ترصد "أرقام" تطور المدن الذكية مع التقدم الحاصل لاستخدام البيانات الضخمة، بجانب القدرة على توظيف التكنولوجا وتحليل البيانات بشكل واضح، فالتحكم في الحشود المتجمهرة داخل مكان واحد هو أحد الأوجه التي اسُتخدمت بها البيانات الضخمة وحققت نجاحًا كبيرًا.
ومع نمو حجم سكان العالم أصبحت المدن أكثر ازدحامًا، وزادت الأحداث التي تحتاج إلى تخطيط مسبق، مما يجعل المدن تحاول بشتى الطرق التخطيط للتعامل مع المتغيرات الناجمة عن النمو السكاني. من هنا ظهرت الحاجة إلى البيانات الضخمة، فمجموعة كبيرة من الأشخاص تنتج أطنانًا من البيانات، ويتم استخدامها لفهم متى وكيف ولماذا تشكلت الحشود، وللتنبؤ بتحركاتها وأفعالها.
ويؤدي نمو السكان وظهور البيانات الضخمة وإنترنت الأشياء إلى أن تصبح المدن أكثر اتصالاً وترابطًا، فهناك الملايين من أجهزة الاستشعار لرصد مختلف الأمور في المدن الكبرى في المستقبل القريب، وسوف تتنوع أجهزة الاستشعار بحيث يُمكنها رصد كل شيء من أضواء الشوارع وصناديق القمامة وأحوال الطريق واستهلاك الطاقة.
وتسمح المدن الذكية باستخدام الموارد الاقتصادية والبيئية بشكل أكثر كفاءة بهدف توفير استهلاك الطاقة، اعتمادًا على البيانات الضخمة.
فعلى سبيل المثال يتزايد عدد سكان السعودية باستمرار، ويأتي لزيارتها أكثر من 3 ملايين شخص سنويًا في موسم الحج، ومع وقوع حوادث تدافع، تسعى المملكة لمواجهة ذلك من خلال دمج العديد من الأفكار التي تقترحها البيانات الضخمة للسيطرة على هذه الحشود.
المدن الذكية بالأرقام
تشير بيانات الأمم المتحدة إلى أن نسبة سكان العالم الذين كانوا يعيشون في المناطق الحضرية بلغت 54% عام 2014، وسوف تتزايد لتبلغ 66% بحلول عام 2050.
ويستهلك البشر نحو 75% من الموارد الطبيعية الموجودة على كوكب الأرض، ويشاركون في أنشطة تتسبب في انبعاث 75% من مجموع الغازات المسببة للاحتباس الحراري.
ويلجأ العالم للتكنولوجيا في مساع للسيطرة على هذا النمو العددي المتزايد للسكان، وهو ما دفع التوقعات للتفاؤل بمستقبل المدن الذكية، حيث أشارت شركة البحوث "فروست آند سوليفان" إلى أن قيمة سوق المدن الذكية العالمية ستبلغ 1.5 تريليون دولار بحلول عام 2020.
ووفقًا لشركة "جارتنر" للأبحاث سوف تزيد أعداد (الأشياء) المتصلة المستخدمة في المدن الذكية من 1.1 مليار جهاز في الوقت الحالي إلى 9.7 مليار جهاز بحلول عام 2020.
وفي العام الماضي، خصصت المملكة المتحدة 40 مليون جنيه إسترليني للإنفاق على التطوير والابتكار المتعلق بإنترنت الأشياء (جيل من الإنترنت يتيح التفاهم بين الأجهزة المتصلة مع بعضها) في مجال الرعاية الصحية، والرعاية الاجتماعية والمدن الذكية.
ويبدو المبلغ متواضعًا بالنسبة لشركة "سيسكو" التي خصصت 100 مليون دولار الإنترنت الأشياء، ووفقًا لتوقعات "Machina" للبحوث فسوف تنفق الهند أيضًا من 10 إلى 12 مليار دولار على سوق إنترنت الأشياء العالمي بحلول عام 2020.
كما أنه من المتوقع أن تصل أعداد أجهزة الاستشعار إلى تريليون جهاز استشعار في جميع أنحاء العالم بحلول عام 2030، أي أكثر من 100 جهاز لكل فرد على وجه الأرض.
ووفقًا لـ" Business Insider Intelligence" فإن 75% من السيارات في جميع أنحاء العالم سوف تكون مجهزة للاتصال بالإنترنت والبرمجيات الخاصة به، ومن المتوقع أن تتجاوز عائدات البيانات المتصلة به 152 مليار دولار.
وفيما يلي رسم بياني يوضع عدد الأجهزة المتصلة بالإنترنت في المدن الذكية بين أعوام 2015 و2016 و2017.
مستقبل المدن الذكية حول العالم
تسعى العديد من الدول المتقدمة في العالم لتطبيق مفهوم المدن الذكية، وهي المدن التي تمتلك تكنولوجيا رقمية مدمجة عبر جميع وظائف المدينة.
بينما تحدد شركة "فروست آند سوليفان" 8 عناصر تُشكل المدن الذكية وهي الحكم، والبناء، والرعاية الصحية، والتنقل، والبنية التحتية، والتكنولوجيا، والطاقة، والمواطنين.
وقد أعلن وزير النقل الأمريكي " أنتونى فوكس" العام الماضي عن مسابقة لتصميم مدينة ذكية تستخدم البيانات الضخمة والتكنولوجيا والإبداع لإنشاء مدينة متكاملة، وسوف تحصل المدينة الفائزة على 50 مليون دولار لتمويلها وتطبيق أفكارها.
وجاءت فكرة المسابقة من تقرير تابع لوزارة النقل الأمريكية والذي أشار إلى أن وسائل النقل في الولايات المتحدة الأمريكية سوف تواجه تحديًا كبيرًا مع نمو عدد السكان بنحو 70 مليون نسمة بحلول عام 2045.
مستقبل المدن الذكية في الخليج
وفقًا للشركة الأمريكية"IDC" لبحوث وتحليل السوق، فإن دول مجلس التعاون الخليجي نشطة جدًا في الترويج لمفهوم المدن الذكية.
وفي حين لا تزال المدن الذكية في أوروبا الوسطى في مراحلها المبكرة، فإنها تكتسب زخمًا في منطقة الخليج مع تزايد عدد المبادرات التي تهدف لتحويل المدن في الخليج إلى مدن ذكية مثل أنظمة المرور الذكية التي تتبعها.
وتشترك دول الخليج في العديد من الخصائص التي تجعلها أكثر قربًا لبناء المدن الذكية، مثل وجود إستراتيجيات وخطط للحكومات داعمة مثل الرؤية الاقتصادية للمملكة 2030، والتطور الكبير في شبكات الاتصال المتنقلة، ورؤية قطر الوطنية 2030، ومشروعات البنية التحتية في الشبكات الحديثة.
وقد حددت شركة "IDC" أربعة عوامل رئيسية لنجاح مبادرات المدن الذكية وخاصة في مدن الخليج، ويتضمن ذلك العوامل الإستراتيجية والتمويل والتشغيل والتكنولوجيا، إذ ينبغي أن يتم التخطيط للمدن الذكية باعتبارها عملية تحول في اتجاه المستقبل بالاعتماد على توظيف تكنولوجيا المعلومات والاتصالات المتقدمة.
وتهدف الحكومات في منطقة الخليج لتبني خطة "المدن الذكية" كجزء من مشاريع الإسكان الجديدة التي يجري تنفيذها في المنطقة، ويتماشى ذلك مع سياسة الترشيد في المنطقة. وتشمل الأهداف العامة توفير الطاقة، واستخدام التكنولوجيا الحديثة للتغلب على المشاكل القائمة في الخدمات الصحية والنقل.
مستقبل المدن الذكية في السعودية
وفي إطار الاهتمام بتطبيق مفهوم المدن الذكية بالسعودية، وقعت شركتا "زين" و"نوكيا" على مذكرة تفاهم للتعاون في مبادرة كبرى من شأنها أن تحول جدة، إلى نموذج للمدن الذكية بحلول عام 2018.
ووفقًا لمذكرة التفاهم، سوف تقوم الشركتان بتطبيق تقنيات الشبكات المتطورة في إنترنت الأشياء والحوسبة السحابية، لربط وإدارة مجموعة واسعة من الأجهزة والمركبات والمنازل والتطبيقات، وسوف يؤدي استخدام هذه التكنولوجيا إلى تحسين الخدمات المحلية، وتعزيز مناخ الأعمال في جدة، وخلق حياة أفضل لنحو ثلاثة ملايين نسمة سكان المدينة.
وعلى مدار خطة تقدر مدتها بعامين، سوف تقوم الشركتان بتعزيز قدرة الشبكة وكفاءتها على نطاق واسع، والوصول في النهاية إلى شبكة الجيل الخامس، والتوسع في استخدام خلايا صغيرة، وخدمة الواي فاي لضمان الاتصال المستمر في جميع أنحاء المدينة.
ووفقًا لفعاليات قمة المدن الذكية والشبكات الرقمية في الرياض لعام 2016، فسوف تستثمر المملكة 70 مليار دولار في المدن الذكية.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}