وتحليل البيانات المالية، ربما يعرف مثلًا أن صافي الربح السليم محاسبيًا لا يعبر في كثير من الأحيان عن الأرباح الحقيقية للشركة، ورغم ذلك يتعامل أكثر المستثمرين مع هذا الرقم على أنه يمثل حجم الأموال التي دخلت خزينة الشركة فعلًا. بهذه السهولة والبساطة! لماذا يفعلون هذا؟ يخبرنا علم النفس أن أدمغة البشر بطبيعتها تميل للمعلومات المسطحة البسيطة، لأنها سهلة الاستيعاب ولا تحتاج إلى مجهود كبير لكي تفهم.
بسيط جدا ومخادع جدا!
العائد على حقوق المساهمين، هذه النسبة المالية واحدة من أكثر النسب شيوعًا واستخدامًا بين جمهور المستثمرين، والذي يراها خير معبر عن ربحية الشركة وكفاءة إدارتها، ويستخدمها كمقياس يفاضل بين الشركات المختلفة بالسوق على أساسه. فبالنسبة لبعض المستثمرين، الشركة التي تبلغ نسبة العائد على حقوق المساهمين لديها 25% مثلًا أفضل قطعًا من تلك التي تبلغ لديها ذات النسبة 2% فقط، وهذا استنتاج أقل ما يوصف به هو أنه استنتاج سطحي وساذج.
إن التعامل مع "العائد على حقوق المساهمين" على ظاهره إلى جانب كونه خطأ فادحًا، فهو يقود المستثمرين إلى تصورات غير دقيقة عن حقيقة الوضع المالي للشركة وكفاءة إدارتها لرأس مالها، وهو ما يعني أن كل قراراتهم الاستثمارية التي سيتخذونها على أساس تلك التصورات خاطئة، وهذا شيء سيدفعون ثمنه من صحتهم النفسية قبل أموالهم.
السؤال المنطقي، الذي ربما خطر على بالك الآن: ما هي المشكلة في التعامل مع "العائد على حقوق المساهمين" على أنه معبر حقيقي عن ربحية الشركة وجودة إدارتها لأموال المساهمين؟ كيف يمكن أن تكون هذه النسبة المالية في بعض الأحيان مضللة، في حين أنها سليمة محاسبيًا؟
الشيطان كالعادة يكمن في التفاصيل!
في البداية ولمن لا يعرف، "العائد على حقوق المساهمين" هي واحدة من النسب المالية المعروفة التي يتم حسابها من خلال قسمة صافي الدخل على القيمة الدفترية لحقوق المساهمين. ومن المفترض أن هذه النسبة توضح لجمهور المستثمرين مدى كفاءة الشركة في استخدام رأس مالها لتوليد أكبر عائد استثماري ممكن.
ولكن المشكلة هي أنه يمكن التلاعب بسهولة بتلك النسبة من خلال العبث بطرفي المعادلة، صافي الدخل (البسط) وحقوق المساهمين (المقام)، مما يجعل تلك النسبة بمفردها مؤشرًا غير موثوق على الربحية والكفاءة.
إحدى طرق التأثير على نسبة العائد على حقوق الملكية تكون عادة من خلال الرافعة المالية. يتكون هيكل رأس مال أغلب الشركات في السوق من جزأين رئيسيين، الأول هو حقوق المساهمين، والثاني هو الديون. بعض الشركات تلجأ لاستخدام رافعة مالية كبيرة، من خلال زيادة حجم اقتراضها، مما يزيد من نسبة ديونها في هيكل رأس المال على حساب نسبة حقوق المساهمين.
رفع الشركة لرأس مالها بالديون، سيرفع نسبة العائد على حقوق المساهمين، لأن صافي دخل الشركة (البسط) على الأغلب سيزيد بفضل الأموال المقترضة إذا تم استثمارها، وفي الوقت نفسه، ستظل حقوق المساهمين (المقام) ثابتة كقيمة مطلقة. تحسن الديون من نسبة العائد على حقوق المساهمين، ولكنها أيضًا تؤثر بشكل سلبي على الملاءة المالية للشركة.
على سبيل المثال، في العام 2009، كانت نسبة العائد على حقوق المساهمين لدى شركتي الأغذية الأمريكتين "دين فودز" و"هورمل فودز" تبلغ 17.77% و16.86% على الترتيب. الآن، وبناءً على المعلومة السابقة، أي الشركتين أفضل من وجهة نظرك؟ للوهلة الأولى تبدو الشركتان متقاربتين من ناحية كفاءة إدارة أموال المساهمين، وإن كان هناك تفوق طفيف للشركة الأولى، "دين فودز".
لكن تختلف الصورة تمامًا حين ننظر لهيكل رأس مال الخاص بالشركتين، حيث نجد أن العائد الكبير على حقوق المساهمين لدى "دين فودز" سببه الرئيسي اعتماد الشركة بشكل كبير على الديون. في ذلك العام، بلغت قيمة الرافعة المالية لـ"دين فودز" 5.8 مرة، فيما بلغت رافعة منافستها "هورمل فودز" 1.69 مرة، وهو ما يجعل الشركة الأولى أكثر خطورة وأقل جاذبية كخيار استثماري مقارنة بالثانية.
صافي الدخل .. هل هذا رقم جدير بالثقة؟
المشكلة الثانية التي تجعل من الاعتماد بشكل حصري على العائد على حقوق المساهمين كمقياس للربحية والكفاءة خطأً كبيرًا هو أن هذه النسبة تعتمد في حسابها على الأرباح المحاسبية وليس الإيرادات. الإيرادات هي بند مباشر وسهل ويفهمه ويدرك مصدره معظم المستثمرين، وذلك بعكس صافي الربح الذي يخضع لمعالجات محاسبية كثيرة تجعله في النهاية غير معبر عن الدخل الحقيقي للشركة. على سبيل المثال، إذا وجدت الشركة طريقة لتقليل حجم المصاريف غير النقدية لإهلاك أصولها يمكنها بمنتهى البساطة زيادة صافي ربحها، وبالتبعية نسبة العائد على حقوق المساهمين لديها.
أهم ما يميز نسبة العائد على حقوق المساهمين هي أنها واحدة من النسب المالية التي تجمع بين قائمة الدخل (صافي الربح) والميزانية العمومية (حقوق المساهمين)، ولكنها غير معنية بالبنود المقيدة خارج الميزانية العمومية. هناك كثير من الشركات المدرجة في السوق لديها بنود خارج ميزانيتها العمومية تعتبر جزءًا من هيكل رأس مال الشركة والتزاماتها، ولكنها في الوقت نفسه لا تأخذ في الحسبان أثناء حساب "العائد على حقوق المساهمين".
المشكلة الأخطر التي تواجه نسبة "العائد على حقوق المساهمين" والتي تشترك فيها مع "مكرر الربحية" وربحية السهم وصافي الدخل وغيرها من البنود والنسب المالية التي يركز عليها المستثمرون بشدة، هي أن اهتمام المستثمرين بها يجعلها هدفًا للتلاعب من قبل المديرين التنفيذيين عديمي الضمير، الذين يحرصون على أن تبدو هذه النسبة أفضل مما هي عليه في الواقع من أجل إرضاء وإثارة إعجاب المشاركين في السوق من جهة، وزيادة مكافآتهم المرتبطة بالأداء من جهة أخرى.
نظارة "العائد على حقوق المساهمين" عمياء!
المستثمر الذي لا يدرك كل ما سبق، لن ينخدع فقط في شركات ضعيفة الأساسيات لمجرد أن لديها عائدا مرتفعا على حقوق مساهميها، وإنما أيضًا سيفوت فرصا استثمارية واعدة في كثير من الشركات لا لشيء إلا لأن ذات النسبة لديها منخفضة.
على سبيل المثال، في عام 2012 شهدت شركة أجهزة الكمبيوتر الأمريكية الشهيرة "إتش بي" تغييرات هيكلية مؤلمة، حيث خفضت عدد موظفيها وشطبت قيمة السمعة التجارية لشركة تم الاستحواذ عليها في صفقة فاشلة، وهو ما نتج عنه في النهاية تسجيل الشركة لخسارة قدرها 12.7 مليار دولار، فيما كان العائد على حقوق المساهمين لدى الشركة كئيبًا بنفس القدر حيث بلغ سالب 51%.
كل من ركز من المستثمرين على نسبة العائد على حقوق المساهمين انصرف عن الشركة باعتبارها شركة فاشلة لا أمل فيها، ولكن هل كانت كذلك؟ في ذلك الوقت، ورغم مآسيها نجحت "إتش بي" في تسجيل تدفق نقدي حر إيجابي بلغ 6.9 مليار دولار، وهو يعني أن الشركة أبعد ما تكون عن الانهيار، ولا تزال أساسيات أعمالها التجارية تقف على أرض صلبة.
وبالفعل، في العام التالي سجلت الشركة صافي دخل قدره 5.1 مليار دولار، فيما ارتفعت تدفقاتها النقدية الحرة لتصل إلى 8.4 مليار دولار، وارتفع السهم بعد أن أدرك المستثمرون أن "إتش بي" في الحقيقة لم تكن استثمارًا سيئًا كما أشارت نسبة "العائد على حقوق المساهمين" لديها في العام السابق.
وفي هذا السياق، ينبغي الإشارة إلى أن نسبة العائد على حقوق المساهمين ستضلل قطعًا المستثمرين المهتمين بالشركات الناشئة. معظم الشركات الناشئة تخسر الأموال في سنواتها الأولى، قبل أن تتمكن في النهاية من الوقوف على قدميها. شركة "أمازون" الأمريكية التي ظلت عاجزة عن تحقيق أي أرباح معتبرة وبالتبعية لم يكن هناك عائد يذكر على حقوق مساهميها، من لحظة دخولها السوق في عام 1997 وحتى عام 2015.
يقول المستثمر الأمريكي الشهير "وارن بافيت"، "إن الاستثمار بالأسهم بسيط ولكنه ليس سهلًا". ونقول نحن، إن المستثمر الذكي يدرك أن الاعتماد على مجرد نسبة واحدة فقط أثناء تقييم الأسهم هي استراتيجية ساذجة وعواقبها وخيمة، ولكن في الوقت نفسه يمكن لهذه النسبة أن تصبح أداة مفيدة جداً إذا استخدمت في سياق أوسع إلى جانب أساليب التحليل الأساسي الأخرى.
أخيراً، يجب عليك كمستثمر أن تسلّح نفسك بكل ما تحتاج إلى معرفته حول أي شركة. فلو كان الأمر بهذه البساطة، لوجدت كل الناس في السوق، ولكن هذا لا يحدث، لأن الاستثمار بالأسهم حرفة لها أهلها وفنونها، ومن أجل النجاح فيها، أنت في حاجة إلى اتباع أساليب أعقد وأكثر عمقاً.
المصادر: أرقام – فوربس – سيكينج ألفا
كتاب: Financial Statement Analysis, Fourth Edition
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}