تواجه بعض دول العالم ارتفاعًا متزايدًا في نسبة كبار السكان، حتى باتت هذه الظاهرة من أكثر التحولات الاجتماعية أهمية في القرن الحادي والعشرين، لما لها من تأثيرات على كل قطاعات المجتمع، بما في ذلك العمل والأسواق المالية، والطلب على السلع والخدمات، مثل السكن والنقل والحماية الاجتماعية، إضافة إلى بنية الأسرة والعلاقات بين الأجيال.
تأثير الظاهرة على الاقتصاد العالمي
يترتب على ظاهرة شيخوخة السكان العديد من الآثار السلبية على الاقتصاد العالمي والتي تشمل:
- انخفاض عدد السكان في سن العمل، مما يؤدي إلى نقص أعداد الموظفين المؤهلين، وينتج عن ذلك عواقب وخيمة تشمل انخفاض الإنتاجية، وارتفاع تكاليف العمالة، وتأخر توسع الأعمال التجارية، وانخفاض القدرة التنافسية الدولية.
- ارتفاع تكاليف الرعاية الصحية، فسوف تحتاج الدول التي تشهد هذه الظاهرة لتخصيص المزيد من الأموال والموارد على نظم الرعاية الصحية، وفي حين يمثل الإنفاق على قطاع الرعاية الصحية جزءاً من الناتج المحلي الإجمالي في معظم الاقتصادات المتقدمة، فمن الصعب زيادة الإنفاق على هذا القطاع مع ضمان عدم تأثر وتدهور باقي القطاعات، إضافة إلى معاناة قطاع الرعاية الصحية من نقص العمالة والمهارات، ومع زيادة الأمراض المزمنة صار من الصعب تلبية الأعداد المتزايدة من السكان.
- زيادة معدل الإعالة، حيث سوف تعتمد الدول ذات الكثافة السكانية المتقدمة في العمر على أعداد صغيرة من العاملين لتحصيل الضرائب منهم وإنفاقها على الرعاية الصحية ذات التكلفة المرتفعة والمعاشات التقاعدية، ويشكل ذلك مصدر قلق كبير بالنسبة للدول الصناعية المتقدمة.
- حدوث تغيرات في الاقتصاد، فالاقتصادات التي لديها نسبة كبيرة من كبار السن تختلف في اتجاهاتها عن تلك التي لديها نسبة أعلى في المواليد وفي السكان في سن العمل، فالأولى تؤدي إلى زيادة الطلب على الرعاية الصحية ودور المسنين، وسوف تواجه الاقتصادات تحديات الانتقال إلى أسواق تسيطر عليها السلع والخدمات المرتبطة بكبار السن.
- تقلص نسبة الأموال المتاحة للاستثمار بسبب ارتفاع نسبة الأموال المقدمة للمعاشات.
- تحول جانب كبير من السكان من منتجين إلى مستهلكين، مما يؤثر بشكل كبير على قدرات المجتمع الادخارية.
أكثر البلدان التي تعاني من هذه الظاهرة
تأتي اليابان في مقدمة الدول التي تعاني من ظاهرة شيخوخة السكان، إذ تبلغ نسبة من يتراوح عمرهم بين 65 عامًا وأكبر 26.3% من السكان، في حين كانت نسبتهم 25.8% عام 2014، ومن المتوقع أن يصبح ثلث الشعب الياباني 32.2% من كبار السن بحلول عام 2030.
وفي المركز الثاني تأتي إيطاليا، حيث يبلغ عدد السكان الذين تتراوح أعمارهم بين 65 وأكثر نسبة 22.4%، ولدى إيطاليا أكبر نسبة إنفاق على المعاشات في الاتحاد الأوروبي، وتمثل المعاشات التقاعدية نسبة 16% من الناتج المحلي الإجمالي في إيطاليا، مقارنة مع 11% في بقية دول الاتحاد.
بينما تأتي اليونان في المركز الثالث بنسبة 21.4% من السكان الذين يزيد عمرهم على 65 عامًا، ولدى اليونان أضعف نظام تقاعد في العالم، بسبب انخفاض سن التقاعد، الديون السيادية المرتفعة، وارتفاع نسبة العمال المتقاعدين، وتشكل المعاشات التقاعدية عبئًا على الاقتصاد اليوناني، إذ إن بها نحو 11 مليون متقاعد، وفيما يلي رسم بياني لأكثر البلدان ذات الكثافة السكانية المتقدمة في العمر.
أرقام وإحصاءات
ووفقًا للبيانات الصادرة عن التوقعات السكانية في العالم لعام 2015 تزايد عدد كبار السن الذين يبلغ عمرهم 60 عامًا أو أكثر زيادة كبيرة خلال السنوات الأخيرة في معظم البلاد.
ومن المتوقع أن يتزايد العدد على نحو سريع بنسبة 56% بين عامي 2015 و2030 ليرتفع من 901 مليون إلى 1.4 مليار شخص، كما من المتوقع أن يزيد العدد لأكثر من ضعف عام 2015 ويصل إلى نحو 2.1 مليار شخص بحلول عام 2050.
وعلى الصعيد العالمي، فإن عدد الأشخاص الذين يبلغ عمرهم 80 عامًا أو أكثر (أكبر الأشخاص) ينمو بشكل أسرع من عدد كبار السن بشكل عام، وتشير التوقعات إلى أن عدد أكبر الأشخاص سوف يصل إلى 434 مليون شخص مما يعني أكثر من ثلاثة أضعاف الرقم منذ عام 2015، والذي كان يبلغ 125 مليون شخص أكبر من 80 عامًا.
وبحلول عام 2030، سوف يفوق عدد كبار السن عدد الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 0-9 سنوات (1.4 مليار مقابل 1.3 مليار). وبحلول عام 2050 سوف يزيد عدد الأشخاص الذين يبلغ عمرهم 60 عامًا أو أكثر عن أعداد المراهقين والشباب الذين يتراوح عمرهم بين 10-24 عامًا (2.1 مليار مقابل 2.0 مليار).
هل هناك من حلول لمواجهة الظاهرة؟
تم اقتراح العديد من الحلول لمواجهة ظاهرة الشيخوخة، فقد دعا خبراء في الاتحاد الأوروبي إلى إدخال مزيد من النساء والمسنين إلى سوق العمل، وتشجيع تحركهم داخل حدود أوروبا والاستفادة من المهاجرين بأكثر درجة ممكنة.
وتعمل بعض الدول الأوروبية على تشجيع زيادة الإنجاب، وفي تجربة فرنسا والسويد ما يمكن الاستشهاد به، إذ قدمت الدولتان حوافز مثل توفير الرعاية الصحية للأطفال ومنح الأمهات فترة أطول لرعاية الأطفال، بالإضافة إلى الحوافز المالية للأسر التي لديها أكثر من طفل.
كما شجعت دول تعاني من الشيخوخة المتقاعدين إلى الانتقال إلى دول البحر المتوسط أو أمريكا اللاتينية أو أفريقيا لحل الأزمة، مما يؤدي إلى تقليل الضغوط على الدول الصناعية الكبرى، وفي نفس الوقت إتاحة الفرصة للدول النامية من الاستفادة من توفير الخدمات الصحية وغيرها لهؤلاء المتقاعدين.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}