شهدت أسعار النحاس ارتفاعات قوية خلال الأشهر الأخيرة، بالتزامن مع مخاوف نقص المعروض والتفاؤل حيال استمرار نمو الاقتصاد العالمي.
لكن الارتفاعات السريعة للمعدن الصناعي أثارت قلق بعض المحللين بشأن احتمالية حدوث حركة تصحيحية قوية، رغم الأساسيات الداعمة لصعود المعدن.
ارتفاعات قوية مستمرة
- ارتفعت العقود الأجلة للنحاس للتسليم بعد ثلاثة أشهر في بورصة لندن للمعادن أعلى 10 آلاف دولار للطن، للمرة الأولى في عامين.
للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام
- وصل سعر المعدن عند 10.185 ألف دولار للطن بنهاية تعاملات الثالث عشر من مايو الجاري، وهو أعلى مستوى منذ مارس 2022.
- بينما في نيويورك، تتداول العقود الأجلة للنحاس تسليم شهر يوليو عند أعلى مستوياتها منذ أبريل 2022 مسجلة 4.776 دولار للرطل.
- تظل أسعار النحاس قرب أعلى مستوى على الإطلاق والمسجل في مارس 2022 عند 4.937 دولار للرطل.
- منذ بداية العام الجاري وحتى تسوية الثالث عشر من مايو، ارتفعت العقود الأمريكية للنحاس بنحو 25%، بينما وصلت نسبة الصعود إلى 29% في آخر ثلاثة أشهر.
- تزامن الصعود القوي لأسعار النحاس مع تقدم شركة "بي إتش بي" بعرض للاستحواذ على منافستها "أنجلو أمريكان" مقابل 39 مليار دولار، قبل ترفعه إلى 43 مليار دولار.
- لكن "أنجلو" رفضت العرضين باعتبارهما "غير جذابين ويقللان من القيمة الحقيقية للشركة المالكة لمناجم للنحاس".
أهمية تاريخية وحالية
- يعتبر النحاس من المواد الأولية الأساسية، حيث يساهم في الكثير من الاستخدمات، بداية من التوصيلات الكهربائية المنزلية إلى أجهزة الحاسب الآلي ونهاية بالبطاريات.
- منذ القرن التاسع عشر، عرف المشاركون في تطوير المرافق الكهربائية أن النحاس موصل جيد للكهرباء، كما أنه يتميز بكونه رخيصاً نسبياً.
- مؤخرًا، يتزايد الطلب على توليد الطاقة الكهربائية، مع الحاجة لتشغيل مراكز البيانات وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، ما يحتاج إلى النحاس المستخدم في نقل الطاقة إلى المولدات والمحولات والمفاتيح.
- تتسبب الاستخدامات الواسعة للنحاس في معظم قطاعات الاقتصاد في النظر إلى الطلب على المعدن باعتباره مؤشرًا موثوقاً للوضع الاقتصادي.
- يطلق المحللون على المعدن وصف "دكتور نحاس"، حيث إنه يمتلك حساسية قوية للدورات الاقتصادية قبل بدايتها.
- كشفت دراسة لبورصة "سي إم إي" أن التغير السنوي في سعر النحاس يرتبط بشكل جيد مع مؤشر "إي إس إم" لمديري المشتريات الصناعي الأمريكي، بالإضافة إلى الارتباط القوي مع مؤشر "إس آند بي 500"، ما يجعل المعدن مؤشرًا جيدًا للدورات الاقتصادية.
ارتفاع قوي للطلب
- استفادت أسعار النحاس مؤخرًا من ارتفاع الطلب العالمي على المعدن، بدعم تعافي القطاع الصناعي حول العالم وتصاعد الاهتمام بالطاقة المتجددة.
- في مارس الماضي، نجح النشاط الصناعي الأمريكي في النمو للمرة الأولى بعد ستة عشر شهرًا متتالياً من الانكماش، قبل أن يعود لنطاق الانكماش في أبريل الماضي.
- بينما في الصين، واصل مؤشر مديري المشتريات الصناعي النمو للشهر السادس على التوالي.
- من شأن استمرار تعافي القطاع الصناعي في الصين أن يدعم زيادة استهلاك بكين من النحاس، مع حقيقة أن البلاد تعتبر الأكثر استهلاكاً للمعدن حول العالم حالياً بحوالي 8 ملايين طن سنوياً.
- على جانب آخر، يكمن أحد مصادر حماس المستثمرين بشأن النحاس في دوره في التحول من الوقود الأحفوري إلى الطاقة المتجددة.
- توقعت شركة "وود ماكنزي" أن تتضاعف حصة الطلب العالمي على النحاس الذي يستهدف قطاعات الطاقة الخضراء والتي تشمل المصادر المتجددة والسيارات الكهربائية من نحو 8% إلى حوالي 16% خلال العشر سنوات المقبلة.
- ترى الشركة أن استهلاك النحاس عالمياً سيرتفع بنحو 24% في الفترة بين عامي 2023 و2033، ليصل إلى 32 مليون طن سنوياً، من أجل الوصول إلى صافي انبعاثات صفري بحلول 2050.
- كما أشارت "ترافيجورا" لتجارة السلع إلى أن نشاط قطاعات السيارات الكهربائية والبنية التحتية للطاقة والذكاء الاصطناعي والأتمتة سيؤدي إلى نحو 10 ملايين طن من الاستهلاك الإضافي للنحاس على مدى العقد المقبل.
- قال محللو "باف فاينانس Pave Finance" إن أسعار المعدن كانت في حالة ارتفاع قوي مؤخرًا، ما يعكس التفاؤل بشأن نمو الاقتصاد العالمي بقيادة الولايات المتحدة، بالإضافة إلى الآمال بشأن وصول الاقتصاد الصيني إلى القاع واقترابه من التعافي.
نقص المعروض والاستثمارات
- على الجانب الآخر، يستمر نقص المعروض من النحاس بسبب تشديد لوائح التعدين والتوترات الجيوسياسية والاضطرابات العمالية، بالإضافة إلى نقص بناء المناجم الجديدة وعدم قدرة تلك العاملة بالفعل على إنتاج كميات كافية من المعدن.
- تعرض النحاس لموجة من الصعود بداية من العام الماضي، مع مخاوف نقص المعدن، بعد إغلاق منجم "كوبري" في بنما التابع لشركة "فرست كوانتوم" الكندية.
- تشير التقديرات إلى أن السوق شهد فقدان مليون طن من النحاس بسبب الاضطرابات في المناجم، مع تراجع المخزونات في مستودعات بورصة لندن بحوالي 35% منذ أكتوبر 2023.
- في ديسمبر الماضي، خفضت شركة "أنجلو أمريكان" توقعاتها لإنتاج النحاس من مناجمها هذا العام.
- يرى "مايكل ويدمر" استراتيجي السلع في "بنك أوف أمريكا" أن العالم يحتاج إلى استثمارات في مناجم جديدة بقيمة 127 مليار دولار سنوياً على الأقل، من أجل الوفاء بالطلب على المعدن حتى 2050.
- لكن المحلل أشار إلى أن الاستثمارات في مناجم النحاس بلغت 104 مليارات دولار في العام الماضي.
- قال "بيوتر أورتونوفسكي" المحلل في "بنشمارك مينيرال إنتليجنس" إن السوق فقد مليون طن من المعروض بسبب تعطل الإمدادات من المناجم، بالتزامن مع نقص الاستثمارات في إمدادات جديدة من المناجم.
- على جانب موازٍ، تثير العقوبات الغربية ضد المعادن الروسية مثل النحاس والألومنيوم والنيكل مخاوف الأسواق بشأن نقص المعروض.
- أعلنت بورصتا لندن وشيكاغو أنهما لن تسمحا بتداولات جديدة للألومنيوم والنحاس والنيكل المصنعين في روسيا، ما زاد القلق حيال العرض.
- توقع "سيتي جروب" تجاوز الطلب العالمي على النحاس للإنتاج في العام الجاري، مشيرًا إلى استمرار العجز خلال الثلاث سنوات المقبلة.
هل تستمر الطفرة السعرية؟
- تتباين وجهات نظر المحللين بشأن مدى إمكانية استمرار الاتجاه الصاعد للنحاس، مع طفرة الطلب ونقص المعروض من المعدن.
- يعتقد "جاي تاتوم" مدير المحافظ في "فالنت أسيت ماجمنت" أن ندرة معدن النحاس ستكون الاختبار الحقيقي لمدى إمكانية استمرار ارتفاع أسعار المعدن.
- يعتقد "تاتوم" أن النحاس قد يبدأ في الوفاء ببعض الوعود الاستثمارية خلال الفترة المقبلة، مع زيادة الاعتماد عليه في جميع أنحاء الاقتصاد، والتحديات التي تواجه جانب العرض، وتعافي النشاط الصناعي من حالة التراجع الطويلة.
- كما ذكر "مايكل ويدمر" المحلل في "بنك أوف أمريكا" أن أسعار النحاس قد تظل مرتفعة على المدى الطويل، رغم احتمالية حدوث حركة تصحيحية قصيرة الأجل.
- كان محللو "جولدمان ساكس" قد رفعوا السعر المستهدف للنحاس إلى 12 ألف دولار للطن بحلول نهاية هذا العام من 10 آلاف دولار سابقًا، مع عدم استبعاد الوصول إلى مستويات 15 ألف دولار.
- برر محللو البنك رفع السعر المستهدف بتوقعات التحول إلى العجز المستمر في النحاس اعتبارًا من العام الجاري، مع احتمالية انخفاض المخزونات بشكل حاد بحلول الربع الرابع من هذا العام.
- كما يرى اقتصاديو "سيتي بنك" أن السوق الصاعدة الثانية للنحاس في القرن الحالي ربما تكون جارية حالياً بالفعل، بعد نحو 20 عامًا على الدورة الأولى.
- لكن على الجانب الآخر، حذر بعض المحللين من أن المعدن الصناعي ربما وصل إلى منطقة ذروة الشراء.
- قال "جون كاروسو" كبير استراتيجيي السوق في "آر جيه أو فيوتشرز" إنه على الرغم من أنه لا يزال إيجابياً بشأن حركة الأسعار، لكنه يرى أن النحاس يقع حالياً في منطقة ذروة الشراء.
- ذكر "كاروسو" أنه يفضل النهج الحذر في الوقت الحالي فيما يتعلق بتداول النحاس، داعياً المستثمرين إلى حماية الأرباح، ومحذرًا المتفائلين الجدد من الحماس بشأن المعدن.
- حذرت شركة "ماكواري جروب" من أن المعادن الأساسية -ما يشمل النحاس- قد تتراجع، معتبرة أن الارتفاعات الأخيرة كانت تعتمد على خوف المستثمرين من فقدان الفرصة في اللحاق بالمكاسب وليس بناءً على أي تغيير في أساسيات السوق.
- يقوم المصنعون الصينيون بتقليص مشترياتهم من النحاس بعد تكريره، بفعل ارتفاع الأسعار، حيث كشف مسح هذا الشهر أن مصانع الأسلاك النحاسية في الصين كانت تعمل بنحو 73% من طاقتها الإنتاجية في مارس، بانخفاض 14% عن العام الماضي.
- كما نقلت وكالة "رويترز" عن أحد متداولي النحاس قوله إن أسعار المعدن ارتفعت بسرعة كبيرة في الأسابيع القليلة الماضية، ما يزيد احتمالية حدوث حركة تصحيحية.
المصادر: أرقام – ذا ستريت – ماركت وتش – رويترز – إيكونوميك تايمز – دويتشه فيلله – أويل برايس – بلومبرج
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}