منذ أن بلغت أسعار النفط ذروتها خلال العام الجاري ومع اشتداد تبعات الحرب الروسية الأوكرانية، كانت أسعار أسهم شركات الطاقة هي الأخرى تلامس عنان السماء في مشهد طبيعي وارتباط معروف بين أسعار الخام وأسعار شركات الطاقة.
ولكن مع تراجع النفط من ذروة العام، حينما كانت الأسعار تلامس مستوى 130 دولارا الذي بلغته في مارس، ومع منتصف العام لم تتخذ أسهم شركات الطاقة نفس المسار بل ظلت في اتجاه صاعد محققة مكاسب استثنائية لم يعرفها القطاع في سنوات .
وفي نوفمبر، كان مؤشر ستاندرد آند بورز لشركات الطاقة الأمريكية يتداول قرب أعلى قمة له في عام، فيما كان سعر الخام الأمريكي متراجعا بنحو 25٪ في ظاهرة لم تعرفها الأسواق منذ 2006، بحسب بيانات ريفنتيف.
ويقول محللون لـ "أرقام" إن الصعود القوي لأسهم شركات الطاقة التي حققت مكاسب استثنائية هذا العام ربما تشير إلى استئناف الاتجاه الصعودي لأسعار النفط والغاز بعد الهدنة التي أخذتها، في وقت تدلل فيه أيضا على أن مكاسب أسهم تلك الشركات ربما بلغت ذروتها.
أداء استثنائي
الشركة |
أداء السهم منذ بداية 2022 |
أوكسيدنتال بتروليوم |
%123 |
ماراثون بتريليوم |
%88 |
إكسون موبيل |
%85 |
فاليرو إنرجي |
%80 |
أباتشي |
%77 |
شلمبرجيه |
%75 |
كونوكوفيليبس |
%71 |
واتخذت أسهم شركات الطاقة مسارا صعوديا منذ مطلع العام مع مكاسب استثنائية بلغت في المتوسط نحو الثلثين، فيما كانت أسعار النفط تتعرض لضغوط شديدة رغم أن أساسيات السوق ربما كانت تشير إلى وجود خلل شديد بين العرض والطلب.
وارتفعت أسهم شركات النفط الكبرى على غرار إكسون موبيل ومارثون بتريليوم بأكثر من 80٪ فيما كانت أسعار الخام الأمريكي مرتفعة بنحو 6٪ فقط حول مستويات 75 دولارا للبرميل وبعيدة عن ذروة 2022.
ويقول جو سكيمو، محلل أسواق النفط لدى بيكرهيوز لـ"أرقام" إن مكاسب أسهم الشركات رغم تذبذب أسعار النفط تعكس بالأساس الأداء القوي لها والمكاسب التي حققتها من ذروة الأسعار، ما تسبب في قفزة بالإيرادات وتحسن النتائج المالية لها.
وتشير بيانات سوق المال الأمريكي التي عملت "أرقام" على تحليلها إلى ارتفاع أرباح الشركات المدرجة بمؤشر "ستاندرد آند بورز" لأسهم شركات الطاقة بنحو 140٪ في الربع الثالث كأكبر قطاعات السوق ربحية ومتفوقة على توقعات كثير من بيوت الأبحاث وعلى توقعات الشركات نفسها.
ونمت الإيرادات المجمعة للشركات المدرجة على المؤشر بنحو 48٪ مسجلة أيضا أفضل نسبة نمو بين قطاعات السوق الأمريكي في وقت كان معدل نمو إيرادات الشركات المدرجة على مؤشر S&P500 بنحو 11.7٪
ويضيف إسكيمو "لقد فاقت النتائج التوقعات لتلك الشركات، فصعود الأسهم هنا يبدو منطقيا بالنظر إلى الأرباح الاستثنائية التي حققتها تلك الشركات".
وجاءت أرباح 70٪ من الشركات المدرجة على مؤشر قطاع الطاقة بالسوق الأمريكية أفضل من التوقعات بحسب بيانات ريفنتيف، فيما تشير التوقعات إلى نمو سنوي متوقع لأرباح تلك الشركات بنحو 150٪ في 2022.
وسجلت الشركات المدرجة على مؤشر S&P500 نموا في أرباحها بالربع الثالث بنحو 4.5٪.
ويتابع إسكيمو، "إذا ما نظرت إلى نسبة عامل المفاجأة لنتائج الشركات الأمريكية فستجد أن أفضلها على الإطلاق أيضا أسهم شركات قطاع الطاقة".
ونسبة عامل المفاجأة أو ما يصطلح على تسميته Earning Surprise Factor يحدث عندما تأتي نتائج الشركة خلافا للتوقعات سواء كان صعودا أو هبوطا، وتشير النسبة الإيجابية إلى اتجاه صاعد محتمل لأسهم الشركة والعكس بالعكس.
وبلغت نسبة عامل المفاجأة لأسهم الشركات المدرجة على مؤشر قطاع الطاقة بالسوق الأمريكي 10.9٪ بنهاية الربع الثالث ليسجل أفضل القطاعات أداءً داخل مؤشر "إس آند بي 500".
بيانات Factset + حسابات أرقام
صناديق المؤشرات في المشهد
وعودة إلى العوامل التي تجعل أسعار شركات الطاقة تخالف اتجاه أسعار النفط، نجد أن الأسعار لا تعكس بالضرورة أساسيات السوق، ففي الوقت الذي يُنتظر أن تواصل أسعار الخام مكاسبها، فإن صناديق المؤشرات الخاملة التي تتبع لوغاريتمات حسابية تظهر توجها بيعيا بالآونة الأخيرة.
وتشير بيانات هيئة البورصات والأوراق الأمريكية والتي عمدت "أرقام" على تحليلها إلى أن المستثمرين خفضوا مراكزهم طويلة الأجل في خامي برنت والأمريكي لأدنى مستوياتها منذ يونيو 2020 في علامة لا تخطئها العين على الضغوط التي تمثلها تلك الصناديق على أسعار الخام.
ويقول جوزيف ماكدونال محلل أسواق النفط لدى "أسبيكت إنرجي" لـ "أرقام" إن مبيعات تلك الصناديق تأتي في بعض الأحيان على سبيل المضاربة، ما يجعلها قوة مسيطرة ليس فقط بالنظر إلى حجمها ولكن أيضا إلى إمكانية توجيهها للسوق بالنظر إلى أن الإشارات التي ترسلها للمستثمرين الآخرين تعني وجود مخاطر مرتفعة وعوائد أقل.
وتشير بيانات "فاكت ست" إلى أن تلك الصناديق تمثل نحو 30٪ من حجم تداولات أسواق النفط، ما يجعلها قوة مضاربية لا يستهان بها في السوق.
وينتقل ماكدونال للحديث عن ارتفاعات أسهم شركات الطاقة قائلا: "من الممكن أن نقول أيضا إن المستثمرين ربما يسعّرون إمكانية صعود أسعار الخام من خلال الشراء في أسهم شركات القطاع. وجميع الأساسيات تشير إلى وجود اختلال بين العرض والطلب في السوق ورغم ذلك تهبط الأسعار".
ويستطرد "لا أحد يعلم على وجه التحديد هل سترتفع أسعار النفط أم ستظل عالقة في تلك الدائرة المفرغة؟ ولكن كل الأساسيات تشير إلى اتجاه صعودي".
ماذا بعد بشأن أسعار النفط؟
تشير البيانات التاريخية إلى حدوث نحو 5 انحرافات سعرية بين أسعار الخام وأسهم شركات الطاقة منذ 1990، حيث كانت أسهم شركات الطاقة تسجل مكاسب، بينما كانت أسعار الخام تتراجع.
وعملت "أرقام" على تحليل تلك البيانات والتي أظهرت ارتفاع أسعار النفط في 4 مرات بالسنة التالية لحدوث التباين في أداء النفط وأسهم شركات الطاقة.
وتقول ربيكا سلزبري، محللة أسواق الطاقة لدى "كبلر" لـ"أرقام" إن المستثمرين في السوق يشعرون بوجه عام أن الأسعار ستستأنف الصعود قريبا مع إحكام "أوبك+" لقبضتها على السوق واستمرار توتر العلاقات الجيوسياسية بين روسيا والقوى الغربية.
وتتابع،" تاريخيا، ومن خلال دلالات عدة، فإن هناك مؤشرات على أن أسعار النفط سترتفع العام المقبل، بل وستفوق أداء أسهم شركات قطاع الطاقة".
وتشير بيانات ريفنتيف إلى أن المسار المتباين لأسعار النفط وشركات الطاقة الذي ظهر لآخر مرة بعام 2006، يظهر تسجيل أسعار الخام مكاسب بلغت نحو 69٪ في العام التالي عليه، فيما بلغت مكاسب الشركات المدرجة على مؤشر S&P500 لأسهم شركات الطاقة حينها 29٪ فقط.
شركات الطاقة ومواصلة الصعود
وفي خضم فورة صعود أسهمها كانت شركات الطاقة تواصل رفع الإنفاق الرأسمالي الذي تضرر لسنوات طويلة من تقلبات أسعار الخام.
وتقول محللة أسواق الطاقة لدى كبلر لـ "أرقام" إن "رفع الإنفاق لدى تلك الشركات ربما يلعب دورا حاسما في مواصلة رحلة الصعود. فالإنفاق هنا ستنجم عنه قفزة بالمبيعات والإيرادات".
وأعلنت شركات عملاقة على غرار "إكسون موبيل" و"شيفرون" عن زيادة في الإنفاق الرأسمالي العام المقبل بنسب تتراوح بين 11-14٪ مع رغبتها في زيادة الإنتاج والتوسع.
وتتابع المحللة "في كل أوقات الأزمات تقريبا أظهرت أسهم شركات الطاقة متانة وقوة في مواجهة التقلبات، فإذا ما عدنا بالذاكرة خلال الأعوام الثلاثين الأخيرة تقريبا وبالأزمات المتلاحقة... فسنجد أن أسعار أسهم تلك الشركات تخالف الاتجاه الهابط للأسواق بوجه عام".
معامل الارتباط في بؤرة الضوء
وتشير بيانات "فاكت ست" إلى أن متوسط معامل الارتباط اليومي لمدة 50 يوما بين أسهم شركات الطاقة المدرجة على " S&P 500" والخام الأمريكي الخفيف 0.59 في دلالة على الارتباط القوي بين توجهات الأسعار في نفس الاتجاه لكل من النفط وشركات الطاقة.
وتشير مذكرة بحثية صادرة عن "داتا تريكس" إلى أن تباين أداء أسعار النفط وأسهم شركات الطاقة غالبا ما ترتبط لسببين تاريخيا أولهما الارتباط القوي بأساسيات السوق، حينما تشير الأساسيات إلى اتجاه صاعد على غرار ما حدث في 2018 أو أن السوق ترى أن أسعار النفط الحالية غير مقيمة على نحو فعال وفقا لآليات السوق.
وتتابع المذكرة "حدث ذلك الأمر في 2013 و2014 حينما كان معامل الارتباط بين أسهم شركات الطاقة والنفط دون 0.4 في وقت كانت فيه أسعار النفط حول مستويات 100 دولار للبرميل".
وعامل الارتباط هو مقياس إحصائي، يقيس العلاقة بين متغيرين، وتتراوح قيمته من -1 إلى 1 ويُحسب بتحديد التباين المشترك بين المتغيرين، ثم حساب الانحراف المعياري لكل متغير، ثم يتم حساب معامل الارتباط من خلال قسمة التباين المشترك على ناتج الانحراف المعياري للمتغيرين.
المصادر: أرقام- فاكت ست-هيئة البورصات والأوراق المالية الأمريكية- داتا تريكس
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}