يحاول صناع السياسات الاقتصادية في الولايات المتحدة، توجيه اقتصاد البلاد نحو الهبوط الناعم - وهو ما يعني خفض التضخم دون حدوث ركود - منذ أن بدأت معدلات التضخم في الارتفاع، وسط تأرجح الأسواق بين الأمل في النجاح، ومخاوف الانزلاق نحو الركود.
ويرى خبراء الاقتصاد أن الولايات المتحدة نجحت في تحقيق الهبوط الناعم لمرة واحدة فقط، في عام 1995، خلال فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية.
ويرجع "آلان بليندر" نائب رئيس الاحتياطي الفيدرالي خلال فترة ما بين 1994 و1996؛ الفضل في هذا النجاح إلى قدرة صناع السياسة النقدية على توجيه الاقتصاد بمهارة عالية، كللت بالحظ الوفير وعدم حدوث عواقب غير محمودة.
لكن حالات الهبوط الناعم تعد أمراً نادر الحدوث في نظر "أنتوليو بومفيم" المستشار السابق لرئيس الاحتياطي الفيدرالي "جيروم باول"، بسبب صعوبة السيطرة على العملية.
وكما هو الحال في الأزمة الحالية، تفاءل العديد من الاقتصاديين في وول ستريت عشية فترات الركود في أعوام 1990، و2001، و2007 بأن الولايات المتحدة في طريقها لتحقيق الهبوط الناعم من خلال احتواء التضخم عبر زيادة معدلات الفائدة، دون إحداث ركود اقتصادي أو التأثير سلباً على سوق العمل.
ويواجه نجاح صناع السياسة النقدية في إدارة الاقتصاد الأمريكي نحو الهبوط الناعم -وخاصة في ظل ارتفاع التوقعات بتثبيت الفيدرالي لأسعار الفائدة في اجتماعه المرتقب هذا الأسبوع- أربعة تحديات رئيسية.
أولاً: مخاطرة الفيدرالي بالإبقاء على ارتفاع أسعار الفائدة لمدة أطول
- تزداد مخاطر تراجع الاقتصاد بصورة حادة في حالة تمسك الفيدرالي بالإبقاء على ارتفاع أسعار الفائدة لفترة أكثر من اللازم، حيث انتبهت السلطات النقدية في عام 1995 إلى ضرورة الخفض العاجل للفائدة بعد مضاعفة السعر الأساسي للإيداع لدى البنك المركزي إلى 6% خلال فترة الاثني عشر شهرًا حتى فبراير من نفس العام.
- أدرك صناع السياسة النقدية حينها أن أسعار الفائدة أصبحت مبالغًا فيها بعد تباطؤ النمو الاقتصادي، وهدوء ضغوط الأسعار.
- أعرب "بيتر بيريزن" كبير المحللين الاستراتيجيين لدى مؤسسة "بي سي إيه" البحثية، عن مخاوفه حيال إبقاء الفيدرالي على ارتفاع أسعار الفائدة لفترة طويلة دون داع، نتيجة استشعاره الحرج من البدء في التخفيض بمجرد التوقف المتوقع عن المزيد من رفع الفائدة.
ثانياً: تسارع النشاط الاقتصادي في الآونة الأخيرة
- أظهرت البيانات الأخيرة تسارع الإنفاق الاستهلاكي، ونشاط الأعمال في الآونة الأخيرة، على العكس من السيناريو المتوقع في ظل رفع الفيدرالي للفائدة عند أعلى مستوياتها خلال 22 عاماً، حيث يفترض أن يتراجع كل من إنفاق الشركات وعمليات التوظيف، نتيجة ارتفاع تكاليف الاقتراض وانخفاض أسعار الأصول.
- لذا فقد يعتقد الفيدرالي خطأً أنه في حالة استمرار الأوضاع الاقتصادية على نفس المنوال، فإنه سوف يضطر إلى اللجوء لمزيد من رفع الفائدة .
ثالثاً: ارتفاع أسعار النفط ومخاطر الركود التضخمي
- تهدد مخاطر ارتفاع أسعار النفط بدفع التضخم نحو الارتفاع مجدداً، بينما تعمل في نفس الوقت على تراجع معدل النمو الاقتصادي نتيجة تباطؤ الإنفاق العام في ظل ارتفاع فاتورة الطاقة.
- أوضح "بليندر" أن صدمة الركود التضخمي في تلك الحالة هي أبعد ما يكون عما يرجوه الفيدرالي أثناء توجيه الاقتصاد نحو الهبوط الناعم.
رابعاً: مخاطر انهيار الأسواق وارتفاع تكاليف الاقتراض
- يرى العديد من المحللين أن التغير السريع في تكاليف الاقتراض حول العالم، والآثار المتأخرة لرفع أسعار الفائدة في السابق تمثل مصدرًا لعدم الاستقرار الاقتصادي.
- أبقى الفيدرالي أسعار الفائدة قرابة الصفر خلال السنوات السبع التالية على الأزمة المالية العالمية في عام 2008، بينما انخفض سعر الفائدة إلى الصفر بالفعل أثناء سنوات الجائحة، ونتيجة لذلك فإن العديد من المؤسسات المالية والشركات قد وضعت خططاً استثمارية مبنية على توقعات استمرار انخفاض الفائدة لفترات زمنية أطول مما حدث.
- قال "جيمي ديمون" الرئيس التنفيذي لمصرف "جيه بي مورجان تشيس" خلال مؤتمر الأسبوع الماضي، إن رفع سعر الفائدة بمقدار نصف نقطة مئوية إضافية، سوف يضع المزيد من الأعباء على القطاعات المصرفية والعقارية.
- حذر "ديمون" من أن ارتفاع عجز الموازنة العامة، الذي يتم تمويله بواسطة المستثمرين، في الوقت الذي يخفض فيه الفيدرالي محفظته من السندات الحكومية البالغة 8.1 تريليون دولار، سوف يؤدي إلى ارتفاع الفائدة على قروض الرهن العقاري وديون الشركات، بالتزامن مع تراجع عوائد هذا النوع من الأصول نتيجة وفرة المعروض بواسطة الفيدرالي.
المصدر: وول ستريت جورنال
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}