يشير مصطلح مصيدة السيولة إلى ظاهرة اقتصادية تتسم بتفضيل الجميع الاحتفاظ بالنقود في صورتها السائلة "الكاش"، بدلاً من إنفاقها في أية أنشطة، سواء كانت استهلاكية أو استثمارية.
وتقترن ظاهرة مصيدة أو فخ السيولة عادة بفترات الركود الاقتصادي، وانخفاض أسعار الفائدة إلى مستويات متدنية قد تصل إلى الصفر، وتعجز حينها أدوات السياسة النقدية التقليدية عن تحفيز النشاط الاقتصادي والخروج من تلك الأزمة.
ويعد عالم الاقتصاد الانجليزي الشهير "جون ماينرد كينز" أول من تنبه لتلك الظاهرة، حيث وصفها في كتابه "النظرية العامة في التشغيل والفائدة والنقود" بأنها حالة اقتصادية قد تنشأ نتيجة الانخفاض الشديد في سعر الفائدة، للدرجة التي يفضل عندها غالبية الناس الاحتفاظ بالكاش، بدلاً من وضعه في أوعية مُدرة للعائد، مثل السندات والأدوات المختلفة للديون.
وتعتمد البنوك المركزية في إدارة سياستها النقدية بشكل رئيسي على سعر الفائدة لتوجيه النشاط الاقتصادي في الاتجاه المرجو، ففي أوقات الركود، تلجأ السلطات النقدية لخفض الفائدة بهدف تشجيع كلاً من القطاعين العائلي والاستثماري على الاقتراض لتمويل النفقات الاستهلاكي والاستثماري بتكلفة منخفضة.
لكن في أوقات الركود الشديد، قد يقع الاقتصاد فيما يعرف بمصيدة السيولة، حيث ترتبط الظروف غير المواتية للركود، بابتعاد الأسر والمستثمرين عن الإنفاق، وتفضيل الاحتفاظ بالنقد في صورته السائلة نظراً لحالة عدم التأكد بشأن المستقبل، أو احتمالات تفاقم الأزمات، أو توقع حدث سلبي ما.
ويتسبب أثر تلك التوقعات السلبية في تحييد قدرة البنوك المركزية على التحكم في مسار السياسة النقدية، نتيجة خفضها للفائدة إلى مستويات متدنية قد تصل إلى الصفر بالفعل ولا يمكن خفضها أكثر من ذلك، بينما تعجز عمليات السوق المفتوحة عن إنعاش الاقتصاد في ظل تفضيل المستهلكين اكتناز الأموال بدلاً من إنفاقها، واتساع الفجوة بين الطلب على النقود (اكتنازها) والمعروض منها مهما كانت درجة التيسير النقدي.
وتوجد أربعة مؤشرات بارزة على انزلاق اقتصاديات الدول نحو مصيدة السيولة، تشترك جميعها في فشل إجراءات السياسة النقدية في دفع عجلة الاقتصاد، وهي على النحو التالي:
1- انخفاض أسعار الفائدة وأثره على التوقعات: حيث يتوقع الجميع في أوقات الانخفاض الشديد للفائدة بأنها حتماً سوف ترتفع مرة أخرى، ويفقد الاستثمار في أدوات الديون جاذبيته مهما كان مستوى العائد المقدم، فما جدوى شراء سند اليوم عند معدل الفائدة هذا أو ذاك، بينما يمكن شراؤه بفائدة أعلى يوم غد.
2- جمود الأسعار عند مستويات متدنية: يرتبط المستوى العام للأسعار عادة بعلاقة طردية مع الكمية المعروضة من النقود، حيث تتدخل السلطات النقدية في أوقات الركود من خلال ضخ مزيد من السيولة لتحفيز معدلات الاستهلاك والاستثمار، لكن تلك العلاقة لا تستقيم عند الوقوع في مصيدة السيولة، ويفضل الناس اكتناز المزيد والمزيد من النقود.
ويشير الاحتياطي الفيدرالي في سانت لويس في ورقة بحثية نُشرت في أبريل من عام 2014، أنه في الأوقات العادية يرتفع معدل التضخم بنسبة 0.54% عند نمو عرض النقود بنسبة 1%، بينما في حالة فخ السيولة سوف تظل الأسعار دون تغيير أو تتجه للانخفاض عند اتباع سياسة نقدية توسعية، نتيجة امتصاص الطلب المرتفع على النقود لكل تلك الفوائض المالية.
3- عدم استغلال مؤسسات الأعمال للفوائض المالية: تفضل شركات الأعمال في تلك الظروف، عدم استغلال انخفاض أسعار الفائدة من خلال الاستثمار في توسعة أعمالها، أو شراء معدات جديدة، وتُفضل إطلاق عمليات
إعادة شراء للأسهم مما يؤدي إلى لتضخم أسعارها. وقد تلجأ أيضاً للاستحواذ على شركات أخرى، لتساهم كل تلك العمليات في إنعاش الأسواق المالية بدلاً من النشاط الاقتصادي.
4- عدم زيادة الاقتراض رغم انخفاض الفائدة: تستفيد المصارف في الظروف العادية من الفوائض المالية التي تقوم السلطات بضخها في الاقتصاد عبر منح أنواع مختلفة من القروض، لكن انخفاض الثقة في أوقات الركود يؤدى للابتعاد عن الحصول على الائتمان، وتفضيل المقترضين سداد ديونهم بدلاً من زيادتها.
وقد تفضل البنوك عدم منح قروضاً جديدة في ظل ارتفاع مخاطر البيئة الائتمانية بشكل عام، كما حدث أثناء الأزمة المالية العالمية حين تخلف أصحاب الديون الثانوية عن السداد بأعداد كبيرة، وخفضت المصارف عمليات منح الائتمان بصفة عامة، لترتفع صعوبة الاقتراض بدرجة عالية.
وأوضحت "جانيت يلين" في عام 2009 حين كانت رئيسة للاحتياطي الفيدرالي في سان فرانسيسكو أثناء الأزمة المالية العالمية، أن معدل التضخم لن يرتفع نتيجة السياسة النقدية التوسعية، نظراً لتراجع ضغوط الأسعار والأجور إثر وجود موارد معطلة في الاقتصاد لا يتم استغلالها بالشكل الكافي.
وتوجد أربعة حلول مقترحة للخروج من تلك الأزمة متنوعة الأسباب والخصائص، تعتمد غالبيتها على نجاح مُتخذي القرار في إدارة توقعات الأطراف على اختلاف دوافعهم وحوافزهم الاقتصادية؛ على النحو التالي:
1- زيادة أسعار الفائدة: إن ارتفاع أسعار الفائدة قصيرة الأجل من شأنه تحفيز مستويات الاستثمار والادخار، نتيجة ارتفاع تكلفة خيار الاحتفاظ بالكاش، كما يساعد رفع أسعار الفائدة طويلة الأجل في تحفيز البنوك على منح القروض للاستفادة بالعوائد المرتفعة، الأمر الذي يؤدي بدورة لزيادة معدل دوران النقود داخل الاقتصاد.
2- خفض المستوى العام للأسعار بدرجة كافية: يمكن للنشاط الاقتصادي استرداد عافيته مرة أخري عن طريق خفض الأسعار لدرجة لا يستطيع عندها المستهلكين مقاومة التسوق وشراء الأصول المختلفة مثل الأسهم، وقد يحفز ذلك المستثمرين أيضاً على إعادة شراء أصول متنوعة لإيمانهم بأن الاحتفاظ بها سوف يعوض الخسائر التي تحملوها خلال فترة الركود عند انتهاء الأزمة.
3- اتباع سياسة مالية توسعية: يمكن للتوسع المالي إنهاء أزمة مصيدة السيولة من خلال تعزيز ثقة الممولين المحليين في قدرة الدولة على دعم النمو الاقتصادي، وخلق وظائف جديدة بصورة مباشرة، والقضاء على الأسباب الداعية للاكتناز.
4- سياسة أسعار الفائدة السالبة: استفادت كل من اليابان وعدد من الدول الأوروبية من تلك الأداة النقدية المميزة في أعقاب الأزمة المالية العالمية، حيث تقوم فكرتها ببساطة على زيادة الحوافز المقدمة للمقترضين من خلال خفض تكلفة الحصول على الأئتمان لضخ السيولة في الشرايين الاقتصادية من استهلاك واستثمار، ومكافأة المديننين بالفوائد بدلاً من تحملهم أعباء إضافية.
واتبع البنك المركزي الأوروبي هذا النهج في عام 2014 لمنع اقتصاد منطقة اليورو من الدخول في انكماش شديد، بينما لجأت إليها الحكومة السيوسرية عام 1970 للحد من ارتفاع قيمة عملتها إثر إقبال المستثمرين الأجانب نحو البلاد هرباً من التضخم في أجزاء أخرى من العالم، كما يعد الاقتصاد الياباني المثال الأبرز على معدلات الفائدة السلبية، حيث قررت اتباع هذه السياسة منذ يناير من عام 2016 وحتى الآن لتحفيز النمو الاقتصادي، لكن الأمر يتعلق بأسباب أخرى غير مسألة مصيدة السيولة.
المصادر: ذا بالانس موني – موقع الاحتياطي الفيدرالي في سان فرانسيسكو – إنفستوبيديا
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}