نبض أرقام
09:16 م
توقيت مكة المكرمة

2024/11/21
2024/11/20

ضبط توقيت سوق الأسهم .. محاولة ظاهرها الربح وباطنها الخسارة

2024/02/16 أرقام - خاص

الكساد الكبير، فقاعة دوت كوم، الأزمة المالية العالمية، بريكست، بعض الكوارث مثل محطة فوكوشيما النووية اليابانية بعد زلزال 2011، كثيرًا ما يضرب المثل بهذه الأحداث كنقاط تحول لسوق الأسهم، حيث تسببت في هبوطه حول العالم بنسب متفاوتة ليتم تحليل سوق الأسهم بمنطق "ما قبل الأزمة" و"ما بعد الأزمة".

 

وعلى الرغم من أن غالبية هذه التواريخ تسببت في خسائر كبيرة لغالبية المتداولين حول العالم، فإن بعضهم نجح في الاستفادة من ورائها بتوقع انقلابات السوق، أو بالتحسب لتعافيه، ولكن بعضهم بالغ في استراتيجية "توقيت السوق" مما أدى لتحول الأرباح في بعض الأحيان إلى خسائر.

 

 

نجاح ولكن؟

 

توقيت السوق استراتيجية يقوم من خلالها المستثمرون بشراء وبيع الأسهم بناءً على تغيرات الأسعار المتوقعة، وبالتالي إذا كان بإمكان المستثمرين التنبؤ بموعد صعود السوق وهبوطه، فيمكنهم إجراء صفقات لتحويل حركة السوق إلى ربح، وبالتالي تزدهر بشكل أكبر أوقات الأزمات.

 

رغم أن هذه الإستراتيجية قد تبدو فعّالة من الناحية النظرية، فإنه يكاد يكون من المستحيل عمليًا أن تنجح بشكل ثابت، لذا وعلى الرغم من أن هناك بعض المستثمرين الذين نجحوا بالفعل في إحراز النجاح من حين لآخر، إلا أن تحقيق أرباح كبيرة من هذه الإستراتيجية هو أمر بعيد المنال بالنسبة لمعظم الناس.

 

على سبيل المثال اكتسب "جوليان روبرتسون"، الرجل المسؤول عن صندوق التحوط "تايجر مانجمنت"، سمعة واسعة في أواخر التسعينيات بسبب "تحويل" رأس مال قدره 8 ملايين دولار فقط، جمعه من الأصدقاء والمعارف عام 1980، إلى أكثر من 18 مليار دولار في عام 1998، واشتهر بأنه شخص يعرف السوق جيدًا ومن هؤلاء الذين اعتادوا "التغلب عليه".

 

ويقول "روبرتسون" إن استراتيجيته بسيطة: الحفاظ على الهدوء، والاستثمار في الأسهم المقومة بأقل من قيمتها وبيع الأسهم ذات القيمة الزائدة، وعلى الرغم من أن الاستراتيجية تبدو سهلة نظريًا، لكنها عسيرة في التطبيق وقد سمحت للصندوق بإدارة ما يقرب من 21 مليار دولار في قمة أدائه.

 

المكاسب تنقلب خسائر

 

واكتسب "روبرتسون" سمعته إبان فقاعة "دوت كوم" وذلك من خلال القيام بعكس ما يفعله الجمهور تمامًا، فبدلاً من المشاركة فيما بدا أنه العصر المالي الجديد، قرر بيع عدد كبير من الأسهم التي يعتبرها الصندوق مبالغًا في تقدير قيمتها على المكشوف وفقا لاستراتيجيته بالتخلص من تلك الأسهم التكنولوجية، ومع  انخفاض السوق حقق أرباحًا تراوحت بين 5-7 مليارات وفقًا للتقديرات.

 

 

وكان هذا ذكاءً من "روبرتسون" في "توقيت السوق" بمعنى تحديد النقطة التي سيحدث فيها انعكاس بين الصعود والهبوط أو العكس، ولكن الرجل نفسه خسر بسبب محاولاته في هذا الصدد لاحقًا، حيث خسر رؤوس أموال بسبب محاولاته اللاحقة لضبط توقيت السوق والبيع على المكشوف.

 

فأصول الشركة انخفضت بسبب عدد من محاولات البيع على المكشوف في السوق رهانًا على اغتنام "النقطة الصحيحة"، وعلى ذلك تراجعت أصول الصندوق من 21 مليار دولار إلى 6.5 مليار دولار بعد تكبد الكثير من المستثمرين خسائر ضخمة حتى اضطر "روبرتسون" لإغلاق الصندوق عام 2000.

 

وعلى الرغم من خسارته هذه إلا أن "روبرتسون" عاد للسوق مجددًا ولكن بما وصفه نهج "أقل تطرفًا" واستخدم فيه ثروته الشخصية وحاز على عائد 403% بين 2000-2008 وذلك بدعم استراتيجيته المعتمدة على التخلص من الأسهم التي يرى أنه مبالغ في قيمتها، وشراء تلك التي يراها مقومة بأقل من قيمتها الحقيقية.

 

ويقول "روبرتسون" إنه بعد خسائره الكبيرة قرر اتخاذ نهج أكثر عقلانية بأن يبيع الأسهم التي يرى أنها ستنخفض أو ستفقد قيمتها، دون الانتظار حتى آخر لحظة ليقوم بذلك، معتبرًا أن بعض الخسائر المقبولة والمحدودة نتيجة لعدم الانتظار لـ"نقاط الانعكاس" لمنحنى السوق أفضل كثيرًا من الخسائر المحتملة، وأحيانا المتحققة نتيجة لانتظار لحظة الارتفاع الأخيرة لبيع الأسهم، أو أعلى نسبة انخفاض للشراء.

 

تجربة "جرانثام"

 

"جيرمي جرانثام" يعد أحد أكثر الأسماء احترامًا في "وول ستريت" في ظل ما حققه من توقعات صائبة للعديد من الأزمات وتحقيقه للمليارات منها، وعلى رأسها فقاعة "دوت كوم" وأزمة الأسواق الآسيوية، لكن وعلى الرغم من ذلك فإنه عانى خسارة قياسية بسبب محاولته ضبط توقيت السوق أيضا.

 

 

ففي عام 2010 توقع " جرانثام" تعثر التعافي في الأسواق العالمية بسبب تشككه في احتمال حدوث عمليات "إفلاس كبيرة" لشركات ضخمة في السوق الأمريكي، دون أن ينتبه لنقطتين جوهريتين، الأولى أن الحكومات لن تسمح بأزمة مالية عالمية جديدة تلي أزمة 2008 وستقوم بعمليات إنقاذ حتمًا لمنع إفلاس كيانات جديدة، ثانيا أن عمليات التدقيق التي تلت الأزمة المالية العالمية جعلت من الصعب وقتها حدوث انهيار كامل كبير للشركات.

 

وخسر "جرانثام" قرابة 25 مليار دولار في عام 2010، موزعة على أكثر من عملية بيع على المكشوف خلال العام، ليعود عن نهجه بمحاولة تعظيم الربحية من خلال توقيت السوق ويعود إلى نهجه الاستثماري الأول الأكثر استقرارًا واستمرارًا لوقت طويل.

 

ويشير "جرانثام" إلى أنه توقف بعد خسائره في 2010 عن محاولة توقيت السوق تمامًا وعاد ليصب جل اهتمامه على تقييم مستقبل الشركات والأعمال والقطاعات، معتبرًا أن الاستمرار في تلك المحاولات جهد ضائع نتيجته خسارة الوقت والأموال.

 

إغراء الأرباح

 

من عام 1991 إلى عام 2005 كانت شركة "ليج ماسيون" من بين أشهر الشركات في السوق الأمريكي، لأنها كانت قادرة طيلة هذه السنوات في التفوق على متوسط الأرباح الذي حققه مؤشر "ستاندر أند بورز 500" في كل عام بما جعلها شركة جديرة بالانتباه.

 

وكان من بين أشهر المديرين ذوي المساهمة اللافتة في هذا الأمر "بيل ميللر" الذي اعتمد على محفظة استثمارية بها 80% تقريبا استثمار قليل المخاطر في أسهم توزع الأرباح أو السندات أو العقارات، و20% موزعة بين أسهم متوسطة أو عالية المخاطر بما في ذلك عمليات "توقيت السوق".

 

وبدأ النجاح المتصل الذي حققته الشركة لأعوام طويلة يغري "ميللر" بمحاولة زيادة هامش الأرباح بنسبة كبيرة من خلال التوسع التدريجي في محاولة "ضبط توقيت السوق"، وتدريجيًا بدأت الشركة تنقلب من التفوق على السوق إلى تحقيق أرباح دونه في 2006، قبل أن تلحق بها الخسائر.

 

وبعدما كان المراقبون يقيمون قيمة "ليج ماسيون" بقيم مختلفة لكنها بمئات المليارات في 2005، تم بيع الشركة لأحد شركات الاستثمارات الأمريكية لمبلغ لم يتجاوز 5 مليارات دولار عام 2020، بعد سنوات طويلة من الخيبات بسبب نهج "ميللر" ومن خلفوه في إدارة الشركة واستثماراتها.

 

وأجرت مجموعة "دابلار" للأبحاث دراسة حول تأثير محاولات توقيت السوق على الأرباح، واكتشفت أنه في الوقت الذي حقق فيه مؤشر "ستاندرد أند بورز 500" 9.5% حقق المتداول العادي 4.1%، لم يفلح المتداول الذي يعتمد استراتيجية "التوقيت" إلا في تحقيق المكاسب بنسبة 1 إلى 36 من المتداول العادي وليس المتميز.

 

وتتسق هذه النتيجة مع كافة التقارير والدراسات التي تشير إلى أن 98-99% من المضاربين لا يحققون الأرباح، وذلك لأن توقيت السوق غالبا ما يسعى لاستغلال اضطرابات قصيرة المدى، وهذا يعني أنه ليس هناك خطة استثمارية ثابتة ناجعة ومتصلة على المدى الطويل.

 

 

وبشكل عام يمكن جمع مخاطر توقيت السوق في النقاط التالية:
 

صعوبة التنبؤ: من الصعب جدًا التنبؤ بدقة بتحركات السوق، خاصة على المدى القصير.
 

التأثير النفسي: يمكن أن تؤدي المشاعر مثل الخوف والطمع إلى اتخاذ قرارات خاطئة.
 

تكلفة الفرصة: قد يفوتك فرص الاستثمار الجيدة إذا كنت تنتظر توقيتًا مثاليًا للشراء.
 

التكاليف الإضافية: قد تتضمن استراتيجيات توقيت السوق تكاليف إضافية مثل رسوم المعاملات.

 

كيف تتجنب خسائر توقيت السوق:


استثمر على المدى الطويل: ركز على أهدافك المالية طويلة المدى ولا تحاول توقيت السوق على المدى القصير.
 

تنويع محفظتك: استثمر في مجموعة متنوعة من الأصول لتقليل المخاطر.
 

استشر مستشارًا ماليًا: تحدث إلى مستشار مالي للحصول على مساعدة في تطوير خطة استثمارية تناسب احتياجاتك.

 

ونتذكر هنا التحذير الشهير الذي وضعه كتاب "الثيران تربح والدببة تربح والخنازير يتم ذبحها"، فالعنوان نفسه يشكل تحذيرًا من الطمع بوصفه طريقة مؤكدة للخسارة في السوق، ولا شك أن محاولة توقيت السوق "بدقة" هي محاولة لتعظيم المكاسب بما يفوق قدرة المتداول على "التقدير الصحيح" للأمور .

 

المصادر: أرقام- ميديم- ايكونوميست- دراسة " The perils of trying to time volatile markets"

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.