كان تأثير العولمة والأتمتة (التشغيل الآلي وزيادة الاعتماد على الآلات) قاسيًا على الطبقة الوسطى في الولايات المتحدة خلال العقود الماضية. مما حدا بخبراء اقتصاديين إلى توثيق الضربات التي تلقاها المواطن الأمريكي جراء هذه التغيرات من عدم المساواة وركود الأجور وتدمير الوظائف وحتى الموت كمدًا.
ولكن على الرغم من مرور 30 عامًا من تلقي الطبقة الوسطى كل هذه الضربات، إلا أن الإدارات الديمقراطية والجمهورية على حد سواء كانت تعتمد سياسة الحرية الاقتصادية دون التدخل لإنشاء شبكات أمان اجتماعي من شأنها أن توفر قدرًا من "العدالة"، كما تفعل شبكات الأمان في جميع الاقتصادات المتقدمة الأخرى في العالم.
- يوثق كتاب جديد بعنوان "العودة إلى الوطن" من تأليف "رنا فوروهار" المحررة في "فايننشال تايمز"، كيف ولماذا اعتمدت أمريكا مسار "ما بعد العولمة".
- ويوضح الكتاب بالتفصيل كيف تدفع المؤسسة السياسية الأمريكية الآن نحو أجندة سياسية مغايرة تمامًا وذات أولويات جديدة، ولماذا يؤدي ذلك إلى خلق تناغم نادر بين اليمين واليسار الأمريكي.
- يقدم الكتاب رؤية مقنعة للواقع من شأنها أن تثير حالة من التفكير والجدل. تكمن قوة الكتاب في مجموعة الأمثلة الغنية التي يضمها بين دفتيه، والتي يعتمد العديد منها على عدة مقابلات أجرتها المؤلفة مع الاقتصاديين الفاعلين وصانعي السياسات.
- يستشرف الكتاب حقبة ما بعد العولمة ويغض الطرف عن مصالح عالم المال والأعمال "وول ستريت" ويستمع أكثر لمصالح "الناس والمكان".
- في سياق هذا الكتاب يتم إلقاء اللوم على الشركات الكبرى في بعض المشاكل، منها اندثار صناعة الأغذية الأمريكية، وتراجع المكانة الصناعية للولايات المتحدة، لا سيما تلك المتعلقة بصناعة أشباه الموصلات وصناعات النسيج.
- ورغم أن الكتاب حافل بقدر من اللوم والتحسر، إلا أنه في النهاية يدعو للأمل. حيث يشرح العديد من الأمثلة المحددة بدلاً من أن يترك العنان للقراء لتخيل الحلول التي يمكن أن تخلق نموذجًا جديدًا لما بعد العولمة.
- من بين هذه الحلول اللجوء لتقنيات الزراعة العمودية والتعاونيات، والعملات الرقمية التي قد تعالج أخطاء النظام المالي الدولي القائم على الدولار.
- كذلك يمكن أن يوفر خلق الوظائف في مجالات الرعاية الصحية والتعليم الوظائف التي يتطلبها الاقتصاد المحلي.
- من المُلاحظ أن كتاب "العودة إلى الوطن" يسلط الضوء على سياسة أمريكا إلى حد كبير، لكنه كان سيكون أكثر تأثيرًا لو اشتمل على فصلين إضافيين.
- يوضح الفصل الأول كيف تتجنّب الدول الغنية الأخرى الوقوع في نفس مسار الولايات المتحدة الرهيب. والفصل الثاني كان سيُظهر كيف أن العولمة أخرجت مئات الملايين من البشر من الفقر المدقع ودفعت المليارات إلى الطبقة الوسطى العالمية.
- من المرجح أن يصبح هذا الكتاب مرجعًا في حقبة ما بعد العولمة حيث يتم تنحية التجارة الحرة جانبًا من خلال سياسة التجارة المتمحورة حول العمال والتوطين والسياسة الصناعية القوية.
- وأيضًا تبني السياسات التي تستفيد من الترابط الاقتصادي الدولي لتعزيز الأهداف الجيوستراتيجية.
- كذلك الاستماع بشكل أقل إلى مصالح وول ستريت والشركات متعددة الجنسيات، والاهتمام بمصالح "الأشخاص والمكان" بشكل أكبر في أروقة السلطة في واشنطن.
- في النهاية، قد لا يتفق العديد من القراء مع قائمة الجناة التي أشار إليها الكتاب بأصابع الاتهام والتي تشمل الاتفاقيات التجارية، وعالم المال "وول ستريت"، والاقتصاديين، والنظام المالي الدولي.
- مع ذلك ينبغي عليهم قراءة الكتاب، لأنه سيساعد على فهم منطق أولئك الواثقين من أن أيام "العولمة كما عهدناها خلال نصف القرن الماضي" قد ولت إلى الأبد، والأهم من ذلك، ما الذي سيأتي بعد ذلك.
المصدر: فايننشال تايمز (Financial Times)
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}