تهدف البرامج التي تطلقها أرامكو السعودية لدعم توطين صناعة معدات الطاقة بمعايير عالمية، إلى تعزيز استدامة صناعة النفط، ودعم موثوقية الشركة في توفير إمدادات الطاقة، كما ترسّخ في الوقت نفسه مكانتها بوصفها إحدى الشركات الرائدة في التصنيع وتبنّي الابتكارات المتقدمة، واستقطاب الاستثمارات العالمية، وجذب المنتجات الجديدة التي تهدف إلى تحقيق مستهدفات المملكة؛ لتنمية القدرات والخبرات المحلية وتوطين سلاسل الإمداد.
ويمثّل مشروع الشركة العربية لصناعة الحفارات (ARM) الذي دشّنته أرامكو السعودية بالشراكة مع شركة (NOV) لتصنيع معدات وأجهزة الحفر محليًا وتأسيس مرافق خدمات ما بعد البيع في رأس الخير، امتدادًا لطموح الشركة فـي تعزيـز ريادة المملكـة في مجال صناعة أجهزة الحفر، واستخدام أجهزة الحفر المصنّعة في المملكة بواسطة الشركة العربية لصناعة الحفارات على مستوى العالم، كما يُعد المشروع خطوة إستراتيجية لوضع المملكة كمركز للطاقة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
شراكات موثوقة
تدرك أرامكو السعودية أن توطين صناعة النفط والاستثمار في هذا المجال يتطلب شراكات فعّالة، وابتكار، وروح ريادية تعمل في تناغم لتوفير إمـدادات الطاقة، وتعزيز المحتـوى المحلـي، وتنميــة القــدرات والخبــرات المحليـة، بنحو يجعل من جهود توطيــن سلاسل الإمداد لخدمــة قطـاع حيـوي مثل الحفر وصيانة آبار النفــط والغــاز فــي المملكــة، أمــرًا منطقيًــا مــن الناحيـة الإسـتراتيجية للأعمـال، إذ أن بنـاء أجهـزة الحفـر فـي المملكـة وبيعهـا لمقدمـي خدمات الحفــر، لا يضمــن حصــول أرامكــو الســعودية علــى خدمات الحفر التي تحتاجهــا فــي الوقــت المناســب فحسب، بــل يتيح الفرصة أيضًـا لتوليد وظائـف جديـدة للمواطنين المؤهلين.
ولطالما أدّت العلاقات الموثوقة التي بنتها أرامكو السعودية على مدى نحو 90 عامًا بشكل تعاوني مع شركات من جميع أنحاء العالم إلى إيجاد حلول للتحديات التي تواجهها صناعة النفط الخام. ويجسّد تدشين شركة (ARM) ثمرة علاقة امتدت لخمسة عقود بين أرامكو السعودية وشركة (NOV). وما يميّز مشروع صناعة الحفارات أنه يجمع البراعة الهندسية والموثوقية لأرامكو السعودية، والخبرة الفنية المبتكرة لشركة (NOV) في رابطة قوية لتطوير الحلول عبر بناء مثل هذه المنشأة الضخمة والمبتكرة التي تعتمد أحدث التقنيات لبناء منصات الحفر داخل المملكة.
تمكين رؤية الوطن
تزايدت أهمية قطاع سلاسل الإمداد والخدمات اللوجستية في المملكة لتواكب موجة التحولات الكبرى التي تشهدها مختلف القطاعات في المملكة، ودأبت أرامكو السعودية على العمل بما يتماشى مع الرؤية الوطنية عبر تهيئة المناخ المناسب، والمنظومة الداعمة، لكي تكون المملكة مركزًا يضم أفضل الخبرات العالمية في مجال الهندسة والصناعات في مجال الطاقة، إذ اعتمدت الشركة العديد من البرامج لتأسيس قاعدة صناعية متنوعة داخل المملكة قادرة على المنافسة عالميًا، كما أطلقت برنامج تعزيز القيمة المضافة الإجمالية لقطاع التوريد في المملكة (اكتفاء) والذي هدفت من خلاله إلى بناء شراكات تعمل على تحفيز بناء القيمة المحلية، وتعظيم النمو الاقتصادي طويل الأجل، والتنويع، وبناء سلسلة إمداد عالمية المستوى، تسهّل تطوير قطاع طاقة متنوع وتنافسي على الصعيدين المحلي والعالمي، وقد عمل برنامج اكتفاء منذ يومه الأول على تشجيع ودعم مورّدي الشركة على توظيف الكوادر السعودية وتطوير التقنيات بالإضافة إلى تعزيز التصنيع المحلي للسلع والأنظمة وكل ما يتعلق بنهضة الاقتصاد السعودي. كما تم تأسيس مجمع الملك سلمان العالمي للصناعات والخدمات البحرية في رأس الخير، الذي يُعد الأكبر من نوعه في المنطقة، ويتماشى مع أهداف وتطلعات المملكة للتنوع الاقتصادي، وتوليد فرص العمل، وتعزيز موقع المملكة كمحور لوجستي إستراتيجي مهم.
صناعة يقودها الابتكار
يهدف المشروع المشترك بين أرامكو السعودية وشركة (NOV) إلى المساهمة في توطين صناعة معدات وأجهزة الحفر، ومن المتوقع أن يكون المرفق الحديث والمتكامل قادر على الوصول لسعة إنتاج تصل إلى عشر منصات حفر سنويًا تُسهم في توطين وظائف نوعية، وتوفير منتج محلي داخل المملكة. وكانت شركة أرامكو السعودية نابورس للحفر قد تسلّمت أول منصة حفر في مارس 2022م من أصل 50 حفارًا بريًا سيتم تسليمها خلال العشرة أعوام المقبلة.
تزداد أهمية هذ الإنجاز، كونه الأول من نوعه في المنطقة وبالقرب من مجموعة من أكبر الحقول في العالم. كما يمثّل إضافة مهمة لجهود التوطين للمعدات ذات الطابع الإستراتيجي لصناعة النفط والغاز، إذ يتميّز بالتكامل في عمليات التصنيع، والتطور تقنيًا ورقميًا واحتوائه على أحدث إصدار من مكائن التحكم الرقمي الحاسوبي (سي ان سي)، ومراعاة معايير الاستدامة وكفاءة الطاقة. ويُعد المشروع أكبر استثمارات شركة (NOV) بالنسبة لتصنيع أجهزة الحفر خارج الولايات المتحدة الأمريكية.
تبلغ مساحة المرفق في رأس الخير حوالي 500 ألف متر مربع، وتم تزويد المجمع الصناعي فيه بجميع الإمكانات الهندسية والتدريبية، وخدمات الإصلاح، وخدمات ما بعد البيع، بالإضافة إلى تصميم مرن لتلبية متطلبات السوق والتقدم التقني. ويحتوي مركز التصنيع والخدمات المتكامل على مبنى للمكاتب مكوّن من طابقين، ومستودع، وساحة لتخزين المواد الأولية، وورشة تصنيع، وورشة للآلات والتركيب، وأعمال الطلاء، وساحة تركيب معدات الحفر، وورشة تصليح، ومنطقة للتوسع المستقبلي. ويُتوقع أن يوفر المجمع الصناعي فرص عمل محلية بشكل مباشر في تخصصات متعددة ولمستويات مختلفة من الخبرات، وذلك كجزء من دعمه للسعودة. بالإضافة إلى ذلك، سيتضمن مركز تدريب على مستوى عالمي تم تجهيزه باستخدام أحدث المعدات، وأجهزة المحاكاة الحديثة لتوفير التدريب اللازم.
كيف تُصنع الحفارات؟
تُعد منصات الحفر من أهم رموز صناعة النفط الخام والغاز، ومن المعدات الرئيسة المستخدمة في إمدادات الطاقة العالمية، ويمثّل المشروع خطوة باتجاه أن تصبح المملكة موقعًا حيويًا لتصميم وتصنيع منصات الحفر البرية ذات الكفاءة والتقنية العالية. ومن المخطط أن يُستخدم جزء من أجهزة الحفر في المملكة، بينما يتم تصدير الجزء الآخر، وسوف يدعم هذا الاستثمار الصادرات السعودية.
يستغرق صنع حفارة واحدة ما يقارب 15 شهرًا، وهي ذات قدرة تشغيلية تصل إلى 3000 حصان، وقوة تعليق وسحب تصل إلى مليون ونصف المليون رطل، وعزم دوران يصل إلى 75 ألف رطل، كما لها القدرة على الوصول إلى عمق عامودي يتخطى 21 ألف قدم، ويستوعب قرابة 725 ألف لتر من سوائل الحفر، ويستغرق حوالي 7 أيام لتفكيكه كاملًا ونقله وتركيبه، في حين يحتاج إلى 10 موظفين على الأقل لنقله من مكان إلى آخر، يشملون مشغلي الرافعات والرافعات الشوكية، ومختصي الأحمال الثقيلة، فيما يُقدر عدد الموظفين اللازمين لتشغيل المنصة بحوالي 70 موظفًا على الأقل.
وتعمل أحدث أنظمة التحكم والسيطرة وتحليل البيانات على تشغيل المعدات في جهاز الحفر، وتشمل نظام تحكم رئيس متكامل عالي التوفير لإدارة معدات جهاز الحفر والتحكم فيها، ومراقبتها في العمليات المستقلة، والتأكد من تجانسها. وقد تم تصميم النظام للسماح للمشغلين بالتركيز على عمليات الحفر، وبناء ومد أنابيب الحفر من خلال توفير مركز قيادة أرضي يتسم بالكفاءة والسهولة، ومنصة رقمية لأتمتة العمليات التي تتكامل بسلاسة مع نظام التحكم الرئيس، وآخر التحديثات في واجهة المستخدم الرسومية، وخادم التطبيقات.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}