أصبحت المنظمات والهيئات الأممية تعرف الدور المحوري للمملكة العربية السعودية في تحقيق السلام والازدهار للعالم بعد أن أثبتت التجارب والممارسة الفعلية على أرض الواقع أنها تسعى لما فيه خير ونماء كل الشعوب؛ خصوصاً في الدول الأقل حظاً أياً كانت تسميتها أو تصنيفها.
ويلحظ المتتبع أن هناك المزيد من العمل المشترك والثقة في المملكة، التي نجحت في وضع معاييرها الخاصة، ومن هذه المنظمات صندوق النقد الدولي الذي يزداد اعتماده على المملكة لتشخيص وحل مشاكل الدول النامية خصوصاً في المجالين المالي والاقتصادي.
ولعل اختيار الصندوق للمملكة لتكون المستضيف السنوي الدائم لمؤتمر العلا لاقتصادات الأسواق الناشئة، والذي ستقام دورته الأولى في العلا هذا الشهر يؤكد هذا الاتجاه عملياً حيث يطمح الصندوق أن تكون هذه الشراكة أحد مكونات العمل المشترك بينه وبين بلادنا.
دور بارز في المنظمات الأممية والمالية والاقتصادية
تلتزم المملكة بتعزيز علاقاتها الدولية مع دول العالم والمنظمات الدولية، وزيادة تواجدها العملي ومشاركتها الفعّالة في عدد من المنظمات الدولية في كل المجالات وخصوصاً في المجالات الاقتصادية والمالية والبيئية والثقافية لضمان تحقيق الأهداف المشتركة وتحقيق التنمية المستدامة.
ويتجاوز دور المملكة المتمثل في تأسيس المنظمات الدولية الدور التأسيسي إلى دعم المواثيق والأنظمة التأسيسية لتلك المنظمات مادياً ومعنوياً مع المساهمة في تطوير الأنشطة المتعددة؛ إيماناً وتقديراً من المملكة بدورها الرائد في جميع المحافل الدولية.
المملكة عضو مؤسس وفعّال وتقوم بدور قيادي إقليمياً من خلال مجلس التعاون الخليجي، وجامعة الدول العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي، وقد بذلت الكثير من الجهد والمال في خدمة هذه المنظمات وضمان استمرارها وتحقيق أهدافها.
وعلى النطاق العالمي، انضمت المملكة إلى منظمة التجارة العالمية منذ فترة طويلة، وهي اليوم من أهم أعضاء مجموعة العشرين التي تأسست عام 1999م استجابة للأزمات المالية العالمية في أواخر تسعينات القرن الماضي بهدف عقد مناقشات رفيعة المستوى عن القضايا الاقتصادية والمالية لتحقيق الاستقرار المالي والاقتصادي الدولي ولإيجاد الحلول للظروف الاقتصادية العالمية، وفي عام 2008، رُفع مستوى المجموعة لتضم قادة الدول الأعضاء، ونتيجة لذلك، وُسِّع جدول أعمال مجموعة العشرين ليتجاوز القضايا الاقتصادية والمالية ويشمل القضايا الاجتماعية والاقتصادية والتنموية.
ومعلوم أن الدول الأعضاء لمجموعة العشرين مجتمعة تشكل حوالي 85% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وتضم ثلثي سكان العالم و75% من حجم التجارة العالمية.
المملكة أيضاً عضو في مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) المنبثق عن الأمانة العامة للأمم المتحدة ويُعنى بالتعامل مع قضايا التجارة والاستثمار والتنمية الدولية، ويسعى إلى مساعدة الدول النامية على الاندماج في الاقتصاد العالمي، من خلال تطوير السياسات وتحسين مناخ الاستثمار، وتشجيع الحوار بين مختلف الأطراف المعنية، إضافة إلى عضويتها في مركز التجارة الدولي الذي أسس عام 1964م ويعد وكالة التنمية الوحيدة المعنية بالكامل لدعم تدويل الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم وتمكينها في الاقتصادات النامية من أن تصبح أكثر قدرة على المنافسة وربطها بالأسواق التجارية والاستثمارية الدولية، وبالتالي تعزيز الفرص لزيادة الدخل وخلق فرص العمل، لا سيما للمرأة والشباب.
ولعل دورها البارز والفعّال في البنك الدولي وصندوق النقد الدولي يؤكد الدور الذي تؤديه من خلال وزارة المالية في تمثيل المملكة في عدد من المنظمات والمؤسسات المالية الإقليمية والدولية، والتي نجحت من خلال سياساتها الناجحة واقتراحاتها العملية ومعاييرها الخاصة في تعزيز حضورنا الدولي الفعّال ومشاركتنا في السعي نحو ازدهار العالم ومحاولة تحقيق التنمية المستدامة للجميع.
التجربة السعودية الملهمة
يرى كثير من المحللين والمراقبين أن أحد ملامح نجاح التجربة التنموية في المملكة وقطعها شوطاً كبيراً في الاستدامة هو أنها تعمل لوضع المعايير وليس اتباعها، وهي من خلال مشاركاتها الدولية ترفع سقف هذه المعايير لأن لديها أهدافًا عالية جدًا وتعمل مع الكثير من الدول لتقديم مبادرات في المجال البيئي منها مثلا: تصميم المدن وتحويل الهيدروجين الأخضر والأزرق والطاقة النظيفة وطاقة الرياح لصالح البيئة.
وعبر رؤيتها وبرامج التحول والتنويع الاقتصادي والابتكار والاقتراب من تحقيق الاستدامة، قدمت المملكة للمنطقة والعالم مثالاً يريد الكثيرون أن يستفيدوا منه ويستلهموا مما تحقق في المملكة من أهداف ومنجزات جديدة تحسن أوضاعهم الاقتصادية وتسير بهم نحو مزيد من الشراكات والـتأثير في مشهد الاقتصاد العالمي الذي يعرف الكبار فيه بما فيهم المملكة أن التعافي وديمومة الاستقرار لن تتحقق بالشكل المطلوب إلا بتعاون الجميع ومساعدة من يحتاج المساعدة على النهوض باقتصاده وتنميته.
وتحث المملكة التي لديها أكبر البرامج الاقتصادية دول العالم على مجابهة التحديات العالمية لتحقيق التطور الاقتصادي ولتشجيع الاستثمارات، وبذل الجهود لمساعدة الدول النامية على النهوض باقتصاداتها وشعوبها عبر سياسات فعّالة تحقق الأهداف على المديين المتوسط والطويل.
اختيار المملكة لتمثيل صندوق النقد في المنطقة
من هذه المنطلقات ومعها كثير من الأسباب اختار صندوق النقد الدولي أن يكون مكتبه الإقليمي في الرياض ليصبح أول مكتب للصندوق في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
هذا الاختيار يشير إلى الاعتراف بالدور المتنامي للمملكة في المنطقة وفي الاقتصاد العالمي، ويعكس الثقة في القدرة الاقتصادية والمالية للمملكة التي يعرف العالم أنها اليوم من أكثر الدول نجاحاً في تعزيز التواصل والتعاون في الهيئات والمنظمات الدولية خاصة عندما يتعلق الأمر بدول المنطقة.
المكتب الذي دُشن العام الماضي 2024 سيعمل على بناء القدرات، والرقابة الإقليمية، ومد الجسور لدعم الاستقرار والنمو والتكامل الإقليمي لتعزيز الشراكة مع البلدان في الشرق الأوسط وخارجه، وسيعظم من الأثر الإيجابي على مناخ الاستثمار في المنطقة بشكل عام.
الأهداف التي يسعى لها الصندوق وتدعمها المملكة هي تعزيز السياسات الاقتصادية والمالية لدول المنطقة، وتقديم النصح والتوجيه فيما يتعلق بالسياسات الاقتصادية والإصلاحات الهيكلية، وتوفير التوجيه والدعم الفني لتعزيز إدارة المالية العامة وتحسين إطار السياسة النقدية والمالية والإصلاحات الهيكلية، والمتأمل في كل هذه الأهداف يجد أن المملكة من خلال قطعها شوطاً لافتاً في مسيرة رؤية السعودية 2030 فقد حققت كثيراً من هذه الأهداف ورفعت سقف طموحاتها وأعلنت أكثر من مرة أنها تود النجاح والاستقرار لكل دول المنطقة لأن في ذلك تحقيق مصالح الجميع المشتركة إيماناً منها أن كل تطور يحدث في أي بلد يستغل ميزاته النسبية سينعكس إيجاباً على المنطقة.
الرخاء والازدهار للإنسان في كل مكان
إضافة إلى جهودها الخاصة والفردية في تحسين أوضاع العالم تحرص المملكة على التعاون ضمن الأطر الدولية الرسمية لتحقيق أهداف الرخاء والازدهار للإنسان في كل مكان، وستسعى في مؤتمر العلا لاقتصادات الأسواق الناشئة إلى تقديم نموذجها التنموي -إن صحت العبارة- الذي مثلته الرؤية وحققته برامج التحول التي ارتكزت على تنويع الأسس الاقتصادية للمملكة، بعيداً عن النفط، والتوسع في مجالات تنموية وإنتاجية أخرى خاصة في المجالات التكنولوجية والرقمية. وهي عملية شبهها البعض بـ"إعادة بناء الدولة والمجتمع السعودي على أسس غير تقليدية للمرة الأولى منذ نحو قرن".
هذا النموذج التنموي تقدمه المملكة للجميع وتثبت يوما بعد يوم أن سعيها ليكون لها دور عالمي أكثر تأثيراً هدفه الأساس أن تنهض الشعوب بأنفسها وتستفيد من مقدراتها وتشارك بدور أكبر في نمو الاقتصاد العالمي على أسس بيئية واجتماعية وحوكمة تحقق التنمية المستدامة وتسهم حتماً في السلام والاستقرار العالميين.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}