ارتبط مصطلح "الفقاعة" بالتضخم غير المبرر في ارتفاع أسعار بعض الأصول في فترة زمنية تترك في النهاية أثرا سلبيا على الاقتصاد العالمي عندما تتسم بالشمولية في تمددها كما حدث مع أزمة الرهن العقاري في الولايات المتحدة قبل أكثر من ست سنوات ومن ثم انتقلت تداعياتها شرقا وغربا وبنسب متفاوتة، فيما يحاول التقرير تسليط مزيدا من الضوء عليها وتبسطيها للقراء.
دلالة المصطلح
هناك عدة تعريفات لمصطلح الفقاعة تتمحور حول وصفها بظاهرة تشير لارتفاع مفاجيء في سعر أصل ما لمستويات تتجاوز ما تحدده القيمة الأساسية له، وتكون نتيجة المغالاة في المضاربة على سعره لمستويات خطرة تكون سبباً في تكبد خسائر فادحة.
ولأن المضاربة السعرية تتواصل بلا توقف فتكون أشبه بانتفاخ البالون الذي يتمدد حجمه، إلى أن يصل لمرحلة الانفجار نتيجة عدم تمكنه من تحمل ضغط الهواء على جداره، وهو نفس ما يحدث للأسعار مع صعودها الجنوني حيث تهبط بشكل متسارع تماما كما كانت وتيرة ارتفاعها.
هذا يعني ببساطة أن سعر هذا الأصل تجاوز خضوعه للأساسيات المتعارف عليها عند التقييم، ومن ثم يكون ذلك بيد "المجانين" الذين يتبادلون شراءه طمعاً في مزيد من الإرتفاع حتى يحدث الإنهيار الذي لا يمكن تحديد وقته بالضبط.
كيف نشأ مصطلح "الفقاعة" تاريخياً؟
تربط بعض أدبيات الاقتصاد المصطلح مع "الهوس" الذي صاحب المضاربة على أسهم شركة "بحر الجنوب" البريطانية أوائل القرن الثامن عشر والتي كان عالم الرياضيات الشهير "اسحاق نيوتن" أحد أبرز ضحاياها، والذي أقر فيها بعجزه عن فهم الهوس البشري رغم فكه طلاسم تحرك النجوم والكواكب في مداراتها.
لكن للفقاعات الاقتصادية تاريخ أقدم من ذلك، أشهرها ما سبق فقاعة شركة "بحر الجنوب" بحوالي قرن تقريباً، حيث المضاربة الشرسة على أزهار التيوليب في هولندا والتي قفزت لمستويات خالية.
هذا فضلا عن فقاعة "الدوت كوم" في العصر الحديث قبل خمسة عشر عاما مع طفرة شركات التكنولوجيا والانترنت في سوق الأسهم الأمريكية، ولمعرفة حجم التأثير السلبي فإن شركة "ياهو" التي تمثل بوابة الانترنت الأمريكية الشهيرة بلغ قيمة سهمها 240 دولارا بداية عام 2000، وبعد مرور سنة واحدة هوى إلى 30 دولارا فقط.
هناك بالطبع فقاعات تاريخية طالت أسواق الأسهم أشهرها ما حدث في بدأ عام 1929 لمؤشر "داو جونز" الأمريكي وما أعقبه من كساد طال العالم كله، أيضا انهيار وول ستريت في النصف الثاني من ثمانينيات القرن العشرين، وانهيار بنك "ليمان براذرز" وما أعقبه من هبوط حاد في عام 2008، وما شهده سوق الأسهم السعودي من انهيار بعد تجاوز المؤشر الرئيسي حاجز 20 ألف نقطة في فبراير/شباط عام 2006.
كيف تنشأ "الفقاعة"؟
لا يبدو أن هناك اتفاقاً في هذا الشأن بين الاقتصاديين، لكن يبقى للتضخم دور بارز في الأمر سواء كان السبب المباشر أم لا، فالتضخم الذي شهدته أسعار الأسهم الأمريكية وكذلك المحلية السعودية في النصف الثاني من العقد الماضي يبرر التراجع الحاد الذي شهدته رغم الاختلاف الواضح في حدة الصعود التي سبقت الإنهيار.
وتبقى صلة لا يمكن تجاهلها بين مسببات الفقاعة والتضخم، لكن تلعب "القيمة الأساسية" للأصول دورا فيما يخص الفقاعات، فتجاوز هذه القيمة هي مؤشر انذار يجب الانتباه له، وهذا يعني بالضرورة أهمية الاحتياط والإبتعاد عن اقتناء ذلك الأصل لماذا؟
ببساطة يفترض الاقتصاديون أن "الفقاعة" تمثل تجاوزا في القيمة الأساسية، وأن القيمة الراهنة لا تعبر تماما عما يمكن دفعه مقابل اقتنائه نظرا للمبالغة في التسعير بسبب المضاربة المحمومة، ومن ثم فإن القيمة الحالية سوف تتراجع مرة أخرى إلى نقطة التوازن أى القيمة الأساسية ومن ثم لا جدوى استثمارية من دفع أموال طائلة في أصل لا يستحقها.
هل هناك علاقة بين "الفقاعات" وانهيار أسواق الأسهم؟
يمكن تشبيه العلاقة بين الفقاعة وانهيار الأسهم بالعلاقة بالغيوم والمطر، ففي الوقت الذي يمكننا فيه رؤية الأولى دون الثانية، فإنه لا يمكن مشاهدة مطر دون غيوم.
الفقاعة هناك هي الغيوم والإنهيار يمثله المطر، فعلى مدار المتابعة التاريخية لسوق الأسهم يلاحظ أنها ولدت من رحم الفقاعات، وكلما كانت الغيوم كثيفة "الفقاعة"، كان المطر أغزر "الانهيار".
وهنا تجدر الإشارة إلى أنه على مدار العقود الماضية فإن بعض الدلائل أقنعت الاقتصاديين بوجود "كفاءة" في تحرك الأصول، لكن ليس بالشكل المثالي دائما، حيث يقتنع المضاربون بتحقيق مكاسب صغيرة تجنباً لأى "فقاعات" غير عقلانية ستجرف الأسواق معها، لكن في النهاية يحدث التجاوز ومن ثم تظهر الفقاعات ليكتوى المهوسين بنارها.
وفي سوق الأسهم ليس من الصعب تحديد حدوث فقاعة في سهم ما، عندما تغيب الشفافية في الافصاحات ولا تحقق الشركة أرباحاً ورغم ذلك يتسارع صعود سهمها لمجرد تداول اشاعات عن استثمارات أو توسعات.
آثار "الفقاعة" على الاقتصاد
تتسبب الفقاعات التي تشهدها أسواق الأسهم في آثار سلبية عندما يتحرك تأثيرها إلى الاقتصاد الحقيقي، تماما كما تتسبب المضاربة المجنونة على سلعة ما في شد كميات هائلة من السيولة إليها وبالتالي عمل توزيع غير عادل ورواج مؤقت لقطاع ما مثل العقارات في اضعاف الاقتصاد عن انفجار البالونة السعرية في النهاية.
وحالات الكساد التي ضربت الولايات المتحدة ارتبطت إلى حد كبير بفقاعات اقتصادية لا سيما الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن الماضي أو حتى مع نظيره خلال أزمة الرهن العقاري قبل أكثر من ست سنوات.
وبالطبع فإن للكساد نتائج سلبية شديدة الخطورة تتمثل في ارتفاع البطالة، ناهيك عن توقف الاستثمارات، واختفاء او تراجع أرباح الشركات، وهبوط معدل انفاق المستهلكين.
ويبقى جني أرباح فجائية استثنائية وخيالية لا تستند لتشغيل فعلي لرؤوس الأموال من خلال الدورة الاقتصادية لفئة محدودة أحد أهم سلبيات "الفقاعة"، وذلك نتيجة ارتفاع جنوني لسعر السلعة أو الأصل محل المضاربة من أهم السلبيات.
ذلك لأن هذه الأرباح تساهم في اذكاء فقاعات جديدة عن طريق ضخها في أصول أخرى دون انتاج حقيقي داخل بنيان الاقتصاد بغية تعظيم الربح ومن ثم يُنهك هذا الاقتصاد.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}