ينظر الكثيرون إلى إعادة فتح الاقتصاد الصيني باعتبارها بارقة الأمل الوحيدة في الاقتصاد العالمي المرجح أن يشهد ركودا في العام الجاري. ويقول الاقتصاديون إنه في الوقت الذي يواجه فيه الاقتصاد العالمي ضغوطا هبوطية، من بينها نقص الطاقة وتباطؤ النمو وارتفاع التضخم، فإن الاقتصاد الصيني يمكن أن يوفر دفعة تشتد الحاجة إليها.
وفاجأت الصين العالم بفتح حدودها أمام المسافرين العالميين وتخلت عن معظم قيود كورونا مما كان له تأثير إيجابي على معظم الأسواق خاصة في ظل المقومات القوية التي يتمتع بها ثاني أكبر اقتصاد في العالم وما تمثله بكين من قاعدة صناعية قوية وقوة سكانية شديدة الضخامة وما لذلك من تأثير إيجابي على حركة التجارة العالمية وغيرها.
وعلى الرغم من ارتفاع الإصابات المحلية بكورونا، يتوقع خبراء أن تمر بكين بسرعة عبر موجة الوباء وأن يبدأ اقتصادها مرة أخرى في النمو بعد سنوات من القيود مثل الإغلاقات المفاجئة والحجر الصحي المطول، ما أدى إلى انخفاض الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.
وتشير بنوك الاستثمار أيضا إلى تصريحات صانعي السياسات في الصين بأن الحكومة ستركز على دعم الاقتصاد وتقليص حملتها على شركات التكنولوجيا الخاصة لدعم توقعاتها الأكثر تفاؤلا.
توقعات إيجابية
وكان البنك الدولي قد توقع في ديسمبر أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي الصيني 2.7 في المائة في 2022 قبل أن يرتفع إلى 4.3 في المائة في 2023 في ظل إعادة فتح الاقتصاد. لكن التوقع الخاص بالعام الجاري أقل من تقديراته السابقة لنمو عند 4.5 في المائة.
في الوقت ذاته، قال البنك إن توقعات النمو عرضة لمخاطر كبيرة نابعة من المسار غير المؤكد للوباء وكيفية تطور السياسات استجابة لوضع الوباء، وكذلك الاستجابات السلوكية للأسر والشركات.
وأضاف البنك أن الضغط المتواصل في قطاع العقارات قد يكون له تداعيات أوسع نطاقا على الاقتصاد الكلي والأوضاع المالية. كما أن المخاطر المرتبطة بالتغير المناخي تزداد، مثلما اتضح في العام الماضي من أنماط الطقس المتطرفة وما نتج عنها من اضطراب في النشاط الاقتصادي. وخارجيا، تنبع المخاطر من آفاق عدم اليقين التي تحيط بالنمو العالمي، والتشديد الأكبر من المتوقع للأوضاع المالية، وتصاعد التوترات الجيوسياسية.
وقالت مصادر سياسية لـ"رويترز" إنه من المرجح أن تستهدف الصين تحقيق نمو اقتصادي لا يقل عن 5 في المائة في 2023 للحد من البطالة.
في الوقت ذاته توقعت مجموعة من الخبراء تعافيا أكثر سرعة للاقتصاد الصيني في الأشهر الأولى من العام الجاري مع توقعات نمو تتجاوز خمسة في المائة.
ويتوقع الاقتصاديون انتعاشا على شكل حرف "V" بدعم من "سياسات محسنة باستمرار للوقاية من الوباء".
وقالت "شينغ شو بينغ" كبيرة الاستراتيجيين المعنيين بالصين لدى "إيه.إن.زد للأبحاث" إن الاقتصاد سيشهد انتعاشا سريعا في الأشهر القليلة المقبلة إلى مستوى ما قبل الوباء ويتوقع نمو الناتج المحلي الإجمالي للصين 5.4 في المائة في 2023.
من جانبها قالت "وو جيندو" خبيرة أدوات الدخل الثابت لدى معهد الأبحاث "جريت وول سيكوريتيز" إنه بعد وضع الاستجابة المحسنة لكوفيد-19 في الاعتبار، من المرجح أن تصل الصين إلى الذروة في الإصابة بالفيروس وإلى القاع من الناحية الاقتصادية في الربع الأول من العام الجاري.
ويشير ذلك إلى أن البلاد في وضع جيد لتجاوز "اختبار تحمل في أعقاب الوباء"، حيث يسير الاقتصاد على الطريق الصحيح صوب التعافي بعد كوفيد-19 وفقا لما ذكرته "وو".
وتوقعت الخبيرة الاقتصادية أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي للبلاد خلال العام الجاري نحو خمسة في المائة لأسباب من بينها انخفاض مستوى الأساس.
من جانبه، رفع بنك الاستثمار "مورجان ستانلي" الأمريكي توقعه لنمو اقتصاد الصين إلى 5.7 في المائة بزيادة قدرها 0.3 نقطة مئوية عن التوقعات السابقة متوقعا انتعاشا بوتيرة أسرع وأقوى من ذي قبل.
كما رفع بنك "جولدمان ساكس" توقعاته لنمو الناتج المحلي الإجمالي للصين إلى 5.2 في المائة في العام الجاري في منتصف ديسمبر. وقال البنك في يناير إنه مستعد ليكون أكثر "تفاؤلا" حيال النمو.
وتوقع خبراء الاقتصاد لدى شركة "بلاك روك" نمو الناتج المحلي الصيني 6 في المائة، ما سيخفف من "التباطؤ العالمي". لكنهم يحذرون من أن انتعاش النمو سيكون لفترة قصيرة نسبيا، قائلين إنهم "لا يتوقعون أن يعود مستوى النشاط الاقتصادي في الصين إلى اتجاهات ما قبل كوفيد، حتى مع استئناف النشاط المحلي".
وكشف استطلاع أجرته "رويترز" أنه من المرجح أن ينتعش نمو اقتصاد الصين إلى 4.9 في المائة في 2023 قبل أن يستقر في 2024 مع تعهد صناع السياسات بتكثيف دعمهم للاقتصاد الذي تأثر سلبا بفعل فيروس كورونا، وفقا لتوقعات 49 خبيرا اقتصاديا.
ويتوقع خبراء الاقتصاد لدى بلومبرج أن تسجل الصين نموا 4.9 في المائة في العام الجاري.
وكان صندوق النقد الدولي قد توقع في نوفمبر أن ينمو اقتصاد الصين 4.4 في المائة في 2023، لكن في الشهر الجاري حذرت "كريستالينا جورجييفا" مديرة صندوق النقد الدولي من أن ارتفاع إصابات كوفيد في الصين قد يكون له تبعات سلبية على الاقتصاد العالمي وقالت إن تأثير الإصابات على النمو الصيني سيكون سلبيا وكذلك على المنطقة والعالم.
ونما اقتصاد الصين ثلاثة في المائة في 2022 ما يقل كثيرا عن المستوى المستهدف رسميا البالغ 5.5 في المائة، وتمثل تراجعا شديدا للنمو من مستواه البالغ 8.4 في المائة في 2021.
لكن "كانغ يي" مدير المكتب الوطني للإحصاء وصف النمو الصيني بأنه "سريع نسبيا" في ضوء الأوضاع غير المتوقعة وعلى النقيض مما حدث في ألمانيا والولايات المتحدة واليابان، وستعلن الصين المستهدف الرسمي للنمو في مارس.
روشتة للمضي قدما
تعهد القادة الصينيون بتحفيز ثاني أكبر اقتصاد في العالم هذا العام مع التصدي لبعض العوائق الرئيسية للنمو ومنها سياسة صفر كوفيد والانكماش الحاد في قطاع العقارات. ويقول الخبراء إن زيادة الاستهلاك مهمة أساسية لاقتصاد الصين في العام الجاري.
وقال "تاو وانج" كبير خبراء الاقتصاد لدى بنك الاستثمار "يو.بي.إس" في مذكرة بحثية " نتوقع انتعاش الأنشطة الاقتصادية والاستهلاك بقوة من مارس إلى أبريل فصاعدا، بدعم من إعادة فتح ما بعد كوفيد وإطلاق فائض المدخرات". لكنه أضاف أنه من المرجح أن يحد الافتقار إلى محفزات واسعة النطاق للدخل والاستهلاك من الانتعاش.
وقال "ياو جينغ يوان" الباحث الخاص لدى مكتب المستشارين بمجلس الدولة الصيني إن الصين تحتاج إلى مواصلة التركيز على توسيع الطلب المحلي في 2023، وإنه من المهم للغاية أن تقوم بعمل جيد في تعزيز الاستهلاك.
وأضاف "ياو" أن أكبر ميزة تنموية تتمتع بها الصين هي أن لديها أكبر سوق محلي في العالم وهو الأساس الأكثر جوهرية للتنمية الاقتصادية في الصين.
وقالت ""وو جيندو" إنه على الرغم من أن الانتعاش الاقتصادي لم يصل إلى أرضية صلبة بعد، إلا أن مرونة الاقتصاد القوية وإمكانياته الكبيرة، إضافة إلى السوق المحلية الضخمة في البلاد، ما زالوا كافين لتحقيق انتعاش شامل في العمليات الاقتصادية على مدى 2023.
وقال "وو شاومينغ" نائب رئيس معهد "تشاسينج" للأبحاث إنه سيكون هناك انتعاش أقوى في الاستهلاك.
وأضاف أنه من المتوقع أن ينمو نصيب الفرد من الإنفاق الاستهلاكي بنسبة تتراوح بين 8 و12 في المائة في عام 2023، متوقعا أن ينتعش الاستهلاك بشكل كبير في 2023 مقارنة مع 2022.
وفي اجتماع في ديسمبر لوضع جدول أعمال السياسات، تعهد كبار القادة الصينيين بالتركيز على استقرار الاقتصاد البالغ حجمه 17 تريليون دولار في 2023 وتكثيف التعديلات على السياسات لضمان تحقيق الأهداف الرئيسية.
وفي ذات الإطار، تعهد البنك المركزي الصيني باتباع سياسة "دقيقة وقوية" لدعم النمو، والإبقاء على سيولة وفيرة بشكل معقول وخفض تكاليف تمويل الشركات.
وقالت "مارا وارويك" مديرة البنك الدولي المعنية بالصين ومنغوليا وكوريا إن استمرار تكيف سياسة الصين تجاه كوفيد-19 سيكون أمرا حاسما للتخفيف من مخاطر الصحة العامة وتقليص المزيد من الاضطرابات الاقتصادية.
وأكدت أن الجهود المتسارعة بشأن مدى استعداد قطاع الصحة العامة، بما في ذلك مساعي زيادة التطعيمات خاصة بين الفئات المعرضة للخطر بشكل كبير قد تتيح إعادة فتح بشكل أكثر أمانا وأقل اضطرابا.
دفعة للنمو العالمي
من المتوقع أن ينخفض النمو في الولايات المتحدة إلى 0.5 في المائة في 2023، ما يقل 1.9 نقطة مئوية عن التوقعات السابقة وهو أضعف أداء خارج فترات الركود الرسمية منذ عام 1970 وفقا لتقرير آفاق الاقتصاد العالمي الأحدث الصادر عن البنك الدولي.
ومن ثم، فإن الفجوة في الناتج المحلي الإجمالي بين الصين والولايات المتحدة ستتسع في 2023 وفقا لتقديرات "وو جيندو" متوقعا أن تكون الصين أحد أكبر محركات نمو الاقتصاد العالمي في 2023.
ويقول الاقتصاديون إنه استنادا إلى بيانات رسمية، فإن الاقتصاد الصيني صمد أمام تحديات عدة منذ بدأ الوباء.
وبلغت التجارة الخارجية السنوية للصين 42.07 تريليون يوان (6.27 تريليون دولار) بزيادة 7.7 في المائة على أساس سنوي لتتصدر العالم لست سنوات متتالية، وفقا لبيانات الإدارة العامة للجمارك. وقالت الإدارة إن الرقم تجاوز مستوى 40 تريليون يوان لأول مرة.
وبالتطلع إلى 2023، وفي ظل مخاوف من اتجاه الاقتصاد العالمي صوب ركود عميق، من المرجح أن تكون الصين أهم عامل استقرار للاقتصاد الكلي في العالم وذلك بفضل استقرار سياسة الاقتصاد الكلي للصين، وفقا لما يقوله "تشين جيا" الباحث المستقل في الاستراتيجيات العالمية.
وقال تشين إنه مقارنة بالاقتصادات الغربية، التي غيرت مسارها عدة مرات، ما أدى إلى حدوث صدمات متكررة في أسعار الفائدة العالمية وأسواق المال، حافظت السياسات الكلية للصين دائما على توازن ديناميكي ضمن نطاق محدد.
انخفاض عدد السكان عامل معاكس
لكن قد لا تأتي الرياح بما تشتهي السفن، فعدد سكان الصين انخفض العام الماضي للمرة الأولى في ستة عقود وهو تحول تاريخي من المتوقع أن يمثل بداية فترة طويلة من التراجع في أعداد السكان، ما قد يلقي بظلال سلبية على اقتصاد الصين والعالم.
وقال مكتب الإحصاء الوطني الصيني إن عدد السكان انخفض بواقع 850 ألف تقريبا ليبلغ4.1175 مليار في 2022 وهو أول انخفاض منذ 1961.
وعلى المدى الطويل، يرى خبراء الأمم المتحدة أن عدد سكان الصين سينخفض بمقدار 109 ملايين بحلول 2050 أي أكثر من ثلاثة أضعاف انخفاض توقعاتهم السابقة في 2019.
ويقول خبراء ديموغرافيون إن ذلك سيؤدي لأن "تتقدم الصين في السن" قبل أن تصبح غنية، ما سيؤدي إلى تباطؤ الاقتصاد مع انخفاض الإيرادات وزيادة الديون الحكومية بسبب ارتفاع تكاليف الصحة والرعاية الاجتماعية.
ويرى الخبراء أن تقلص القوة العاملة في البلاد وتراجع ثقل التصنيع سيزيد من تفاقم ارتفاع الأسعار والتضخم المرتفع في الولايات المتحدة.
المصادر: أرقام- رويترز- مجلة فورتشن- البنك الدولي- صحيفة جلوبال تايمز- سي.إن.بي.سي
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}