يتساءل كثيرون عن كيفية تحقيق بعض المستثمرين لنجاحات استثنائية، سواء في استثماراتهم الخاصة، أو في سوق الأسهم، ويدرسون في ذلك وسائل تداول هؤلاء المستثمرين للأسهم وتحليلهم للشركات وغير ذلك من الطرق التي تؤدي بالثروات إلى النمو والازدهار.
وينسى البعض أن هناك جانبا آخر، لا يقل أهمية عن الجوانب الفنية لتحليل الشركات والأسهم يتعلق بالطبيعة الشخصية لهؤلاء المستثمرين، وكيفية قضائهم أوقاتهم اليومية، بشكل يسمح لهم بتحقيق النجاح الاستثماري الاستثنائي، فبدون روتين يومي واضح ومُنظم لم يكن لهؤلاء أن يتقدموا في عالم الاستثمار.
وارين بافيت
و في هذا الإطار، يقول المستثمر الأشهر "وارين بافت" أنه يقضي قرابة 80% من وقته خارج العمل في القراءة، وإنه في المتوسط يقرأ من 5-6 ساعات يوميًا، ويضيف "لم أعد أقرأ بنفس السرعة والكفاءة التي كنت أقرأ بها وأنا في عمر أصغر بالتأكيد، لكنني أواظب على عادة القراءة لساعات يوميًا"، ويشدد "بافت" على أن القراءة لهذه الساعات ليست فقط "ضرورية" ولكنها أيضًا تعتبر "متعة" بالنسبة له.
للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام
وعما يقرأه "بافت" يشير إلى أنه يطالع خمس جرائد يومية في الصباح قبل ذهابه إلى العمل، هي "وول ستريت جورنال" و"واشنطن بوست" و"نيويورك تايمز" و"فاينانشال تايمز" و"أوماها وورلد هيرالد"، كما أنه يقرأ العديد من المجلات بشكل دوري، فضلا عن الاطلاع على التقارير السنوية سواء للشركات أو للمنظمات الدولية.
كما يقرأ "بافيت" الكتب بمختلف أنواعها، حتى أنه مغرم بقراءة كتب السير الذاتية، ويعتقد أن القراءة هي "عادة تغير الحياة" ويقول "لو قرأت 500 صفحة يوميًا فإن هذه المعرفة التي تحصدها تتراكم مع الوقت، الأمر يشبه الفائدة التراكمية".
ويستيقظ "بافت" في الساعة 6:45 صباحاً يوميًا كي يكون لديه وقت للقراءة ولـ"صباح هادئ" حيث إنه لا يحب أن يبدأ العمل فور استيقاظه من النوم، ولكنه يفضل أن يمر بفترة من الهدوء النسبي تسمح له ببدء أنشطته اليومية بقدر كبير من صفاء الذهن والقدرة على التحكم في الانفعالات.
حياة مثل المزارعين
ومن الأشياء المثيرة للجدل التي يقوم بها "بافت" هو طبيعة غذائه، حيث يتناول 5 علب من مشروب "شيري كوكاكولا" يوميًا، للحصول على ربع ما يريد الحصول عليه من السعرات الحرارية، 2700 سعر، لأنه لا يحب القهوة ولا يحب تناولها على الأقل صباحًا ويستبدلها بواسطة المشروب الأمريكي الشهير –"بافيت" لديه استثمارات كبيرة في "كوكاكولا"- ويتناول إفطاره يوميًا أثناء ذهابه للعمل من نقانق أو بيض مقلي وأطعمة سريعة التحضير.
ويدافع بافيت عن خياراته "غير الصحية" بالطعام بأنه وجد أن الإحصائيات تشير إلى أن الأطفال في سن السادسة هم الأقل تعرضًا للوفاة من بين كافة الأعمار من 1-100 عام، ولذلك فإنه يتناول طعاما يشبه الطعام الذي يتناوله طفل في السادسة، مضيفًا "ليس بوسعي أن أفعل ما هو أفضل من ذلك، فهو المسار الأكثر أمنًا الذي يمكنني اللجوء إليه".
وبشكل عام يشير "بافت" إلى أنه يحيا حياة تشبه المزارعين، ويشدد على أنه لا يقيم نتائج عمله على مدار يوم أو أسبوع أو شهر أو حتى عام، ولكن على مدار فترات أطول من ذلك، وإن كان يبقي على دراسة الأسهم التي يحوزها من وقت لآخر أو عند ظهور بيانات جديدة هامة للتأكد من بقاء الأسس التي اشترى على أساسها تلك الأسهم وعدم تغيرها.
ويتفق أسلوب "بافيت" مع حياة المزارعين وتقييمه للأمور مع ما أشار إليه تحليل لـ"ويلث فرونت" من أن احتمال الخسارة إذا استثمرت في الأسهم الأمريكية كلها في أي عام في الفترة من يوليو 1926 إلى سبتمبر 2023، يبلغ 25.2٪، ومع ذلك، انخفض احتمال الخسارة إلى 0.0٪ إذا استثمرت لمدة 20 عامًا في كافة الأسهم الأمريكية، بما يؤكد أن أسلوب "المزارعين" طويل المدى فعال.
على الرغم من هذه البيانات وتوصيات "بافت"، أصبح المستثمرون أكثر اهتمامًا بالتداول السريع، حيث انخفض متوسط فترة الاحتفاظ بسهم فردي في الولايات المتحدة من خمس سنوات في السبعينيات إلى 10 أشهر فقط في عشرينيات القرن الحادي والعشرين، بما يؤكد أن أسلوب حياة ونصائح "بافت" لا تجد أذانا صاغية لدى الكثير من المستثمرين على الرغم من نجاعتها المثبتة.
ولعل التداول المكثف هذا هو ما يدفع كثيرون للتحذير من انهيار في سوق الأسهم الأمريكية قريبًا في ظل وصول تقييم أن المؤشر العام للسوق أكبر من قيمته الحقيقية بنسبة لا تقل عن 25% وذلك باستخدام مجموعة من المؤشرات منها مضاعف الربحية (26 في المتوسط حاليا بينما تاريخيا 19) وعدد الأسهم الصاعدة في مواجهة المتراجعة، ومعدلات توزيع الأرباح.
وتتسم حياة "بافيت" أيضًا بالتركيز على "ما يهم" فمن مقولاته الشهيرة أن الفارق بين الأشخاص الناجحين والأشخاص فائقي النجاح أن المجموعة الأخيرة تقول: "لا" دائمًا لكل ما لا يضيف لها، فهو يركز على ما يهم ويبقي حياته بسيطة، بمنزل اقتناه قبل 40 عامًا وسيارة متواضعة ووجبات من المطاعم الشعبية ومصاريف شخصية في حدها الطبيعي، فلا يشغل باله بصيحات الموضة أو غيره.
بيل جيتس
ويتشابه "بيل جيتس" مؤسس "مايكروسوفت" والمستثمر البارز في سوق الأسهم وخارجها مع صديقه "بافيت" في الاستيقاظ المبكر، حيث يميل إلى الاستيقاظ قبل الساعة السابعة صباحاً عادة، كما يركز على القراءة، حيث يعتبرها أداة أساسية للتعلم والتطوير الذاتي، غير أنه يخصص وقتًا أقل للقراءة حيث يقرأ قرابة الساعة قبل النوم يوميًا، فضلًا عن متابعته اليومية للشؤون الجارية صباحًا.
ويختلف "جيتس" عن "بافيت" في كثرة مساهماته العامة، سواء من خلال مدونته التي يطرح فيها آراءه ومراجعاته للكتب التي قرأها، ومن خلال عدد أكبر من التصريحات الصحفية والتلفزيونية والانخراط في الشأن العام فضلًا عن تخصيصه وقتًا يوميًا للرد على البريد الإلكتروني، حيث يصله عدد كبير من رسائل البريد الإلكتروني، ويخصص وقتًا للرد عليها وتنظيم جدول أعماله.
ويتضمن يوم "جيتس" العديد من الاجتماعات المتعلقة بمشاريعه الاستثمارية والخيرية، بالإضافة إلى اجتماعات مع فريق عمله في مؤسسة بيل ومليندا غيتس.
ويتشابه "جيتس" مع "بافت" في تخصيص كل منهما وقتًا يوميًا لممارسة الرياضة "غير العنيفة" يصل إلى نصف ساعة يوميًا، حيث يرى كلاهما أنها أداة للحفاظ على الصحة العامة وليست وسيلة لإرهاق الجسد ولا سيما مع العمر المتقدم، بل اعترف "جيتس" أنه يهوى غسل الأواني حيث يعتبره نشاطًا مفيدًا لتخفيف التوتر والابتعاد عن الهموم.
ويشدد "جيتس" على أهمية وجود روتين يومي ثابت لضمان الانتظام في تحقيق الأهداف، ولكنه يحث على أن يكون الروتين مرنا، فعلى الرغم من وجود بعض الثوابت فيه، فإنه مرن ويتغير حسب الظروف والالتزامات، مع التركيز على الأولويات التي تتضمن بالنسبة إليه القراءة وتخصيص وقت لإدارة استثماراته سواء الخيرية أو الشخصية.
جورج سورس
وباستعراض حياة "جورج سورس" المستثمر والمتداول الأميركي الشهير، نلاحظ الحرص الدائم على الاطلاع أيضا، ويتمايز "سورس" عن "بافت" و"جيتس" بتركيزه على الشؤون العالمية وليس المحلية فحسب، وذلك لطبيعة استثماراته التي تتسع في قارة آسيا وأوروبا وحتى في أمريكا اللاتينية بما يجعله حريصًا على الاطلاع على كافة الشؤون الدولية التي قد تؤثر على استثماراته.
ويقول "سورس" إنه لا يتابع الشاشات باستمرار أبدًا، ويهتم بالنتيجة الكلية للأرباع أو السنوات المالية وبالقوائم المالية التي تصدر حينها، معتبرًا أن إضاعة الوقت في متابعة يومية أو لحظية لشاشات سوق الأسهم وأسعار الأصول التي يحوزها أمر منهك للأعصاب كما أنه غير منتج.
ويتشابه "سورس" مع "بافت" و"جيتس" في الحرص على قدر كبير من التوازن بين الحياة العملية ونظيرتها الشخصية، معتبرًا أنه من الضروري إفساح وقت ضمن جدوله اليومي المزدحم من أجل الأهل والأصدقاء والاهتمامات والهوايات الشخصية، بينما يحرص "بافيت" على العشاء مع أسرته، ويهتم "جيتس" بالتواصل الدائم مع أصدقائه بل ومع كثيرين عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
واللافت أنه في حالة المستثمرين الثلاثة فإنهم جميعا يخصصون أوقاتًا يومية للأعمال الخيرية، سواء التي يديرونها بأنفسهم أو يخصصون لها الأموال، وذلك ضمن ما يصنفونه بألفاظ مختلفة بـ"إدارة الوقت" سواء بـ"انضباط" أو بـ"صرامة"، أو كما يصفه "سورس" بإدارة الوقت الاستراتيجي".
ويعرف "سورس" بتخصيصه وقتا لما يسميه "جلسات العمل المركز"، حيث يخصص عددًا من الساعات للتعامل مع مشكلة بعينها، دون التعامل أو دراسة غيرها، بما يجعله يصل إلى أعماق هذه المشكلة ويتعامل مع تفاصيلها، وبالتالي يكون قادراً على حلها بشكل صحيح.
ويختلف "سورس" مع "جيتس" و"بافت" في أنه يمارس رياضة بدنية أكثر حدة، من خلال تمارين يومية في صالة الألعاب (الجيم) فضلًا عن الركض يوميًا وممارسة رياضة اليوجا والتأمل، ولكن الرجال الثلاثة يُعرفون أيضا بممارستهم لبعض التمارين الذهنية التي تساعدهم في تصفية قريحتهم وتقوية القدرات العقلية.
وباستعراض ما فات يتأكد -على الرغم من اختلافاتهم الثلاثة- في أسلوب إدارة الاستثمارات، حيث يعرف "سورس" باستثمارات عالية المخاطرة وخطوات استثمارية يُمكن تصنيفها بالعدائية، بينما يتميز "بافت" و"جيتس" بنهج استثماري هادئ إلا أنهم جميعًا لديهم الكثير من المشتركات في إدارة حياتهم، وربما هذا ما ضمن لهم نجاحًا استثماريا رغم تنوع طرقهم التي يسلكونها في تحقيق ذلك.
المصادر: أرقام- وول ستيرت جورنال- بريس فارم- رويتن كلاب- نيويورك تايمز
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}