تعلمت آسيا كثيرا من أزمتها المالية عام 1997، وما تعلمته لا يزال صالحا اليوم للبلدان الأخرى وليس فقط الاقتصادات الناشئة، والواقع أنه لو كانت الدول المتقدمة أكثر انفتاحا على هذه الدروس كان من الممكن أن يتخطى الاقتصاد العالمي الأزمة المالية في عام 2008 والتي ما زالت آثارها موجودة لليوم.
ويناقش تقرير الخبير الاقتصادي "محمد العريان" لـ "بلومبرج" خمسة من أهم الدروس الاقتصادية والمالية المستفادة من الأزمة المالية الآسيوية.
التأمين الذاتي
- في ظل الأزمة، أدت الاحتياطيات النقدية المنخفضة والديون المرتفعة وعدم مواكبة العملة للنضج الاقتصادي إلى جعل الدول الآسيوية ضعيفة بشكل خاص وليس ذلك فحسب بل أيضا هروب رؤوس الأموال المحلية والتدفقات الخارجية المفاجئة للأموال الأجنبية.
- لم يكن أمام البلدان الآسيوية أي خيار بعد ذلك إلا أن تبني وتعتمد على مبالغ كبيرة من الاحتياطي الأجنبي وشرعوا أيضا في إدارة أكثر حكمة للديون مما أدى إلى تخفيضها وإطالة آجال الاستحقاق.
- على الرغم من مرور الوقت، لم يكن من السهل أن تتوقف بعض الاقتصادات الآسيوية عن هذا النهج الدفاعي وتبعا لذلك ظلت احتياطياتها النقدية أعلى بكثير مما تقتضيه المقاييس التحوطية التقليدية.
- نتج عن هذا النهج ما يسمى بـ"الحمل السلبي" أي انخفاض المنفعة من الاحتياطيات الأجنبية دون تكلفة الالتزامات المرتبطة بها، ولمعالجة ذلك اتخذت عدد قليل من الاقتصادات الآسيوية خطوة لتجزئة حيازتها إلى فئتين هما "الاحتياطيات" و"إدارة الثروات"، وهذا يساعد الدول الآسيوية على تقليل تكلفة الحفاظ على مستوى عال من المرونة المالية.
تعويم العملة
- اكتشفت إندونيسيا وماليزيا وتايلاند خلال الأزمة أن سعر الصرف الثابت يجعل الاقتصاد أكثر عرضة للآثار المدمرة لتدفقات رأس المال الخارجة، ومع ذلك فإن تعويم العملة ليس علاجا شافيا حيث يتعين إدارته جيدا وإلا سيصبح مشكلة في حد ذاته.
- مع ارتفاع الاحتياطيات النقدية وتحسين إدارة الديون أصبحت الاقتصادات الآسيوية أقل تعرضا للأضرار الجانبية الناجمة عن تقلب أسعار الصرف مثل ارتفاع التكلفة المحلية لخدمة الديون المقومة بالديون الأجنبية.
- على هذا النحو أصبح الانتقال إلى نظام مرن لسعر الصرف أكثر فعالية بكثير في المساعدة على التنقل بين الدورات الاقتصادية المحلية والأجنبية على السواء، وبذلك أصبحت المنطقة أقل عرضة للتوقف المفاجئ في التجارة المرتبط بالتغيرات السلبية في أسواق رأس المال الدولية مثل الأزمة المالية في 2008.
تحرير رأس المال
- من الأهمية بمكان اتخاذ نهج معتدل لتحرير حساب رأس المال ضمن ميزان المدفوعات وهو ما كانت تنادي به مسودة "إجماع واشنطن" في ذلك الوقت.
- سعت الدول الآسيوية إلى تحرير رأس المال بشكل معتدل ومستمر كجزء من إعادة تشكيل نهجها لإدارة "انتقال الدخل المتوسط " وهو من أصعب مراحل عملية التنمية الاقتصادية.
- أدركت الدول الآسيوية جيدا أن تدفقات رؤوس الأموال الأجنبية ولا سيما التدفقات القصيرة الأجل في مقابل الاستثمار الأجنبي المباشر طويل الأجل ذات أضرار مثلما لها منفعة.
- على الرغم من أن تدفقات رؤوس الأموال الأجنبية تساعد على تخفيف القيود المالية على ميزان المدفوعات وعلى الميزانية لكنها يمكن أن تتحول فجأة وتقوض النظام المالي من خلال تعريضه لنقص الاستثمارات، لذلك سعت الدول الآسيوية لوضع خطط طوارئ للتدفقات المفاجئة.
المؤسسات الإقليمية
- أصبح التحول نحو بناء مؤسسات إقليمية قوية عنصرا ضمن أهداف الدول الآسيوية خلال الأزمة لكنها واجهت في البداية معارضة خارجية هائلة واستغرق الأمر وقتا طويلا للتغلب عليها.
- في خضم الأزمة، رأت عدة حكومات آسيوية أن التمويل المشروط المتاح لها من المؤسسات التي تسيطر عليها الدول الغربية لا يراعي الظروف المحلية بشكل كاف.
- أُحبطت محاولاتهم لبناء مؤسسات إقليمية في ذلك الوقت مثل صندوق النقد الآسيوي الجديد من قبل الدول الغربية، وعلى الرغم من أن الحكومات الآسيوية عملت على تأمين قنوات اتصال جيدة بين البنوك المركزية فقد ظل الهيكل المؤسسي يهيمن عليه الدول الغربية وتوجهه بشكل كبير.
- مع مرور السنوات أصبحت الدول الغربية أقل قدرة واستعدادا لمنع المبادرات الإقليمية الآسيوية التي تقودها الصين مثل إنشاء البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية ومبادرة "حزام واحد طريق واحد".
- يمكن لهذه المبادرات الإقليمية أن تساعد الدول الآسيوية على تعزيز مكانتها في الاقتصاد العالمي، ولكنها تتطلب تنفيذ دقيق وتقليل التدخل السياسي فيها إلى أدنى حد وتعظيم استقلاليتها التشغيلية وكفاءتها التقنية.
التعلم من تجارب الآخرين
- كان من السهل على الدول الآسيوية أن تعتقد أنها كانت استثنائية وأنها محصنة ضد القوانين المالية والاقتصادية وأن لا شيء يمكن أن يعرقل التنمية الاقتصادية المثيرة للإعجاب التي تشهدها.
- تبعا لذلك، تجاهلت الدول الآسيوية المشاكل عند ظهورها أو عالجتها من خلال تدابير تنطوي على مخاطرها الخاصة، وتؤدي نفس طريقة التفكير هذه إلى رفض العديد من البلدان المتقدمة الآن ما يمكن أن تتعلمه من الآخرين .
- بطريقة ما جعلت الأزمة المالية الآسيوية التي كانت مؤلمة ومدمرة على المدى القصير، الدول الآسيوية أكثر قوة وتواضعا ومرونة، ويجب على الدول الغربية التعلم من ذلك حيث إنها لا تزال تتعامل مع أسباب وعواقب الأزمة المالية العالمية الأخيرة.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}