في عالم يتسارع نحو الرقمية، حيث تسيطر التكنولوجيا على مختلف جوانب حياتنا، لم يكن الاستثمار بمنأى عن هذا التغيير.
فتطبيقات على نسق "روبن هود" و"إيتورو" فتحت أبواب الأسواق المالية للجميع، جاعلة من التداول اليومي أشبه بلعبة متاحة يتم التحكم بها بمجرد لمسة على شاشة الجوال.
لكن هل هذه الثورة التقنية تعني نهاية استراتيجيات الاستثمار الحكيمة التي رسمها "بنيامين جراهام" في كتابه "الاستثمار الذكي"، الذي كان يرى أن الصبر والتحليل العميق هما مفتاح النجاح في الأسواق.
قصة روبن هود وإيتورو
هما من أكثر التطبيقات شعبية في عالم التداول، وقد غيرتا طريقة تعامل المستثمرين مع الأسواق المالية، خاصة الأفراد.
للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام
و"روبن هود" هو تطبيق تداول أسهم عبر الإنترنت أُطلق في عام 2013، يتيح للمستخدمين شراء وبيع الأسهم والأصول المالية الأخرى مثل العملات المشفرة دون دفع عمولات.
هدفه الرئيسي زيادة فرص وصول الأفراد إلى الاستثمار، ما يسهل الوصول إلى الأسواق المالية لكل شخص.
ومن أبرز مميزاته السماح بالتداول دون دفع عمولات أو رسوم، ما يجعله جاذباً للمستثمرين الجدد وصغار المستثمرين.
كما يتيح فرص الاستثمار الجزئي، حيث يمكن للمستخدمين شراء أجزاء من الأسهم (Fractional Shares)، وهي ميزة سمحت للمتداولين بالاستثمار في شركات كبرى دون الحاجة لشراء أسهم كاملة باهظة الثمن، كما يتمتع بواجهة بسيطة ما يجعله مثالياً للمبتدئين.
ويعتبر "روبن هود" وما يشبهه من برامج مناسباً للمستثمرين الأفراد، خاصة الشباب الجدد في عالم الاستثمار، الذين ليس لديهم خبرة كبيرة في التداول ويرغبون في البدء برأس مال صغير.
ورغم شعبيته، تعرض "روبن هود" للانتقادات بسبب الأحداث المتعلقة بأسهم جيم ستوب في عام 2021، حيث قيد التطبيق التداول على هذه الأسهم، ما أثار غضب المستخدمين، كما يُنتقد التطبيق لتشجيعه على التداول اليومي والمضاربات غير المدروسة.
أما "إيتورو" فهو منصة تداول اجتماعي تم إطلاقها في عام 2007، وتتيح للمستخدمين التداول في مجموعة واسعة من الأصول المالية، بما في ذلك الأسهم، والعملات الأجنبية (الفوركس)، السلع، والعملات المشفرة.
ويتميز بأنه منصة تداول اجتماعي، حيث يمكن للمستثمرين الجدد متابعة مستثمرين محترفين ونسخ استراتيجياتهم، ما يسهل عليهم البدء في التداول دون الحاجة إلى خبرة كبيرة.
كما يقدم حسابات تجريبية للمستخدمين الجدد، ما يمكنهم من اختبار المنصة واستراتيجيات التداول دون المخاطرة بأموالهم.
وعلى الرغم من واجهة "إيتورو" الجذابة، فإن التطبيق يمكن أن يكون معقداً بعض الشيء للمستخدمين الجدد بسبب توافر العديد من الأصول المختلفة، وفي حين أن تداول الأسهم متاح بدون عمولة، فإن التطبيق يفرض رسوماً على بعض أنواع الأصول الأخرى.
وإضافة إلى هذين التطبيقين، هناك الآن العديد من برامج التداول الشهيرة مثل وي بول وبابلك وإنتراكتف بروكيرز التي يستخدمها ملايين المتداولين عبر أنحاء العالم.
نمو مستقر لعملاء تطبيقات التداول
وفقاً لآخر إحصاء في مايو 2024، لدى روبن هود نحو 24.1 مليون حساب ممول، حيث تسمى الحسابات التي تم إيداع الأموال فيها وجاهزة للتداول بالحسابات الممولة.
وبذلك نما عدد الحسابات الممولة بنحو 3.43% مقارنة بتلك المسجلة في عام 2023، التي بلغت 23.3 مليون حساب، وعندما تتم مقارنة عدد الحسابات الممولة لعام 2023 ببيانات عام 2022، فإن هناك نسبة نمو بنحو 1.75%.
عدد الحسابات الممولة في تطبيق روبن هود |
|
السنة |
عدد الحسابات (بالمليون) |
2020 |
12.5 |
2021 |
22.7 |
2023 |
22.39 |
2023 |
23.3 |
مايو 2024 |
24.1 |
ومنذ بداية عام 2024، ارتفعت أسعار أسهم الشركة المالكة للتطبيق بنسبة 50%، كما سجل التطبيق حجم تداول افتراضي للعملات المشفرة بلغ 36 مليار دولار في الربع الأول من عام 2024.
ورغم أنه لا توجد قفزات كبيرة في العامين الأخيرين فإن التطبيق شهد قفزة كبيرة في الفترة التي عانى فيها العالم من جائحة كوفيد-19، وتطبيق وسائل التباعد الاجتماعي كوسيلة للحد من انتشاره.
مفاهيم جديدة في عالم الاستثمار
شهد عالم الاستثمار في السنوات الأخيرة تغيرات جذرية نتيجة للتطور التكنولوجي وانتشار تطبيقات التداول عبر الإنترنت مثل "روبن هود" و"إيتورو".
لم يكن هذا التغيير مقتصراً على التكنولوجيا فحسب، بل أثر بشكل عميق على استراتيجيات الاستثمار التقليدية وسلوك المستثمرين.
هذه التطبيقات غيرت قواعد اللعبة وسمحت بدخول أعداد كبيرة من الأفراد الجدد إلى السوق، ويعد إتاحة التداول منخفض التكاليف وسهولة الوصول من أبرز التغييرات التي أدخلتها تطبيقات التداول تلك.
وجعل إلغاء العمولات على التداولات، الاستثمار أكثر جاذبية للمستثمرين الأفراد، خاصة الشباب.
وفي السابق، كانت عملية شراء وبيع الأسهم تستلزم دفع رسوم كبيرة لوسطاء تقليديين، وهو ما كان يقيد مشاركة المستثمرين ذوي الميزانيات الصغيرة، ومع دخول هذه التطبيقات، بات بإمكان الجميع الدخول إلى الأسواق المالية بلمسة زر واحدة ومن أي مكان.
هذا التوجه أدى إلى توسع قاعدة المستثمرين بشكل كبير، ما يعني زيادة في الطلب على الأسهم وتحفيز الأسواق، لكنه في الوقت نفسه أثار تساؤلات حول مخاطر هذا التوجه على استقرار السوق.
كما أدت سهولة الوصول إلى الأسواق إلى انتشار ظاهرة التداول اليومي بين الأفراد، وفي الماضي، كان التداول اليومي مقتصراً إلى حد كبير على المؤسسات المالية والمتداولين المحترفين الذين يملكون خبرة كبيرة في السوق.
وبات الأفراد غير المحترفين يمارسون التداول اليومي بشكل مكثف، ما زاد من حدة التقلبات في الأسواق.
وظهر ذلك جلياً في تداول أسهم "جيم ستوب" في عام 2021، حينما قام مستثمرون أفراد بالتنسيق عبر الإنترنت لرفع قيمة أسهم الشركة بشكل غير متوقع، ما أدى إلى خسائر ضخمة لبعض صناديق التحوط الكبيرة.
تحدى الاستراتيجيات التقليدية
الاستثمار التقليدي يعتمد عادة على استراتيجيات طويلة الأمد، مثل التحليل الأساسي للشركات، الذي يركز على نمو الأرباح وقوة الميزانية العمومية للشركات، كما أن المستثمرين التقليديين يميلون إلى الاحتفاظ بالأسهم لفترات طويلة، ما يعزز استقرار السوق.
لكن مع دخول التطبيقات التي تشجع على التداول السريع واليومي، تعرضت هذه الاستراتيجيات للتحدي، فقد بات التركيز الآن ينصب على تحقيق أرباح سريعة في فترات زمنية قصيرة بدلاً من الاستثمار الطويل الأجل.
كما أن سهولة استخدام هذه التطبيقات تجعل من السهل على الأفراد التسرع في اتخاذ قرارات تداول قد تكون غير مدروسة بشكل كافٍ.
تمكنت تلك التطبيقات أيضاً من إدخال مفهوم الاستثمار الجزئي، وهو السماح للمستثمرين بشراء أجزاء من الأسهم بدلاً من الاضطرار إلى شراء سهم كامل.
هذا الابتكار سهّل على المستثمرين الذين لديهم ميزانيات صغيرة دخول السوق، حيث أصبح بإمكانهم امتلاك حصص في أسهم شركات كبرى مثل أمازون وآبل، التي قد تكون أسعار أسهمها مرتفعة جداً بالنسبة للمستثمر العادي.
هذه المرونة أتاحت الفرصة لمزيد من الأفراد لدخول السوق وتنويع محافظهم الاستثمارية، وهو ما يعد تحدياً للاستراتيجيات التقليدية التي كانت تعتمد على القدرة المالية الكبيرة للاستثمار في الأسهم الباهظة.
جوانب إيجابية وتحديات
من أبرز التأثيرات الإيجابية لهذه التطبيقات أنها ساعدت في نشر الثقافة المالية والاستثمارية بين الشباب والمستثمرين الجدد.
وبفضل المعلومات المتاحة والتصميمات التفاعلية، أصبح من السهل على المستثمرين الجدد التعلم وفهم أساسيات السوق، ومع ذلك، فإن قلة الخبرة قد تؤدي إلى اتخاذ قرارات غير صائبة أو المبالغة في المخاطرة.
ولا يستطيع أحد أن ينكر أن تطبيقات التداول أحدثت ثورة في عالم الاستثمار من خلال تسهيل الوصول إلى الأسواق المالية وإلغاء العمولات وتشجيع المزيد من الأفراد على المشاركة، وعلى الرغم من هذه الفوائد، فإنها تسببت أيضاً في تحديات كبيرة للاستراتيجيات التقليدية، حيث أصبح التركيز أكثر على التداول السريع والمضاربات بدلاً من الاستثمار طويل الأجل.
لذا فإن مستقبل الاستثمار يعتمد على قدرة المستثمرين والمؤسسات على التكيف مع هذه التغيرات التكنولوجية.
ومع زيادة الرقابة والتنظيم، يمكن لهذه التطبيقات أن تكون جزءاً مهماً من النظام المالي العالمي، ولكن على المستثمرين أن يتبنوا سلوكاً استثمارياً أكثر وعياً لتجنب المخاطر.
المصادر: أرقام- هارفارد بيزنس ريفيو- روبن هود- وول ستريت جورنال- سي إن بي سي- ريدنج جرافكس- سوشيال كابيتال ماركتس
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}