في كتاب "ما وراء المال: إستراتيجية ما بعد الرأسمالية"، تؤيد أنيترا نيلسون -الخبيرة الاقتصادية والسياسية الأسترالية- فكرة إلغاء المال لتحقيق مستقبل جديد لما بعد الرأسمالية وتسلّط الضوء على كيفية تنظيم المجتمعات التي لا تتعامل بالمال في الحياة اليومية. كذلك يشجع هذا الكتاب الملهم على التفكير في السبب الذي يجعل "تخيل نهاية العالم أسهل من تخيل نفاذ المال".
يركز الكتاب على سؤالين أساسيين مترابطين، أولهما: لماذا يجب علينا أن نفكر في تنظيم المجتمعات بدون نقود من الأساس؟ ثانيًا: حتى لو أخذنا فكرة المجتمعات الخالية من المال على محمل الجد، فكيف سيتم تنظيم الحياة اليومية في هذه المجتمعات؟
- تجيب نيلسون على كلا السؤالين بإيجاز ووضوح بقولها: نحن بحاجة إلى التخلي عن المال لكي نتعامل بفاعلية مع قضايا عدم المساواة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المثيرة للانقسام وعدم استدامة الكوكب.
- وتوضح الكاتبة أن المال يخلق حالة من عدم المساواة. مبرهنة على ذلك بأن دولًا مثل الاتحاد السوفيتي وكوبا والصين في القرن العشرين لم تقدم الصورة المثالية للاشتراكية، بل كانت محكومة بالنخب التي استمرت في الإنتاج للسوق، حتى لو كان ذلك بطرق معدلة وتخضع لتخطيط الدولة، ومن ثمَّ، ظل المال أداة للسيطرة، حتى في هذه الدول الشيوعية اسمًا.
- أما في المجتمعات الرأسمالية، يعتبر العقد "الاجتماعي" للمواطن مع الدولة الرأسمالية عقدًا نقديًا بالأساس. وتنشأ توترات قوية لأنه على الرغم من أن الحكومة الوطنية غالبًا ما يُنظر إليها على أنها بعيدة عن السوق، إلا أنها في الواقع جزء منه.
- أما بالنسبة للسؤال: كيف سيبدو المجتمع بدون مال؟ فتجيب نيلسون عليه في الفصل الثالث، توضح نيلسون الفكرة بقولها: "أنه بدلاً من مسميات "القيمة التبادلية "و"المال" القديمة والمجردة، فإنه في مجتمع اللانقود نتصور العالم باستخدام "القيّم الحقيقية"، والتي تتجاوز المعاني النفعية البسيطة لـ "قيمة الاستخدام" لتشمل كل تلك الصفات والكميات البيئية والاجتماعية التي تشكل احتياجات كل من الناس والكوكب.
- رغم أن فكرة إلغاء استخدام النقود قد تبدو فكرة مستحيلة وغير عملية، فإن الاقتراحات القائلة بأن المال يمكن أن يكون قوة للتغيير الاجتماعي التدريجي هي بلا معنى أيضًا.
- تقول نيلسون، لماذا نملك "مالًا" لا يؤدي وظيفة المال كما نعرفه؟ إذا كانت الممارسات الرأسمالية والتبادل غير المتكافئ من الخصائص الأساسية للمال، فإن الاستنتاج المنطقي هو إلغاء المال تماما.
- وتسلط نيلسون الضوء على الوهم الذي يروجه العديد من المنظّرين اليساريين المشهورين بأن دور المال في المجتمع الرأسمالي يمكن إصلاحه لخلق مجتمع أكثر اشتراكية. وتشير إلى أن كتاب "ما بعد الرأسمالية" لهورنبرج يحتفظ بالعمل المأجور ورجال الأعمال والضرائب والخدمات المصرفية.
- تبدو نيلسون إلى حد ما أكثر تعاطفًا مع أعمال ماركس، حيث تقيّم بمهارة روابط بين تحليلات النسوية الإيكولوجية للطبيعة والعمل غير المأجور للنساء (والرجال) في جميع المجتمعات المعاصرة.
- وتوضح هذه النقطة من خلال استعارة "اقتصاد الجبل الجليدي" لماريا ميس: يخفي طرف الجبل الجليدي الكتلة الأكبر من المساهمات غير المحسوبة في القيمة التي تقدمها الأعمال المنزلية غير مدفوعة الأجر، وعمل فلاحي الكفاف، والعمل المنجز في ظل الظروف المستعمرة وإنتاج الطبيعة.
- ومن السمات البارزة للكتاب تغطية نيلسون الواسعة للعديد من الموضوعات المهملة وقدرتها على إقامة روابط بين التأثير السلبي لثقافة المال وكل شيء آخر تقريبًا.
- وفي النهاية فإن إنجاز نيلسون الفريد في هذا الكتاب هو إقامة روابط بين المجرد والمادي وبين المحلي والعالمي، والبحث عن المجتمعات التي نادرًا ما تُسمع أصواتها.
المصدر: كلية لندن للاقتصاد
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}