نبض أرقام
11:50 م
توقيت مكة المكرمة

2024/11/21

هل نشهد حقاً تراجع العولمة وبداية الكيانات الإقليمية البديلة؟

2022/12/05 أرقام - خاص

قال كلاوس شواب رئيس المنتدى الاقتصادي العالمي في اجتماعات مجموعة العشرين الأخيرة في إندونيسيا  إن العولمة انتهت وكذلك الهيمنة الأمريكية، وإن النظام متعدد الأقطاب والذي من بين أمثلته مجموعة بريكس هو القادم مضيفا أن الوقت قد حان لتشارك السلام والازدهار بدلا من الحروب التي لا تنتهي.

 

"شواب" ليس الاقتصادي الوحيد الذي يقول ذلك، بل سبقته شخصيات عالمية شهيرة من بينها لاري فينك رئيس شركة بلاك روك الذي قال في رسالة لمساهمي شركته إن الغزو الروسي كسر الروابط العابرة للحدود بين البلدان والشركات والأشخاص والتي تعرضت لضغوط بالفعل بسبب جائحة كوفيد.

 

الحرب الروسية والقضاء على العولمة

 

 

قال الرئيس التنفيذي لشركة إدارة الأصول الأمريكية بلاك روك "لاري فينك" إن الحرب الروسية الأوكرانية ستؤدي إلى حث الشركات والحكومات في جميع أنحاء العالم على إعادة تقييم تبعيتهم وإعادة تحليل قدراتهم على مستوى التصنيع والتجميع وهو أمر تسببت الجائحة في دفع الكثيرين بالفعل للبدء فيه.

 

من جانبه توقع "هوارد ماركس" رئيس شركة "أوكتري كابيتال ماندجمنت" أمرا مماثلا في رسالته الأخيرة إلى المستثمرين وأشار إلى المخاطر الأمنية لاعتماد أوروبا على الطاقة الروسية والاستعانة بمصادر خارجية في الولايات المتحدة لتصنيع الرقائق.

 

يرى "فينك" أن تفكيك العولمة سيؤدي إلى ارتفاع التضخم مما سيجبر البنوك المركزية على الاختيار بين ارتفاع الأسعار وانخفاض النشاط الاقتصادي. وكتب "ماركس" أن البلدان التي استفادت اقتصاداتها من التعهيد الخارجي ستتضرر من أي انعكاس للعملية. ومع ذلك يرى فينك أن دولا مثل البرازيل والمكسيك والولايات المتحدة ستستفيد من زيادة الإنتاج المحلي.

 

الكثيرون يشاركون شواب وفينك وماركس وجهة نظرهم مبررين ذلك بأن العولمة انتهت مع بداية الحرب الروسية على أوكرانيا وأن التحالفات الإقليمية ستكون البديل العالمي للتجارة وتدفق السلع والخدمات بين دول العالم.

 

يقول الخبراء إن العولمة كانت تواجه بالفعل مشكلات على مدار السنوات الماضية بفعل اتجاهين أساسيين وهما: أولا اتجاه مؤيدي الشعبوية والقومية لإقامة الحواجز أمام التجارة الحرة والاستثمار والهجرة وانتشار الأفكار خاصة في الولايات المتحدة، أما الاتجاه الثاني فهو أن تحدي بكين للنظام الاقتصادي الدولي القائم على القواعد والترتيبات الأمنية طويلة الأجل في آسيا شجع الغرب على إقامة حواجز أمام التكامل الاقتصادي الصيني.

 

الحرب الروسية الأوكرانية فاقمت الوضع

 

 

بالطبع فاقمت الحرب الروسية الأوكرانية هذا الاتجاه، فالعقوبات الغربية تنهال على روسيا مستهدفة النظام الروسي بكل امتداداته، فمن تجميد أصول أغنى الأفراد المقربين من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى حظر الرحلات الجوية الروسية في المجال الجوي الغربي وتقييد وصول الاقتصاد الروسي إلى التكنولوجيا المستوردة. هذا إلى جانب عزل روسيا عن النظام المالي العالمي كنظام سويفت وكذلك عن المؤسسات المالية العالمية بما في ذلك جميع البنوك الأجنبية وصندوق النقد الدولي وغيرها. كما شرعت الشركات الغربية في نزوح جماعي من البلاد وثمة مخاوف من أن موسكو ربما ستواجه صعوبات في إنتاج المواد الأساسية الضرورية سواء لأغراض الدفاع أو للمستهلكين لأنها ستفتقد المواد الأساسية.

 

يثير رد الفعل الانتقامي من روسيا أيضا بقطع الغاز الطبيعي عن أوروبا حالة من سعي الحكومات للاعتماد على الذات وتحرير نفسها من الروابط الاقتصادية. على الجانب الآخر، تسعى روسيا إلى تقليص روابطها مع الدول الغربية أو تلك التي تصنفها غير صديقة وتعزز في المقابل الروابط مع الصين والهند ودول آسيا الوسطى القريبة منها وغيرهم.

 

يثير كل هذا الحديث عن انقسام الاقتصاد العالمي إلى كتل واحدة تدور حول الصين والأخرى تدور حول الولايات المتحدة، وثالثة مع الاتحاد الأوروبي في الغالب، وستحاول كل واحدة منها عزل نفسها عن تأثير المعسكر الآخر. من جهة أخرى، ستكون العواقب على العالم هائلة.

 

بالطبع تشعر العديد من الاقتصادات الآن بالتهديد من الولايات المتحدة وبات لديها الآن حافز لتحويل احتياطياتها من حيازاتها في واشنطن. بالطبع كان هناك دائما تحذير من إفراط أمريكا في استخدام القوة المالية، فإذا كانت الولايات المتحدة تلجأ بشكل متكرر لفرض العقوبات، فهي تدفع الدول الأخرى إلى البحث عن بدائل للدولار ونظام المدفوعات الذي يدور في فلكه. على الجانب الآخر، تشير التجربة الروسية إلى أن التنويع إلى اليورو واليوان وحتى الذهب ربما لن يساعد الدول، إذا كان المشاركون خائفين من استبعادهم هم أنفسهم من نظام الدولار، لأنه لن يكون هناك طرف آخر يبيعون له احتياطاتهم التي بالدولار.

 

سيكافح اليوان الصيني ليصبح بديلا رئيسيا للدولار حتى ولو للدول التي تدور في فلك كتلة بكين الاقتصادية. لكن ذلك سيحد منه أن بكين تمنع إخراج الأصول من نظامها المالي المحلي لذا قد يكون الحل أن تسمح بتحويل اليوان بحرية بدلا من تحكمها فيه بشكل محكم. لكن إذا حدث ذلك، من المرجح أن تنخفض قيمة اليوان بشكل حاد لفترة طويلة مثلما حدث في الفترة من 2015 إلى 2016.

 

سيشهد العالم نموا وابتكارا أقل. ستحظى الشركات والصناعات المحلية بمزيد من القوة لطلب حماية خاصة، لكن ذلك سيؤدي إلى انخفاض العوائد الحقيقية على الاستثمارات التي تقوم بها الأسر والشركات.

 

في الوقت نفسه إذا لم تعد الشركات الصينية والأمريكية تواجه منافسة حادة من بعضها البعض أو من شركات خارج تكتلها الاقتصادي، فمن المرجح أن تصبح الشركات غير فعالة.

 

بالمثل، فإن تآكل العولمة سيكون له عواقب سلبية على التكنولوجيا، فالابتكار يكون أسرع وتيرة وأكثر شيوعا عند حدوث تشارك بين المجموعات العالمية من المهارات العلمية وقدرتها على تبادل الأفكار ومشاركة إثبات أو دحض المفاهيم. ستكون النتيجة المحتملة تراجعاً في الابتكار، حيث ستحرم المؤسسات البحثية الأمريكية والغربية الأخرى نفسها من العديد من الطلاب والعلماء الصينيين والروس الموهوبين.

 

سوف يقود تراجع العولمة إلى زيادة تقليص العائد على رأس المال في الاقتصاد العالمي وستكون هناك قيود على أين يمكن للناس استثمار مدخراتهم، مما يؤدي إلى انخفاض نطاق التنويع ومتوسط العوائد. ومن المرجح أن يزيد الخوف والقومية من رغبة الناس في استثمارات آمنة في الداخل أو في الأصول الحكومية أو الأوراق المالية المدعومة من القطاع العام. ستجمع الحكومات أيضا بين حجج الأمن القومي وإجراءات الاستقرار المالي المصمم لتشجيع الاستثمار في الدين العام لها بقوة كما تفعل في أوقات الحروب.

 

بريكس والبديل المحتمل

 

 

يرى البعض أن التكتلات الاقتصادية على رأسها مجموعة بريكس ستمثل بديلا جاهزا للعولمة قد يتقدم سريعا ليحل محل نظام العولمة فور اضمحلاله.

 

والمجموعة التي تضم البرازيل والصين وروسيا والهند وجنوب إفريقيا نشأت قبل 16 عاما مدفوعة بفكرة عامة هي أنها ستكون آلية تعاون يمكنها توصيل صوت الاقتصادات النامية.

 

لكن خلال 14 عاما منذ القمة الأولى، أصبحت آلية تعاون البريكس بلا شك واحدة من أكثر الأطر الدولية متعددة الأطراف وضوحا وفعالية حول العالم.

 

فمن منظور التجارة العالمية والاقتصاد وسلسلة القيمة، باتت دول البريكس ذات دور محوري، فهي تمثل أكثر من 40% من سكان العالم وحوالي ربع الناتج المحلي الإجمالي العالمي كما أنها تساهم بأكثر من 50% في النمو الاقتصادي العالمي.

 

تبلغ حصة المجموعة من التجارة العالمية نحو 17% واحتياطياتها تبلغ ما يزيد على أربعة تريليونات دولار.

 

وفي مواجهة التغيرات العالمية المضطربة، سعت دول البريكس إلى تنشيط الاقتصاد العالمي إذ أنشأت هيكلا متينا للتعاون في التجارة والتمويل والسياسة والأمن والتبادل والعلوم والتكنولوجيا والطاقة والصحة والتعليم. كما عززت تعاونها الاقتصادي بفضل ثروتها من الموارد وتنوع وتكامل هياكلها الصناعية.

 

ترى المجموعة بأن عليها دورا مهما في تحقيق الاستقرار والمساهمة في مواجهة التحديات العالمية وأن التوسع ضروري لمستقبل المجموعة ومواجهة التحديات. فوفقا لبيانات من المكتب الوطني للإحصاء في الصين، ارتفعت التجارة الثنائية لبكين مع دول البريكس في العام الماضي إذ بلغ مجموعها أكثر من 490 مليار دولار بزيادة 39.2% على أساس سنوي، لتتضاعف عما كانت عليه قبل خمس سنوات.

 

كما أثبتت التجارة بين دول البريكس مرونة وديناميكية قوية. ففي عام 2021 بلغت التجارة بين الصين والبرازيل حوالي 164 مليار دولار بزيادة 35% على أساس سنوي. وأصبحت الصين الشريك التجاري الرائد للبرازيل في العقد الماضي ومن بين أكبر خمس دول تتدفق منها الاستثمارات الأجنبية المباشرة للبرازيل.

 

المصادر: أرقام- مجلة فورين بوليسي- صحيفة نيويورك تايمز- ديلي تشاينا

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.