إذا رأيت يوماً صديقاً لك أو شخصاً تعرفه يجلس ساعات طوال أمام جهاز الحاسوب الخاص به، وفجأة ظهرت عليه علامات الثراء، فلا تتعجب إن كانت إجابته على تساؤلك عن مصدر هذا الثراء أنه حصل على جائزة نقدية ضخمة نتيجة فوزه ببطولة رياضية مؤخراً.
فلم تعد الرياضة مثل الأيام الخالية تعتمد فقط على النشاط البدني، إذ إنه مع التطور التكنولوجي أصبح هناك ما يُعرف بمصطلح الرياضة الإلكترونية، وبحسب تعريف قاموس إكسفورد فإن هذا المصطلح يطلق على كل لعبة فيديو يتم لعبها كمنافسة يشاهدها الناس كنوع من الترفيه.
للاطلاع على المزيد من المواضيع الرياضية
وإذا كنت تعتقد أن الرياضات الإلكترونية لم تظهر إلا منذ بضع سنوات، فأنت مخطئ، فقد وُضِع حجر الأساس لألعاب الفيديو في الخمسينيات من القرن الماضي، إلا أن التقدم التكنولوجي في نهاية التسعينيات جعل ألعاب الفيديو أكثر انتشاراً مع تحسن الأجهزة والرسومات بشكل متزايد وتوسع الإنترنت في جميع أنحاء العالم لتتطور الرياضات الإلكترونية وتصبح رياضة رئيسية.
حجم سوق الرياضات الإلكترونية
قُدر حجم سوق الرياضات الإلكترونية العالمي بنحو 1.72 مليار دولار أمريكي في عام 2023، ومن المتوقع أن ينمو من 2.06 مليار دولار أمريكي في عام 2024 إلى 9.29 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2032، بمعدل نمو سنوي قدره 20.7% للفترة بين العامين.
وبلغت قيمة السوق في أمريكا الشمالية 500 مليون دولار أمريكي عام 2023، فيما تشير بعض التوقعات إلى أن إيرادات السوق العالمي في هذا القطاع ستصل إلى 4.3 مليار دولار خلال العام الحالي.
ويتلقى هذا السوق دعماً قوياً من الاتجاه المتزايد للبث المباشر لتلك الألعاب، والاستثمارات في هذا القطاع، إضافة إلى ارتفاع عدد المشاهدين، ومبيعات التذاكر، والطلب على البنية التحتية للبطولات الدورية لتلك الألعاب، ما يسهم في نموه بشكل متصاعد خلال الآونة الأخيرة، بحسب مجلة فورتشين.
السوق أيضاً يستفيد من فرص الإيرادات المتزايدة جراء ارتفاع المشاركين من اللاعبين والمنظمين والمؤثرين ومطوري الألعاب، في وقت جذبت فيه الجوائز المالية للبطولات الدولية وفرص كسب الدخل المرتفع من تلك الرياضات العديد من محترفي الألعاب الإلكترونية لتلك البطولات، خاصة من فئة الشباب.
وبلغت قيمة الجوائز في بطولة "فالورنت شامبنشيب" نحو 2.25 مليون دولار أمريكي، وهي قيمة أعلى مما حصل عليها منتخبا إيران وكوريا الجنوبية مجتمعين حينما تأهلا للنصف النهائي في بطولة كأس آسيا 2024 ولم ينجحا في الوصول للنهائي خلال البطولة التي اختتمت في فبراير الماضي.
أفضل 5 بطولات تمنح جوائز مالية |
||
الترتيب |
البطولة |
قيمة الجوائز (مليون دولار) |
1 |
فالورنت شامبنشيب |
2.25 |
2 |
إيه سبورتس ورلد كاب 2024 (بابجي) |
2.05 |
3 |
إيه سبورتس ورلد كاب 2024 (فورتنايت) |
1.05 |
4 |
إيه سبورتس ورلد كاب 2024 (فيفا) |
1.0 |
5 |
إيه سبورتس ورلد كاب 2024 (إس سي 2) |
1.0 |
ولا شك أن تفشي جائحة كورونا كان له دور مؤثر في زيادة الطلب على الألعاب عبر الإنترنت وتفاعل المستخدم مع الألعاب متعددة اللاعبين.
وشهدت إيرادات شركات الألعاب ارتفاعاً كبيراً خلال هذه الفترة، حيث لجأ العديد من الأفراد إلى الرياضات الإلكترونية للترفيه مع انخفاض نشاط الأعمال بشكل كبير جراء قواعد التباعد الاجتماعي.
النمو الإقليمي لسوق الرياضات الإلكترونية
استحوذت أمريكا الشمالية على أكبر حصة سوقية في عام 2023، حيث يوجد بها عدد كبير من اللاعبين عبر الإنترنت الذي من المتوقع أن يدعم نحو المزيد من النمو لسوق الرياضات الإلكترونية. كما تستثمر شركات مثل أكتفشين بليزرد وريوت جميز وغيرهما بكثافة في تطوير تلك الألعاب وتلبية احتياجات المستهلكين بتلك المنطقة.
كما أنه من المرجح أن تشهد منطقة آسيا والمحيط الهادئ أعلى معدل نمو سنوي حتى عام 2032، ومن المتوقع أن تشهد دول مثل الصين واليابان والهند طلباً قوياً على تلك الألعاب، خاصة مع التحول السريع إلى المنصات الرقمية للترفيه لمتابعة الأحداث الرياضية الإلكترونية.
في حين تتمتع أمريكا الجنوبية بعدد سكان كبير مهتم بتلك النوعية من الرياضة مع وجود فرص نمو هائلة في المنطقة، تدفع العديد من العلامات التجارية والشركات الرياضية للاستثمار في دول أمريكا الجنوبية.
وبالمثل، تعد كوريا الجنوبية سوقاً محتملاً للاعبين في السوق لتوسيع أعمالهم بالنظر إلى العدد المتزايد من مشاهدي الألعاب، حيث أدى التوسع الهائل لصناعة الألعاب والترفيه في منطقة آسيا والمحيط الهادئ إلى زيادة الطلب على الرياضات الإلكترونية.
ومن المتوقع أن يؤدي وجود سوق رياضي قوي في جميع أنحاء الدول الأوروبية إلى خلق فرص توسع رابحة لمقدمي منصات الرياضة الإلكترونية.
ويبحث العديد من المشجعين عن منصات ألعاب جديدة، وبالمثل يستثمر أصحاب المصلحة بشكل كبير في هذا السوق في أوروبا نظراً للجمهور المتزايد للألعاب والعائد الأعلى على الاستثمار.
سوق الشرق الأوسط وبطولة الرياض
كما تستثمر العديد من الجهات الحكومية بالشرق الأوسط وإفريقيا في تلك الرياضة لتعزيز صناعة الترفيه لديها، وهو ما يمثل فرصة لتوسع الرياضات الإلكترونية في سوق الشرق الأوسط وإفريقيا وسط نمو قوي محتمل لمنصات الرياضات الإلكترونية بالمنطقة مع تدفق مزيد من الاستثمارات إليها.
وكنموذج على تصاعد اهتمام المنطقة بتلك الرياضات، شهدت العاصمة السعودية الرياض استضافة النسخة الأولى من كأس العالم للرياضات الإلكترونية، وامتدت فعاليات البطولة في الفترة من 3 يوليو إلى 25 أغسطس الماضي، فيما بلغ إجمالي جوائز هذا الحدث التاريخي للرياضات الإلكترونية أكثر من 60 مليون دولار كأضخم جائزة في تاريخ قطاع الرياضات الإلكترونية.
وتضمنت تلك النسخة 22 بطولة عالمية، وجذبت أكثر من 1500 لاعب عالمي محترف شكَّلوا نحو 500 فريق من نخبة الفرق الدولية، ومن المقرر تنظيم البطولة في السعودية بشكل سنوي بدءاً من العام الجاري.
وفي السعودية نحو 28.3 مليون من عشاق الألعاب الإلكترونية، والذين يُشكلون 70% من السكان.
وأطلقت الحكومة السعودية "استراتيجية قطاع الألعاب والرياضات الإلكترونية"، التي من أهدافها رفع المساهمة في الاقتصاد الوطني بقيمة تصل إلى 50 مليار ريال سعودي بحلول عام 2030.
الإعلانات تدعم نمو السوق
ومثلما الحال في البطولات الرياضية التقليدية، يكسب هذا السوق إيراداته أيضاً من الإعلانات التي تستهدف مشاهدي الرياضات الإلكترونية، والتي تشمل الإعلانات المعروضة أثناء البث المباشر على المنصات عبر الإنترنت أو التلفزيون الرياضي الإلكتروني.
ومن المرجح أن تولد الإعلانات إيرادات كبيرة لسوق الرياضات الإلكترونية في السنوات القادمة بسبب زيادة عدد المشاهدين على المنصات عبر الإنترنت مثل يوتيوب ووتش.
ومع العدد المتزايد من البث المباشر، من المرجح أن يرتفع المحتوى المرتبط بالإعلان، مما سيساعد بدوره في توليد الإيرادات للسوق، فمثلاً في أكتوبر 2022، أصدرت شركة الملابس الرياضية الشهيرة "نايكي" أول إعلان تجاري لها على منصة الرياضات الإلكترونية.
وسيساعد ارتفاع الإعلانات في زيادة حصة سوق الرياضات الإلكترونية مستقبلاً.
التكنولوجيا تدعم شعبية الرياضات الإلكترونية
أجبرت التطورات المستمرة في التكنولوجيا في جميع أنحاء العالم الأفراد على الاعتماد على الهواتف الذكية والأدوات عالية التقنية والإنترنت، وكلها عوامل تدعم سوق الرياضات الإلكترونية بشكل أو بآخر.
وساعدت تلك التكنولوجيا الشركات على إطلاق ألعاب الرياضات الإلكترونية الجديدة الشهيرة، مثل "فالرونت" (Valorant) ولعبة القتال متعددة اللاعبين موبايل ليجيندز: بانج بانج (Mobile Legends: Bang Bang).
أكثر ألعاب الرياضات الإلكترونية مشاهدة بحسب عدد الساعات المشاهدة |
||
الترتيب |
اسم اللعبة |
عدد ساعات المشاهدة (مليون ساعة) |
1 |
ليج أوف ليجندز |
34.22 |
2 |
فالورانت |
19.24 |
3 |
ورلد أوف وركرافت |
16.28 |
4 |
كونتر استرايك: جلوبال أوفنيس |
13.89 |
5 |
فورتنايت |
12.59 |
6 |
أبكس ليجيندز |
11.84 |
7 |
دوتا 2 |
7.86 |
8 |
كول أوف ديوتي: مودرين ورفار |
4.74 |
9 |
توم كلانسيز رينبو سيكس: سيج |
2.96 |
10 |
روكت ليج |
1.06 |
ومن المتوقع أن يؤدي ارتفاع عدد مستخدمي الجوالات الذكية إلى زيادة الطلب على مشاهدة البطولات الرياضية الإلكترونية الحية، حيث تشير التوقعات إلى أن قطاع البث المباشر سيهيمن على سوق الرياضات الإلكترونية خلال الفترة المقبلة، وينقسم السوق إلى البث المباشر والفيديو حسب الطلب.
كما أدى صعود الرياضات الإلكترونية كمهنة احترافية بسبب جوائزها المادية الجذابة، وإيرادات البث المباشر، والشعبية المتزايدة لها إلى تسارع نمو السوق.
ويتم تصنيف تلك الألعاب لعدة قطاعات مثل الألعاب الاستراتيجية، وألعاب إطلاق النار، وألعاب القتال، وألعاب المعارك متعددة اللاعبين عبر الإنترنت، وغيرها.
وبسبب التنوع الهائل في ألعاب إطلاق النار، من المتوقع أن تهيمن على حصة سوقية مهيمنة حتى عام 2032، خاصة مع تقديم تلك الألعاب بيئة ثلاثية الأبعاد تشعرك بالواقعية.
ومن المتوقع أن يسجل قطاع ألعاب المعارك متعددة اللاعبين عبر الإنترنت (MOBA) نموا قويا خلال الفترة نفسها، حيث تقدم هذه الألعاب مجموعة واسعة من الأنواع التنافسية والرابحة، مع تزايد شعبيتها على الهواتف الذكية.
مخاوف صحية
ورغم ما تمثله تلك الرياضات من متعة وتشويق بالنسبة للاعبيها ومتابعيها فإن هناك مخاوف صحية بشأن تأثير تلك الرياضات على ممارسيها، إذ إن اللاعبين في تلك الرياضات قد يعانون من اضطرابات التمثيل الغذائي الناتجة عن شاشات الكمبيوتر ذات الصمام الثنائي الباعث للضوء والمشكلات النفسية المتعلقة بإدمان المقامرة واضطرابات السلوك الاجتماعي.
وكشفت دراسة حديثة أجريت حول التأثيرات الصحية للاعبي الرياضات الإلكترونية أنهم أكثر عرضة للإصابة بإصابات هيكلية في الظهر والرقبة والأطراف العلوية، وهي مشكلات شائعة بين هؤلاء اللاعبين.
علاوة على ذلك، فإن تقديم المنح الدراسية الجامعية للرياضات الإلكترونية يشكل أيضاً مصدراً للقلق، حيث يمكن للشباب الآن تبرير الإفراط في استخدامهم للألعاب باعتبارهم نجوم الرياضة الإلكترونية القادمين، حتى لو كانت فرص أن يصبحوا نجوماً في هذه الألعاب منخفضة للغاية، وهي عوامل قد تعيق من نمو السوق.
المصادر: أرقام- فورتشين -مجلة ISPO الرياضية- ستاتيستا- جيمز سايت- إيه سبورتس إيرنينجز- سي إن بي سي
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}