تتشكل موجة كبيرة صاعدة في أسعار النفط على ما يبدو وفقا لتوقعات بنوك استثمار بعد أن أعلنت مجموعة أوبك+ خفضا طوعيا مفاجئا في إنتاج الخام بواقع 1.6 مليون برميل يوميا اعتبارا من مايو وحتى نهاية العام.
وأصدر كبار محللي النفط توقعات بوصول الأسعار إلى مستوى قريب للغاية من 100 دولار للبرميل بعد القرار الذي جرى اتخاذه يوم الأحد، مع توقع البعض أن يسجل التوازن العالمي للعرض والطلب حالة عجز في وقت أبكر مما كان متوقعا.
وكان النفط انخفض لأدنى مستوى في 15 شهرا في مارس بسبب الاضطراب الناتج عن الأزمة المصرفية، لكن الأسعار تعافت قليلا مع استقرار الأوضاع. وأغلق خام برنت دون 80 دولارا للبرميل بقليل في نهاية مارس مرتفعا 14% عن أدنى مستوياته خلال نفس الشهر.
95 دولارا للبرميل في ديسمبر
رفع بنك "جولدمان ساكس" الأمريكي توقعاته لأسعار العقود الآجلة لخام برنت. وقال محللو البنك في مذكرة بحثية إن توقعات سعر خام برنت لشهر ديسمبر 2023 زادت خمسة دولارات إلى 95 دولارا للبرميل، بينما ارتفعت توقعات ديسمبر 2024 بمقدار 3 دولارات إلى 100 دولار للبرميل.
هذا بينما خفض البنك توقعاته لإنتاج أوبك+ بنهاية 2023 بمقدار 1.1 مليون برميل يوميا.
وقال البنك إن الخفض المفاجئ للإنتاج يتفق مع المبادئ الجديدة لأوبك+ للعمل بشكل استباقي لأنها لا تستطيع تحمل خسائر كبيرة في حصتها السوقية.
وقال جولدمان ساكس إنه بينما كان التحرك مفاجئا، فإن القرار يعكس "اعتبارات اقتصادية مهمة وسياسية محتملة".
وبحسب تقديرات البنك، فإن الخفض قد يقدم دفعة بنسبة 7% لأسعار الخام. ولفت إلى أن القرار جاء بعد إعلان الولايات المتحدة وفرنسا إطلاق كميات من الاحتياطيات البترولية الاستراتيجية.
وقال "إن رفض إعادة تزويد الاحتياطي النفطي الاستراتيجي الأمريكي في السنة المالية 2023، على الرغم من المستويات المنخفضة لخام غرب تكساس الأمريكي التي وُصفت سابقا بأنها كافية لإعادة التزويد، ربما يكون قد ساهم في قرار أوبك+ بخفض الإنتاج".
من جانبه قال رئيس شركة الاستثمار "بيكرينج إنرجي بارتنرز" إن خفض الإنتاج قد يرفع أسعار النفط العالمية بمقدار 10 دولارات للبرميل.
وقال "دان بيكرينج" الشريك المؤسس للشركة التي مقرها هيوستن في الولايات المتحدة إن خفض الإنتاج "سيعزز الأسعار بشكل قوي". وأضاف "إنها مفاجأة بشكل ملموس. ربما تكون مؤشرا على القلق بشأن الطلب وما يحدث في الولايات المتحدة بشان الأزمة المصرفية".
وارتفع خام برنت الإثنين نحو خمسة دولارات للبرميل تقريبا.
ويرى "بنك باركليز" حاليا ارتفاع توقعاته لخام برنت لتبلغ 92 دولارا للبرميل بواقع خمسة دولارات إضافية في العام الجاري بعد الخفض الأحدث.
وقال محللو بنك الاستثمار الأمريكي "جيه.بي مورجان" إن أسعار خام برنت ما زالت ستنهي العام الجاري عند 96 دولارا للبرميل، مضيفين أنهم ينظرون إلى التخفيضات المستهدفة المفاجئة على أنها "إجراء استباقي" لضمان أن فوائض الخام الموجودة في السوق حاليا لا تستمر حتى النصف الثاني من عام 2023.
وأشار "جيه.بي مورجان" إلى أنه كان قد توقع في وقت سابق تحركا من جانب الإدارة الأمريكية ومجموعة أوبك+ في الربع الأول.
وقال المحللون إن هذه الخطوة جاءت في وقت متأخر عما توقعوه وأن الاستجابة البطيئة لضعف الأسعار سيكون لها تأثير محدود على توازنات العرض والطلب وقد تؤخر التأثير على الأسعار.
وأضافوا "منذ نوفمبر، يشير التوازن العالمي بين العرض والطلب على النفط إلى أن هناك حاجة إلى إجراء قوي على مستوى السياسات للسيطرة على فوائض النفط العالمية".
وقال محللو البنك "الأكثر إثارة للدهشة هو أن الإعلان لم يصدر في وقت مبكر. كان التحرك في وقت لاحق سيقلص التأثير على التوازنات ككل وبالتالي سيستغرق التأثير السعري وقتا أطول لكي يحدث".
وارتفع إنتاج النفط الأمريكي في يناير إلى 12.46 مليون برميل يوميا وهو أعلى مستوى منذ مارس 2020 وفقا لبيانات من إدارة معلومات الطاقة الأمريكية.
وقال "روبرت يوجر" المحلل لدى "ميزوهو" إنه حتى الأسبوع الماضي، كانت المخزونات في الولايات المتحدة عند أعلى مستوياتها لعدة سنوات كما أن "هناك الكثير من الشحنات، معظمها روسية، تبحر في البحار السبعة بحثا عن مشتر".
نهج استباقي
من جانبه قال "جاري روس" الاستشاري المخضرم في قطاع النفط والذي يدير حاليا صندوق تحوط في شركة "بلاك جولد انفستورز" إن أوبك+ تتبع نهجا استباقيا متقدما حتى على التفكير الحالي، وتحاول انتزاع أسعار النفط" من قبضة التأثيرات المتعلقة بالاقتصاد الكلي.
وقال "كلاي سيجل" مدير النفط العالمي لدى مجموعة "رابيدان للطاقة" إن أوبك تتصرف على نحو احترازي، مضيفا أن المنظمة "تحركت اليوم لمنع تكرار ما حدث في 2008، حين خفضت أوبك الإنتاج بعد فوات الأوان لمنع أسعار النفط من الانهيار تحت وطأة الأزمة المالية العالمية".
وقال "يمكننا ان ننظر إلى الوراء قليلا فيما يتعلق بقرار أوبك+، ونقول إن هذا القرار بارع. لقد تصرفوا بشكل استباقي وعملوا من أجل منع حدوث فائض كبير في السوق. هذا إذا ما كنا نشهد بيئة ركود، وإذا نما الطلب على النفط هذا العام بأقل بكثير مما تتوقعه الوكالات وإجماع المحللين".
وأضاف "الأمر كله يتعلق بالمكان الذي ترسم فيه خطا فاصلا بين التوقعات المالية والفعلية. إنها ليست مخاطر العرض والطلب التي نواجهها هنا، إنها مخاطر الاقتصاد الكلي، يعني ذلك أن الناتج المحلي الإجمالي سيتباطأ وأن الاقتصادات الكبرى ستدخل في حالة ركود، وهذا يوجه ضربة كبيرة جدا للطلب العالمي على النفط".
مخاوف حيال توقعات الطلب والصين
ويقول محللون إن قرار الخفض ينطوي على تقدير ضمني بأن توقعات ارتفاع الطلب الصادرة عن وكالة الطاقة الدولية ومجتمع المحللين قد لا تكون دقيقة.
وقالت وكالة الطاقة الدولية الشهر الماضي إنها تتوقع ارتفاع الطلب العالمي على النفط مليوني برميل يوميا إلى 102 مليون برميل يوميا هذا العام بدعم من الطلب الصيني المتزايد.
وقالت أوبك في أحدث تقاريرها الشهرية في الرابع عشر من مارس إنها تتوقع ارتفاع الطلب العالمي بمقدار 2.32 مليون برميل يوميا في العام الجاري بقيادة الصين بزيادة قدرها 710 آلاف برميل يوميا.
لكن محللين يقولون إن أعضاء أوبك+ ربما يستشعرون بشكل جماعي وجود انخفاض في الطلب على نفطهم اعتبارا من مايو فصاعدا.
ويعزو المحللون ذلك إلى أنه يتم ترتيب الشحنات الفعلية قبل التسليم بأشهر، لذلك عادة ما يكون لدى الدول المنتجة إشارة قوية بشأن ما يريده العملاء بالفعل في شهري مايو ويونيو وربما لم يكن ذلك بالقدر الذي توقعته الدول في السابق.
يقول المحللون إن الصين تمثل عاملا حاسما في الأمر فعلى الرغم من انتعاش الطلب هناك، لكن يظل دائما خطر تحول شركات التكرير إلى مخزوناتها الوفيرة مثلا إذا اعتبرت أن الأسعار ارتفعت إلى حد بعيد وبسرعة كبيرة.
ولا تكشف الصين عن مخزوناتها ونادرا ما تتحدث عنها علنا، لكن التاريخ يشير إلى أن المصافي لا تجد صعوبة في المعتاد في السحب من مخزوناتها عندما تكون الأسعار مرتفعة وتعيد تزويدها عندما تنخفض الأسعار.
ويشير المحللون أيضا إلى أن الصين خزنت نفطا بأكثر مما تستهلك، على الرغم من ارتفاع الطلب المحلي ومعدلات التكرير في المصافي.
وأضافت الصين نحو 270 ألف برميل يوميا من الخام إلى المخزونات التجارية أو الاستراتيجية خلال يناير وفبراير وفقا لحسابات تستند إلى بيانات رسمية.
وبينما انخفض هذا الرقم من 1.19 مليون برميل يوميا في ديسمبر و740 ألف برميل يوميا في 2022 ككل، فإنه لا يزال يظهر أن الصين لديها القدرة على السحب من المخزونات إذا أرادت ذلك.
توزيع الخفض
وسيؤدي الخفض الجديد المتعهد به إلى رفع إجمالي التخفيضات من التحالف الذي يضم منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) ومنتجين بينهم روسيا منذ نوفمبر إلى 3.66 مليون برميل يوميا ما يعادل 3.6% من الطلب العالمي.
وكان من المتوقع في السابق أن تبقي أوبك+ الإنتاج مستقرا حتى نهاية العام بعد أن خفضته بواقع مليوني برميل يوميا في نوفمبر الماضي.
ويتوزع الخفض كما يلي:
السعودية |
500 ألف برميل يوميا |
روسيا |
500 ألف برميل يوميا |
العراق |
211 ألف برميل يوميا |
الإمارات |
144 ألف برميل يوميا |
الكويت |
128 ألف برميل يوميا |
قازاخستان |
78 ألف برميل يوميا |
الجزائر |
48 ألف برميل يوميا |
عمان |
40 ألف برميل يوميا |
بدائل
يتوقع المحللون الآن شحاً في إمدادات الخام من الشرق الأوسط، مما سيؤدي بالتبعية إلى رفع التكاليف على شركات التكرير من آسيا إلى أوروبا وسيدفعها للحصول على مزيد من الخام من روسيا وإفريقيا والأمريكتين.
وقال مسؤول في شركة تكرير كورية جنوبية لوكالة رويترز إن الخفض يمثل نبأ غير جيد لمشتريي النفط، لكن أوبك تسعى فيما يبدو "لحماية أرباحها" في مواجهة مخاوف من تباطؤ الاقتصاد العالمي.
وقال مسؤول الشركة ومتعامل صيني في النفط إن خفض الإمدادات سيؤدي إلى ارتفاع أسعار الخام في الوقت الذي يفرض فيه ضعف الاقتصادات ضغوطا على الطلب على الخام والأسعار، مما سيضغط على أرباح شركات التكرير.
وقال "تاكايوكي هونما" كبير خبراء الاقتصادي لدى شركة "سوميتومو كوربوريشن جلوبال ريسيرش": "تريد الدول المنتجة على ما يبدو أن ترى أسعار النفط ترتفع إلى 90-100 دولار للبرميل".
ويقول متعاملون إن التخفيضات تأتي في الوقت الذي من المتوقع أن تسجل فيه مشتريات الصين، أكبر مستورد للخام في العالم، رقما قياسيا في 2023 مع تعافيها من وباء كورونا، بينما يظل استهلاك الهند، ثالث أكبر مستورد للخام في العالم، قويا.
في الوقت نفسه، قال متعاملون ومسؤول بشركة تكرير هندية إن طلب شركات التكرير الأوروبية على خام الشرق الأوسط ارتفع، خاصة على خامي البصرة الثقيل وخام عمان، ليحل محل النفط الروسي الذي يحظره الاتحاد الأوروبي منذ ديسمبر.
وقال "الآن (الشركات) ستواجه صعوبات" متوقعا أن تتسم السوق بالشح الشديد.
وقال مسؤول التكرير الهندي إنه في ظل ارتفاع الأسعار وقلة المعروض من خام الشرق الأوسط مرتفع الكبريت، قد تضطر الصين والهند لشراء المزيد من النفط الروسي مما يعزز إيرادات موسكو.
وقال إن ارتفاع أسعار خام برنت قد يدفع خام الأورال الروسي وبقية المنتجات النفطية الروسية إلى أسعار تتجاوز السقف الذي حددته مجموعة السبع الكبرى بهدف كبح إيرادات موسكو النفطية.
وفي حين كان المتعاملون والمحللون يتوقعون أن يسجل الخام فائضا في الربع الثاني من العام الجاري مع إغلاق مصاف آسيوية لإجراء أعمال صيانة وتوقف شركات تكرير فرنسية بسبب إضرابات العمال، فإنهم يتوقعون حاليا أن تواجه السوق شحا قبل الصيف وهو موسم ارتفاع الطلب.
وقال مصدر صيني في قطاع التكرير إن تخفيضات أوبك ستساعد في امتصاص الكميات الفائضة في الغرب.
وقالت مصافي تكرير في اليابان وكوريا الجنوبية إنها لا تبحث الحصول على نفط روسي بسبب مخاوف جيوسياسية وقد تبحث عن إمدادات بديلة من إفريقيا وأمريكا اللاتينية.
وقال "هونما" من شركة "سوميتومو" إنه يمكن لليابان أن تسعى للحصول على المزيد من الإمدادات الأمريكية، لكن نقل النفط عبر قناة بنما مكلف.
وقال متعامل صيني "في الأساس، الغرض من هذا الخفض الكبير هو بشكل رئيسي استعادة قوة التسعير في السوق".
المصادر: أرقام- رويترز- بلومبرج- سي.إن.بي.سي
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}