نبض أرقام
07:55 م
توقيت مكة المكرمة

2025/04/29

رسوم ترامب تؤجج أزمة السفن الفارغة وتربك سلاسل التوريد

07:59 ص (بتوقيت مكة) أرقام - خاص

في صباح يوم جديد على سواحل المحيط الهادئ، كانت السفينة "نورث ستار" تستعد للانطلاق من ميناء نينجبو الصيني متجهة نحو ميناء لوس أنجلوس الأمريكي.

 

هذه السفينة، التي طالما أبحرت محملة حتى آخر حاوية ببضائع متنوعة، بدت هذه المرة كهيكل ضخم يطفو على سطح الماء بلا أي حمولة، وكأنها شبح من الماضي يروي قصة أزمة اقتصادية في طور التشكل.

 

 

"نورث ستار" لم تكن وحدها في هذا المشهد الكئيب، فقد بدأت مئات السفن حول العالم تبحر فارغة، نتيجة تراجع الطلب العالمي وانكماش حركة التجارة بعد أن فرضت الإدارة الأمريكية رسوماً جمركية صارمة بلغت 145% على الواردات الصينية و10% على باقي الواردات.

 

للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام

 

من جانبها ردّت الصين بفرض رسوم بنسبة 125% على السلع الأمريكية، ما أدى إلى توقف شبه تام للتجارة بين أكبر اقتصادين في العالم.

 

ومع دخول هذه الرسوم حيز التنفيذ، شهدت حركة الشحن تباطؤاً كبيراً، وتحوّل ميناء لوس أنجلوس -أكبر بوابة للبضائع الصينية نحو الولايات المتحدة- من مركز يعج بالنشاط إلى محطة خاوية.

 

ودفع هذا الأمر شركة الاستشارات البحرية دريوري للتحذير من انخفاض حجم شحن الحاويات عالميًا بنحو 1% في عام 2025 ليكون ثالث تراجع من نوعه منذ عام 1979.

 

تراجع قياسي بنشاط ميناء لوس أنجلوس

 

وتشير بيانات ميناء لوس أنجلوس إلى انخفاض بنسبة 35% في البضائع الصينية، وتوقف شبه تام للشحنات من الصين.

 

وفي الأسبوع الذي سيبدأ في 4 مايو، يتوقع الميناء أن يتواصل انخفاض النشاط به لتتراجع أعداد السفن القادمة إليه بمقدار الثلث مقارنة بالعام الماضي، لتزيد نسبة التراجع بنحو 11% مقابل الأسبوع الحالي، بحسب صحيفة فايننشال تايمز.

 

عدد الحاويات المجدولة (أسبوعيًا) في ميناء لوس أنجلوس:

الفترة الزمنية

(الأسبوع الذي يبدأ بتاريخ)

عدد الحاويات المجدولة

(بالألف)

13 أبريل

110

20 أبريل

115

27 أبريل

90

4 مايو

80

 

ويُعد ميناء لوس أنجلوس أكبر ميناء بحري في الولايات المتحدة من حيث حجم الشحن، ويمثل شريانًا اقتصاديًا حيويًا يمر عبره أكثر من 20% من إجمالي البضائع المستوردة إلى البلاد.

 

وتأتي غالبية هذه البضائع من الصين ودول شرق آسيا، ما يجعل الميناء محورًا رئيسيًا في العلاقة التجارية بين الولايات المتحدة وأسواق آسيا.

 

كما يعتمد عليه ملايين العاملين في قطاعات الشحن والنقل والتوزيع والتجزئة، ما يجعله مركزًا استراتيجيًا له تأثير مباشر على سلاسل التوريد والاستهلاك في عموم البلاد.

 

 

وإلى جانب دوره المحلي، يشكّل ميناء لوس أنجلوس عنصرًا مهمًا من منظومة التجارة العالمية، إذ ترتبط به خطوط ملاحية تمتد إلى أكثر من 90 دولة، لذا فإن أي تعطّل في نشاطه لا ينعكس فقط على السوق الأمريكية، بل يُحدث هزات في حركة التجارة العالمية بأسرها.

 

وامتد التأثير السلبي لتعريفات ترامب الجمركية إلى باقي الموانئ الأمريكية إذ تُظهر بيانات شركة فيزون لتتبع الشحن أن حجوزات الحاويات القياسية بطول 20 قدماً من الصين إلى الولايات المتحدة انخفضت بنسبة 45% بحلول منتصف أبريل 2025، مقارنة بعام 2024.

 

وقالت شركة النقل البحري الألمانية "هاباغ-لويد"، إن العملاء ألغوا 30% من الشحنات المتجهة إلى الولايات المتحدة من الصين، نتيجة الذعر من النزاع التجاري بين أكبر اقتصادين في العالم.

 

وفي هذا السياق، أشار جون دنتون، الأمين العام لغرفة التجارة الدولية، إلى أن هذه الاضطرابات في تدفقات التجارة بين الصين والولايات المتحدة تعكس حالة من التردد في أوساط التجار، بانتظار ما ستؤول إليه المفاوضات بين واشنطن وبكين بشأن الرسوم.

 

ظاهرة الإبحار الفارغ

 

ظاهرة الإبحار الفارغ تكررت أيضا خلال الفترة الرئاسية الأولى لـ"دونالد ترامب" في عام 2018، حينما بدأت إدارته بفرض تعريفات جمركية واسعة على الواردات الصينية، ما صعّد حربًا تجارية أربكت تدفقات التجارة العالمية.

 

وبحلول 2019، فرضت الولايات المتحدة تعريفات بنسبة 25% على سلع صينية بقيمة نحو 370 مليار دولار، وردّت الصين بتعريفات مقابلة، ما شكل رياحًا معاكسة قوية للتجارة الدولية.

 

ومع انخفاض أحجام التجارة بين الولايات المتحدة والصين وتذبذبها، لجأت شركات الشحن البحري إلى زيادة الإبحارات الفارغة أي إلغاء الرحلات المجدولة أو الإبحار بسفن فارغة.

 

وتستخدم الإبحارات الفارغة في فترات الركود الموسمي (مثل ما بعد رأس السنة الصينية)، لكنها تضاعفت خلال تلك الفترة مع محاولات الناقلين التكيف مع الهبوط الناجم عن التعريفات.

 

 

وفي سيناريو مشابه لما يحدث الآن كانت التجارة الأميركية-الصينية تنمو بوتيرة ثابتة قبل رسوم ترامب خلال فترة رئاسته الأولى، ولكن  بعد التعريفات انخفضت واردات الولايات المتحدة من الصين بنسبة 16% في 2019 مقارنة بالعام السابق.

 

ولجأ الناقلون حينها إلى إلغاء ما يصل إلى 10% من الإبحارات المجدولة للموانئ الأمريكية بشكل عام، فيما شهدت بعض الأسابيع تراجع الشحنات بنحو 42% على خط آسيا-الساحل الشرقي الأميركي.

 

وانخفضت وتيرة نشاط موانئ الساحل الغربي الأميركي مثل لوس أنجلوس ولونج بيتش، كما واجهت تحديات تشغيلية مرتبطة بالتقلبات في وصول السفن، ما انعكس سلبًا على العمالة وسلاسل النقل البري.

 

وفي الوقت نفسه استفادت دول جنوب شرق آسيا مثل فيتنام وماليزيا من تحول سلاسل التوريد، ما أدى إلى ارتفاع صادراتها إلى الولايات المتحدة، كما ازدادت حركة "الشحن القريب" من المكسيك والدول المجاورة.

 

في المقابل ذكرت شركة دريوري أن الواردات الأميركية من الصين قد تنخفض بنسبة 40% إذا بقي ثلثا الرسوم الجمركية الحالية مفروضًا، مشيرة إلى أن واردات الولايات المتحدة من دول أخرى قد تعوّض جزئيًا هذا التراجع.

 

المستهلك الأمريكي يتأثر

 

حذر تجار التجزئة من أن المستهلكين الأميركيين قد يواجهون مجدداً رفوفاً فارغة في المتاجر واضطرابات في سلاسل الإمداد شبيهة بتلك التي شهدها العالم خلال فترة جائحة كورونا، إذا استمرت أزمة الرسوم الجمركية على الصين.

 

وبدأت الشركات بالفعل في إلغاء شحناتها من البضائع الصينية وإيقاف الطلبيات الجديدة، بعدما فرض تلك الرسوم إذ يقوم تجار التجزئة الأميركيون في العادة خلال هذه الفترة بزيادة طلبياتهم تحضيراً لموسم العودة إلى المدارس في الخريف وموسم العطلات الشتوية.

 

 

وتشير التقديرات إلى أن مخزون التجزئة قد ينفد خلال 6 إلى 8 أسابيع، ما ينذر برفوف فارغة قبل نهاية الصيف، وتأتي الألعاب، والقرطاسية، والملابس الموسمية، من بين أبرز المنتجات المعرضة للنفاد نظرًا لانخفاض هامشها الربحي.

 

ويرى محللون أن هذه الفجوة المتوقعة في المعروض لن تقتصر آثارها على المستهلكين فقط، بل قد تمتد لتُضعف أداء القطاع التجاري بأكمله، وتؤثر سلباً على فرص العمل والمبيعات في النصف الثاني من العام.

 

وقد أشار خبراء في قطاع اللوجستيات إلى أن سلاسل التوريد الأميركية تعتمد بدرجة كبيرة على الواردات الآسيوية، لا سيما من الصين، وأن أي خلل في تدفق هذه السلع يتسبب سريعًا في اضطراب توازن العرض والطلب.

 

ومع محدودية البدائل المتاحة، تبقى فرص تعويض النقص عبر مصادر أخرى ضعيفة على المدى القصير، ما يزيد الضغوط على الأسواق ويرفع احتمالات ارتفاع الأسعار في عدة قطاعات.

 

وقال "جوناثان جولد"، نائب رئيس سياسة سلسلة الإمداد والجمارك لدى الاتحاد الوطني لتجار التجزئة، إنه من الصعب على الشركات أن تحدد الكميات والأسعار المناسبة وسط هذه الضبابية المتعلقة بالرسوم الجمركية.

 

وبحسب معدلات الرسوم الحالية، يتعين على أي شركة أميركية دفع ما لا يقل عن 145 دولاراً كرسوم جمركية لإدارة الجمارك وحماية الحدود مقابل استيراد منتج قيمته 100 دولار، باستثناء الإلكترونيات والأدوية التي تطبق عليها رسوم أقل.

 

تأثر الشحن البحري وتهديد الاقتصاد

 

ومن المتوقع أن تسبب الرسوم الجمركية الجديدة مزيدا من الارتفاع لأسعار الشحن البحري وبلوغها مستويات قياسية، إذ ارتفعت أسعار الشحن بأكثر من 70% في عام 2018 عندما فُرضت رسوم مماثلة.

 

وجاءت رسوم ترامب لتضيف مزيد من الضغوط على سلاسل الإمداد البحرية العالمية والتي تواجه مشكلة بالفعل بسبب الاضطرابات في البحر الأحمر.

 

وقد أدى هذا الوضع إلى ارتفاع أسعار الشحن الفوري من الشرق الأقصى إلى الساحل الشرقي للولايات المتحدة بنسبة 303% بين 1 ديسمبر 2023 و1 يوليو 2024، كما ارتفعت الأسعار من الشرق الأقصى إلى الساحل الغربي بنسبة 389% خلال نفس الفترة.

 

وبالفعل بدأت سياسات الرسوم المتصاعدة تنعكس على المؤشرات الاقتصادية، إذ توقعت شركة أبولو جلوبال مانيجمينت حدوث ركود اقتصادي كبير في الولايات المتحدة بحلول صيف 2025، في حال استمرار هذه السياسات.

 

 

أما على الصعيد العالمي، فقد أظهر استطلاع أجرته وكالة رويترز أن توقعات نمو الاقتصاد العالمي لعام 2025 تراجعت من 3.0% إلى 2.7%، مع تأكيد أكثر من 60% من الاقتصاديين المشاركين على أن خطر الركود خلال هذا العام "مرتفع للغاية".

 

كما حذر صندوق النقد الدولي في وقت سابق من هذا الأسبوع من أن الناتج الاقتصادي العالمي سيتباطأ في الأشهر المقبلة، جراء تأثير الرسوم الجمركية.

 

وفي حال استمرت السياسات الجمركية الحالية، فإن تداعياتها مرشحة للاستمرار والتفاقم.

 

ومن بين تلك التداعيات استمرار ارتفاع عدد السفن التي تبحر فارغة بسبب تراجع حجم التجارة، واتجاه الشركات العالمية للبحث عن بدائل جديدة لسلاسل التوريد، ما سيؤدي إلى إعادة رسم خريطة التجارة الدولية.

 

وفي ظل تصاعد الحرب التجارية وارتفاع الرسوم الجمركية إلى مستويات غير مسبوقة، يبدو أن العالم يتجه نحو مرحلة جديدة من الاضطرابات الاقتصادية.

 

وبينما تبحر السفن فارغة وتجاهد سلاسل التوريد للبقاء، تبقى الأسواق معلقة على خيط رفيع من الأمل، مرهونة بنتائج مفاوضات قد تحدد شكل التجارة العالمية لسنوات مقبلة.

 

المصادر:أرقام- فايننشال تايمز- إنفستورز.كوم- صحيفة ذا جارديان- رويترز- سي إن بي سي- جي كابتن ديلي

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.