يهدد تغير المناخ استقرار أسعار الغذاء حول العالم، لأن درجات الحرارة المرتفعة تدفع الأسعار بشكل عام للارتفاع في الدول ذات الدخل المرتفع والمنخفض على حد سواء.
وكان 2023 العام الأكثر حرارة على الإطلاق بسبب تغير المناخ، وربما يتجاوزه العام الحالي مع ارتفاع درجات الحرارة في الهند على سبيل المثال إلى حوالي 50 درجة سيليزية، إلى جانب ارتفاع الحرارة في دول أخرى حول العالم منها الولايات المتحدة وهو ما سبب زيادة استهلاك الكهرباء في يونيو.
وتعد الزراعة أحد أكثر القطاعات تأثرًا بشكل مباشر بدرجات الحرارة، لذلك فقد تشهد إمدادات بعض من المحاصيل الأكثر أهمية في العالم نقصًا خلال العقد المقبل بسبب ارتفاع درجات الحرارة والظروف المناخية المتطرفة.
وتؤثر الظروف المناخية المتطرفة بما يشمل الجفاف والفيضانات والعواصف - والتي أصبحت متكررة بصورة متزايدة - على المحاصيل أيضًا، ففي عام 2022، تسببت الفيضانات في فيتنام في إهلاك حقول الأرز.
أظهرت دراسة نشرت بالمجلة العلمية "كومينيكشنز إيرث أند إنفيرومنت" في وقت سابق هذا العام أن التغيرات في متوسط درجات الحرارة الشهرية لها الارتباط الأقوى والأكثر استمرارًا مع مستويات الإنتاجية والتضخم.
للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام
وأوضح "آدم دافيس" الشريك المؤسس لصندوق التحوط الزراعي العالمي "فارير كابيتال" أن تغير المناخ ساعد في دفع أسعار تداول قائمة طويلة من السلع الرزاعية هذا العام، قائلاً: ارتفعت أسعار القمح 17% وزيت النخيل 23% والسكر 9%.
وأشار المركز البحثي "إنرجي أند كلايمت إنتلجنس يونيت" إلى أن ثلث الزيادة التي شهدتها المملكة المتحدة في أسعار الغذاء في عام 2023 ترجع إلى تغير المناخ، وذكر "فريدرك نيومان" كبير اقتصاديي آسيا لدى "إتش إس بي سي" أن هناك تأثيرا كبيرا لتغير المناخ على أسعار الغذاء العالمية.
دراسة حديثة
أوضحت دراسة صادرة عن المركزي الأوروبي و"بوتسدام إنستيتيوت" لأبحاث تأثير المناخ -اعتمدت على بيانات تاريخية من 121 دولة من عام 1996 وحتى 2021- أن معدلات التضخم السنوية في أسعار الغذاء على مستوى العالم قد ترتفع بما يصل إلى 3.2% كل عام خلال العقد المقبل نتيجة لارتفاع درجات الحرارة.
وهو ما يعني زيادة في التضخم السنوي العام بما يصل إلى 1.18% بحلول 2035 أو نحو ذلك، وأوضح "ماكس كوتز" عالم المناخ والمؤلف الرئيسي للدراسة لشبكة "إيه بي سي نيوز" أن الصدمات التي تتعرض لها الإنتاجية الزراعية هي القناة الرئيسية التي تكمن وراء تأثير تغير المناخ على تضخم أسعار الغذاء، مضيفًا: من المرجح أن تكون هناك تأثيرات كبيرة لتغير المناخ في المستقبل على أسعار المواد الغذائية في جميع أنحاء العالم.
كما خلصت الدراسة إلى أن الدول المرتفعة والمنخفضة الدخل ستشهد تضخمًا بسبب المناخ، ولكن الدول في الجنوب العالمي وخاصة أفريقيا وأمريكا الجنوبية ستكون الأكثر تأثرًا.
كيف تختلف نسبة الإنفاق على الغذاء بين الدول النامية ونظيرتها المتقدمة؟ (نماذج من بعض الدول بناءً على بيانات صندوق النقد الدولي) |
||||
الفئة |
|
الدولة |
|
الأوزان التي تمثلها الأغذية والمشروبات غير الكحولية في سلة سلع مؤشر "أسعار المستهلكين" (2020-2024) |
الاقتصادات الناشئة والنامية |
|
جنوب السودان |
|
%71.39 |
|
مالي |
|
%58.47 |
|
|
أفغانستان |
|
%47.78 |
|
|
روسيا |
|
%30.98 |
|
|
السعودية |
|
%18.78 |
|
الاقتصادات المتقدمة |
|
فرنسا |
|
%13.4 |
|
فنلندا |
|
%12.53 |
|
|
النرويج |
|
%12.4 |
|
|
الملكة المتحدة |
|
%9.13 |
|
|
سنغافورة |
|
%6.82 |
وبينت أيضًا أن التأثيرات على الأسعار نتيجة لزيادة متوسط درجة الحرارة الشهرية بمقدار درجة مئوية واحدة تستمر لمدة تصل إلى عام بعد الصدمة الأولية.
وألقى الباحثون نظرة على حرارة الصيف الشديدة في عام 2022 في أوروبا، ووجدوا أن تضخم أسعار الغذاء ارتفع بنسبة تتراوح بين 0.43% إلى 0.93% في القارة، وبحلول 2035 ستتضخم تلك النسبة بين 30% إلى 50% بناءً على توقعات الاحترار الحالية.
كيف يمكن أن تسجيب البنوك المركزية؟
يعد التقييم الشامل للمخاطر المناخية على التضخم عنصرًا هامًا في توجيه الجهود التي تبذلها الحكومات، فضلاً عن توجيه السياسات النقدية.
تجدر الإشارة إلى أن العديد من البنوك المركزية تستبعد أسعار الغذاء والطاقة من المؤشر الذي يقيس التضخم الأساسي، لتقييم مدى تحرك الأسعار في البلاد بدون تلك البنود المتذبذبة، ولكن بعدما أصبح تغير المناخ يسبب ضغوطًا تضخمية مستدامة تزايد الجدل حول ما إذا كان على صناع السياسات منح المزيد من الاهتمام لتلك الأسعار.
ويؤدي التأثير المتنامي لتغير المناخ على الزراعة إلى إعادة إشعال الجدل حول ضرورة استجابة البنوك المركزية لصدمات أسعار الغذاء كما تفعل مع الزيادات السعرية العامة من خلال رفع الفائدة.
وأوضح "مارك بوروي" الأستاذ المشارك للاقتصاد بجامعة "بواتييه" الفرنسية أنه على مدار فترة طويلة من الزمن كان هناك إجماع بين الاقتصاديين على ضرورة عدم تحرك البنوك المركزية بناءً على تضخم أسعار الغذاء وذلك لأنه كان يحدث بشكل مؤقت وبصورة متذبذبة، وبالتالي لا أحد يرغب في أن تكون الفائدة متقلبة.
وأشار "راغورام راجان" محافظ المركزي الهندي في الفترة من 2013 وحتى 2016 إلى أن البنوك المركزية في الاقتصادات المتقدمة كانت دائمًا أكثر استجابة لأسعار الغذاء.
بينما أوضح "كوتز" أن المركزي الأوروبي يستهدف بقاء التضخم عند مستوى 2% تقريبًا، إلا أن ارتفاع تضخم أسعار الغذاء سيجعل تحقيق ذلك الهدف أكثر صعوبة.
المصادر: فاينانشال تايمز – دراسة المركزي الأوروبي و"بوتسدام إنستيتيوت" - شبكة إيه بي سي نيوز
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}