نبض أرقام
05:20 م
توقيت مكة المكرمة

2024/10/15

نوبل 2024 في الاقتصاد .. بين الديمقراطية والاستعمار والرفاهية

12:53 م (بتوقيت مكة) أرقام

مُنحت جائزة "نوبل" في العلوم الاقتصادية لعام 2024 لثلاثة علماء نظير دراساتهم الاستثنائية التي سلطت الضوء على مدى ارتباط البناء الهيكلي للمجتمع ومؤسساته بقضايا التنمية، ورفاهية أفراده، وعدالة التوزيع.

 

استندت دراسات العلماء "دارون عجم أوغلو"، و"سيمون جونسون"، و"جيمس إيه روبنسون" إلى تحليل إحصائي لبيانات أكثر من 500 عاماً من أجل وضع أسس نظرية وتجريبية لتحليل أسباب انهيار الأُمم، ورفاهية بعضها ومعاناة البعض الآخر من غياب التنمية.

 

كان أحد الأعمال المؤهلة لحصول العلماء الثلاثة على الجائزة مقال نُشر عام 2002 بعنوان "فقدان الثروة: دور الجغرافيا والمؤسسات في توزيع الدخل في العالم الحديث"، توصلوا من خلاله إلى أن هيمنة المؤسسات على الثقافة والجغرافيا هي ما يُحدد اختلافات مستويات الدخل بين الدول.

 

وفي مقال آخر نُشر عام 2001 بمجلة "أمريكان إيكونومك ريفيو"، توصل العلماء إلى أدلة عملية تؤكد أن الدول التي تتمتع بمؤسسات قوية وعلى درجة عالية من الكفاءة، ونظم قانونية تحمي حقوق الملكية، وسياسات واضحة؛ تستثمر بدرجة أكبر في رأس المال المادي والبشري على حد سواء، وتُحسِن استغلال هذين الموردين بكفاءة لتحقيق مستويات أعلى من الدخل.

 

 

دور التقدم العلمي والتكنولوجي في رفاهية المجتمع

 

في كتابهما "لماذا تسقط الأُمم؟"، قال "أوغلو" و"روبنسون" إن الدول التي استطاعت تحقيق تقدم علمي وتكنولوجي، وتأسيس نظم سياسية تعددية تسمح لقطاعات واسعة من المجتمع بالمشاركة في الحكم؛ وصلت إلى مستويات عالية من الرخاء.

 

للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام

 

بينما فشلت الدول ذات المؤسسات الاستغلالية التي تفيد نخبة صغيرة من أفراد المجتمع في تحقيق نمو اقتصادي.

 

يرى "أرفيند سوبرامانيان"  الذي شغل سابقاً منصب كبير المستشارين الاقتصاديين في الهند، أن أعمال العلماء الثلاثة لا تتماشى مع تجربتَي بلاده والصين.

 

إذ حققت الصين ذات النظام الذي وصفه بـ "السلطوي" نمواً اقتصادياً سريعاً، في حين تخلفت الهند "الديمقراطية الأكبر على مستوى العالم" عن اللحاق بركبها.

 

 

الاستعمار الأوروبي ومستويات التنمية في العصر الحديث

 

أظهرت أعمال العلماء الثلاثة أن حقبة الاستعمار الأوروبي لأجزاء واسعة من العالم كان لها آثار بالغة ومتباينة على مستويات التنمية بالدول المحتلة في العصر الحديث.

 

أصبحت المستعمرات التي كانت غنية بالموارد في الماضي وركّز المحتل على استخلاص ثرواتها؛ دولاً فقيرة في العصر الحديث.

 

في حين أرسى المستعمر قواعد مؤسسات قوية في الدول الأفقر لخدمة مصالح المهاجرين الأوروبيين، وباتت هذه المؤسسات نقطة انطلاق للتنمية في هذه المجتمعات بعد الاستقلال، وبالتالي أصبحت في وضع اقتصادي مزدهر.

 

من النتائج المثيرة للاهتمام التي توصل إليها العلماء من دراسة الحقبة الاستعمارية، هو أن المستعمرات التي كانت مكتظة بالسكان شهدت تأسيس الاحتلال أنظمة سياسية سلطوية لإحكام السيطرة عليها.

 

وأن ارتفاع معدلات الوفيات بين المستعمرين -نتيجة مقاومة الشعوب وخاصة في الدول كثيفة السكان- يرتبط ارتباطاً سلبياً بمتوسط نصيب الفرد من الناتج القومي في العصر الحديث.

 

بينما شهدت المستعمرات منخفضة السكان -والأقل مقاومة- إرساء مؤسسات احتوائية ساعدت على رفاهيتها الاقتصادية بعد الاستقلال، وبالتالي كان لإرث الاستعمار الأوروبي أثر كبير على مشكلة انعدام عدالة التوزيع في العالم المعاصر.

 

قال "أوغلو" في مؤتمر صحفي عقب إعلان حصوله على الجائزة، إن المغزى من هذه الدراسات ليس الحكم على ما إذا كان الاستعمار خيراً أم شراً، بل تسليط الضوء على أن الاستراتيجيات الاستعمارية المختلفة تمخض عنها أنماط مؤسسية متباينة ظلت قائمة بمرور الزمن.



الذكاء الاصطناعي ومعضلة الاختيار الفردي

 

أصدر "أوغلو" و"جونسون" في مايو 2023 كتاباً بعنوان "القوة والتقدم: صراع الألف عام على التكنولوجيا والرفاهية"، تطرقا فيه إلى أثر التقنيات الرقمية والذكاء الاصطناعي على أسواق العمل.

 

أوضح العالمان في كتابهما أن التقدم التقني والذكاء الاصطناعي كان لهما أثر إيجابي على توليد الوظائف وتحسين رفاهية الشعوب.

 

لكن الآثار الإيجابية أو السلبية للتكنولوجيا على حياة الشعوب تعتمد على الخيارات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لأفرادها.

 

أشار "أوغلو" في المؤتمر الصحفي عقب نيل الجائزة، إلى أن الذكاء الاصطناعي لا يمكنه إنجاز سوى 5% من مهام البشر، وهذه النسبة ليست كافية لإحداث ثورة اقتصادية، لذا يعتمد مستقبل التقنية على اختيارات الأفراد، والمجتمعات، والجهات التنظيمية.

 

 

أزمة الديمقراطية في العالم المعاصر

 

لا يخفى أن دراسات العلماء الثلاثة تميل إلى تفضيل الديمقراطية عما سواها من الأنظمة الاجتماعية، لكن" أوغلو" أكد على أنها "ليست الدواء لكل داء".

 

إذ قال في المؤتمر الصحفي إن تكوين حكومة تمثل المجتمع تمثيلاً عادلاً ليس بالأمر السهل، وتتسم الأنظمة الديمقراطية بالتقلب في الوقت ذاته.

 

وأوضح أن هناك دولًا غير ديمقراطية استطاعت تحقيق النمو، واستفادت من موارد الدولة بوتيرة سريعة لتسريع عجلة التطور الاقتصادي، لكن "النمو القائم على الاستبداد" غالباً ما يكون أقل استقراراً وابتكاراً.

 

وأضاف أن الديمقراطيات في العصر الحديث تواجه تحديات جمّة، منها الاستقطاب، وتغير المناخ، ووسائل التواصل الاجتماعي، والتقدم التكنولوجي كما في حالة الذكاء الاصطناعي.

 

وأن الديمقراطية في الوقت الراهن بحاجة لجدية أكبر في العمل، وضرب مثالاً بانعدام المساواة في التمتع بثمار النمو في أمريكا كدليل على أن نظامها الديمقراطي لا يعمل بشكل مثالي.

 

ومن جانبه، ذكر "جونسون" في تصريح لوكالة "أسوشيتد برس" أن الضغوط الاقتصادية في أمريكا أضرت بكثير من المواطنين، إذ تأثر عديد من الناس الذين كانوا ينتمون للطبقة المتوسطة سابقاً؛ سلباً بمزيج من الظواهر مثل العولمة، والأتمتة، وتقلص دور الاتحادات التجارية، وتغير فلسفة الشركات.

 

وتابع بأنه بدلاً من النظر للعمال الأمريكان على أنهم مورد يجب تنميته كما كان الحال عليه في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، بات يتم التعامل معهم على أنهم عنصر تكلفة يجب تقليصه.

 

المصدر: رويترز – نيويورك تايمز – موني كونترول – أسوشيتد برس

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.