"يبدو عام 2025 مبشرًا، حيث إن تسريح العمالة في حده الأدنى وبدأ التضخم في التراجع النسبي، كما أن أسعار البنزين والمواد الأولية تبدو ضمن أطر مقبولة، والأهم أن الأجور تنمو بمعدل يفوق الأسعار بما يؤشر إلى إمكانية زيادة الاستهلاك ودفع الاقتصاد قدمًا".
يبدو أن هناك اتفاقًا واسًعا بين الخبراء الاقتصاديين في الولايات المتحدة على هذه العبارة، حيث إن أسس الاقتصاد تبدو متينة، وبناء عليه تراجعت المخاوف من الركود التي سادت عام 2024، بما دفع بجدل آخر إلى الظهور حول ما إذا كان سوق الأسهم الأمريكي، المنتعش للغاية، سيشهد مزيداً من الصعود والازدهار، أم أنه سيشهد تراجعًا بسبب التصحيح أو حتى الأسوأ وهو سوق دببة متراجع.
علامات صحية ولكن
"ديفيد كيلي" كبير خبراء التخطيط الاستراتيجي في "جي بي مورغان" يشير إلى أنه على الرغم من أن الاقتصاد يبدي علامات صحية للغاية غير أنه ما زال يخشى حدوث "فقاعة"، في ظل رؤيته لمبالغة واضحة في تقييم الكثير من الأصول، لا سيما في سوق الأسهم الأمريكي وفي سوق العملات المشفرة، الذي يرى أن الارتباط بينهما يزداد بشكل كبير مما يشكل خطرًا على سوق الأسهم في ظل تقلبات سوق العملات المشفرة.
للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام
ويشير "كيلي" إلى أن العديد من "القلاع تم بناؤها في الهواء بناء على هذا الاقتصاد المستقر"، لا سيما في تقييم الشركات الأمريكية الكبيرة في سوق الأسهم وعملة بيتكوين، لا سيما أن تكشّف الفقاعات قد يتأخر، وهو ما حدث إبان فقاعة "دوت كوم" حينما استمرت قيمة شركات الإنترنت في النمو خلال حقبة التسعينات بالكامل تقريبًا قبل ظهور الفقاعة في نهاية التسعينات وأوائل الألفية الجديدة.
وما يزيد من مخاوف بروز "تضخم الأصول" في السوق الأمريكي تحديدًا حقيقة أنها انتعشت بنسبة تفوق مثيلتها حول العالم بشكل لافت، حيث كانت السوق الأمريكي تمثل 59% من حجم سوق الأسهم العالمي بنهاية عام 2023، وارتفعت هذه النسبة لتصل إلى ما يقرب من 70% بنهاية 2024، مع نمو واضح للأسهم الأمريكية وثبات نسبي في غالبية أسواق الأسهم العالمية، بما يؤشر أيضًا لفقاعة أمريكية بتدفق أموال محلية وعالمية إلى السوق الأمريكي على حساب غيرها.
نمو كبير "مُقلق"
واكتسب مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" قيمة سوقية مرتفعة للغاية تبلغ 10 تريليونات دولار في 2024، إلا أن المؤشر نفسه شهد تباطؤًا لافتًا في نموه في النصف الثاني من 2024 حيث لم يرتفع إلا بنسبة تخطت 6% بقليل، بينما يصل نموه لإجمالي 2024 إلى 26% بما يشير إلى تباطؤ واضح في النمو وحذر من كبار المستثمرين، على الرغم من التوقعات الإيجابية للسوق وتوقعات المستويات القياسية في المستقبل من مؤسسات مثل "بنك أوف أمريكا".
ومن العلامات التي تثير القلق أيضا: استمرار الارتفاع المحموم للأسهم التكنولوجية وتزايد التحذيرات من فقاعة الذكاء الاصطناعي، حيث ارتفعت أسهم مؤشر "ناسداك" للتكنولوجيا، المدعوم من طفرة الذكاء الاصطناعي ومجموعة الشركات السبع الأهم بنسبة 29٪ في عام 2024، لتزيد إلى ما يوصف بالنمو المذهل بنسبة 43٪ في عام 2023 وتتضاعف القيمة السوقية للعديد من الأسهم في عامين فحسب.
ويثير موضوع الشركات السبع الكبيرة، وهي "ألفابت" و"آبل" و"تسلا" و"مايكروسوفت" و"إنفيديا" و"أمازون" و"ميتا" قلقًا كبيرًا، حيث إن سوق الأسهم الأمريكي ارتفع في عامي 2023 و2024 بنسبة 58%، وذلك باحتساب الأرباح التي تمت توزيعها، ولكن إذا تم حذف تأثير تلك الشركات فينخفض الارتفاع إلى 24% بما يؤشر إلى أن النسبة الأكبر من ارتفاع الأسهم مرتبطة بمجموعة من الشركات التي يعتبر كثيرون أن قيمتها مبالغ فيها لا سيما في ظل مكرر أرباح قياسي لغالبيتها.
كما أن نسبة يصعب تحديدها من النسبة الباقية لنمو السوق الأمريكي -أي الـ24% خارج الشركات الكبرى- مرتبطة بشكل أو بآخر بنمو الشركات التكنولوجية الكبرى، سواء من خلال تحفيز شراء الأسهم ككل في ظل موجة صاعدة، أو من خلال بعض الشركات التي ترتبط أنشطتها بشكل أو بآخر بتلك الشركات، وعلى رأسها شركات الاتصالات والشحن وغيرهما.
إشارات متعارضة
في تقرير صادر عن "يو بي إس" نهاية ديسمبر 2024 قدم البنك إشارات متعارضة، حيث نوه بأن السوق الأمريكي قد يرتفع 15-20% قبل أن تتكشف الفقاعة الحالية، ولكنه أشار إلى أن ما يدعم احتمال تفجر الفقاعة الحالية في أي وقت هو حقيقة سيادة المنطق الذي يقول بـ"إن الأمر مختلف هذه المرة" وهو نفس المنطق الذي طغى في كل مرة حدثت فيها فقاعة أسهم أو فقاعة أصول بشكل عام.
ويشير البنك في تقريره إلى أن منطق "اختلاف الوضع هذه المرة" كان سائدًا قبل انفجار فقاعات سابقة بما في ذلك أسهم "نيفتي "50 في السبعينيات، وفي اليابان في أواخر الثمانينيات، وفقاعة دوت كوم، مضيفًا في تقريره الهام أن "المشكلة في نظرية الفقاعة هي أنه عندما تنفجر الفقاعة، قد تصل خسائر المستثمرين إلى 80% من أموالهم" لا سيما هؤلاء الذين لا يدركون أن الفقاعة انفجرت سريعًا مع حيازتهم لأسهم "شعبوية".
والشاهد أن التوقعات المتفائلة، التي ترتفع بمؤشر "ستاندرد آند بورز 500" من مستويات 6000 نقطة إلى مستويات تصل في بعضها إلى 6500 نقطة أو حتى 7000 نقطة بنهاية العام الحالي، قد تكون صحيحة، نظرًا لصدورها من مؤسسات راسخة وكبيرة، ولكنها في الوقت نفسه قد تكون محرضًا على المزيد من التضخيم للأصول بما يجعل تكشف فقاعة الأصول أكثر حدة لاحقًا.
ويدفع البعض بأن الفقاعة أو السوق التصحيحية في السوق الأمريكية مؤجلة في المرحلة الحالية، ففي ظل معاناة الاقتصادات الأوروبية والآسيوية الرئيسية في المرحلة الحالية فإن استمرار تدفق الاستثمارات على السوق الأمريكية يبقى مرجحًا في الفترة المقبلة، لا سيما مع تأثيرات الحرب الروسية- الأوكرانية السلبية على اقتصادات دول اليورو وفي مقدمتها الاقتصاد الألماني.
بافت وسلع الرفاهية
ولعل من أهم الإشارات على أن السوق الأمريكي قد يشهد سوقًا تصحيحية قريبة أن واحدا من أهم الخبراء وأنجحهم على مدار السنوات الستين الأخيرة، "وارين بافت"، تخلص العديد من أسهمه، خصوصاً في الشركات الكبرى وعلى رأسها "آبل"، لحساب تكوين أكبر احتياطي في تاريخه من "الكاش" تقدره بعض المصادر بـ350 مليار دولار، مما يؤكد توقعه لهبوط في السوق يستدعي وجود احتياطيات مالية كبيرة تمكنه من دخول السوق في أي وقت واستغلال الفرص المتاحة.
كما أنه كثيرًا ما يشير الخبراء إلى مبيعات سلع الرفاهية بوصفها أحد أهم المعايير التي تؤشر لاحتمال تباطؤ الاقتصاد وظهور فقاعات أصول، لأنها تشير إلى نزوع الفئات الأغنى إلى خفض إنفاقها، وهو ما عانت منه مجموعة "إل في إم إتش" التي انخفضت أسهمها بنسبة 14% تقريبًا في الأشهر الستة الأخيرة من عام 2024 بسبب تباطؤ المبيعات الكبير بما شكل علامة تحذير لافتة أيضًا.
وعلى الرغم من هذه المؤشرات، يشير "إد يارديني" وهو رئيس مجموعة لاستشارات الاستثمارات تحمل اسمه إلى أنه لا يرى داعيًا للهلع في الوقت الحالي، مستبعدًا ظهور سوق للدببة في الولايات المتحدة، حيث يرى أن انخفاض السوق لن يتعدى 10-15% ولن يصل إلى 20%، معتبرًا أن هذا الانخفاض التصحيحي قد يكون "صحيًا" للسوق لأنه سيسمح بتوجيه الأموال من الأسهم المبالغ في تقييمها إلى تلك المقدرة بأقل من قيمتها.
ويبدو من كل ما سبق أن سوقًا تصحيحية للأسهم الأمريكية أصبحت محتملة بدرجة كبيرة في ظل الصعود المتواصل غير المتناسب للسوق، بما جعل هذه المرحلة هي الأعلى نموًا منذ ما يعرف بـ"عقد كلينتون" في التسعينات، ولكن تظهر إشارات متعارضة حول "موعد" هذا السوق التصحيحي، فبينما يقول الكثير من المؤسسات المالية إن السوق التصحيحية تبدو "مؤجلة" فإن تصرفات الكثير من كبار المتداولين تشير إلى أنها قد تكون قريبة.
المصادر: أرقام- سي إن إن- فاينانشيال تايمز- نيويورك تايمز- الإيكونوميست
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}