في الوقت الذي تمضي فيه الأسواق العالمية بحذر، حائرة بين احتمالات ركود الاقتصاد الأمريكي وخفض الفيدرالي للفائدة، وفي خضم التوترات الجيوسياسية، كان هناك فائزًا رئيسيًا من تباين المعنويات، وهو الذهب.
صدق أو لا تصدق، تفوق المعدن النفيس على أداء سوق الأسهم الأمريكي هذا العام ليواصل موجته الصعودية نحو المزيد من المستويات القياسية، فيما يبدو تجاهلًا واسع النطاق للمبدأ الذي يتبناه مستثمرون أمثال الملياردير "وارن بافت" وينص على تجنب الاستثمار في الذهب "لأنه عديم العائد".
وفي الأيام القليلة الماضية، نجحت أسعار الذهب في اختراق حاجز 2500 دولار للأوقية محققة مستوى غير مسبوق، ورفعت مكاسبها منذ بداية العام إلى نحو 23% مقارنة بـ 17% لمؤشر "إس آند بي 500".
للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام
والآن، تتوقع الأسواق المزيد من المكاسب وتستهدف الوصول إلى مستوى 3000 دولار خلال الأشهر القليلة المقبلة، وهو هدف تدعمه عوامل عدة، على رأسها عدم اليقين الناجم عن الانتخابات الأمريكية، واحتمالات خفض الفيدرالي للفائدة، واستمرار التوترات في الشرق الأوسط وأوكرانيا.
ماذا يتوقع المحللون؟
- يتوقع محللو "سيتي جروب" أن يصل متوسط سعر الذهب إلى 2550 دولارًا خلال الربع الرابع من العام الجاري، لكنهم يقولون إنه سيقفز إلى 3000 دولار بحلول منتصف العام القادم مع استمرار الفيدرالي في خفض الفائدة.
- في مذكرة حديثة، توقع "كومرتس بنك" خفض الفيدرالي للفائدة ثلاث مرات بحلول نهاية هذا العام وثلاث مرات أخرى في النصف الأول من عام 2025، لكنه قال إن هذا سيدفع سعر الذهب إلى 2600 دولار فقط في منتصف العام القادم.
- فيما توقع "بارت ميليك" رئيس استراتيجية السلع الأساسية العالمية في "تي دي سيكيوريتيز" وصول الذهب إلى 2700 دولار خلال الأرباع المقبلة، بضغط من تحركات الفيدرالي لخفض أسعار الفائدة.
- أما "باتريك ييب" المدير الأول لتطوير الأعمال في بورصة المعادن الثمينة الأمريكية أو "American Precious Metals Exchange"، قال في أواخر الشهر الماضي، إن الذهب قد يصل إلى 3000 دولار في العام المقبل بسبب عدم اليقين وخفض الفائدة ومشتريات البنوك المركزية.
- قال "جورج ميلينج ستانلي"، كبير استراتيجيي الذهب في "ستيت ستريت جلوبال أدفايزرز" إن الصراعات في أوروبا والشرق الأوسط، والتوترات المستمرة بين الصين وتايوان وعدم اليقين بشأن الانتخابات الأمريكية، تشجع المستثمرين على السعي إلى زيادة التعرض للأصول الوقائية مثل الذهب.
لماذا ارتفع الذهب بالأساس؟
- يستمد الذهب عادة قوته من ارتفاع التضخم الذي يؤدي إلى تآكل القيمة الشرائية للأموال، والمخاوف التي تدفع المستثمرين بعيدًا عن الأصول الخطرة مثل الأسهم، لكن في حين واصل التضخم في أمريكا التراجع هذا العام، ارتفعت الأسعار على ما يبدو بسبب عوامل أخرى.
- كان ارتفاع الأسعار منذ العام الماضي، مدفوعًا بزيادة الطلب من البنوك المركزية، في الوقت الذي بدا فيه العرض مستقرًا، فيما تزايدت الضغوط الجيوسياسية مع اندلاع التوترات في الشرق الأوسط، وتزايد الخلافات التجارية.
حجم الطلب الفصلي على الذهب عالميًا (بالطن) |
|||||
الربع/ العام |
صناعة المجوهرات |
صناعة التكنولوجيا |
الاستثمار |
البنوك المركزية |
متوسط سعر الأوقية (بالدولار) |
الأول/ 2021 |
539.1 |
82.7 |
175.9 |
115.6 |
1794 |
الثاني/ 2021 |
456.6 |
81.6 |
285.8 |
209.6 |
1816 |
الثالث/ 2021 |
515.9 |
85.2 |
229.2 |
90.6 |
1789 |
الرابع/ 2021 |
719.5 |
87.7 |
300.6 |
34.3 |
1795 |
الأول/ 2022 |
517.4 |
82.6 |
555.9 |
82.4 |
1877 |
الثاني/ 2022 |
493.6 |
79.5 |
209.3 |
158.6 |
1870 |
الثالث/ 2022 |
582.7 |
78.8 |
100.5 |
458.8 |
1730 |
الرابع/ 2022 |
602.2 |
73.9 |
246.9 |
382.1 |
1725 |
الأول/ 2023 |
531.1 |
72.8 |
276.4 |
286.2 |
1890 |
الثاني/ 2023 |
494.1 |
72.8 |
252.6 |
173.6 |
1976 |
الثالث/ 2023 |
581.0 |
77.3 |
155.9 |
359.4 |
1929 |
الرابع/ 2023 |
583.4 |
82.2 |
257.4 |
211.1 |
1972 |
الأول/ 2024 |
534.4 |
80.5 |
200.4 |
299.9 |
2070 |
الثاني/ 2024 |
410.6 |
81.1 |
253.9 |
183.4 |
2338 |
- كما يظهر من هذا الجدول، فإنه باستثناء حالات نادرة، تحرك الطلب الذي تشكله صناعتا المجوهرات والتكنولوجيا في نطاق محدود، في حين تطور الطلب من قبل البنوك المركزية بشكل كبير في العامين الماضيين، مع إقبال قوي أيضًا من المستثمرين.
- يظهر أيضًا أنه على الرغم من الطلب القوي في عامي 2022 و2023، لم يرتفع السعر بقدر متناسب، وذلك بخلاف الربعين الأول والثاني من العام الجاري، حيث قفزت الأسعار بشكل كبير مع التوقعات بقرب خفض الفائدة.
- معظم بيوت الخبرة وبنوك وول ستريت، كانت تتوقع حتى وقت قريب، خفضًا أو خفضين على الأكثر بمقدار 25 نقطة أساس للفائدة في أمريكا بنهاية العام، لكن بعد اضطرابات الأسواق في بداية أغسطس، رفعت توقعاتها لخفض إجمالي قد يتجاوز 100 نقطة أساس.
كيف تؤثر قرارات الفيدرالي؟
- تاريخيًا، عندما يرفع الفيدرالي الفائدة، تزداد تكلفة الاحتفاظ بالأصول التي لا تحقق عوائد مثل الذهب، ويفضل حينها المستثمرون الأصول التي تدر فائدة مثل السندات، ما يؤدي إلى انخفاض سعر المعدن النفيس.
- على العكس من ذلك، عندما يخفض الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة، فإن التكلفة المنخفضة تجعل الذهب أكثر جاذبية، ما يؤدي إلى زيادة سعره مع نمو الطلب، وهذا هو الاعتقاد الشائع في الأسواق.
- على أي حال، وبغض النظر عن التقلبات قصيرة المدى، تظهر البيانات أنه منذ عام 2001 (تراوح سعر الفائدة بين 5.5% و0%) كان سعر الذهب في ارتفاع بشكل عام بغض النظر عن مستوى سعر الفائدة.
- اعتبارًا من مارس 2022، بدأ الفيدرالي رفع أسعار الفائدة من 0%، وانخفض سعر الذهب إلى ما دون 1900 دولار، لكن الآن، وبعد أن وصلت الفائدة إلى 5.5%، تجاوز سعر الذهب 2500 دولار، والعبرة هي أن التوقعات والمخاوف تحكم السوق أحيانًا.
- وفقًا لأسعار الفائدة الحقيقية، كان هناك تغير، وذكر "جيه بي مورجان" في ورقة بحثية، أن العلاقة تغيرت بشكل جوهري في أوائل عام 2022، حيث سلكت أسعار الذهب مسارًا صعوديًا في الوقت الذي استمرت فيه العوائد الحقيقية على السندات في الارتفاع.
- وفقًا لتقرير بحثي نشره موقع "ستاتيستا" في يونيو، والذي يرصد متوسط العائد على الاستثمار في الذهب قبل وبعد رفع الفائدة خلال دورات التشديد النقدي بين عامي 1994 و2015، تبين أنه يصل إلى 1% خلال عام قبل رفع فائدة.
- ثم يسجل عائدًا سالبًا بنسبة 7% قبل 6 أشهر من خفض الفائدة، لكنه يقفز بنحو 11% في أول 6 أشهر من رفع أسعار الفائدة، قبل أن يقلص مكاسبه إلى 7.5% في العام الأول من رفع أسعار الفائدة، وهذا يفسر لماذا واصل المعدن النفيس ارتفاعه خلال دورة التشديد الحالية.
هل هناك ضغوط على جانب العرض؟
- إلى جانب المؤثرات على الطلب، هناك أيضًا عنصر محفز على جانب العرض (بالنسبة للبعض على الأقل) وهو التوقعات بشح إمدادات المعدن النفيس عالميًا خلال العقدين المقبلين.
- تشير تقديرات هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية إلى اكتشاف العالم نحو 244 ألف طن متري من الذهب تاريخيًا، منها 187 ألف طن متري جرى تعدينها بالفعل، إضافة إلى نحو 57 ألف طن من الاحتياطيات المؤكدة، وهي تقديرات قريبة من بيانات مجلس الذهب.
- وفقًا لمعدل إنتاج سنوي يبلغ 3 آلاف طن، فإن هذا يعني أن احتياطيات العالم من المعدن النفيس ستنفد قبل عام 2050، ومع ذلك، فإن بعض المتفائلين يقولون إن التقدم التقني سيزيد من كفاءة استخراج الذهب ويجعل الاحتياطيات غير الاقتصادية في السابق قابلة للاسترداد ويحسن عمليات إعادة التدوير.
المصادر الرئيسية لإمدادات الذهب عالميًا (بالطن سنويًا) |
||
العام |
التعدين |
إعادة التدوير |
2014 |
3271 |
1130 |
2015 |
3361 |
1067 |
2016 |
3516 |
1232 |
2017 |
3577 |
1112 |
2018 |
3658 |
1132 |
2019 |
3599 |
1276 |
2020 |
3484 |
1293 |
2021 |
3576 |
1136 |
2022 |
3634 |
1140 |
2023 |
3645 |
1239 |
- على أي حال، وبعيدًا عما سيحدث بعد 20 عامًا من الآن، فالخلاصة هي أن ارتفاع الذهب مؤخرًا كان مدفوعًا بانخفاض الفائدة الحقيقية، وتراجع الدولار، وديناميكيات العرض والطلب، بالإضافة إلى توقعات خفض الفائدة والتوترات الدولية.
- السؤال المهم الآن هو؛ في حين لا تزال هذه العوامل نشطة وبعضها آخذ في التطور، هل سينجح الذهب في اختراق مستوى 3000 دولار بحلول العام المقبل أم سيكون هذا المستوى صعب المنال لفترة من الوقت؟
المصادر: أرقام- فورتشن- سي إن بي سي- جيه بي مورجان- ماركت ووتش- بيانات مجلس الذهب العالمي- منصة "كينسيس موني Kinesis money"- منصة "ماكرو ميكرو Macromicro"- ستاتيستا- هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية- شبكة سكاي نيوز البريطانية
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}