كان الخامس من نوفمبر 2024، لحظة فارقة للمستثمرين لأنه بمجرد إعلان فوز "دونالد ترامب" في الانتخابات الأمريكية انطلقت البيتكوين في مسيرة صاعدة حتى اقتربت من 90 ألف دولار حاليًا، بينما فقد الذهب بريقه اللامع لكن ربما لفترة مؤقتة فقط.
أثار فوز "ترامب" بفترة ولاية ثانية موجة تراجع في أسعار الذهب مع جني المستثمرين للأرباح -بعد الارتفاع القوي للمعدن الأصفر في الفترة السابقة للانتخابات- وانتعاش شهية المخاطرة.
ومع قوة الدولار وارتفاع الأسهم الأمريكية، هبط المعدن الأصفر الإثنين – في بداية هذا الأسبوع – بأكبر وتيرة يومية في أكثر من ثلاث سنوات إلى 2617.7 دولار للأوقية، مسجلاً أدنى تسوية للعقود الآجلة منذ التاسع عشر من سبتمبر.
ثم هبطت الأسعار اليوم الثلاثاء دون 2600 دولار، لأول مرة منذ سبتمبر، مع استمرار رد الفعل السلبي للسوق على فوز "ترامب"، وذلك بعدما سجلت العقود الآجلة للمعدن النفيس أعلى مستوياتها على الإطلاق عند 2801.8 دولار في الثلاثين من أكتوبر، حسب بيانات "فاكت ست"، أي في الفترة السابقة للانتخابات.
البيتكوين ترحب بفوز "ترامب"
لكن في الوقت الذي تراجعت فيه أسعار الذهب، نجحت أسواق العملات المشفرة في جذب المستثمرين الراغبين في المخاطرة، والمتفائلين بأن إدارة "ترامب" ستكون أكثر ودًا.
للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام
وبدأت البيتكوين مسيرة تحطيم المستويات القياسية حتى تجاوزت الثلاثاء مستوى 89 ألف دولار، وتعد مرتفعة بأكثر من 30% منذ يوم التصويت في الانتخابات الأمريكية.
وحتى أكبر شركة لإدارة الأصول في العالم "بلاك روك" شهدت ارتفاع أصول صندوق البيتكوين المتداول التابع لها ليتجاوز حجم نظيره المتداول للذهب، في ظل الطلب القياسي.
بينما سجل أكبر صندوق تداول مدعوم بالذهب في العالم "إس بي دي آر جولد تراست" أكبر تدفقات خارجة أسبوعية في أكثر من عامين خلال العام الماضي، مع اتجاه المتداولين إلى جني الأرباح.
هل فقد الذهب بريقه؟
لطالما كان الذهب أداة تحوط ضد عدم اليقين السياسي والاقتصادي – خاصة في بيئة أسعار الفائدة المنخفضة – وهو ما دفعه للارتفاع في الفترة السابقة للانتخابات.
لكن مع حسم "ترامب" للسباق الانتخابي وسيطرة الجمهوريين على مجلس الشيوخ، اتجه المستثمرون للتخارج من مراكزهم وبدأ جني الأرباح، إلى جانب أن نتيجة الانتخابات دعمت سوق الأسهم والدولار ما جعل السبائك أقل جاذبية، فضلا عن مكاسب العملات المشفرة.
فسر "بيتر جرانت" نائب الرئيس وكبير استراتيجي المعادن لدى "زانر ميتالز" ذلك بأنه مع انتهاء الانتخابات تعمل الأسواق على التخلص من التداولات القائمة على عدم اليقين السياسي.
وأوضح أن الحزب الجمهوري فاز سيطر على مجلس الشيوخ ويستعد لتأمين الأغلبية في مجلس النواب، وهو ما يعني أن إدارة "ترامب" ربما تكون قادرة على تنفيذ أجندتها السياسية دون مقاومة تشريعية كبيرة.
وبالتالي فإن احتمالية خفض الضرائب وتقليص الإجراءات التنظيمية عززت تدفقات المستثمرين نحو المخاطرة على حساب الأصول الآمنة مثل الذهب.
وهو ما أيده تصريح "فؤاد رزاق زادة" محلل السوق لدى "سيتي إندكس" و"فوركس دوت كوم": تراجع الذهب على خلفية فوز "ترامب" يمثل تحولاً في المعنويات، مع اختيار بعض المستثمرين تنويع استثماراتهم بعيدًا عن الأصول الآمنة.
في حين يرى "ديلين وو" استراتيجي الأبحاث لدى "بيبرستون" أن الذهب يتعرض لضغوط على جبهات متعددة مع عمليات بيع مؤسسية تدفعه للتراجع.
هل تواصل الأسعار تراجعها أم ترتد وتستأنف الصعود؟
قال "شين جيانجوانج" كبير الاقتصاديين لدى "جيه دي دوت كوم": استجابة لانتخاب "ترامب"، ارتفعت الأصول الافتراضية مثل البيتكوين والسندات الأمريكية بشكل حاد، وسيرتفع الذهب أيضًا في الأمد الأبعد، وهو ما يعكس انخفاضًا أوسع نطاقًا في الثقة في الدولار بين الحكومات والمستثمرين حول العالم.
لكنه أضاف أنه بالنسبة للعديد من المناطق وخاصة التي لديها علاقات جيوسياسية متوترة مع الولايات المتحدة، فإن مكانة الذهب -كملاذ آمن موثوق، ومخزن للقيمة- آخذة في النمو، ويتوقع وصول سعر الذهب إلى مستويات قياسية مرتفعة جديدة في الأمد البعيد مع تضرر مكانة الدولار العالمية.
كما أن سياسيات التعريفات الجمركية التي ينتهجها "ترامب" سيكون لها تأثير على التجارة العالمية وخاصة بالنسبة للصين، ما يجعل الذهب أكثر جاذبية للمستثمرين الصينيين كأداة تحوط ضد سعر الصرف وعدم اليقين بشأن الأصول المقومة باليوان.
توقع "يو بي إس" في تقرير صدر الأسبوع الماضي وصول سعر الذهب إلى 2900 دولار للأوقية بحلول نهاية الربع الثالث من 2025، لأن تأثير التعريفات الجمركية المحتملة على الاقتصاد والدولار سيؤدي لإنعاش الطلب على أدوات التحوط.
ويرى "زادة" أن تراجع الذهب بمثابة عقبة مؤقتة، وتظل التوقعات صعودية على المدى الطويل، مع مواصلة البنوك المركزية خفض الفائدة.
كما أن "جرانت" لا يزال متفائلاً بشأن مسار الذهب، لكنه ربما أقل تفاؤلاً بشأن احتمالية تسجيل ارتفاعات قياسية جديدة قبل نهاية العام، بل يعتقد استئناف الاتجاه الصاعد للأسعار في أوائل 2025.
وأوضح رؤيته قائلاً: بمجرد أن تهدأ أجواء ما بعد الانتخابات، ربما تركز الأسواق مرة أخرى على التوترات الجيوسياسية والمخاوف بشأن الاقتصاد الصيني والأوروبي، وتصاعد مستويات الديون العالمية، ومشتريات البنوك المركزية من المعدن الأصفر، فضلا عن عدم اليقين السياسي في ألمانيا واليابان.
كما توقع محللو "جيه بي مورجان" في تقرير أن فوز "ترامب" قد يصب في صالح كل من البيتكوين والذهب، بسبب استراتيجية استثمارية تنطوي على شراء تلك الأصول التي يُنظر إليها كمخزن للقيمة عندما يُتوقع تراجع العملة في ظل السياسات التضخمية.
لكن سواء كان تراجع الذهب بمثابة موجة قصيرة الأجل تنتهي بمجرد استيعاب الأسواق لسياسات وتوجه الإدارة الأمريكية الجديدة، أو استمر لفترة أطول، فإن المعدن اللامع يظل الملاذ الآمن وأداة التحوط الراسخة عبر الزمن.
المصادر: أرقام - ساوث تشاينا مورنينج بوست - ماركت ووتش - كوين ماركت كاب - بلومبرج
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}