إسلام زوين الرئيس التنفيذي لـ"أرقام"
كشفت المملكة العربية السعودية عن تصميم ملعب جديد في العاصمة الرياض. وسيتسع ملعب المربع الجديد لأكثر من 45,000 مقعد، وستتولى تنفيذه شركة تطوير المربع الجديد المملوكة لصندوق الاستثمارات العامة.
هل تتذكرون حقبة وباء كورونا عندما لم يُسمح للجماهير حول العالم بحضور المباريات في الاستاد؟ هل تتذكرون مباراة الديربي بين الهلال والنصر في 5 أغسطس 2020 والتي أقيمت بدون جماهير في استاد الملك فهد الدولي وكانت تفتقر للبريق الجماهيري رغم أنه كان من المفترض أن يكون في الملعب ما لا يقل عن 68 ألف مشاهد يتابعون مباراة مثيرة حفلت بخمسة أهداف؟ قد لا تتذكر من الفائز في هذه المباراة، ولكن لعلك تتذكر جيداً صورة الملعب الخاوي وصوت صياح اللاعبين والمدربين الذي قد سمعناه بوضوح للمرة الأولى أثناء متابعة المباراة أمام شاشات التلفاز.
حضور الجماهير يعطي زخما كبيرا لأي حدث رياضي، ويعد أحد عوامل نجاح الملعب كنموذج عمل تجاري كبير تعتمد قيمته الاقتصادية على منطق كيفية التعامل معه كعلامة تجارية بارزة، والاستفادة منها في صناعات عدة، والحفاظ عليها. في فن التسويق، يقولون دائماً إن العلامات التجارية تُصنع ولا تُولد. وقيمة العلامة التجارية لكرة القدم في المملكة يتم إنشاؤها من خلال التفاعل بين أصحاب المصلحة المتعددين بما في ذلك الجهات التي تتشارك في بناء الملاعب الكبيرة. ومع ذلك، من المهم تقييم العائد على الاستثمار بعناية مع أي حدث رياضي ضخم. ولا يزال أمام المملكة عشر سنوات لاستضافة كأس العالم لكرة القدم.
وهناك العديد من الدروس المستفادة من الدورات الرياضية الكبيرة والعالمية السابقة مثل بطولات كأس العالم والألعاب الأولمبية، وذلك من منظور تحليل التكلفة والفائدة، بحيث تتأكد المملكة من خلال استراتيجيتها الرياضية من أنها ستحقق أرباحاً، بل وفائضاً أيضاً، إذ إن هناك العديد من الأمثلة لدول تكبدت خسائر كبيرة في الماضي القريب والبعيد، لأن تكلفة استضافة الحدث الكروي أو الرياضي الكبير تفوق بعشرات الأضعاف الأرباح التي جنتها تلك الدول. ومع وقوع كل النفقات الرئيسية تقريباً على عاتق البلد المضيف، فإن الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، على سبيل المثال، يحصل مقدما على معظم الأرباح والإيرادات في بطولات كأس العالم التي تُدرها حقوق البث ومبيعات التذاكر وبرامج الرعايات وحقوق الإعلان. كما أن العديد من الملاعب المكلفة التي تم بناؤها في البلدان الأخرى تظل غير مستخدمة بعد انتهاء الحدث، ومن ثم هناك الكثير من التجارب السابقة التي يُمكن دراستها جيدا. ولهذا السبب، يُسلط فريق "أرقــام ويك إند" الضوء أدناه على بعض نماذج الأعمال الناجحة فيما يتعلق ببناء الملاعب وكيف أنها تؤدي إلى تنمية اقتصادية كبيرة ليس في المناطق المحيطة بالملعب فحسب، بل إن لها مردودًا اقتصاديًا أوسع.
ما نماذج الأعمال الناجحة لاستاد رياضي؟
1- عروض الشراء المبكر للتذاكر:
هذا نموذج عمل ناجح في مجال الفعاليات التي تقام في الملاعب، سواء كانت كرة قدم، أو كرة سلة أو غيرها من الألعاب الجماعية. وهو عبارة عن تسويق مسبق لمقاعد الاستاد للمشترين المستعدين لدفع مبلغ كبير مقابل معاملة تفضيلية تعطيهم الأولوية في خدمات عدة داخل الاستاد وفي أماكن مميزة لمشاهدة المباراة. وهو مصمم للمشجعين الذين لديهم القدرة المالية على دفع الرسوم لمرة واحدة والالتزام بشراء التذاكر الموسمية للدوريات الكروية في المستقبل. في الولايات المتحدة الأمريكية، على سبيل المثال، جمع المستثمرون في مناسبتين منفصلتين في شيكاغو وفيلادلفيا 39 مليون دولار و159 مليون دولار لبناء ملعبين لدوري كرة القدم الأمريكية للمحترفين من خلال تلك العروض الخاصة، وحتى قبل بناء الملعبين. مثال آخر شهير في عالم كرة القدم هو بطاقة المدريدسيتا (بطاقة الأعضاء) لدخول ملعب سانتياغو برنابيو لمشاهدة مباريات ريال مدريد والتي تسمح لحاملها بالحصول على 15% خصمًا على سعر التذاكر والاشتراك المجاني في مجلة هالا مدريد والعديد من المزايا.
2- أنشطة متعددة وليس فقط مباريات:
تعتبر الملاعب الآن بمثابة نقطة انطلاق للأندية والجهات المسؤولة لإقامة شراكات مع "لاعبين اقتصاديين" آخرين في السوق في مختلف الصناعات، مثل التمويل والترفيه، والسياحة، والإعلام، والإعلان. فيما يتعلق بالسياحة تحديدا، هناك نموذج عالمي في ملاعب كبرى الأندية في المدن العالمية، يستند إلى تحويل أجزاء من المبنى لمتحف وبازار رياضي كبير لعرض إنجازات وكؤوس النادي وبالتالي تجذب الزوار والسياح، لا سيما إن تلك الأندية، كباريس سان جرمان، وريال مدريد، ومانشستر يونايتد، وبايرن ميونخ، بها لاعبون عالميون لهم شهرة كبيرة وعشرات الملايين من المعجبين حول العالم. فلنأخذ بايرن ميونيخ كمثال، حيث يوجد بملعب أليانز أرينا أكبر متحف للنادي في ألمانيا على مساحة 3000 متر مربع، وبالتالي يجذب عشرات الآلاف من الزوار سنويا.
3- كرة القدم هي ملك الاستثمارات:
تنوعت الأنشطة الاستثمارية في العديد من الألعاب الرياضية في عام 2023، ولكن ظلت كرة القدم هي السوق الأكثر سيولة في عام 2023، ويرجع ذلك جزئيًا إلى العدد الهائل من الأصول القابلة للاستثمار، وفقًا لأحدث دراسة أجرتها شركة ديلويت، حيث شكلت كرة القدم 52% من جميع صفقات أصحاب الحقوق الرياضية على مستوى العالم في عام 2023.
وجاءت غالبية صفقات كرة القدم من مستثمرين من أمريكا الشمالية (57%) وكانت الأندية الإنجليزية هي الهدف الرئيسي، حيث شكلت 29% من جميع صفقات كرة القدم. أما بالنسبة لأغلى ملعب في المملكة المتحدة من حيث تكلفة الإنشاء فهو ملعب ويمبلي بقيمة 1.8 مليار جنيه إسترليني، ما يجعله رابع أغلى ملعب في العالم. أما أغلى ملعب في العالم، فهو استاد ”سوفي“ في لوس أنجلوس بولاية كاليفورنيا، والذي تكلف بناؤه 5.5 مليار دولار.
4- أكثر من مجرد استثمار رياضي:
إن بناء ملعب جديد في أي مدينة حول العالم لا يمكن اعتباره استثماراً في العلامة التجارية للنادي أو البلد فحسب، بل هو أيضاً التزام تجاه المدينة التي يتم بناء الملعب الجديد فيها، في شكل بنية تحتية ومرافق متطورة. العديد من السياح تذهب الي مدينة برشلونة لزيارة الكامب نو كجزء أصيل من برنامجهم السياحي حتى لو يتوافق مع حضور أي مباراة للفريق. من المنطقي أن تتطلع مدينة الرياض إلى أن تكون في مصاف المدن العالمية، كما الاستثمار في مشاريع البنية التحتية، يخلق الطلب على العمالة في مختلف القطاعات مثل البناء والهندسة والتصنيع. إن اقتصاد كرة القدم هو بيئة تنافسية للغاية، حيث إن مشاريع مثل الملاعب وأندية كرة القدم هي أيضاً بمثابة شركات تجارية ومزودة للخدمات.
إسلام زوين، الرئيس التنفيذي لـ"أرقام".
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}