أكد محافظ بنك الكويت المركزي باسل الهارون أن المؤشرات المالية للبنوك الكويتية تؤكد بشكل مستمر على ما يتمتع به القطاع المصرفي من مرونة وقدرة عالية تساعد على تخطي الأزمات وتعزز من قدرته على مواصلة خدمة الاقتصاد الوطني بكفاءة وفاعلية، ويدل على ذلك قوة مؤشرات السلامة المالية للقطاع المصرفي الكويتي من حيث كفاية رأس المال، والسيولة، وجودة الأصول، والربحية، مدعومة بنتائج إيجابية لاختبارات الضغط المالي التي يقوم بها بنك الكويت المركزي بشكل منتظم.
وشدد الهارون على مواصلة النهج المتوازن لسياسة «المركزي» النقدية الهادفة إلى تكريس الاستقرار النقدي، مع الاستمرار في التركيز على تعزيز الاستقرار المالي لوحدات القطاع المصرفي والمالي وهو الاهتمام القائم والمستمر لدى «المركزي» للفترة المقبلة، مع الأخذ بالاعتبار المراجعة المستمرة للمؤشرات الاقتصادية والنقدية والمصرفية الداعمة للمسار الحالي للسياسة النقدية، وذلك في ضوء الأثر المتأخر (Lag effect) للقرارات السابقة على تلك المؤشرات.
وأشار إلى أنه نتيجة للنمو والتوسع في حجم أعمال وأنشطة القطاع المصرفي بالكويت، فقد تضاعف إجمالي الميزانية المجمعة للبنوك المحلية على مستوى النشاط المحلي (نشاط البنوك المحلية وفروعها داخل الكويت) بأكثر من الضعفين منذ عام 2010 ليبلغ ذلك الإجمالي في شهر يونيو 2023 نحو 85.574 مليار دينار.
ونوه الهارون في إصدار خاص لـ«المصارف» بدور القطاع المصرفي الكويتي في التنمية الاقتصادية من خلال دوره تمويل الأنشطة الاقتصادية بالكويت، إذ إن أرصدة الجزء النقدي المستخدم من التسهيلات الائتمانية للمقيمين المقدمة من البنوك المحلية إلى مختلف القطاعات الاقتصادية المحلية قد تضاعف منذ نهاية 2010 ليبلغ في يونيو 2023 نحو 47.25 مليار دينار، وكذلك زاد إجمالي رصيد ودائع المقيمين لدى البنوك المحلية بما يقارب الضعف ليبلغ في يونيو 2023 نحو 47.83 مليار دينار.
ولفت الهارون إلى أنه وبالرغم من تداعيات بعض الصدمات الخارجية على الوضع الاقتصادي والمصرفي، إلا أن البنوك الكويتية استطاعت المحافظة على مستويات عالية من جودة أصولها، مستندة إلى ما تتمتع به من مؤشرات السلامة المالية، واجتازت اختبارا غير يسير، أكد قوة القطاع المصرفي على مواجهة الصدمات، يدعم ذلك عملية البناء المستمر للمخصصات لمواجهة متطلبات شطب الديون المتعثرة، ومواصلة تكوين هذه المخصصات بما يقوي المصدات المالية للبنوك ويزيد أوضاعها متانة ويعزز قدرتها على تقديم خدماتها إلى كافة قطاعات الاقتصاد الوطني بكفاءة عالية، على نحو متوازن يراعي مصالح جميع الأطراف المعنية.
وتحدث الهارون عن السياسات التحوطية الجزئية والكلية التي ينتهجها «المركزي» والسياسات الرقابية التي تأخذ بالاعتبار النظرة المستقبلية والإجراءات الاحترازية، حيث استطاع «المركزي توجيه البنوك لتعزيز مصداتها المالية وتحصين القطاع المصرفي لزيادة قدرته على مقاومة الصدمات الخارجية بحيث يظل قادرا على مواصلة خدمة الاقتصاد الوطني بكفاءة عالية حتى في ظل أوضاع ضاغطة.
ولفت المحافظ إلى أن البنوك الكويتية، وبفضل التزامها بقرارات وتوجيهات «المركزي» وبالمعايير الدولية، كانت قادرة على خدمة الاقتصاد الكويتي لما تتمتع به من كفاءة عالية ومتانة، وهو ما تؤكده مؤشرات السلامة المالية كما في نهاية مارس 2023 والمتمثلة في المعدلات المرتفعة لكل من معيار كفاية رأس المال (19.0%)، ومعيار تغطية السيولة (158.1%) ومعيار صافي التمويل المستقر (113.7%)، وبنسب تفوق متطلبات الحدود الدنيا لهذه الضوابط الرقابية كما تحددها التعليمات الصادرة عن بنك الكويت المركزي، ويدعم هذه المؤشرات معايير جودة الأصول، حيث حافظت نسبة القروض غير المنتظمة على مستواها المتدني تاريخيا والبالغ 1.5%، إذ تشير نتائج تلك المؤشرات إلى أن القطاع المصرفي في الكويت قادر على مواجهة التحديات المستقبلية والمرتبطة بالتشديد النقدي من مركز قوة.
وقال الهارون: «في ضوء التطورات الاقتصادية والجيوسياسية التي شهدها العالم في الآونة الأخيرة، تعرض الاقتصاد العالمي إلى تحولات جوهرية أثرت بشكل أساسي على ارتفاع معدلات التضخم في العديد من الدول، الأمر الذي ساهم في تحول السياسة النقدية في أغلب الاقتصادات إلى السياسة التشددية، والتي تتمثل باستخدام البنوك المركزية مجموعة من الأدوات المتاحة لديها، ومنها رفع أسعار الفائدة/الخصم، وذلك بغرض تحقيق مجموعة من الأهداف الوسيطة المتمثلة في الحد من تسارع الائتمان وتخفيض المعروض النقدي، وبالتالي تحقيق الأهداف النهائية لتلك السياسة التي تستهدف مكافحة التضخم وتخفيض الطلب الكلي في الاقتصاد وهو المحرك الرئيسي للنمو الاقتصادي».
وأكد أن طبيعة إدارة تلك السياسة تتفاوت من دولة إلى أخرى حسبما تقتضيه الطبيعة الاقتصادية وخصوصيتها لكل دولة وما هو متاح من أدوات لتلك السياسة، وأن قرارات البنك المركزي ذات الصلة بالسياسة النقدية جاءت نتيجة المواكبة المستمرة للتطورات المتلاحقة في الاقتصادات والأسواق العالمية، واستنادا إلى مؤشرات الاقتصاد المحلي والمؤشرات النقدية والمصرفية المحلية.
وأشار إلى أن «المركزي الكويتي» لم يجار البنوك المركزية العالمية في قرارات الرفع المتسارعة لأسعار الفائدة خلال دورة التشديد النقدي التي بدأت منذ مارس 2022، والتي انعكس أثرها على تهديد الاستقرار المالي، ولكن البنك اتخذ من جانبه سلسلة من القرارات بشأن رسم وتنفيذ السياسة النقدية في إطار نهج متدرج ومتوازن يرمي إلى تحقيق أهدافه المتمثلة في تكريس الاستقرار النقدي والاستقرار المالي لوحدات القطاع المصرفي والمالي، والمحافظة على تنافسية العملة الوطنية وجاذبيتها كوعاء مجز وموثوق للمدخرات المحلية، وتعزيز الأجواء الداعمة للنمو الاقتصادي المستدام لكافة القطاعات الاقتصادية.
وأوضح أن «المركزي» وجه كافة جهوده لمجابهة الآثار السلبية الناجمة عن مختلف الأزمات المالية والاقتصادية التي شهدتها الأسواق العالمية مستخدما كافة الأدوات المتاحة لديه، ودون التخلي عن أهدافه الأساسية الرامية إلى المحافظة على أجواء الاستقرار النقدي والاستقرار المالي في ظل ما فرضته تلك الأزمات من تداعيات، وبما يسهم في احتواء القطاعات الاقتصادية للصدمات وتوفير الأجواء الداعمة للثقة في الاقتصاد الوطني وتحفيز قدرته على التعافي والنمو المستدام.
ولفت إلى أنه وانطلاقا من المهام المنوطة به، فقد تركزت جهود «المركزي» في مواصلة العمل على ترسيخ دعائم الاستقرار النقدي والاستقرار المالي في الكويت انطلاقا من نهجه الاستباقي، وتدخله المبكر، وواصل باستخدامه الفعال لمنظومة أدوات السياسة النقدية، والسياسة الرقابية وأدوات التحوط الكلي، وتوظيفها جميعها بحصافة واحترافية عالية لتعزيز النمو الاقتصادي على أسس مستدامة، والمحافظة على جاذبية العملة الوطنية كوعاء مجز وموثوق للمدخرات المحلية، وضمان مواصلة وحدات القطاع المصرفي والمالي تقديم خدماتها المالية للاقتصاد والمجتمع على نحو سلس وسريع وآمن.
وأوضح الهارون أن النهج المستقبلي الذي اعتمده بنك الكويت المركزي نحو التحول الرقمي للقطاع المصرفي جاء بما يتناسب مع حرصه على تطوير الصناعة المصرفية والمالية، وتحفيز الإبداع ونشر التقنيات الحديثة لتعزيز الاستقرار النقدي والمالي في بيئة عمل تشهد ارتفاع المضاعفات والمخاطر.
لذلك، وضع بنك الكويت المركزي إطار عمل البنوك في الكويت لتقديم وتطوير خدماتهم المصرفية الرقمية وفق 3 نماذج أولية للأعمال المصرفية الرقمية، وهي تأسيس وحدات مصرفية رقمية في مثل هذه البنوك، والتعاون مع طرف ثالث، أو إنشاء البنوك الرقمية.
وفي السياق نفسه، يحرص «المركزي» على إدخال بيئة تكنولوجية أكثر تمكينا، وتحفيز الابتكار المستدام، وتنفيذ مجموعة من الحلول والإجراءات ذات الصلة بما في ذلك التنظيم الدفع الإلكتروني، وإصدار الأمن السيبراني الإطار الاستراتيجي الذي يتطلب البنوك الكويتية لتطوير استراتيجياتهم المستقبلية وتحديثها منهم بانتظام. كما أصدر بنك الكويت المركزي اللائحة التنظيمية (Sandbox Framework) لتوفير مساحة آمنة لاختبار المنتجات المبتكرة التي ستسهم في تحول القطاع المصرفي.
ولفت الهارون إلى أن التغيرات العالمية والإقليمية المتسارعة تستوجب العمل على مواكبتها، وفقا لآليات حديثة ومتطورة، مؤكدا على الثورة التي شهدتها البيئة المصرفية، والمنافسة الكبيرة فيما بين البنوك لتحقيق تطلعات عملائها وتلبية احتياجاتهم المتزايدة من خلال تقديم أحدث وأفضل الخدمات المالية الرقمية بشكل سهل وميسر ولبناء منظومة متكاملة ومتطورة لكل خدماتها، مؤكدا في هذا الصدد أن القطاع المصرفي الكويتي اتخذ خطوات جدية نحو التحول الرقمي الذي يهدف إلى تطوير العمليات والإجراءات والأنظمة الداخلية وتقديم خدمات إلكترونية متطورة والتحول تجاه تبني التكنولوجيا الرقمية.
وأكد الهارون أن «المركزي» يولي إدارة المخاطر السيبرانية ومخاطر أمن المعلومات عناية فائقة، ويتبع المبادئ المثلى المطبقة عالميا في هذا المجال، وتواصلت جهوده في تعزيز الأمن السيبراني بما يتوافق مع الإطار العام للأمن السيبراني للقطاع المصرفي في الكويت، وأن الشبكات الإلكترونية وأنظمة المعلومات لدى البنوك الكويتية تتمتع بمستويات عالية من الحماية، وتستخدم أنواعا متقدمة من البرمجيات والتقنيات الحديثة في مجال حماية وأمن المعلومات، وفقا للمعايير العالمية المتبعة لمنع أي من وسائل الاحتيال، وللحماية من محاولات الاختراق والقرصنة.
ولفت إلى أن «المركزي» يتطلع إلى إنشاء مركز للابتكار يهدف إلى تبني الأنشطة والمجالات التقنية المتعلقة بأمن المعلومات والأمن السيبراني ونظم المعلومات في الجهات الخاضعة لرقابته.
السياسة الاستباقية
قال الهارون إن وحدات القطاع المصرفي الكويتي تمكنت من تخطي الأزمات المالية السابقة التي عصفت باقتصادات العالم وأزمة جائحة كورونا بنجاح نتيجة لجهود بنك الكويت المركزي في الإشراف والرقابة القائمة على السياسة الاستباقية في تعزيز أوضاع وحدات الجهاز المصرفي في البلاد.
كفاءة المصارف.. والنمو الاقتصادي
أكد الهارون الدور البالغ الأهمية للقطاع المصرفي بالنشاط الاقتصادي من خلال استقطاب وتنمية المدخرات الوطنية، وحسن توجيهها نحو أفضل وجوه الاستثمار، وعلى النحو الذي يمكن أن يسهم في عملية التخصيص الأمثل للموارد الاقتصادية، وبما يؤدي إلى تعزيز فرص النمو المستدام، إذ إنه كلما زادت كفاءة القطاع المصرفي والوساطة المالية، كلما انعكس ذلك إيجابا على معدلات النمو وأنماط التنمية في الاقتصاد الوطني.
تطور المصارف.. عملية متواصلة
ذكر الهارون أن تطور القطاع المالي والمصرفي في الكويت هو عملية متواصلة بحكم المستجدات المستمرة في البيئة الاقتصادية التي يعمل بها، ومواكبة للتطورات المتلاحقة في الابتكارات التقنية والأدوات المالية والمصرفية الجديدة في الصناعة المصرفية، وأن البنوك تطورت على مر العقود الماضية لتلعب دورا حيويا في خدمة الاقتصاد الوطني، إذ تعتبر اليوم محورا أساسيا لتمويل الاقتصاد الكويتي، وتقدم القروض والتسهيلات المالية للمشروعات الكبيرة والمتوسطة والصغيرة، ما يسهم في تعزيز النمو الاقتصادي وتوفير فرص العمل، كما تلعب دورا مهما في تمويل القطاعات الحيوية مثل النفط والبتروكيماويات والبنية التحتية.
التمويل المستدام
أشار الهارون إلى مواصلة البنك المركزي متابعة تقارير البنوك المحلية بشأن التزامها بمعايير ومبادئ التمويل المستدام، ومدى التزامها بإصدار منتجات وأدوات تمويلية تتوافق مع أنشطة التمويل الأخضر، وتطبيق مبدأ الاستدامة على عمليات البنوك وأنشطتها الداخلية.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}