نبض أرقام
09:19 م
توقيت مكة المكرمة

2025/01/18

ستاربكس تلجأ لخفض الوظائف
اقتصاد الشرق
06:07

2025/01/17

رحلة في فكرة .. ماذا بقي من رأسمالية آدم سميث في يومنا الحاضر؟

07:28 ص (بتوقيت مكة) أرقام

- في خضمّ التحولات الكبرى التي يشهدها العالم اليوم، يبدو أن النظام الرأسمالي، بوصفه نظامًا اقتصاديًا عالميًا، قد بلغ مفترق طرق حاسمًا.

 

- ثمة إجماع متزايد، يتقاطع فيه اليسار واليمين، على أن الرأسمالية لم تعد تؤدي وظيفتها على النحو الأمثل.

 

- فمن جهة، يدعو التيار اليساري إلى إعادة إحياء مبادئ الاشتراكية الديمقراطية، بينما يشهد التيار اليميني، الذي لطالما دافع عن النظام الرأسمالي، تناميًا للشكوك حول جدوى التجارة الحرة.

 

- ومع تفاقم الفجوة الاقتصادية والاجتماعية، أصبح التغيير ضرورة مُلحة لا مفر منها، بغض النظر عن التوجه السياسي الذي سيسود في المستقبل.

 

- وسط هذه التحديات، تبرز أهمية إعادة قراءة أفكار آدم سميث، الأب المؤسس للرأسمالية، كدليل لاستشراف المستقبل الاقتصادي والسياسي.

 

- إذ إن أفكار سميث لا تقتصر على الدفاع عن الأسواق الحرة، بل تتجاوز ذلك لتقدم تصورًا أخلاقيًا واجتماعيًا يجعلنا نعيد التفكير في أهدافنا الاقتصادية الأساسية.

 

سميث بين "اليد الخفية" والفقر

 

 

- لطالما ارتبط اسم آدم سميث بمفهوم "اليد الخفية"، التي تُستخدم لتبرير العديد من الترتيبات الاقتصادية. غير أن فهم سميث الحقيقي لهذه الاستعارة يكشف عن منظور مختلف تمامًا.

 

للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام

 

- ففي كتابه "نظرية المشاعر الأخلاقية" (1759)، يشرح سميث كيف أن تصرفات الأغنياء بدافع الأنانية قد تؤدي بشكل غير مباشر إلى تحسين حياة الفقراء، إذ يُعاد توزيع السلع الضرورية بفضل التفاعلات الاقتصادية.

 

- لم يكن سميث غافلًا عن التفاوت الاقتصادي، ولكنه ركز على تأثير الأسواق في تخفيف حدة الفقر.

 

- اعتبر سميث أن نجاح المجتمعات التجارية يقاس بقدرتها على تحسين مستوى المعيشة لطبقاتها الأكثر ضعفًا، وليس فقط بتراكم الثروة لدى الأغنياء.

 

- يقدم هذا التركيز على مكافحة الفقر بدلاً من تقليص الفجوة بين الطبقات منظورًا جديدًا يمكن أن يساعدنا في معالجة التحديات الاقتصادية اليوم.

 

"ثروة الأمم": قراءة أخلاقية للاقتصاد

 

- في كتابه الشهير "ثروة الأمم"، يضع سميث الأساس لرؤية تجمع بين الأخلاق والاقتصاد. فهو يرى أن ازدهار الأمم ليس فقط في زيادة الإنتاجية أو الثروة الإجمالية، بل في قدرتها على تحسين حياة الأفراد الأكثر احتياجًا.

 

- ويُظهر الكتاب كيف يمكن أن تعمل الأسواق الحرة كأداة لتحقيق العدالة الاجتماعية، مما يجعل فهم سميث للجوانب الأخلاقية للأسواق الحرة وثيق الصلة بالانقسامات السياسية والاقتصادية الراهنة.

 

آدم سميث: الفلسفة الأخلاقية في مجتمع السوق

 

 

- بالرغم من أن سميث دافع عن مجتمع السوق، إلا أنه لم يغب عن وعيه ما يترتب على هذا النظام من عواقب سلبية.

 

- إن قراءته للجانب المظلم لهذا النظام كانت ثاقبة لدرجة أن ملاحظاته قد تجعل البعض يظن أنها كلمات كارل ماركس أو جان جاك روسو، لا مؤسس الرأسمالية.

 

- تتمحور انتقادات سميث للمجتمع التجاري حول مفهوم "الفساد"، الذي اعتقد أنه يشكل عنصرًا ضروريًا للثروة في المجتمعات المتقدمة.

 

- فقد تناول هذا الموضوع في كتابيه نظرية المشاعر الأخلاقية وثروة الأمم، موضحًا أن سعي الإنسان وراء الثراء لا يتوقف عند الرغبة في المال ذاته، بل يمتد إلى الرغبة في المكانة الاجتماعية التي يمنحها المال.

 

- يقول سميث إن الإنسان في سعيه لتحسين وضعه ليس مدفوعًا فقط بالاحتياج المادي، بل أيضًا بالحاجة إلى "الملاحظة والاهتمام والقبول الاجتماعي"، وهي الدوافع التي تغذي طموحاته.

 

- إلا أن سميث حذر من أن هذا البحث المستمر عن المكانة يؤدي إلى تكلفة باهظة، سواء على الصعيد الجسدي أو النفسي أو الاجتماعي.

 

- فهو يُظهر لنا صورًا لأشخاص أصبحوا مهووسين بالمال والمكانة لدرجة أنهم نسوا السبب الأصلي لرغبتهم في تحقيق الثروة.

 

- ويضيف سميث أن هذه التكاليف لا تقتصر على الفرد فحسب، بل تمتد لتشمل المجتمع ككل.

 

وتتمثل إحدى جوانب هذه التكلفة في الطريقة التي يتجاهل بها الأثرياء والمُرفَّهين باقي أفراد المجتمع، بل ويُصبحون متعاليين على الفقراء والمساكين.

 

- ويُسهم هذا الميل إلى تبجيل الأغنياء والنخب، مع احتقار أو تجاهل للطبقات الفقيرة، في إفساد المشاعر الأخلاقية في المجتمع، ويُعزز الفساد الاجتماعي ويقوي التفاوت الطبقي.

 

- لا يقتصر سميث هنا على تقديم رؤية فلسفية لمجتمع السوق، بل يُنبهنا أيضًا إلى ضرورة فحص تكاليف هذا النظام العميقة على الصعيدين الأخلاقي والاجتماعي.

 

- هذا يبرز السبب الثاني لأهمية قراءة أفكار سميث اليوم، إذ يعرض بوضوح فوائد المجتمع التجاري المادية وتداعياته الأخلاقية.

 

- ولا يقدم سميث فقط تقييمًا فكريًا متوازنًا للنظام التجاري، بل يساعدنا أيضًا على تحديد العيوب المزمنة في المجتمعات التجارية، والتي يجب أن يهدف أي إصلاح اقتصادي إلى معالجتها.

 

- ومن هنا، ننتقل إلى السبب الثالث الذي يجعل أفكار سميث تظل ذات قيمة في عصرنا. حتى الآن، عرضنا سميث وكأنه يقدم توازنًا بسيطًا بين الثراء المادي من جهة والفساد الأخلاقي من جهة أخرى.

 

- وإذا توقفنا عند هذه النقطة، قد يعتقد البعض أننا أمام مقايضة بين الفضيلة والرخاء. لكن سميث نفسه لم يرَ أن المجتمع محكوم بهذا الاختيار المأساوي بين هذا وذاك.

 

- الحقيقة أن جزءًا كبيرًا من أعماله الفلسفية كان يهدف إلى إظهار كيفية استعادة الفضيلة في مجتمعات السوق الحديثة، حتى في خضم الازدهار المادي.

 

- وهنا، تصبح القصة أكثر إثارة للاهتمام؛ ففي أواخر حياته، عاد سميث إلى كتابه الأول نظرية المشاعر الأخلاقية، وراجع محتواه وأضاف إليه قسمًا كبيرًا عن الفضيلة.

 

- وهذا مهم لعدة أسباب، خصوصًا لأنه جاء بعد أن كتب ثروة الأمم وأجرى تأملات عميقة حول الفضيلة والفساد في المجتمعات التجارية. ومن ثم، ينبغي لنا أن نقرأ فكر سميث حول الفضيلة كجزء لا يتجزأ من اقتصاده.

 

- على الرغم من أن الفلاسفة القدماء مثل أفلاطون وأرسطو قد تناولوا الفضيلة والحياة الطيبة، فإن سميث يقدم لنا نظرية في الفضيلة مصممة خصيصًا لمساعدتنا على التعامل مع التحديات الفريدة التي تواجهنا في العالم التجاري الحديث الذي نعيش فيه اليوم.

 

ما الذي يمكن أن نتعلمه من سميث؟

 

 

- في النهاية، يقدم آدم سميث أكثر من مجرد تحليل اقتصادي؛ إنه يدعو إلى مراجعة شاملة للقيم التي تحكم المجتمعات التجارية.

 

- فبدلاً من التنافس المحموم على الثروة والمكانة، يدعونا سميث إلى تبني نموذج أخلاقي يُوازن بين السعي لتحقيق الازدهار المادي والالتزام بتحقيق العدالة الاجتماعية والرفاه الإنساني.

 

- إن العودة إلى رؤية سميث ليست مجرد استرجاع لأفكار تاريخية، بل هي إعادة تقييم عميقة لماهية الرأسمالية وكيفية إصلاحها لتصبح أكثر إنسانية وعدلاً.

 

- وبينما نستعد لمواجهة تحديات اقتصادية وسياسية جديدة، فإن الحكمة التي تركها لنا آدم سميث قد تكون الدليل الذي نحتاجه للتوجه نحو مستقبل أكثر إشراقاً.

 

المصدر: مجلة الفلاسفة

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.