كشفت شركة أرامكو السعودية أمس، عن رؤيتها الراهنة للمشهد العالمي في مجال الطاقة، مؤكدة أن هناك نقلة نوعية من شأنها أن تغير صورة الطاقة العالمية مقارنة بما كانت عليه قبل بضع سنوات، تتمثل في أربع حقائق أساسية هي، ارتفاع الضغوط بشأن انخفاض الطلب العالمي على الطاقة، ولا سيما النفط، وتراجع مستوى المخاوف القائمة منذ فترة طويلة بشأن قدرة صناعة النفط على تزويد العالم بالطاقة، وهبوط حجم الاستثمارات في مصادر الطاقة المتجددة، وأخيرا التأثير الواضح للأزمة المالية العالمية على التشريعات البيئية.
أوضحت شركة أرامكو في تقرير - حصلت "الاقتصادية" على نسخه خاصة منه – عن فلسفة عمل جديدة للشركة شرعت في تنفيذها، تتمثل في إعادة تشكيل حافظة أعمالها بهدف التحول من شركة زيت وغاز إلى شركة طاقة ومواد كيميائية عالمية متكاملة قادرة على المنافسة، إلى جانب دعم النمو الاقتصادي في المملكة وبناء القدرات والتقنية والبشرية، وإصلاح الأنظمة والإجراءات التي تتبعها الشركة لتكون أكثر تركيزًا على الأداء وأكثر مرونة في المستقبل.
وحذر التقرير الذي ألقاه خالد الفالح رئيس شركة أرامكو وكبير إدراييها التنفيذيين في ندوة أوكسفورد لدراسات الطاقة، من تراجع ثقة الشعوب بقطاع الطاقة عمومًا حول العالم، داعيا الجميع إلى التعاون في معالجة هذا الأمر من خلال إقناع الناس بأن الأولوية هي لتوفير طاقة يمكن الاعتماد عليها وتحمل تكلفتها بطريقة آمنة ومسؤولة تجاه حماية البيئة مع الاستثمار في رفاهية المجتمعات والدول التي نعمل فيها.
وقال الفالح: " أرى أن مجرد الالتزام لم يعد كافيًا، بل ينبغي أن تكون معاييرنا هي الأفضل في هذا الصدد".كلمة الفالح تضمنت تفصيلا واسعا للروى التي تبنتها الشركة السعودية في مجال الطاقة العالمي ومستقبل شركة أرامكو وهنا بقية ما جاء فيها: أولا: ضغوط انخفاض الطلب العالمي على الطاقة، ولا سيما النفط، قبل تعرض العالم للأزمة المالية في عام 2008، كانت هناك توقعات بأن يشهد الطلب على الطاقة نموًا سريعًا ومستدامًا، إلا أنه في غضون أربع سنوات فقط، تبدل هذا التصور إلى حد كبير.
واليوم، نشهد ضغوطًا متمثلة في انحسار الطلب في الوقت الذي تترسخ فيه تغيرات حياتية وديموغرافية بالتزامن مع الضغوط البيئية والسياسات الحكومية (بما في ذلك الضرائب المحتملة على الكربون) غير المواتية للنفط بشكل خاص وأنواع الوقود الأحفوري بشكل عام، مما يؤثر في معدل نمو الطلب عليه ، ولا سيما في الاقتصادات المتقدمة الناضجة.
فعلى سبيل المثال، كان التركيز على زيادة كفاءة استهلاك الطاقة محل ترحيب في جميع القطاعات، خاصة في مجال النقل. ففي الولايات المتحدة، على سبيل المثال، التي تعد أكبر سوق لوقود النقل في العالم، تهدف المعايير الصارمة للحد من استهلاك الوقود إلى رفع معدل الأميال للمركبات الخفيفة من نحو 30 ميلا للجالون الواحد في اليوم لنحو 55 ميلا للجالون الواحد في عام 2025؛ وهو تحسن تزيد نسبته على 80 في المائة.
وسواء تحققت جميع هذه الأهداف أو لم تتحقق، فإن التوجه المستمر نحو تحسين كفاءة المركبات سيفرض مزيدًا من الضغوط لخفض الطلب على الزيت.وهناك انعكاسات الأزمة الاقتصادية العالمية، والتي قد لا يتمكن النمو الاقتصاد العالمي بسببها من استرداد عافيته لعدة سنوات على الأقل – وهو ما يسميه بعض الاقتصاديين "المعيار الجديد".
لقد تباينت أرقام نمو الطلب في السنوات الأخيرة، إلا أنه من المتوقع هذه السنة أن يسجل الطلب نموًا متواضعًا يبلغ 850 ألف برميل في اليوم، أي بنسبة تقل عن قي المائة1 ، في حين زاد متوسط النمو عن 2.3 في المائة بين عامي 1965 و2010. وعلاوة على ذلك، فإن 20 في المائة من هذه الزيادة في الطلب كانت نتيجة لتوقف العمل في محطات الطاقة النووية في اليابان. وإضافة إلى ذلك، راوحت تقديرات العام الماضي الصادرة عن إدارة معلومات الطاقة ووكالة الطاقة الدولية للطلب العالمي حتى عام 2030 بين 8 و9 في المائة أي أقل من تقديرات عام 2007، وهو ما يؤكد هذا التباطؤ.
ثانيا: المخاوف القائمة منذ فترة طويلة بشأن قدرة صناعة النفط على تزويد العالم بالطاقة قد هدأت بشكل كبير وحقيقي.على مدار السنوات الخمس الماضية، زادت الاحتياطيات النفطية العالمية المؤكدة بأكثر من 200 مليار برميل على الرغم من استهلاك ما يقرب من 90 مليون برميل يوميا، أو ما مجموعه 165 مليار برميل خلال السنوات الخمس الماضية.
ويعزى ذلك في الأساس إلى تطبيق تقنيات محسنة في إنتاج الزيوت غير التقليدية والثقيلة، لكن هناك مناطق نفطية جديدة لا تزال تظهر على الخريطة.أما قصة الغاز الطبيعي فهي في الواقع أكثر إثارة، حيث تزيد الاحتياطيات الحالية المؤكدة من الغاز على أكثر من 7300 تريليون قدم مكعبة، وهي احتياطات تكفي لمدة تصل إلى 64 عاما على مستوى العالم.
لكن يعتقد أن يزيد إجمالي الموارد التقليدية وغير التقليدية على 28 ألف تريليون قدم مكعبة – مقسمة إلى نصفين متساويين – وهي كمية تكفي لنحو 250 عاما بمعدلات الاستهلاك الحالية.إن هذا التغيير في إمدادات النفط والغاز لم تشهده منطقة أخرى في العالم بهذا الشكل الجوهري سوى الولايات المتحدة، حيث يشير المجلس الوطني للبترول إلى أنه يمكن استخراج ما يقدر بنحو 180 مليار برميل من الزيت من المناطق قليلة المسامية والنفاذية باستخدام التقنيات الحالية، ويمكن أن تزيد هذه الكمية إلى تريليون برميل.
وبالطبع لا تقتصر المشروعات التطويرية المماثلة على الولايات المتحدة.وإجمالاً، تسببت المفاهيم الخاطئة حول شح إمدادات الزيت والسوائل على مستوى العالم في تأكيد الشعور بالوفرة، وعلى صناعتنا أن تشعر بالفخر حيال ذلك.
ثالثا: تراجع الاستثمارات في مصادر الطاقة المتجددة لم تكن هذه السنة مشجعة فيما يتعلق بالطاقة المتجددة، فقد انخفضت الاستثمارات العالمية في مشاريع الطاقة النظيفة إلى 25 مليار دولار خلال الأشهر الثلاثة الأولى من هذا العام (وهو أدنى مستوى لها منذ الأزمة المالية العالمية)، وعلى الرغم من أنها زادت بنسبة تزيد على 50 في المائة في الربع الثاني فهي لاتزال أقل بنسبة تزيد على 25 في المائة مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي. وأسباب ذلك معروفة تمامًا.
ففي أوروبا، هناك العديد من الدول التي ينتابها شعور بالقلق حيال مستويات ديونها وتقوم بتنفيذ تدابير تقشفية في الوقت الذي تخفض فيه استثماراتها في مجال الطاقة المتجددة. وهذا الأمر يضر بصناعة الطاقة المتجددة حيث كانت تلك الحكومات تدعم النمو السريع في مجال الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. وبالمثل، يكافح مطورو مصادر الطاقة المتجددة في الولايات المتحدة للحصول على التمويل اللازم في ظل انعدام الحوافز الحكومية وتوقف الإقراض المصرفي.
كما يفرض الغاز الأرخص سعرًا في الولايات المتحدة منافسة شرسة.وأنا أرجو ألا يساء فهم هذا الكلام، فنحن متفائلون بشأن مصادر الطاقة المتجددة، التي لا تزال تمتلك قدرات على المدى البعيد؛ فالتحسينات التقنية وانخفاض التكلفة بدأت تعادل جزئيا العقبات التي تواجه تطوير هذه المصادر. كما شهدت أسعار وحدات الطاقة الشمسية انخفاضًا بنحو 50 في المائة السنة الماضية وحدها، ليصل هذا الانخفاض إلى 75 في المائة خلال السنوات الثلاث الماضية.
لكن كانت هناك حالة من الغموض حول سرعة هذه المصادر في إحداث تأثير، مما أحدث نوعا من الإحباط. وكانت ضغوط انحسار الطلب على المدى القريب والعقبات السياسية والتقنية والاقتصادية، علاوة على البنية التحتية الهائلة للطاقة على المستوى العالمي - التي يجب أن تشهد تطوراً - تشير إلى أن مصادر الطاقة المتجددة لا تزال تمثل جزءًا ضئيلا من مزيج الطاقة الكلي وأن حصتها ستزيد ببطء على الأرجح.
ومن بين النتائج المترتبة على انخفاض أسعار الغاز الأمريكية وضغوط انحسار الطلب ما نراه فيما يتعلق بتوليد الكهرباء، فالاقتصادات القائمة على الغاز الطبيعي النظيف تبدو نسبيا أكثر انتعاشًا وصلابة من تلك القائمة على الفحم والطاقة النووية أو مصادر الطاقة المتجددة.
رابعا: التأثير الواضح للأزمة المالية العالمية في التشريعات البيئية تسهم بعض القضايا، مثل القدرة على توفير مبادرات واستثمارات وإيجاد فرص عمل وواقع الطاقة المتجددة في مزيد من الضغوط على عقول الحكومات المهمومة بالتقشف، مما يؤدي إلى التباطؤ في سن الشريعات الخاصة بمنع ظاهرة الاحتباس الحراري التي تتطلب أموالا طائلة يصعب على الدول التي تعاني الضغوط أن تتحملها.
وللدلالة على ذلك، علينا فقط أن ننظر إلى خيبة أمل كوبنهاجن، ومستقبل اتفاقية كيوتو الغامض، والفشل في تنفيذ خطة عمل بالي لتحقيق مجموعة من الأهداف، مثل سعي إدارة معلومات الطاقة لتثبيت تركيزات ثاني أكسيد الكربون عند 450 جزءاً في المليون وتراجع استخدام الوقود الأحفوري قبل 2020، حيث أصبح تحقيق ذلك أمراً يكاد يكون مستحيلا.
باختصار، تواجه صناعتنا ضغوطا تتمثل في انخفاض الطلب؛ ووفرة الإمدادات؛ وتباطؤ مصادر الطاقة المتجددة، وانحسار الزخم بشأن التشريعات الخاصة بتغير المناخ.وهذا لا يعني أن صناعتنا في حال سيئة أو أن الأسعار ستنهار، بل هذا هو مشهد الطاقة العالمي المتغير بشدة مقارنة بما كان عليه الحال قبل عقد من الزمان، أو حتى قبل بضع سنوات.
التغير الشامل في "أرامكو" السعودية هذه الحقائق الجديدة تؤكد الحقيقة المرتبطة بصناعتنا منذ الأزل والمتمثلة في أنها صناعة متغيرة دائمًا؛ فقلما تتطابق توقعات الأمس مع توقعات الغد؛ والضبابية هي السمة المميزة لهذه الصناعة. ولعل الدرس الواضح الذي تعلمناه من الماضي هو أن الشركات الأفضل في مواجهة العواصف على المدى القصير وتحقيق الازدهار هي تلك التي تمتلك قدرة أكبر على التكيف والتخطيط على المدى الطويل، والتي لا تسمح بأي قدر من التهاون.
وفي "أرامكو" السعودية، نشعر بالرضا حيال الموارد؛ والتميز التشغيلي؛ والموثوقية؛ والسلامة. لكننا نعرف أيًضا أنه قد تكون هناك مفاجآت: تقنية أو سياسية أو اقتصادية، وعليه لم تقف "أرامكو" أبدًا مكتوفة الأيدي، فهي تشهد تحولا استراتيجيا شاملا واستباقيًا.
إنه التحول الذي نتجاهل معه إغراءات قصيرة الأجل وقليلة المخاطر ونمضى قدمًا في مواصلة العمل بالشكل الأفضل والتحسن التدريجي في المجالات التي تحتاج إلى تحسينات من أجل حماية شركتنا العظيمة في المقام الأول.
وتتمثل الفلسفة التي يرتكز عليها برنامج التحول الاستراتيجي المتسارع في "أرامكو" السعودية في الاستفادة من نقاط قوتنا ومزايانا النسبية لاستغلال الإمكانات الكاملة لشركتنا من خلال جدول أعمال مفعم بالتحديات يقوم على أربع ركائز هي:إعادة تشكيل حافظة أعمالنا في الوقت الذي نتحول فيه من شركة زيت وغاز إلى شركة طاقة ومواد كيميائية عالمية متكاملة قادرة على المنافسة؛ دعم النمو الاقتصادي في المملكة؛ بناء القدرات من خلال تحسين قدراتنا التقنية ومواردنا البشرية؛إصلاح أنظمتنا وإجراءاتنا لنكون أكثر تركيزًا على الأداء وأكثر مرونة في المستقبل.مع تحول "أرامكو" السعودية لشركة عالمية رائدة في مجال الطاقة والمواد الكيميائية، فإنها تعمل على تعزيز أعمالها القائمة، وإضافة أعمال جديدة لتوسيع وتعزيز حافظة أعمالها.
الأعمال الحالية نعلم أن النفط والغاز سيظلان مؤثرين محوريين في مشهد الطاقة العالمي في المستقبل المنظور. ونحن ندرك أن الحفاظ على طاقتنا الإنتاجية الاحتياطية للزيت يمثل أمرًا بالغ الأهمية للحفاظ على استقرار سوق النفط نظرًا لأنه يلعب دورًا محوريًا في حماية الصحة الاقتصادية للعالم. إنها مسؤولية اضطلعنا بها بأمانة وبشكل موثوق على مدى عقود، رغم تكلفتها العالية، وسنواصل القيام بذلك.وعليه، فنحن ماضون في تعزيز أعمالنا النفطية لتلبية الطلب المتزايد على إنتاجنا من النفط.
ونخطط في الواقع لاستثمار 35 مليار دولار خلال السنوات الخمس المقبلة في التنقيب عن الزيت الخام وتطويره للحفاظ على أعمالنا في مجال إنتاج النفط قوية وصلبة. كما أننا نخطط لزيادة إمدادات الغاز التقليدي وغير التقليدي بما يقرب من 250 في المائة خلال العقدين القادمين. وهناك مساحات شاسعة في المملكة العربية السعودية لم تستكشف بالشكل الكافي، ومن المقرر استكشافها بقوة.
الأعمال الجديدة في غضون ذلك، سوف نوسع نطاق أعمالنا بشكل كبير من خلال دمج المجالات التقليدية وغير التقليدية، وتنويع وزيادة إيراداتنا بمرور الوقت مع إضافة قيمة أكبر لمنتجاتنا. ومن ثم نستفيد من نقاط القوة ومزايانا التنافسية في أعمالنا بطرق مهمة.
بادئ ذي بدء، وعلى النقيض من الرأي العالمي السائد، نعتقد أن الشركات الكبيرة المتكاملة يمكن أن تنشئ وتحافظ على أعمال تكرير وتسويق سريعة ومربحة تدر عائدات عبر سلسلة القيمة.
وهذا هو الدافع وراء استمرار توسعنا الكبير في طاقتنا التكريرية العالمية وزيادة إجمالي طاقة المصافي التي نمتلكها بالكامل أو نشارك في ملكيتها في العالم بنحو ثمانية ملايين برميل يوميًا خلال العقد المقبل لنصبح بذلك الشركة الأعلى إنتاجاً في العالم.وفي ضوء هذا التوسع، نعتقد أيضًا بوجود إمكانية كبيرة لبناء أعمال للبتروكيماويات عالمية المستوى من خلال دمجها مع المصافي ومعامل الغاز ومرافق تكسير سوائل الغاز الطبيعي وشبكات خطوط الأنابيب وأنظمة الهيدروجين والمخازن والفرض.
ومع تحقيق هذا الدمج بين أعمال التنقيب والإنتاج والتكرير والتسويق والكيماويات، سنحقق فوائد أخرى عبر سلسلة القيمة مما يعظم من أرباح الزيت والغاز وسوائل الغاز الطبيعي والمنتجات المكررة، ولا سيما منتجات المواد الهيدروكربونية المستخدمة كلقيم بتروكيماوي اقتصادي.وهناك الغاز غير التقليدي، حيث تشير التوقعات إلى أن طاقة الغاز غير التقليدي في المملكة قد تعادل نظيرتها من الغاز التقليدي، فضلاً عن أن بعض التقديرات تقول إن المملكة تمتلك خامس أكبر احتياطي للغاز غير التقليدي في العالم، ونحن بصدد تقييم هذه الطاقة.
ثمة ميزة تنافسية مهمة أخرى هي الطاقة الشمسية. فالمملكة تستفيد من نحو ثلاثة آلاف ساعة من أشعة الشمس سنويًا تبعث ما يقرب من سبعة آلاف واط من الطاقة للمتر المربع وهو معدل من بين أعلى المعدلات في العالم. فلدينا مساحات شاسعة من الصحراء؛ حيث يمكننا إقامة مناطق لتوليد الطاقة الشمسية على أراض رخيصة الثمن نسبيًا. كما منحنا الله طبقات من صخور الكوارتز التي يمكن استخدامها في تصنيع خلايا البولي سيليكون والخلايا الكهروضوئية.
النمو الاقتصادي للمملكة الجزء الثاني من جدول أعمالنا الذي يرتبط ارتباطًا وثيقًا بقدرتنا على الازدهار هو دعم النمو الاقتصادي في المملكة إلى جانب تمكين قطاع الطاقة السعودي من أن يكون تنافسيًا وقويًا على المستوى العالمي. فنحن بحاجة إلى توفير القيمة المضافة والوظائف لشبابنا الذي يعتبر تحديًا ديموغرافيًا يواجه المملكة والعديد من الدول في الشرق الأوسط.
لذلك، علينا أن نساعد على تطوير القطاع لمساندة الطاقة المحلية حتى تتاح للموردين المحليين الفرصة لتوريد عدد أكبر من السلع والخدمات، بما في ذلك المنتجات عالية القيمة. كما يجب أن نساعد في الارتقاء بمستويات التعليم وإنشاء قاعدة معرفية لمستقبل المملكة. وعلينا أن نعمل على خفض مستوى استهلاك الطاقة في المملكة وجعلها أكثر كفاءة في استهلاك الطاقة في الوقت الذي نؤدي فيه دورنا في تنويع الاقتصاد السعودي. وخير أمثلة على ذلك هو ما ذكرته للتو عن أعمال الكيماويات والطاقة الشمسية والغاز غير التقليدي المفيدة للشركة والمعينة على توسيع وتنويع اقتصاد المملكة.
على سبيل المثال، نعتزم بناء أعمال كيميائية رائدة من خلال تنمية وتكامل الكيماويات مع عمليات التكرير العالمية. وستساعد المواد التي تنتجها معامل الكيماويات لدينا على إيجاد صناعات جديدة في المملكة معظمها صناعات تحويلية في المناطق الصناعية المتاخمة لمجمعات التكرير والبتروكيماويات تنتج منتجات ذات قيمة مضافة نهائية وشبه نهائية.
ومن المتوقع أن تكون الصناعات التحويلية تلك أكثر ثراءً من حيث القيمة المضافة وأكثر قدرة على توفير الوظائف كما ستكون ركيزة لانطلاق اقتصاد المعرفة الناشئ.فإذا تكللت استراتيجيتنا بالنجاح، فسننفق ما لا يقل عن 500 مليون دولار سنويًا على التقنيات المتعلقة بالكيماويات، وإنشاء شركة ضخمة يعمل فيها من 20 إلى 30 ألف موظف يتقاضون رواتب مجزية. كما أنها ستتيح الفرصة لشركات سعودية أخرى لتكون جزءًا من صناعة بتروكيماوية عالمية تقدر بتريليون دولار عبر زيادة مشاركتها في الصناعة السعودية إلى مستوى يتلاءم مع احتياطيات الزيت الخام لدينا.
وكذلك الأمر مع الطاقة الشمسية، فرؤيتنا تتمثل في مساعدة المملكة على أن تصبح مركزًا رائدًا للأبحاث والتطوير في العالم ومركز قوة في مجال الطاقة عبر سلسلة القيمة. فبشكل مبدئي، قمنا بتركيب ألواح شمسية تنتج 500 كيلوواط في جزيرة فراسان في البحر الأحمر ضمن جهودنا لمقارنة تقنيات الألواح الكهروضوئية الشمسية واكتساب خبرة التشغيل.
وفيما يتعلق بالغاز غير التقليدي، ففي حال نجحت مساعينا سيعود ذلك على المملكة بفوائد كثيرة، حيث نستطيع استبدال الوقود السائل بالغاز الطبيعي الأنظف والأكثر كفاءة لتوليد الطاقة الكهربائية في المملكة وتوفير مزيد من المواد الهيدروكربونية السائلة للتصدير. وبحسب تكوين الغاز، فإنه يمكن أن يستخدم لقيمًا إضافيًا للبتروكيماويات. وهناك فوائد اقتصادية أخرى تتمثل في توطين التقنية والتوظيف واكتساب المهارات.
بناء القدرات: التقنية والموارد البشرية إننا لا نعزز من مواردنا الضخمة من رأس المال والطاقة فحسب، فقد تم إعداد برنامج التحول الاستراتيجي المتسارع لزيادة الاستفادة من التقنية والموظفين في الشركة في مساندة مشاريع الشركة الآخذة في التوسع وتحقيق النجاح في بيئة تنطوي على المزيد من الهواجس والتحديات.
بالنسبة للتقنية، يعني ذلك أن تصبح "أرامكو" السعودية قوة رائدة في إنشاء تقنيات الطاقة بهدف تلبية متطلباتنا الفريدة بما يتماشى مع استراتيجيات العمل طويلة الأجل.
والتحديات الرئيسة أمامنا هي تحسين التنقيب عن الزيت واستخلاصه، وتطوير صيغ متقدمة للوقود تلائم الأنواع الجديدة من المحركات في المستقبل، والبحث عن التقنيات المتطورة في مجال الكيماويات، والتميز في جمع الكربون، مع التركيز على المصادر المتنقلة، وتعظيم قدرة تقنية النانو والمواد المتقدمة - وكما ذكرت آنفًا - تقنيات الطاقة الشمسية المتقدمة.
بالطبع لا يمكننا الاعتماد على تطوير حلول التقنية داخليًا فقط، فنحن نعزز علاقات التعاون في أنحاء كثيرة من العالم. ومن بين التطورات الكبيرة قيامنا أخيرا بتأسيس شركة تابعة تحت اسم "أرامكو السعودية لمشاريع الطاقة المشتركة" بهدف الاستثمار في شركات تقنيات التشغيل التي يمكن أن تحقق قيمة أكبر من خلال التقنيات المبتكرة في الكثير من المجالات، بدءًا من التنقيب والإنتاج والتكرير والتسويق للزيت والغاز حتى كفاءة استهلاك الطاقة والمياه.
وللاستفادة من التقنية، فإن الاستثمار في الثروة البشرية على المدى البعيد يعد أمرًا في غاية الأهمية. ففي "أرامكو" السعودية، رأينا ذلك بأعيننا خلال الشهر الماضي عندما كانت الشركة هدفًا لهجوم فيروسي أصاب بعض أجهزة الكمبيوتر واختبر مدى قوتنا. فلم تتأثر سمعة "أرامكو" السعودية كمورد موثوق للطاقة بفضل قدرتنا على التصدي للمحاولة الآثمة وما أبداه موظفونا من تفان وحرفية حيث تم الاتصال بالعملاء وإرسال العقود عبر الفاكس والتوصل إلى حلول.
وفي نهاية المطاف، لا يزال النفط يصل إلى الناس في كل مكان. ولذلك فنحن نولي اهتمامًا خاصًا ببناء ثروتنا من الكوادر المؤهلة وإطلاق طاقة شركتنا القوية، والتي بحلول عام 2016 سيكون 40 في المائة تقريبًا من موظفيها دون الثلاثين من العمر. ومن واقع خبرتنا، فإن هذا الجيل هو جيل التقنية والتعلم السريع ويستطيع أن يقدم أداءً متميزًا إذا توفر له الحافز المناسب.
وعليه، فإننا ندرب هؤلاء الشباب ونهيئهم للعمل في الشركة كما نهيئ الشركة للتعامل معهم بنفس القدر من الاهتمام.أنظمة الشركة وإجراءاتها للشركة أنظمتها وإجراءاتها الخاصة بها. وهي إجراءات متحفظة إلى حد ما، ولذا يجب أن تتغير. ويعني ذلك، بالإضافة إلى أشياء أخرى، تغيير عمليات التخطيط الخاصة بنا، وتعلم سلوكيات ومهارات جديدة، والقضاء على البيروقراطية.
إن تحقيق أهداف برنامج التحول الاستراتيجي المتسارع التي تطرقت إلى بعضها بإيجاز لن يحافظ على مكانة "أرامكو" السعودية كشركة رائدة في التنقيب عن الزيت والغاز وإنتاجهما فحسب، بل سيجعلنا أكبر شركة تكرير في العالم، وإحدى كبريات شركات البتروكيماويات، وشركة رائدة في تطوير التقنية؛ وسنحتل مركزًا متقدمًا في توليد الكهرباء، بما في ذلك الموارد المتجددة. إنها التركيبة الفعالة والتي إلى جانب مواهب موظفينا وقدرة تقنياتنا المتطورة ستسهم في ازدهار شركتنا الكبيرة حتى في مجالات الطاقة الجديدة.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}