في الرابع عشر من شهر سبتمبر/أيلول عام 2001 زار الرئيس الأمريكي "جورج بوش" الابن أنقاض برج التجارة العالمي وذلك بعد انهياره جراء اصطدام طائرة ركاب مخطوفة بالمبنى قبل ذلك الوقت بثلاثة أيام.
وبينما يصرح "بوش" بكلمة للصحفيين الموجودين، صاح أحدهم بأنه لا يستطيع سماعه جيداً، ليرد عليه الرئيس الأمريكي وهو يمسك بمكبر للصوت وسط أنقاض يتصاعد منها الدخان بمقولته الشهيرة في ذلك الوقت "الذين دمروا هذه المباني سيسمعون ردنا قريبا".
أمريكا تقود ما يسمى "الحرب على الإرهاب"
تمثل الرد الأمريكي على تلك الهجمات في حربين مكلفتين اقتصاديا، الأولى على حركة طالبان في أفغانستان (أكتوبر/تشرين الأول 2001)، والأخرى ضد صدام حسين في العراق (مارس/آذار 2003) بعد حصار اقتصادي وهو الأول من نوعه الذي فرضته الولايات المتحدة على هذا البلد على مدار 13عاما والذي بدأ في السادس من أغسطس/آب عام 1990 بعد الغزو العراقي للكويت.
وبررت هذا الاحتلال برغبتها في إسقاط النظام العراقي بذريعة امتلاكه وتصنيعه للأسلحة المحظورة دولياً ورفضه تنفيذ قرارات الأمم المتحدة، وقامت كذلك الولايات المتحدة بعمليات عسكرية في باكستان، بالإضافة إلى مخصصات مالية لبرامج أمنية واستخباراتية لحماية الأراضي الأمريكية من أي هجوم إرهابي جديد.
اليوم وبعد مرور 15 عاماً على إعلان الحرب الأمريكية على الإرهاب -كما أعلنت وخططت واشنطن لا أحد غيرها- والتي تبنتها إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق "جورج بوش" عقب أحداث سبتمبر/أيلول، والتدخل الأمريكي في أفغانستان والعراق والآن سوريا بالإضافة لعمليات الجيش الأمريكي في باكستان واليمن وليبيا والصومال، تشير العديد من الكتابات والتحليلات إلى الآثار الكارثية لحجم الإنفاق العسكري على الاقتصاد الأمريكي والتي يتحمل تبعاتها دافعو الضرائب الأمريكيون.
تكلفة مادية وبشرية باهظة
وفي محاولة لتقدير تكلفة الحروب الأمريكية وكذلك تكلفة حماية أراضي الولايات المتحدة، قدرت إحصاءات نشرت في وقت سابق من سبتمبر/أيلول الجاري ضمن تقرير لـ"معهد واتسون للشؤون الدولية والعامة" التابع لـ"جامعة براون" الأمريكية أن حجم الإنفاق العسكري الحكومي اعتبارا من أحداث سبتمبر/أيلول وحتى اليوم بلغ حوالي 4.79 تريليون دولار.
وهذا المبلغ لا يشمل فقط تكاليف المعدات والأفراد في تلك البلدان، بل يشمل كذلك المساعدات الخارجية وكذلك تكلفة حماية الأراضي الأمريكية والمطارات والبرامج الأمنية والاستخباراتية، والخدمات المقدمة لقدماء المحاربين والتي توسعت بشكل كبير عقب عودة الكثير من القوات إلى الأراضي الأمريكية.
وبينما يبدو مبلغ 4.79 تريليون دولار كبيراً وغير مفهوم إلى حد ما حاول التقرير تفصيله كالتالي:
مليار دولار |
الفئة |
1,742 |
الحروب الأمريكية في العراق وأفغانستان وباكستان وسوريا وعمليات عسكرية أخرى في مناطق أخرى من العالم في الفترة ما بين عام 2001 وأغسطس/آب 2016. |
946.0 |
تكاليف أخرى ذات صلة بالحروب مضافة إلى ميزانية وزارة الدفاع الأمريكية تقدر بـ(713 مليار دولار) بالإضافة إلى المبالغ المنفقة على المحاربين القدامى والبالغة (213 مليار دولار)2001-2016. |
548.0 |
تكلفة الأمن الداخلي وحماية الأراضي والمطارات الأمريكية من الهجمات الإرهابية 2001-2016. |
453.0 |
الفوائد المترتبة على الاقتراض من أجل الحروب 2001-2016. |
3,689 |
إجمالي المخصصات المالية للحروب والنفقات ذات الصلة حتى عام 2016 |
1,000 |
التكاليف المستقبلية المتوقعة لتلبية الاحتياجات الطبية لقدامى المحاربين حتى عام 2053. |
66.0 |
المبلغ المطلوب من قبل البنتاجون في العام المالي 2017 من أجل عمليات الطورائ في الخارج والتي تشمل العراق وأفغانستان وسوريا. |
37.0 |
المبلغ المطلوب من قبل البنتاجون في العام المالي 2017 لصالح الأمن الداخلي وحماية الأراضي الأمريكية. |
4,792 |
إجمالي حجم الإنفاق العسكري والالتزامات المستقبلية حتى 2053 |
التقرير أشار أيضاً إلى أن الخسائر المادية والتكلفة المالية الباهظة لم تكن هي الفاجعة الوحيدة، فهناك أكثر من مليون عراقي قتلوا منذ الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، بالإضافة إلى أكثر من 12 مليون لاجئ دفعتهم الحروب الأمريكية إلى النزوح من بلدانهم (أفغانستان والعراق وباكستان وسوريا).
على الجانب الأمريكي هناك ما يقرب من 7000 جندي أمريكي قتلوا في العراق وأفغانستان ومثلهم من جنود الشركات الأمنية المتعاقدة مع الجيش، بالإضافة إلى 52 ألف جندي يعانون إصابات تعرضوا لها أثناء القتال، فضلاً عن مئات الآلاف من الجنود الذين يعانون من (اضطراب ما بعد الصدمة)، ومشاكل أخرى تتعلق بالصحة العقلية والناتجة عن الشكل الإستعماري القذر للحروب الأمريكية.
ارتفاع العجز المالي وكذلك حجم الدين الأمريكي
حتى لو توقفت الولايات المتحدة تماما عن الإنفاق على الحروب في نهاية السنة المالية الحالية، فإن تكلفة فوائد الأموال المقترضة سابقاً من أجل الإنفاق على تلك الحروب ستستمر في النمو بوتيرة سريعة.
ومن المتوقع أن تضيف تكلفة الفوائد لعمليات الطوارئ بالخارج وحدها تريليون دولار إلى الدين الأمريكي بحلول عام 2023، وبحلول 2053 ستبلغ التكلفة الإجمالية للفائدة على الأقل 7.9 تريليون دولار ما لم تغير الولايات المتحدة طريقتها في الإنفاق على الحروب أو العدوان على البلاد.
مليارات الدولارات التي دفعتها واشنطن من أجل أمنها وحماية أراضيها نقلت أمريكا من فائض مالي بلغ 2% من الناتج الإجمالي المحلي الأمريكي مع انتخاب "بوش" الابن رئيسا للولايات المتحدة في عام 2000 إلى عجز مالي يبلغ 11.8% في عام 2016.
ويشير التقرير إلى دراسات سابقة قد نوهت إلى أن تلك الحروب كلفت الولايات المتحدة عشرات الآلاف من فرص العمل وانخفاض حجم الاستثمار في البنية التحتية للبلاد بشكل كبير، من خلال توجيه قدر هائل من الموارد إلى العدوان والدمار في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى.
وذلك في الوقت الذي تحتاج فيه الولايات المتحدة إلى إنفاق ما يقرب من 3.32 تريليون دولار على مدار العقد القادم من أجل إصلاح الموانئ والجسور والقطارات وكذلك شبكات الطرق السريعة المتداعية في البلاد، وذلك طبقا لتقديرات الجمعية الأمريكية للمهندسين المدنيين، ويمكنها بما تبقى من أموال سداد ديون المصروفات الدراسية للطلاب كاملة والتي تبلغ 1.26 تريليون دولار.
وبينما لم يحاول التقرر التطرق إلى الآثار الاقتصادية على الاقتصاد الكلي في أمريكا، فإن تقريرا سابقا صدر قبل عامين من جامعة "هارفارد" تناول آثار التكلفة الباهظة للحروب الأمريكية على المواطنين، حيث تتحمل كل أسرة أمريكية حوالي 75 ألف دولار من تكلفة أمن الولايات المتحدة.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}