قبل عشرة أيام، خرج الممثل الأمريكي الشهير "ميل جيبسون" ليحكي لنا قصة تعافي ثلاثة من أصدقائه في مراحل متأخرة من مرض السرطان بعد تناولهم أدوية مضادة للطفيليات، وهي أدوية منخفضة الثمن ولا تُقارن بأسعار علاجات السرطان.
وأطلق "جيبسون" تلك التصريحات عبر لقاء أجراه في الثاني عشر من يناير الجاري، ما أثار التساؤلات حول مصداقية تسعير الأدوية الحديثة لعلاج السرطان، ومدى جشع شركات الأدوية في هذا المجال لتحقيق أرباح ضخمة.
في المقابل شككت العديد من الجهات المعنية بعلاج مرضى السرطان في التصريحات الأخيرة للممثل المشهور، محذرة من أن مثل تلك الادعاءات تتسبب في تضليل المرضى وتمنحهم آمالًا كاذبة.
للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام
تفاصيل القصة
في حوار أجراه في بودكاست خاص بالممثل الكوميدي "جو روجان"، زعم "جيبسون" خلال المقابلة أن ثلاثة من أصدقائه كانوا يعانون السرطان في مرحلة متأخرة قد تعافوا بعد تناولهم أدوية مضادة للطفيليات.
وردًا على سؤال روجان، هل هو عقار "الإيفرمكتين؟" أومأ جيبسون برأسه وأضاف اسم عقار "الفينبيندازول"، وعقب روجان بقوله إن "الأدوية التي تشفيك (مثل الإيفرمكتين والفينبيندازول) لا يتم الترويج لها لأنها غير مربحة"، في إشارة إلى كونها منخفضة الثمن.
ومع الجماهيرية الكبيرة التي يحظى بها بودكاست "روجان"، انتشرت تلك التصريحات مثل النار في الهشيم ما أثار جدلًا واسعًا بشأن إمكانية خداع شركات الأدوية لمرضى السرطان من أجل الحصول على مزيد من الأموال بعد هذا الادعاء.
وانتشرت مقتطفات من المقابلة التي تحتوي الادعاء بأن عقاري الإيفرمكتين والفينبندازول يعالجان السرطان على نطاق واسع على وسائل التواصل الاجتماعي، وحصدت ملايين المشاهدات على فيسبوك، وتيك توك، وإكس وغيرها من وسائل التواصل.
ادعاء جيبسون بإمكانية أن يسهم عقار الفينبندازول في علاج السرطان لم يكن الأول من نوعه، إذ بدأت تلك المزاعم منذ عام 2019.
واكتسب عقار الإيفرمكتين شهرة عامة كبيرة خلال جائحة كوفيد-19 بعد أن روجت له بعض المجموعات زوراً على أنه علاج لكوفيد-19.
في المقابل قامت العديد من الجهات المعنية بعلاج السرطان بالرد على المزاعم التي جرت خلال مقابلة "جيبسون".
واتهمت جمعية السرطان الكندية في حسابها على منصة إكس الممثل الأمريكي بأنه روج "لأدوية لم تثبت علميًا أنها علاجات للسرطان"، وأضافت أن المعلومات المضللة حول علاج السرطان خطيرة وقاسية وغير مسؤولة وتمنح أملاً كاذباً للمصابين بالمرض وأحبائهم.
وحذرت الجمعية من أن استخدام علاج بديل يمكن أن يكون له آثار صحية خطيرة، مثل انتشار السرطان أو تفاقمه.
هل أدوية الطفيليات تعالج السرطان؟
يشير موقع ساينس فيدبادك إلى أنه لا يوجد دليل علمي يدعم قدرة الإيفرمكتين أو فينبيندازول على علاج السرطان.
ورغم أن كلا العقارين أظهر تأثيرات واعدة في هذا الشأن خلال التجارب المعملية، فإن النتائج لم تثبت حتى الآن أنهما آمنان وفعالان لعلاج السرطان لدى البشر، لذا فإن البحث حول استخدامهما المحتمل كعلاج للسرطان لا يزال مستمرًا.
وأدرجت منظمة الصحة العالمية عقار الإيفرمكتين في قائمة الأدوية الأساسية لفعاليته ضد العديد من الأمراض الطفيلية لدى البشر، بما في ذلك عمى النهر، وداء الأسطوانيات، والديدان الخطافية، وأمراض أخرى تسببها الديدان الطفيلية المنقولة عبر التربة، وكعلاج الجرب أيضًا.
ويعطل الإيفرمكتين الأداء الطبيعي للجهازين العضلي والعصبي للطفيليات، ما يتسبب في شللها وموتها، ووجد الباحثون أن الإيفرمكتين يمكن أن يعطل أيضًا مسارات الإشارات التي تشارك في تكاثر العديد من أنواع الخلايا السرطانية المزروعة في المختبر.
وعند تجربته على الفئران، عزز الإيفرمكتين فعالية أدوية العلاج الكيميائي والعلاج المناعي ضد سرطان المبيض والثدي.
بناءً على هذه النتائج، بدأت التجارب السريرية على البشر لتقييم ما إذا كانت تأثيرات الإيفرمكتين المضادة للسرطان صحيحة لدى البشر.
وفي عام 2023، بدأ الباحثون في مركز "سيتي أوف هوب" لعلاج السرطان تجربة سريرية لاختبار سلامة وفعالية الإيفرمكتين جنبًا إلى جنب مع عقار العلاج المناعي "بالستيليماب" في تقليل نمو الورم وانتشاره لدى الأشخاص المصابين بسرطان الثدي العدواني.
ولم تعلن نتائج التجربة بعد، ولا يزال الباحثون في انتظار النتائج النهائية التي ستسفر عن تلك التجربة.
أما فينبيندازول فهو مبيد ديدان واسع الطيف يستخدم في الحيوانات، بما في ذلك الكلاب والقطط والخيول والماشية.
وعلى عكس الإيفرمكتين، لم توافق الجهات المعنية على الاستخدام البشري لفينبيندازول سواء إدارة الغذاء والدواء الأمريكية أو وكالة الأدوية الأوروبية.
وتختلف آلية عمل فينبيندازول عن آلية عمل الإيفرمكتين، إذ يتداخل الأول مع تكوين الأنابيب الدقيقة، وهو أحد المكونات الضرورية لنشاط ونمو خلايا الطفيليات، ومن خلال تعطيل الأنابيب الدقيقة، يعيق فينبيندازول نموها ما يتسبب في وفاتها.
وفي حالة الإصابة بالسرطان، تنقسم الخلايا السرطانية بسرعة أكبر بكثير من الخلايا السليمة، لذلك فهي أيضًا تعتمد بشكل أكبر على تكوين أنابيب دقيقة جديدة، وقد يسهم عقار فينبيندازول في التأثير على تكونها.
وأظهرت دراسة أجريت عام 2018 ونشرت في مجلة ساينتفك روبورتس أن عقار فينبيندازول يعزز موت الخلايا السرطانية، ويقلل من نمو الورم في الخلايا المزروعة في المختبر وفي الفئران.
وتعد التجارب المعملية خطوة أولى أساسية في البحث عن علاجات جديدة، ولكن البشر أكثر تعقيدًا بكثير من الخلايا التي تُزرع في المختبرات، كما أن طريقة عمل أجسامنا تختلف عن أجسام الحيوانات الشائعة التي تُجرى التجارب عليها مثل القوارض.
ونتيجة لهذه الاختلافات، فإن الأدوية التي تظهر نتائج واعدة في الخلايا والنماذج الحيوانية غالبًا لا تعمل مع البشر، ووجدت دراسة أجريت عام 2024 ونشرت في مجلة بيلوس بيولوجي أن 5% فقط من العلاجات الجديدة التي تم اختبارها على الحيوانات تحصل على موافقة تنظيمية للاستخدام البشري.
أرباح شركات الأدوية من علاجات السرطان
ورغم الجدل الذي أثاره حوار جيبسون حول دور الأدوية المضادة للطفيليات في الشفاء من السرطان، إلا أن هناك نقطة رئيسية أشار إليها وهي الثمن الباهظ للعلاجات المخصصة لهذا المرض.
ويشير موقع مؤسسة بابليك آي السويسرية إلى أن شركات الأدوية الكبرى تجني أرباحاً قد تصل إلى 90% من مبيعات علاجات السرطان الباهظة الثمن، وهي نسبة ضخمة.
وأوضح أن ارتفاع أسعار الأدوية المستمر يساهم بشكل كبير في ارتفاع تكاليف الرعاية الصحية بشكل كبير.
الأدوية التي تحقق أكبر قدر من المبيعات لشركات الأدوية حول العالم |
||||
أنواع الأدوية |
|
مبيعات 2021 (بالمليار دولار) |
|
توقعات مبيعات 2026 |
الأورام |
|
176 |
|
320.6 |
مثبطات المناعة |
|
38.1 |
|
77 |
مرض السكر |
|
55.7 |
|
68.4 |
اللقاحات |
|
88.6 |
|
55.1 |
الروماتيزم |
|
55.3 |
|
46.3 |
مضادات الفيروسات |
|
40.2 |
|
43.6 |
الأمراض الجلدية |
|
16.6 |
|
30.6 |
وتُظهِر تقديرات مؤسسة بابليك آي تجاه ستة أنواع من أدوية السرطان أن تكاليف البحث والتطوير لا تبرر الأسعار الباهظة لهذه العلاجات، مطالبةً بالتصرف على وجه السرعة للحد من جشع شركات الأدوية.
وقدرت المؤسسة تكاليف البحث والتطوير مقابل هامش الربح لتلك الأدوية بنسب تتراوح بين 40 و90%، وهي منتجة من قبل شركات نوفارتيس، وروتش، وجونسون آند جونسون، وبريستول مايرز سكويب، وإم إس دي ميرك، وشارب آند دوم.
وحذرت المؤسسة من أن الارتفاع المستمر للأسعار يعني أن ملايين الأشخاص يفتقرون إلى القدرة على الوصول للأدوية، وهو ما يعرض الحق في الصحة للخطر.
ونوهت إلى أن الاحتكارات القائمة على براءات الاختراع، تمنح شركات الأدوية قوة تسعير تُمكنها من فرض أسعار باهظة.
كما تشير بعض الدراسات إلى أنه بين عامي 2010 و2019، ارتفعت الإيرادات السنوية من أدوية الأورام لدى الشركات الكبرى بنسبة 70%، حيث زادت من 55.8 مليار دولار إلى 95.1 مليار دولار خلال تلك الفترة.
في المقابل، شهدت إيرادات الأدوية غير المرتبطة بالسرطان انخفاضًا بنسبة 18%، متراجعةً من 342.2 مليار دولار إلى 281.5 مليار دولار، وأدى ذلك إلى ارتفاع نسبة علاجات السرطان من إجمالي إيرادات الأدوية من 14% إلى 25% خلال تلك السنوات.
ويصل متوسط السعر السنوي لأدوية السرطان إلى حوالي 196 ألف دولار لكل مريض، حيث تتجاوز بعض أنواع العلاجات 100 ألف دولار للمريض سنويًا.
هذه الأسعار المرتفعة، إلى جانب زيادة حالات الإصابة بالسرطان، عززت الأداء المالي لشركات الأدوية.
وعلى سبيل المثال، فإن دواء مثل "كيترودا" الذي تصنعه شركة ميرك يُعتبر مثالًا على مدى ربحية أدوية السرطان، إذ حقق في عام 2022 مبيعات تعادل تقريبًا إيرادات شركة ماكدونالدز السنوية، وهو أمر متكرر مع باقي شركات الأدوية الكبرى.
إن لجوء بعض المرضى إلى أدوية مثل الإيفرمكتين والفينبندازول كعلاج للسرطان، رغم عدم إثبات فعاليتها، يسلط الضوء على الأعباء الكبيرة التي تفرضها التكلفة المرتفعة لعلاجات السرطان على المرضى ونظم الرعاية الصحية.
لذلك، ينبغي على الهيئات الصحية العالمية تعزيز الشفافية في تسعير الأدوية وتشجيع الابتكار من خلال دعم الأبحاث المستقلة، لضمان أن تكون علاجات السرطان في متناول الجميع، ما يحقق توازنًا عادلًا بين الربح والحق في الصحة.
المصادر: أرقام- ساينس فيدباك- ساينتفك روبورتس- بابليك آي- بابميد- هيلب كوميتيه- ستاتيستا
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}