نبض أرقام
03:14 م
توقيت مكة المكرمة

2024/10/14
2024/10/13

أعاصير مدمرة والسكان باقون رغم كل شيء .. لماذا؟

10:40 ص (بتوقيت مكة) أرقام

كانت "إيما إرنست"، أحد قاطني مدينة فورت بيرس في ولاية فلوريدا، تخطط منذ أشهر لإقامة حفل زفافها في اليوم العاشر من شهر أكتوبر الجاري الذي يتوافق مع ذكرى يوم مولدها، ولكن الأمر تحول إلى مشهد درامي مثير للحزن بعد أن ضرب إعصار ميلتون مدينتها.

 

 

فالإعصار لم يتسبب في إلغاء حفل زفافها الذي كانت تخطط له منذ عدة أشهر فقط، بل حطم أيضًا عش الزوجية المنتظر، إذ تعرض منزلها الجديد الذي جهزته ليكون بداية حياة جديدة لها مع زوجها لحطام وأطلال، الأمر الذي سيتطلب منهما البحث عن مكان آخر للإقامة.

 

 

وقالت إرنست: "تحول حلمي المنتظر إلى مشهد مثير للبكاء في لحظات، كنت أتوقع أن أرتدي الفستان الأبيض في مثل هذا اليوم وأن أذهب لمنزلي الجديد وسط أجواء مبهجة، وجاء إعصار ميلتون ليطيح بكل آمالي".

 

دمار هائل جراء الإعصار

 

قصة "إرنست" كانت واحدة من بين مئات القصص المحزنة التي شهدتها ولاية فلوريدا بعد أن تعرضت لإعصار ميلتون، إلا أن "إرنست" وزوجها حالفهما الحظ وتمكنا من البقاء على قيد الحياة على عكس آخرين قضوا نحبهم جراء الإعصار.

 

ورغم أن الخسائر البشرية لم تكن ضخمة في إعصار ميلتون الذي تسبب في وفاة 14 شخصاً على الأقل، فإن إعصار هيلين الذي سبقه بأقل من أسبوعين ألحق أضراراً واسعة في الساحل الغربي لفلوريدا، وأدى إلى وفاة أكثر من مئة شخص.

 

وقبل يومين قدّر الرئيس الأمريكي "جو بايدن" قيمة الخسائر التي خلفها إعصار ميلتون بنحو 50 مليار دولار أمريكي، فيما تستمر عمليات البحث والإنقاذ وإزالة الركام.

 

وبحسب شركة "فايند إنيرجي"، ظل أكثر من 1.2 مليون عميل في فلوريدا بدون كهرباء حتى مساء السبت الماضي، وقال البيت الأبيض إن 50 ألف عامل، الكثير منهم من مختلف أنحاء الولايات المتحدة، يعملون على استعادة الكهرباء.

 

يأتي هذا في وقت قدر فيه محللون الأسبوع الماضي أن إعصار ميلتون قد يلحق خسائر تصل إلى 100 مليار دولار أمريكي بصناعة التأمين العالمية.




ومن المحتمل أن يكون إعصار ميلتون واحداً من أكثر الأعاصير تدميراً التي ضربت ولاية فلوريدا، في وقت لا تزال تحاول التعافي من إعصار هيلين الذي ضربها قبل أقل من أسبوعين.

 

ويصل المعدل السنوي للظواهر جراء الطقس والمناخ في الولايات المتحدة في الفترة من 2018 إلى 2022 لنحو 18 كارثة سنوياً.

 

 وقدرت الخسائر الناجمة عن تلك الظواهر بـ2.6 تريليون دولار في الفترة من 1980 حتى أغسطس 2023 بحسب بيانات مكتب إدارة السواحل الأمريكي.

 

مفاجأة غريبة

 

مثل تلك القصص المحزنة وحجم الخسائر التي تلحق بسكان المناطق التي تضربها الأعاصير تجعل الكثيرين يتساءلون عن الأسباب التي قد تدفع سكان تلك الولايات للبقاء.

 

وبالفعل توجهت شبكة بي بي سي بهذا السؤال لبعض قاطني فلوريدا، وقال "كيب لانوي" الذي يقطن في مدينة كيب كورال أن السبب وراء بقائه في منطقة معرضة لخطر الأعاصير هو أن الطقس في العادة في مدينته في غاية الروعة "حيث لا جليد ويمكن الاستمتاع بأنشطة مثل السباحة ولعب الجولف في غالبية العام".

 

إجابة "ريني شافيز" لم تختلف كثيراً عن "لانوي"، إذ قالت إن "المكان هنا رائع حيث الخضرة المنتشرة وهو ما يجعلني سعيدة طوال فترة وجودي".

 

"كريس سبراك" يقول إن "سطوع الشمس طوال العام وطبيعة الحياة والضرائب المنخفضة من بين أكثر الأشياء التي تجعله مرتبطاً بوجوده بالقرب من شاطئ بونتيا في فلوريدا".

 

فقاطنو تلك الولايات المعرضة للأعاصير يرون أن جاذبية هذه المناطق تتلخص في عدة عوامل وهي الطقس الدافئ وطبيعة الحياة المليئة بأنشطة ممتعة مثل الاستمتاع بالشاطئ والسباحة والتنزه، والضرائب المنخفضة، لكن تظل بدون شك مقايضة عالية المخاطر.

 

ورغم أن حجم الدمار قد يكون طفيفاً في بعض مواسم الأعاصير فإن احتمالية الخسارة موجودة دائماً.

 

ولك أن تعلم أن الولايات المعرضة للأعاصير كانت من بين تلك التي سجلت زيادات كبيرة في عدد السكان في عام 2022، في مفاجأة قد تصيب هؤلاء المتسائلين بالصدمة.

 

وتُظهر سجلات التعداد أن عدد سكان منطقة كيب كورال-فورت مايرز في فلوريدا نما بنسبة 623%، إلى أكثر من 760 ألف شخص، من عام 1970 إلى عام 2020.

 

ويقول خبراء مثل "ستيفن سترادر"، وهو خبير جغرافيا المخاطر وأستاذ بجامعة فيلانوفا، إن الزيادة السكانية في أماكن مثل فلوريدا على مدى العقود الأخيرة وطفرة البناء قد عرضت عدداً أكبر من الناس والممتلكات للخطر جراء الأعاصير.

 

وقال "سترادر" ​​لصحيفة واشنطن بوست: "يريد الناس العيش بالقرب من السواحل والعيش بالقرب من الشاطئ، لكن هذا يأتي بتكلفة".

 

معظم الضحايا من كبار السن

 

وحققت فلوريدا وتكساس وكارولاينا الشمالية أكبر المكاسب من الهجرة الداخلية في عام 2022، وفقاً لبيانات من تعداد الولايات المتحدة.

 

بالإضافة إلى ذلك، كانت فلوريدا أسرع ولاية نمواً في ذلك العام بزيادة سنوية في عدد السكان بلغت 1.9%، وفقاً لـ"ناديا إيفانجيلو"، الخبيرة الاقتصادية البارزة ومديرة أبحاث العقارات في الرابطة الوطنية للوسطاء العقاريين.

 


وقالت "إيفانجيلو": "كانت هذه هي المرة الأولى منذ عام 1957 التي ينمو فيها عدد سكان فلوريدا بشكل أسرع من أي مكان آخر في جميع أنحاء الولايات المتحدة".

 

وتوقعت أن يتواصل هذا الاتجاه في السنوات القادمة، مشيرة إلى أن فلوريدا أصبحت الوجهة المفضلة للمتقاعدين.

 

وكان متوسط ​​أعمار المنتقلين إلى فلوريدا 47 عاماً -مقارنة بالمستوى المحلي البالغ 35 عاماً- وأشارت إيفانجيلو إلى أن أحد الأسباب وراء العديد من عمليات الانتقال هو بحث الأشخاص عن مكان دافئ للتقاعد.

 

ومن بين 129 حالة وفاة مرتبطة بإعصار إيرما في عام 2017 تم تحديدها في فلوريدا وجورجيا وكارولاينا الشمالية بين 4 سبتمبر و10 أكتوبر من العام نفسه، كانت هناك 123 حالة منها في فلوريدا، وكان متوسط ​​أعمار الضحايا 63 عاماً، وفقاً لبيانات من مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها.

 

كما أثر إعصار إيان في عام 2022 على الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 60 عاماً أو أكثر بشدة، وشكلت الفئة العمرية نفسها ما يقرب من ثلاثة أرباع الوفيات التي وقعت جراء الإعصار في ولاية فلوريدا أي 106 من أصل 149 حالة وفاة، وفقاً لتقرير لجنة الفحص الطبي في فلوريدا الصادر في فبراير 2023.

 

عوامل أخرى

 

تقول ناديا إيفانجيلو، إن الضرائب المنخفضة والطقس اللطيف خارج موسم الأعاصير جعلا مثل تلك المناطق جذابة للانتقال إليها، ولكن أكدت أن هناك عاملاً آخر ساهم في نمو المنطقة.

 

وأضافت أنه بجانب تمتع هذه المناطق "بطقس جيد، فإنها تتمتع أيضاً بنمو قوي جداً في الوظائف".

 

وقالت إيفانجيلو، التي قدرت أن هناك نحو 8% وظائف أكثر في فلوريدا مقارنة بشهر مارس 2020، إن التعافي بعد الوباء أدى إلى "سوق عمل قوية"، وقدرت أن الرقم كان نحو 7% في تكساس و6% في نورث كارولاينا.

 

وبينما لا تعد فلوريدا من بين أرخص الولايات لشراء منزل، فإن متوسط ​​قيمة المساكن في الولاية أقل من ولايات أخرى مثل كاليفورنيا ونيويورك ونيوجيرسي.

 

وفقاً لبيانات الاحتياطي الفيدرالي الاقتصادية، يبلغ متوسط ​​سعر المسكن في فلوريدا في عام 2023 نحو 232 ألف دولار، وهو لا يزال أقل من متوسط ​​سعر البيع في الولايات المتحدة بكثير البالغ 436.8 ألف دولار.

 

 

ومع ذلك، فإن هذه الأعاصير تفرض ضريبتها على تكاليف التأمين على المنازل، وهو أمر ضروري لسكان فلوريدا لإعادة البناء.

 

ويقول جيفري هوسي، المحامي بالخدمات القانونية المجتمعية في ميد فلوريدا: "أعرف أشخاصاً يدفعون رسوم تأمين شهرية أكثر من قرضهم العقاري، وهذا أمر مروع، لكن يجب أن يكون لديك تأمين"، وأوضح أن معظم الناس لا يستطيعون إعادة البناء بالمدخرات وحدها.

 

تركز الخدمات القانونية المجتمعية على مساعدة الأشخاص الذين يتقاضون أجوراً منخفضة الدخل، والذين يقول هوسي إنهم قد يواجهون أيضاً ليس فقط مشكلة في الحصول على التأمين، ولكن لديهم منازل أكثر عرضة لأضرار الأعاصير.

 

وأفاد بأن العديد من الأحياء هناك، خاصة أصحاب المنازل من ذوي الدخل المنخفض، ليس لديهم البنية التحتية نفسها مثل تلك الموجودة ببعض المباني الحديثة، لذا فإن كثيرًا من المنازل دون المستوى، وليست جاهزة للأعاصير.

 

كان أحد المخاوف التي عبر عنها هوسي بشأن موسم الأعاصير القادم هو انسحاب شركات التأمين لأصحاب المنازل من الولاية وارتفاع تكاليف شركات التأمين الأخرى، ما يجعل من الصعب على أصحاب المنازل العثور على التأمين المناسب.

 

قال مارك فريدلاندر، مدير الاتصالات المؤسسية لمعهد معلومات التأمين، لصحيفة واشنطن بوست العام الماضي، إن مئات الآلاف من المستهلكين في فلوريدا فقدوا التغطية في عام 2022 بسبب فشل شركات التأمين أو الزيادات الكبيرة في رسوم التأمين.

 

ويتلخص الأمر في سؤال: "هل يستحق العيش في تلك المناطق تلك المقامرة؟"

 

هل الإنسان يعد سببًا في شدة الأعاصير؟

 

وفي بحث نشر في يوليو الماضي قال علماء، إن تغير المناخ يُحدث تغييرات في أنماط هطول الأمطار حول العالم، وهو ما قد ينجم عنه أيضا اشتداد قوة الأعاصير والعواصف المدارية الأخرى.

 

ويقولون إن العواصف المدارية الأقوى جزء من ظاهرة أوسع من الظواهر الجوية المتطرفة الناجمة عن ارتفاع درجات الحرارة، بحسب بحث صدر عن الأكاديمية الصينية لعلوم البيانات التاريخية للأرصاد الجوية.

 

 

وخلصوا إلى أن 75% تقريبا من مساحة اليابسة في العالم شهدت ارتفاعا في "تقلبات هطول الأمطار" أو تقلبات أوسع بين الطقس الجاف والرطوبة.

 

وذكر الباحثون في البحث الذي نشرته مجلة "ساينس" أن ارتفاع درجات الحرارة أدى إلى زيادة قدرة الغلاف الجوي على الاحتفاظ بالرطوبة ما يسبب تقلبات أوسع في هطول الأمطار.

 

ويعتقد العلماء أن تغير المناخ يعمل أيضا على تغيير سلوك العواصف المدارية، بما يشمل الأعاصير، مما يجعلها أقل تواترا لكن أكثر قوة.

 

المصادر: إن بي سي – بي بي سي- رويترز- نيتشر- أسوشيتدبرس- أكيوويذر- واشنطن بوست- مكتب إدارة السواحل (Office for Coastal Management)

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.