ذكر تقرير نشرته "نيويورك تايمز" أن تساؤلا وحيدا سيبرز مع اجتماع مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في الأسبوع الحالي وهو كم الثقة الذي ينبغي وضعه في الرسم البياني الذي أنشأه اقتصادي في نيوزيلندا قبل نحو 6 عقود من الزمن.
وأشار التقرير إلى أن الاجتماع الذي سيبدأ اليوم ويمتد حتى غد الأربعاء بشأن رفع أسعار الفائدة للمرة الأولى منذ عام 2006 سوف يشكل اختبارًا للرسم البياني الذي يستند إلى بيانات عن الأجور والعمالة في بريطانيا التي ترجع إلى ثمانينيات القرن التاسع عشر.
تباين تقييم الجدوى
ويعتبر هذا الرسم البياني والذي يحمل اسم "منحنى فيليبس" واحدًا من أهم مفاهيم الاقتصاد الكلي، ويبين كيف أن معدلات التضخم تتغير باختلاف معدل البطالة والعكس.
ويشير المنحنى إلى أنه عند مستويات البطالة المنخفضة يضطر أصحاب الأعمال لدفع أجور أعلى لجذب العمالة، ما يعني ارتفاع الأسعار على نطاق واسع، حيث إن التضخم يكون عرضة بشكل خاص للارتفاع عندما يتراجع معدل البطالة أدنى "المعدل الطبيعي"، والذي يشير إلى أن كل من يريد وظيفة يعمل بالفعل أو يمكنه العثور عليها بسرعة.
وكانت "جانيت يلين" رئيسة الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي قد ذكرت في خطاب لها في عام 2007 أن منحنى فيليبس هو مكون أساسي في كل نموذج للاقتصاد الكلي الواقعي.
إلا أن منحنى فيليبس لم يعمل، أو على الأقل لم يعمل بشكل جيد في العقود القليلة الماضية في الولايات المتحدة، كما أنه أثبت قلقًا بشكل خاص فيما يتعلق بمحاولة استخدام العلاقة التاريخية التي ينطوي عليها للتنبؤ باتجاه التضخم.
وأوضح التقرير أن "يلين" والعديد من زملائها في البنك المركزي الأمريكي يُعتقد أنهم أشاروا إلى ضرورة رفع معدل الفائدة خلال العام الجاري بسبب أن منحنى فيليبس يوحي بأن الولايات المتحدة قد تشهد تضخما مفرطا في حال لم يقوموا بخطوة رفع الفائدة.
وسجل معدل البطالة في الولايات المتحدة تراجعًا لمستوى 5.1% في سبتمبر/أيلول الماضي، وهو ما يرتفع قليلًا عن معدل البطالة المناسب على المدى الطويل من وجهة نظر قادة الاحتياطي الفيدرالي والبالغ 4.9%.
ويعني هذا أن في حال الثقة في منحنى فيليبس، فإن هذا يشير إلى الاعتقاد بأن معدل التضخم قد يرتفع في أي وقت الآن.
وعلى الجانب الآخر، قال اثنان من المسؤولين بالاحتياطي الفيدرالي وهما "ليل برينارد"، و"دانيال تارولو" إنهما ضد رفع معدل الفائدة، حيث ذكرت الأولى أن منحنى فيليبس ضعيف جدًا في الوقت الراهن على أحسن الأحوال، في حين قال "تارولو" إنه ربما من الحكمة ألا يتم الاعتماد كثيرًا على علاقات مترابطة في الماضي، حيث إنها لم تعمل بشكل جيد في الأعوام العشرة الماضية.
واعتبر التقرير أنه سيكون من المبالغة المحدودة القول بإن قرار رفع الفائدة خلال العام الجاري سيكون بالأساس بناءً على ما إذا كان قادة الاحتياطي الفيدرالي يثقون في أن منحنى فيليبس مفيد في وصف الكيفية التي يعمل بها الاقتصاد في الوقت الراهن.
هجوم وتعديلات
وتعرضت فكرة منحنى فيليبس لهجوم تقريبًا منذ أن قام الاقتصادي النيوزيليندي "وليام فيليبس" بالكتابة عنه في عام 1958، في ورقة بحثية بعنوان "العلاقة بين البطالة ومعدل التغير في معدلات الأجور المالية في المملكة المتحدة في الفترة بين 1861 حتى 1957".
وأوضح تقرير "نيويورك تايمز" أن الإصدارات المختلفة لمنحنى فيليبس خلال العقود الماضية على الأقل أثبتت عدم فائدتها تقريبًا، حيث إن أي محاولة لتقدير ذلك تتطلب من الباحث أن يقرر فرص العمل المستخدمة، ومقياس التضخم، ووقت الدراسة، من بين خيارات أخرى متعددة، وهو ما يسمح بوجود إصدارات مختلفة من المنحنى تختلف بتباين الباحثين الدارسين.
وفي حال النظر إلى معدل البطالة في الولايات المتحدة مقابل مؤشر أسعار المستهلكين الأساسي، والذي يستثني أسعار المواد الغذائية والطاقة سنويًا منذ عام 1958، فلن تظهر أي علاقة على الإطلاق بين الجانبين.
إلا أنه في حال النظر إلى فترة محددة في تلك الفترة، فإن العلاقة تبدو أقوى، فمثلًا يظهر بحث لبنك الاحتياطي الفيدرالي في ولاية "مينيابولس" علاقة واضحة "سلبية" بين البطالة والتضخم في الفترة من عامي 1977 حتى 1990، لكن هذه العلاقة تختفي نهائيًا في تسعينيات القرن الماضي، ولا تظهر تقريبًا في العقد الأول من الألفية الثالثة.
ويوضح التقرير أنه في حال كانت العلاقة بين البطالة والتضخم تتحول باستمرار لأسباب من المستحيل التنبؤ بها، فإن منحنى فيليبس لا يعتبر أداة مفيدة بشكل خاص لاتخاذ قرار بشأن السياسة النقدية المستخدمة الآن.
وقام جيل أو اثنان من العلماء بمحاولة فهم أسباب خطأ الإصدارات البسيطة من منحنى فيليبس، ليقوموا بتصميم نسخ أكثر تعقيدًا تتضمن متغيرات أكثر، وهي ما يمكن أن تكون مفيدة في التوقعات.
ومع ظهور مزيد من الارتفاع في معدلات التضخم والبطالة في سبعينيات القرن الماضي، وهو ما يتنافى تمامًا مع منحنى فيليبس، بدأ علماء في إضافة توقعات التضخم إلى نماذجهم لمحاولة تفسير هذا التناقض.
وقام "روبرت جيه غوردن" الخبير الاقتصادي في جامعة "نورث وسترن" باستحداث نسخته الخاصة من منحنى فيليبس، والتي تتوقع معدل التضخم ليس بناءً فقط على البطالة، وإنما على نمو الإنتاجية، والتحولات في أسعار المواد الغذائية والطاقة خلال السنوات الست السابقة، وهو ما يجعلها أكثر تعقيدًا.
ويعني هذا أن استخدام معدل البطالة فحسب سوف يخبرنا القليل عن اتجاه التضخم، ولكن مع إضافة مزيد من المؤشرات الأخرى قد نصل إلى توقعات أكثر صدقًا.
ويقول "غوردن" إنه في حال استخدام منحنى فيليبس بالأسلوب الصحيح، فإنه يشير إلى استقرار واضح للغاية على مدار السنوات الأربعين الماضية، مشيرًا إلى أن معدلات التضخم تحتاج إلى وقت طويل للتأثر بارتفاع البطالة أو انخفاضها.
ويوضح "غوردون" أن معدلات التضخم في العام المقبل أو عام 2020 سوف تتم بناءً على تحولات حدثت بالفعل مثل مستويات الإنتاجية الأخيرة، أو من خلال عوامل أخرى بعيدة عن تحكم واضعي السياسة النقدية مثل أسعار النفط.
تقييم واقعي؟
وبحسب نموذج "غوردن" فإنه في حال تواصل تراجع معدل البطالة بنفس المستوى الحالي، فإن مستهدف التضخم الخاص بالاحتياطي الفيدرالي والبالغ 2% لن يتم حتى عام 2020، مشيرًا إلى أن توقيت رفع الفائدة سواء كان في الشهر الجاري أو ديسمبر/كانون الأول أو بعد 6 أشهر لن يمثل تغييرًا كبيرًا على هذه النتيجة.
ويعتقد التقرير أن محاولة التنبؤ بكيفية عمل الاقتصاد ومساره خلال العام المقبل تعتبر "صعبة للغاية" وتشبه لدرجة كبيرة محاولة توقع إمكانية سقوط أمطار في الولايات المتحدة بعد 3 أسابيع من اليوم، حيث إن التفاعلات المعقدة التي يقوم بها 320 مليون نسمة بإجمالي ناتج محلي يبلغ 17 تريليون دولار لا يمكن لأي نموذج أن يتنبأ بها.
إلا أن التقرير يعود ليشير إلى أن واقع تأثير البنوك المركزية وصانعي السياسات الاقتصادية الأخرى على المدى القصير للاقتصاد تجعل منحنى فيليبس خاصة في نماذجه الأكثر تطورًا -رغم كل مساوئه- قد يكون أفضل وسيلة يمتلكها الاحتياطي الفيدرالي لاتخاذ قرارته.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}