نبض أرقام
10:28 م
توقيت مكة المكرمة

2025/03/10
2025/03/09

الذكاء الاصطناعي في صناعة الأدوية .. هل يحقق طفرة المضادات الحيوية؟

2025/03/04 أرقام - خاص

لطالما شكّلت الأمراض المعدية تهديدًا جسيمًا للبشرية، حيث أودت بحياة الملايين قبل أن يتمكن الإنسان من اكتشاف المضادات الحيوية.

 

وفي العصور الوسطى، كان مجرد جرح بسيط قد يؤدي إلى عدوى قاتلة، لكن مع اكتشاف البنسلين عام 1928 بواسطة "ألكسندر فليمنج"، تغيرت مسيرة الطب بشكل جذري، حيث أصبحت المضادات الحيوية السلاح الأقوى في مواجهة العدوى البكتيرية.

 

 

وشكّل اكتشاف المضادات الحيوية طفرة في قطاع الأدوية، إذ أنقذ ملايين الأرواح وساهم في زيادة متوسط العمر المتوقع بمقدار 23 عامًا، وفقًا لموقع ساينس دايركت.

 

للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام

 

ووفقًا لبيانات منظمة الصحة العالمية، ارتفع متوسط عمر الإنسان المتوقع عالميًا ليتجاوز 70 عامًا خلال الأعوام الأخيرة.

 

ومع صعود الذكاء الاصطناعي، تتجه الأنظار اليوم إلى قدرته على إحداث تحول مماثل في صناعة الأدوية.

 

وبات الذكاء الاصطناعي أداة قوية تسرّع من عمليات اكتشاف الأدوية، وتحسّن دقة التجارب السريرية، وتخفض التكاليف المرتبطة بتطوير العقاقير الجديدة، بفضل التقدم الهائل في تقنيات التعلم العميق وتحليل البيانات الضخمة.

 

التوقعات بحدوث تحول جذري في صناعة الأدوية بفضل الذكاء الاصطناعي، دفعت بعض الدراسات إلى التنبؤ بارتفاع متوسط عمر الإنسان بمعدل يفوق الزيادة التي حققتها المضادات الحيوية، مع نهاية القرن الحالي.

 

ما المضادات الحيوية؟

 

المضادات الحيوية هي مواد كيميائية تُستخدم للقضاء على البكتيريا أو تثبيط نموها بطرق مختلفة، مثل استهداف جدران الخلايا البكتيرية، أو تثبيط تكاثرها، أو منعها من إنتاج البروتينات الأساسية للبقاء.

 

وتُستخدم المضادات الحيوية لعلاج العديد من الأمراض مثل الالتهاب الرئوي، والتهابات المسالك البولية، والتسمم الدموي، وغيرها.

 

وبعد اكتشاف البنسلين، طُورت مضادات حيوية أخرى على نحو سريع لتشمل فئات جديدة ذات نطاق أوسع وفعالية أعلى مثل الستربتوميسين (1943) والتتراسيكلين (1948) والإريثروميسين (1952).

 

وتشهد صناعة المضادات الحيوية استثمارات ضخمة، حيث تقدر قيمة السوق العالمية للمضادات الحيوية بحوالي 45 مليار دولار سنويًا بحسب تقرير صادر عن منظمة الصحة العالمية في 2023.

 

إسهامات المضادات الحيوية لم تقتصر على خفض معدلات الوفيات الناجمة عن الأمراض البكتيرية، بل تعدّ عنصرًا أساسيًا في العمليات الجراحية والعلاجات الحديثة، مثل زراعة الأعضاء والعلاج الكيميائي.

 

وبدون المضادات الحيوية، قد تعود العديد من الأمراض التي تم القضاء عليها سابقًا لتصبح تهديدًا عالميًا.

 

قصة صعود الذكاء الاصطناعي

 

نجح الذكاء الاصطناعي في أن يتحول من مجرد مفهوم نظري إلى قوة ثورية تُعيد تشكيل مختلف الصناعات، وتعزز الاقتصادات، وتؤثر بشكل متزايد على الحياة اليومية.

 

وقد شهد هذا المجال تطورات استثنائية، بدءًا من النماذج الحاسوبية الرمزية الأولى وصولًا إلى شبكات التعلم العميق المتطورة اليوم، مدفوعًا بزيادة هائلة في القدرة الحاسوبية والاعتماد المتزايد على البيانات الضخمة التي تُغذي تطوره المستمر.
 

 

وترجع جذور الذكاء الاصطناعي إلى خمسينيات القرن الماضي، حين وضع علماء مثل "آلان تورينج" الأسس الأولى لمفهوم الذكاء الآلي.

 

وفي عام 1956، شهد مؤتمر دارتموث، الذي تصدره "جون مكارثي" و"مارفن مينسكي"، الإعلان الرسمي عن الذكاء الاصطناعي كمجال دراسي مستقل.

 

وكانت النماذج الأولى منه تعتمد على القواعد المنطقية والرمزية، لكنها افتقرت إلى القدرة على التعلم أو التكيف، ما حدّ من إمكانياتها في ذلك الوقت.

 

وشهد الذكاء الاصطناعي عدة مراحل تطورية رئيسية مثل الأنظمة الخبيرة في فترة السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي حيث ظهرت تطبيقات مثل ميسين وديندرال والتي كانت متخصصة في مجالات الطب والكيمياء.

 

وفي التسعينيات من القرن الماضي انتقل الذكاء الاصطناعي إلى مرحلة التعلم الآلي القائم على قواعد التعليم الإحصائي ليكون أكثر قدرة على التكيف بفضل الخوارزميات.

 

أما الطفرة الأخيرة فبدأت في 2020 مع ظهور الذكاء الاصطناعي التوليدي والنماذج اللغوية الضخمة حيث مهدت نماذج مثل شات جي بي تي الذي أصدرته أوبن إيه آي، ونموذج بيرت من جوجل الطريق لإنشاء نصوص شبيهة بالبشر، وتوليد الصور، وحل المشكلات المعقدة.

 

وأحدث الذكاء الاصطناعي تغييرات جذرية في العديد من المجالات، وفي مقدمتها الرعاية الصحية.

 

وتمكن الذكاء الاصطناعي من إحداث ثورة في العديد من القطاعات من بينها العلاج الطبي عبر تطوير أدوات التشخيص المعتمدة على الذكاء الاصطناعي مثل استخدام الخوارزميات في تحليل صور الأشعة، والعمليات الجراحية بمساعدة الروبوتات.

 

دور الذكاء الاصطناعي في صناعة الأدوية

 

يُتوقع أن يُحدث الذكاء الاصطناعي ثورة في صناعة الأدوية، حيث يوفر إمكانات هائلة في عدة مجالات مثل اكتشاف وتطوير الأدوية.

 

ويُعتقد أن الذكاء الاصطناعي قادر على أن يسرّع عملية اكتشاف الأدوية بشكل كبير من خلال تحليل مجموعات بيانات ضخمة.

 

 

فعلى سبيل المثال، يمكن للذكاء الاصطناعي تحديد المرشحين المحتملين لاختبار الأدوية بشكل أكثر كفاءة من الطرق التقليدية، ما قد يقلل الوقت اللازم في مرحلة الاكتشاف قبل الانتقال إلى التجارب السريرية بنسبة تصل إلى 50%.

 

ومن المتوقع أن ينمو السوق العالمي للذكاء الاصطناعي في اكتشاف الأدوية من حوالي 1.5 مليار دولار حاليًا إلى حوالي 13 مليار دولار بحلول عام 2032، ما يعكس الاعتماد المتزايد على تقنيات الذكاء الاصطناعي في هذا المجال، بحسب موقع ستاتيستا.


كما تعزز الحلول المعتمدة على الذكاء الاصطناعي كفاءة التجارب السريرية من خلال تحسين المراقبة وتحليل البيانات، حيث من المتوقع أن يتجاوز حجم السوق العالمي للذكاء الاصطناعي في الأبحاث السريرية 7 مليارات دولار بحلول نهاية العقد.

 

ويمكن للذكاء الاصطناعي أن يلعب دورًا مهمًا في تحسين عمليات التصنيع وسلاسل التوريد، ما يساعد في تقليل تكاليف الإنتاج والمواد والتوريد.


أما في البحث والتطوير، فيُسهم الذكاء الاصطناعي ليس فقط من خلال زيادة الكفاءة، ولكن أيضًا عبر تطوير أدوية جديدة وابتكار أساليب جديدة للتفاعل مع الأسواق.

 

تأثيره المتوقع على طول العمر

 

تشير العديد من الدراسات إلى أن دمج الذكاء الاصطناعي في صناعة الأدوية سيؤثر بشكل كبير على صحة الإنسان ومتوسط العمر المتوقع.

 

وعلى الرغم من صعوبة التنبؤ بمتوسط عمر دقيق للإنسان في المستقبل، إلا أن التطورات المدفوعة بالذكاء الاصطناعي في اكتشاف الأدوية، والطب الشخصي، والكشف المبكر عن الأمراض تشير إلى زيادة ملحوظة في متوسط العمر المتوقع.

 

متوسطات عمر الإنسان عالمياً على مدار أكثر من قرن (بحسب البيانات المتاحة)

العام

متوسط عمر الإنسان

(بالسنة)

1900

32

1950

46.4

1960

47.8

1970

56.3

1980

60.5

1990

64

2000

66.4

2010

70.1

2020

71.9

2023

73.2


ومن بين الإسهامات المتوقعة للذكاء الاصطناعي في هذا الإطار، تحقيق إنجازات طبية في علاج أمراض مستعصية مثل بعض أنواع السرطان، وإتاحة تقنيات التحليل الجيني ما يساعد في علاج المرضى وفقًا لتلك البيانات وتوفير علاجات مخصصة لهم.
 

ويسهم هذا الإنجاز في تعزيز فعالية الأدوية وتقليل آثارها الجانبية، وبالتالي تحسين معدلات البقاء على قيد الحياة.

 

 

كما يساعد الذكاء الاصطناعي في دراسة آليات الشيخوخة، ما يمكّن العلماء من تطوير تدخلات لإبطاء الشيخوخة والوقاية من الأمراض المرتبطة بها.

 

وتشير الاتجاهات الحالية إلى أن التقدم الطبي المدفوع بالذكاء الاصطناعي قد يزيد متوسط العمر العالمي بمقدار من 5 إلى 10 سنوات بحلول عام 2050.

 

أما السيناريوهات الأكثر تفاؤلًا، فترى أنه مع التقدم في الطب التجديدي وأبحاث الشيخوخة المدعومة بالذكاء الاصطناعي، قد يصبح العيش لأكثر من 100 عام أمرًا شائعًا بحلول أواخر القرن الحادي والعشرين.

 

وترى بعض الدراسات أن الجمع بين الذكاء الاصطناعي والتقنيات البيولوجية قد يؤدي في المستقبل إلى علاجات يمكنها إبطاء الشيخوخة، ما قد يتيح للبشر العيش لفترات تتجاوز 120 عامًا.

 

توسع أكبر للسوق العالمية مع الذكاء الاصطناعي

 

شهدت صناعة الأدوية العالمية نموًا ملحوظًا خلال العقدين الماضيين، إذ بلغت الإيرادات نحو 1.6 تريليون دولار أمريكي في عام 2023.

 

وتشير التوقعات إلى استمرار هذا الاتجاه التصاعدي، مع احتمال وصول حجم السوق إلى حوالي 1.9 تريليون دولار بحلول عام 2027.

 

كما يُتوقع أن تتجاوز مبيعات الأدوية الموصوفة عالميًا 1.7 تريليون دولار بحلول عام 2030، ما يعكس معدل نمو سنوي يُقدر بـ 7.7%.

 

وقد يتجاوز حجم السوق 3 تريليونات دولار بحلول عام 2034، مدفوعًا بعوامل رئيسية مثل شيخوخة السكان، وارتفاع معدلات الأمراض المزمنة، والتطورات المستمرة في تقنيات تطوير الأدوية.

 

ويمثل الذكاء الاصطناعي فرصة حقيقية لتسريع نمو القطاع، مع تزايد حجم الاستثمارات الهادفة إلى دمجه في صناعة الأدوية، نظرًا لقدرته على تقليل الوقت والتكاليف المرتبطة بتطوير الأدوية، وتحسين دقة الاكتشافات الدوائية.

 

 

علاوة على ذلك، ارتفع عدد براءات الاختراع المتعلقة بالذكاء الاصطناعي في صناعة الأدوية بنسبة 11% في الربع الثاني من عام 2024 مقارنةً بالفترة نفسها من العام السابق، ما يعكس اهتمامًا متزايدًا بالابتكار في هذا المجال.

 

ومع استمرار الذكاء الاصطناعي في إحداث تحولات جوهرية في صناعة الأدوية، تتضح إمكاناته الهائلة في تسريع الاكتشافات الطبية، وتحسين كفاءة البحث والتطوير، وتعزيز دقة العلاجات المخصصة.

 

ورغم أن تأثيره لا يشبه التأثير الفوري الذي أحدثه اكتشاف المضادات الحيوية، إلا أنه يُمثل ثورة تكنولوجية قد تعيد تشكيل مفهوم الرعاية الصحية على المدى الطويل.

 

ويبقى مدى نجاحه في إطالة متوسط العمر المتوقع وتحسين جودة الحياة مرهونًا بقدرته على التكامل مع الابتكارات الطبية الأخرى، ومدى استثماره في تطوير حلول تعالج التحديات الصحية العالمية بفعالية وكفاءة.

 

المصادر: أرقام- منظمة الصحة العالمية- المعهد الوطني للصحة- رويترز- جامعة ستانفورد- رولاند بيرجر- جلوب نيوز واير- موقع ستاتيستا- ساينتفيك أمريكان- منتدى الاقتصاد العالمي

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.