المعاملات فائقة السرعة "إتش إف تي" (HFT) هي عبارة عن منصة تداول برمجي، تستخدم أجهزة كمبيوتر قوية، بخوارزميات معقدة للغاية، لتنفيذ عدد كبير من الأوامر المتعلقة بالتداول بسرعة كبيرة للغاية، تصل إلى ثانية أو جزء من الثانية.
وتستخدم في ذلك عمليات حسابية معقدة لتحليل أسواق متعددة، وتنفيذ الأوامر وفقًا لظروف السوق، وغالبًا ما يحقق المتداولون المتعاملون بالأنظمة الأسرع أرباحًا أكثر من المتعاملين بالأنظمة الأبطأ.
لماذا بدأت في الانتشار؟
أصبحت المعاملات فائقة السرعة ذات شعبية منذ أن بدأت عمليات التبادل تُقدم حوافز للشركات، تتمثل في إضافة السيولة إلى السوق. فعلى سبيل المثال لدى بورصة نيويورك للأوراق المالية مجموعة من مزودي السيولة تُعرف باسم "مقدمو السيولة التكميلية".
وتحاول هذه المجموعة إضافة المنافسة والسيولة للأموال الموجودة في البورصة كحافز للشركات، وبدأ عمل هذه المجموعة بعد انهيار بنك "ليمان براذرز" عام 2008، حيث شكلت السيولة مصدر قلق كبير بالنسبة للمستثمرين.
وقبل إدخال هذا النوع من المعاملات نحو عام 2000 كانت أسواق الأوراق المالية مثل بورصة نيويورك تعمل بنظام المزاد المزدوج، إلا أن استخدام أنظمة التداول الإلكترونية خلقت نظامًا جديدًا فائق السرعة لبيع وشراء الأوراق المالية.
وتشير معظم التقديرات إلى أن المعاملات فائقة السرعة تُمثل الآن نسبة تتراوح بين 50% إلى 75% من حجم تداول الأسهم، ويشمل المتداولون الذين يستخدمون هذا النوع من المعاملات كلاً من الشركات الصغيرة والأقل شهرة وكذلك البنوك الاستثمارية الكبيرة وصناديق التحوط.
جدل حول جدوى هذه المعاملات في تحسين السيولة
هناك جدل بين أنصار المعاملات فائقة السرعة الذين يرون أنها تعمل على تعزيز السيولة، وتقليل انتشار طلب العطاءات، وبين مناهضين لها يشعرون أن تحسن السيولة في السوق أمرا وهميا، وأن هذه المعاملات تجعل الأسواق أكثر هشاشة.
ويرى المعارضون أن تداول الأوراق المالية يتم بسرعة كبيرة قبل بيعها مرة أخرى إلى السوق، ويتم شراء وبيع الأوراق المالية في معظم الوقت بين متداولي المعاملات فائقة السرعة حتى يقوم بشرائها المستثمر، وبالتالي يُمثل ذلك من وجهة نظر المعارضين سيولة وهمية من أجل تسهيل عملية التداول فحسب.
وبعد مرور عقد على استخدام هذه المعاملات هناك إجماع على أنها أضافت السيولة إلى السوق وخفضت تكاليف التداول، وطالما أن شركات المعاملات فائقة السرعة تدخل الأسواق ببطء وتحت غطاء تنظيمي، فستكون هناك فرصة أفضل لرصد أية ممارسات غير أخلاقية ومنعها.
نموذج ناجح في مناهضة المعاملات فائقة السرعة
رغم أن المؤشرات تقول بأن اتباع نظام المعاملات فائقة السرعة أمر مربح للغاية، إلا أن الوسيط المالي في بورصة نيويورك " براد كاتسوياما" تمكن من تحقيق ثروة طائلة من إبطاء هذه المعاملات.
فقد واجه "براد" مشكلة كبيرة بسبب هذا النظام، لأن الشركات الكبيرة التي تستخدم نظام المعاملات فائقة السرعة تستطيع أن تشتري أسهمًا في جزء من الثانية قبل غيرها، وبالتالي كانت تواجه "براد" (الذي لم يكن يستخدم هذا النظام) مشكلة أنه حين كان يشتري أسهماً لصالح زبائنه، فعند الضغط على زر "شراء"، يكون عدد قليل فقط من الأسهم المطلوبة متوفرًا للشراء بذلك السعر، بينما يرتفع سعر باقي الأسهم المطلوبة للشراء في أقل من الثانية.
ووجد "براد" أن هذا الأمر غير عادل، لذلك ابتكر مع زملاء العمل وسيلة لتعطيل عمل نظام الأجهزة فائقة السرعة، وذلك من خلال ابتكار شيء أشبه بـ"مطبات السرعة" الموجودة على الطرقات، وهي منظومة يتم عبرها إبطاء التعاملات التجارية والمالية بمقدار 350 مايكروثانية، باستخدام 38 ميلاً من أسلاك الألياف البصرية.
وقد أسس "براد" عام 2012 شركة "آي إي إكس" لسمسرة للأسهم، والتي تستفيد من نظامه الجديد الخاص بإبطاء سرعة الأنظمة فائقة السرعة. وحققت الشركة مليارات الدولارات من الحصول على عمولة صغيرة من عملائها، الذين يرغبون في إبطاء عملية التداول.
بالأرقام..المعاملات فائقة السرعة وتداول العملات الأجنبية
أشار تقرير أصدرته مجموعة "إيت جروب"الأمريكية لبحوث السوق إلى أن المعاملات فائقة السرعة مثلت أكثر من 40% من سوق تداول العملات الأجنبية في عام 2014.
ويقول المدير التنفيذي للمجموعة "ديفيد ميرسر" معلقًا على هذه الإحصائية، إن الدافع وراء استخدام المعاملات فائقة السرعة المعتمدة على العمليات الحسابية المعقدة التي تقوم بها أجهزة كمبيوتر هو رغبة الأفراد في التنفيذ الدقيق، ويتوقع أن تنمو هذه المعاملات في غضون 10 سنوات لأكثر من 70% في تداول العملات الأجنبية.
ويشير الرسم البياني التالي إلى نمو الاعتماد على هذا النوع من المعاملات منذ عام 2003 حتى عام 2014.
أبوظبي تمتلك أول منصة للمعاملات فائقة السرعة في المنطقة
رغم تواجد المعاملات فائقة السرعة في الخارج منذ أكثر من عقد إلا أنها لم تتواجد في الشرق الأوسط إلا بعد إطلاق شركة الوساطة المالية "إي دي إس سيكوريتيز" منصة تداول جديدة تحت اسم "أوريكس أوبتيم" في أبوظبي عام 2013، والتي تعد أول منصة تداول إلكتروني متعددة الأصول للقطاع المؤسسي في المنطقة.
وقد أنفقت الشركة عشرات الملايين من الدولارات لتطوير هذه المنصة، ووفقًا للمتحدث باسم الشركة " ستيفن ديفي"، فرغم أن المنصة تستهدف المستثمرين الأثرياء، إلا أنها لا تستبعد صغار المستثمرين أيضًا، إذ إن الحد الأدني لفتح حساب التداول هو 10 آلاف دولار فحسب.
المخاطر
رغم ما توفره المعاملات فائقة السرعة من وقت ودقة، إلا أن هناك مخاوف من الاعتماد الكلي على أجهزة الكمبيوتر بها، وما قد يترتب عليه من مخاطر تتمثل في إمكانية خروج أحد الأجهزة عن نطاق السيطرة أو حدوث خلل مفاجئ.
وقد تؤدي المعاملات السريعة التي تتم في غضون ثوانِ إلى حدوث حركة كبيرة في السوق دون سبب، فعلى سبيل المثال انخفض مؤشر "داو جونز" الصناعي في السادس من شهر مايو/آيار لعام 2010 بحوالي 600 نقطة وهو ما سُمي بـ"الانهيار الخاطف"، قبل أن يرتفع مرة أخرى في حوالي 20 دقيقة، وأرجعت تحقيقات الحكومة السبب إلى تعطل النظام.
اللافت للنظر أن هذا الهبوط الحاد تسبب في محو قرابة تريليون دولار من القيمة السوقية لأسهم مؤشر "داو جونز" قبل تعافيها مجددا، ورغم اتهام متداول بريطاني بالضلوع في الأمر يبقى القلق قائما من إمكانية اختراق أنظمة أكبر بورصات العالم قائما دون أن يعلم أحد، حيث ظل الأمر لغزا 6 سنوات قبل اكتشافه.
كما يبقى هناك نقد آخر موجه للمعاملات فائقة السرعة، حيث تسمح للشركات الكبيرة بالربح على حساب الشركات الصغيرة وصغار المستثمرين، إضافة إلى الاستغناء عن عدد كبير من السماسرة والمتداولين بسببها.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}