نبض أرقام
12:11 ص
توقيت مكة المكرمة

2025/03/22
2025/03/21

من الرابح في معركة الأجواء .. شركات الطيران التقليدية في مواجهة منخفضة التكلفة

2025/03/20 أرقام - خاص

على ارتفاع نحو 30 ألف قدم، تدور واحدة من أشرس المنافسات في عالم النقل الجوي بين شركات الطيران التقليدية، التي لطالما هيمنت على الأجواء بخدماتها الفاخرة وشبكاتها الواسعة، والشركات منخفضة التكلفة، التي أحدثت ثورة في السفر الجوي بأسعارها التنافسية.


وشهدت صناعة الطيران العالمية تحولًا جذريًا مع بروز نجم شركات الطيران الاقتصادي، التي تعتمد على تقديم أسعار منخفضة للمسافرين مقابل التخلي عن بعض الخدمات الإضافية، وتمكنت من تحدي شركات الطيران التقليدية.



وأدى تصاعد المنافسة الشرسة بين الفئتين إلى إحداث تغييرات جوهرية في قطاع الطيران حيث كان المسافر هو المستفيد الأكبر من تلك التطورات.

 

للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام


لكن هل يعني ذلك أن شركات الطيران التقليدية قد تواجه خطر التلاشي قريبًا، أم أنها ستتمكن من الحفاظ على مكانتها من خلال تقديم مزيد من الابتكارات، وتحسين تجربة المسافرين، وتبني استراتيجيات تعزز قدرتها على الاستمرار في المنافسة؟


نمو سريع لشركات منخفضة التكلفة

في العقدين الأخيرين، تسارعت وتيرة صعود شركات الطيران منخفضة التكلفة، ما مكنها من اقتناص حصة متزايدة من السوق.


رغم أن أول شركة طيران منخفضة التكلفة تأسست عام 1949 (بيه إس إيه الجوية)، فإن ساوث ويست إيرلاينز، التي بدأت عملياتها في 1971، تُعد الرائدة الفعلية في مجال الطيران الاقتصادي.


وخلال عام 2024، شكلت شركات الطيران منخفضة التكلفة 33% من إجمالي مقاعد الطيران عالميًا، رغم أنها لا تشكل سوى 15% من إجمالي عدد الشركات.


وكان التواجد الأقوى عالميًا لشركات الطيران الاقتصادي في منطقة آسيا والمحيط الهادئ بحصة سوقية تبلغ 56%، تليها أوروبا (41%)، وأمريكا الشمالية (36%).


وعلى مستوى الشركات شهدت شركات طيران منخفضة التكلفة مثل أزول وفولاريس في أمريكا اللاتينية نموًا هائلًا، فيما تهيمن شركة إنديجو في الهند على الرحلات الداخلية بحصة سوقية تفوق 60%.


وتعتمد شركات الطيران منخفضة التكلفة على نظام يسمح لها بتقديم أسعار تذاكر أقل بنسبة تتراوح ما بين 40 و60% مقارنة بشركات الطيران التقليدية على نفس المسارات.


وتشمل أبرز استراتيجيات هذا النظام، الاعتماد على الرحلات المباشرة، وتجنب نظام "المحاور والتشعبات" لتقليل التكاليف التشغيلية، كما تعمل على زيادة استخدام الطائرات وتشغيل الطائرات لعدد ساعات أطول يوميًا مع تقليل أوقات الانتظار بين الرحلات.


ويمثل إلغاء الخدمات الإضافية أيضًا محورًا رئيسيًا في تلك الاستراتيجية حيث تفرض رسومًا على الأمتعة، واختيار المقاعد، والطعام على متن الطائرة.


كما تعمل على توحيد الأسطول، واستخدام طراز طائرة واحد مثل تجربة ريان إير مع بوينج 737 لتقليل تكاليف الصيانة والتدريب.


الإيرادات مقابل الأرباح

تتمتع شركات الطيران منخفض التكلفة بهوامش ربح أعلى بفضل الرسوم الإضافية، بينما تحقق شركات الطيران التقليدية إيرادات أضخم بفضل خدمات الدرجة الأولى والشحن الجوي والرحلات الطويلة، كما تستفيد من برامج الولاء التي تتيح لها تحقيق أرباح إضافية.



وفي عام 2023، سجلت شركة طيران ريان إير الإيرلندية منخفضة التكلفة هامش ربح صافٍ بلغ 18%، مقارنة بـ7% لشركة لوفتهانزا و5% لشركة أمريكان إيرلاينز.

 أكبر 5 شركات طيران منخفضة التكلفة في العالم من حيث حجم الأسطول (وفقًا لبيانات 2024):

الترتيب

الشركة

عدد الطائرات

1

ساوث ويست إيرلاينز

817

2

ريان إير

579

3

إنديجو

359

4

إيزي جيت

328

5

جيت بلو

288


وحققت ساوث ويست إيرلاينز (أكبر شركة طيران منخفضة التكاليف في العالم) أكثر من 6 مليارات دولار من رسوم الأمتعة وحدها، بينما تعتمد شركات مثل إيزي جيت وسبيريت إيرلاينز على 30% من إيراداتها من الخدمات الإضافية.


ورغم نجاحها، تواجه كل من شركات الطيران التقليدية ومنخفضة التكلفة تحديات كبيرة.


فشركات الطيران منخفض التكلفة على سبيل المثال أمامها تحديات عديدة مثل تأثير أسعار الوقود على الأرباح، وصعوبة تشغيل رحلات طويلة بسبب تكاليف الوقود والطاقم.


كما تؤدي المنافسة الشرسة إلى ضرورة تقليل التكاليف بشكل مستمر، ما قد يؤثر على جودة الخدمة.


أما شركات الطيران التقليدية فتواجه تحديات مثل ارتفاع التكاليف التشغيلية، ما يجعل من الصعب المنافسة في الأسعار، والاعتماد الكبير على السفر للأعمال، الذي يتأثر بالدورات الاقتصادية.


كما أن البنية التحتية الكبيرة (مثل المطارات المحورية والنقابات العمالية) تزيد من التكاليف.


شركات الطيران التقليدية تناور

ورغم اكتساح الشركات منخفضة التكلفة للرحلات القصيرة، إلا أن منافسيها من شركات الطيران التقليدية لم يقفوا مكتوفي الأيدي، بل أعادوا ترتيب أوراقهم لمواجهة التحدي.


ولجأت العديد من شركات الطيران التقليدية إلى تعديل استراتيجياتها في محاولة للفوز في تلك المنافسة مثل تبني نموذج هجين، وحاليًا توفر شركات مثل لوفتهانزا وبريتش إيروايز تذاكر "الدرجة الاقتصادية الأساسية" بأسعار أقل، ولكن بخدمات محدودة.



كما أطلقت بعض شركات الطيران التقليدية شركات منخفضة التكلفة تابعة لها مثل شركة ترانسافيا التابعة لشركة إيرفرانس، وسكوت التابعة للخطوط الجوية السنغافورية.


في حين عمدت بعض الشركات التقليدية إلى تقليل التكاليف التشغيلية من خلال تقليص أعداد الموظفين، وزيادة عدد المقاعد في الطائرات، والاستعانة بمصادر خارجية للخدمات غير الأساسية.


المسافر الرابح الأكبر

قد تختلف الإجابة عن من سيفوز بالحصة الأكبر في سوق الطيران، هل هي شركات الطيران التقليدية أم المنخفضة التكلفة؟ إذ تهيمن الأخيرة على الرحلات القصيرة والمسافرين الحساسين للأسعار، بينما تظل الشركات التقليدية قوية في الرحلات الطويلة والفاخرة.


ومع تزايد التوجه نحو توفير خيارات سفر منخفضة التكلفة، تستمر شركات الطيران منخفضة التكلفة في كسب المزيد من الحصة السوقية، لكن شركات الطيران التقليدية تتكيف بسرعة، ما يضمن بقاءها في المنافسة.


لكن في نهاية المطاف يظل المسافر هو الفائز الأكبر، حيث تتوفر له خيارات أوسع وأسعار تنافسية أكثر من أي وقت مضى.


وأدت المنافسة بين الفئتين إلى خلق سوق أكثر ديناميكية، مما عاد بالنفع على المسافرين من خلال تخفيض الأسعار، وزيادة عدد الوجهات المتاحة، وتحسين جودة الخدمات.


ويُعد انخفاض أسعار التذاكر من أبرز الفوائد المباشرة للمنافسة المتزايدة، إذ أجبرت شركات الطيران منخفضة التكلفة شركات الطيران التقليدية على تعديل استراتيجياتها التسعيرية للحفاظ على قدرتها التنافسية.


ووفقًا لتقارير الاتحاد الدولي للنقل الجوي، فإن الرحلات التي تخدمها كل من شركات الطيران التقليدية وشركات الطيران منخفضة التكلفة غالبًا ما تكون أسعارها أقل بكثير مقارنة بالرحلات التي تسيطر عليها شركة واحدة فقط.



على سبيل المثال، ساهمت شركات مثل ريان إير وإيزي جيت في أوروبا، وساوث ويست وسبياريت في الولايات المتحدة، في خفض الأسعار بشكل كبير.


ووفقًا لتقرير صادر عن سكايسكانر، انخفضت أسعار التذاكر على المسارات التي شهدت دخول شركات طيران منخفضة التكلفة بنسبة تصل إلى 40%.


كما ساهمت المنافسة في توسيع خيارات السفر للمسافرين، حيث قامت شركات الطيران التقليدية، التي كانت تركز في السابق على الربط بين المحاور الجوية الرئيسية، بتوسيع نطاق خدماتها لمنافسة شركات الطيران منخفضة التكلفة على المسارات الأقل شعبية.


وفي المقابل، قدمت شركات الطيران منخفضة التكلفة رحلات مباشرة بين المدن الأصغر، ما زاد من إمكانية الوصول وسهّل السفر للمسافرين.



فعلى سبيل المثال، وفقًا لوكالة يوروكنترول الأوروبية لمراقبة سلامة المجال الدولي، اُفتتح أكثر من 60% من المسارات الجوية الجديدة في أوروبا بين عامي 2010 و2020 بفضل شركات الطيران منخفضة التكلفة، ما زاد من خيارات السفر أمام المسافرين.


وأدت الضغوط المتزايدة لخفض التكاليف مع الحفاظ على جودة الخدمة إلى تطوير ابتكارات تشغيلية في صناعة الطيران.


وبالفعل حسنت شركات الطيران التقليدية استخدام أسطولها الجوي، بينما تبنت شركات الطيران منخفضة التكلفة حلولًا رقمية لتحسين تجربة العملاء، مثل تسجيل الوصول عبر الهاتف المحمول وأنظمة التسعير الديناميكية.


ووفقًا لدراسة أجرتها شركة ماكينزي للأبحاث، ساهمت هذه التحسينات التشغيلية في تعزيز ربحية شركات الطيران مع إبقاء الأسعار معقولة للمسافرين.


وأصبحت شركات الطيران أكثر استجابة لمتطلبات المستهلكين، ما أدى إلى زيادة الشفافية في الأسعار وتقليل الرسوم المخفية، وتحسين سياسات الحجز والإلغاء لتكون أكثر مرونة.


في نهاية المطاف، لا يمكن الجزم بفوز طرف على الآخر في هذه المنافسة المحتدمة، بل يبدو أن مستقبل الطيران سيكون مزيجًا من الابتكار والكفاءة والتكيف مع المتغيرات.


وبينما تستمر شركات الطيران منخفضة التكلفة في توسيع نفوذها، فإن شركات الطيران التقليدية تثبت أنها قادرة على إعادة تشكيل استراتيجياتها للحفاظ على مكانتها، لكن المستفيد الأول والأخير يظل المسافر، الذي يحصد ثمار هذه المعركة الجوية.


المصادر: أرقام- فايننشال تايمز- رويترز- الاتحاد الدولي للنقل الجوي- يوركنترول- شركة ماكينزي للأبحاث- سمبيل فلاينج

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.